نقد كتاب آداب الغذاء في الإسلام
نقد كتاب آداب الغذاء في الإسلام
مؤلف الكتاب سعد بن عبد الله الحميد وهو يدور حول آداب الغذاء المؤدية لحفظ الصحة فقال :
"سنتناول في هذه العجالة مسألة من هذه المسائل وهي فيما يتعلق بغذاء الإنسان الذي نجد الاهتمامات البشرية اليوم منصبة عليه ويرون أنه عنصر فعال فيما يصيب الإنسان من أمراض نتيجة نقصه أو الإفراط فيه فنقص الغذاء وزيادته طرفا نقيض وكلاهما مذموم وهذا ما نجد علاجه في آية واحدة من القرآن الكريم وهي قوله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}
فحفظ الصحة كله في هاتين الكلمتين الإلهيتين ولا ريب أن البدن دائما في التحلل والاستخلاف وكلما كثر التحلل ضعفت الحرارة لفناء مادتها فإن كثرة التحلل تفني الرطوبة وهي مادة الحرارة وإذا ضعفت الحرارة ضعف الهضم ولا يزال كذلك حتى تفنى الرطوبة وتنطفئ الحرارة جملة فيستكمل العبد الأجل الذي كتب الله له أن يصل إليه فغاية علاج الإنسان لنفسه ولغيره حراسة البدن إلى أن يصل إلى هذه الحالة لا أنه يستلزم بقاء الحرارة والرطوبة اللتين بقاء الشباب والصحة والقوة بهما فإن هذا مما لم يحصل لبشر في هذا الدار وإنما غاية الطبيب أن يحمي الرطوبة عن مفسداتها من العفونة وغيرها ويحمي الحرارة عن مضاعفاتها ويعدل بينهما بالعدل في التدبير الذي به قام بدن الإنسان .."
وهذا الكلام عن نظرية الأخلاط الأربعة هو كلام أصبح من اساطير الطب ولا يفيد القراء حاليا لعدم معرفتهم بتلك النظرية التى قام عليها الطب اليونانى ومن قلدوه
وتحدث الحميد عن كون الصحة نعمة فقال:
"الصحة نعمة
روى البخاري في صحيحه من حديث ابن كعباس قال: قال رسول الله (ص)«نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»
وفي الترمذي أيضا من حديث أبي هريرة عن النبي (ص)أنه قال: «إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة - يعني العبد - من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد»
ومن ههنا قال من قال من السلف في قوله تعالى: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} - قال: عن الصحة
وفي مسند الإمام أحمد أن النبي (ص)قال للعباس: «يا عباس يا عم رسول الله سل الله العافية في الدنيا والآخرة»
وفي المسند أيضا من حديث أبي بكر الصديق قال: سمعت رسول الله (ص)يقول: «سلو الله اليقين والمعافاة فما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من العافية» "
والأحاديث السابقة أولها لا يصح فالنعمتان عند كل الناس فلا يوجد أحد بلا صحة قليلة أو عظيمة كما أن الكل لديه الفراغ ولكن المختلف هو ماذا يشغل كل واحد منا به فراغه وثانيها أن النعيم هو الصحة وهو ما يناقض كونه الجنة لأن السورة تحدثت قبله عن الجحيم فقالت:
"كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم"
ثم بدأ الحديث عن آداب الغذاء فقال :
"آداب الغذاء في الإسلام
فإذا كان هذا شأن الصحة والعافية وهما مرغوب فيهما عند الناس كلهم مؤمنين وغيرهم فلا غرابة أن نرى جميع الأمم ترعى جانب الغذاء بحكم أنه من أهم أسباب الصحة والعافية الدنيوية وهذا ما نجد الإسلام قد عني به فمن قواعده العامة:
تحريم كل خبيث وضار وإباحة كل طيب وتقدم قوله تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} ويقول: {كلوا مما في الأرض حلالا طيبا} ويقول: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} ويقول: {وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا} ويقول: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات}
كما أنه سبحانه حرم كل خبيث وضار بقوله: {ويحرم عليهم الخبائث} ولذلك حرم الخمر بقوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} ؛ وذلك لما يترتب عليها من الأضرار المدونة في البحوث التي تكلمت عنها وما أكثرها!!ويلحق بها المخدرات والدخان ويشملها وصف الخبث والضرر فتندرج تحت قوله سبحانه: {ويحرم عليهم الخبائث}
وهكذا نجد الإسلام نظم حياة المسلمين عامة بما في ذلك الغذاء حيث جعل له آدابا عديدة منها:
1 - الغذاء عبادة:
بما أن الأكل والشرب محبوب للنفس ومرغوب فيه فإن المسلم يستطيع أن يجعله عبادة يثاب عليها كما يثاب على الصلاة وغيرها من العبادات وذلك بأمرين:
(أ) إذا صحت نيته فأكل أو شرب وهو ينوي بأكله وشربه التقوي على طاعة الله كالجهاد والصلاة وغيرها من العبادات؛ لعموم قوله (ص)«إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»
(ب) أن يتحرى فيه السنة فيحرص على الآداب التي صحت بها النصوص الشرعية والتي نتحدث عنها في بحثنا هذا وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك أن رسول الله (ص)قال: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها» "
الخطأ في الحديث كون الغذاء عبادة والعبادة هى طاعة حكم إما أمر أو نهى ومن ثم فليس الغذاء عبادة وإنما ما يصنعه الفرد به أو فيه هو ما يجعله يثاب أو يعاقب بسببه عند الله ثم قال:
"2 - غسل اليد:
من الآداب التي مصلحتها ظاهرة غسل اليدين قبل الطعام وبعده ولو لم يكن في ذلك أدلة صريحة لكانت قواعد الإسلام العامة تشمل هذا الأدب وبخاصة إذا كانت اليد متلوثة من جراء عمل أو غيره؛ لما يترتب على ذلك من الأضرار المعلومة طبيا وقد صح عن عائشة : أن رسول الله (ص)كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه
وهذا الحديث يغني عن الحديث الضعيف: «بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده» وهذا في غسل اليدين قبل الطعام وأما غسل اليدين بعد الطعام فسيأتي الحديث عنه"
والحديث باطل لأن الوضوء للصلاة وليس للنوم كما قال تعالى :
"يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين"
كما أن الحديث لا يدل على الغسل دوما قبل ألأكل وإنما عند الأكل والفرد جنب
ثم قال :
"3 - الاعتدال في الجلوس:
لقد نظم الإسلام طريقة الجلوس للأكل فكان (ص)يرشد أصحابه إلى الاقتداء به في هيئة جلوسه للأكل فيقول: «إني لا آكل متكئا» وفي لفظ: «لا آكل وأنا متكئ»
قال ابن القيم : (وقد فسر الاتكاء بالتربع وفسر بالاتكاء على الشيء وهو الاعتماد عليه وفسر بالاتكاء على الجنب والأنواع الثلاثة من الاتكاء فنوع منها يضر بالآكل وهو: الاتكاء على الجنب فإنه يمنع مجرى الطعام الطبيعي عن هيئته ويعوقه عن سرعة نفوذه إلى المعدة ويضغط على المعدة فلا يستحكم فتحها للغذاء وأيضا فإنها تميل ولا تبقى منتصبة فلا يصل الغذاء إليها بسهولة وأما النوعان الآخران فمن جلوس الجبابرة المنافي للعبودية)
وأما الجلسة التي ينبغي للآكل اعتمادها فلم يرد دليل يحددها فبإمكان الآكل اختيار أي جلسة أحب إذا اجتنب الاتكاء وقد كان النبي (ص)يأكل أحيانا وهو مقع وأحيانا وهو جاث على ركبتيه فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال: رأيت النبي (ص)مقعيا يأكل تمرا
وأخرج أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن بسر قال: أهديت للنبي (ص)شاة فجثا رسول الله (ص)على ركبتيه يأكل فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقال رسول الله (ص)«إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا»
ويقول ابن القيم: (ويذكر عنه (ص)أنه كان يجلس للأكل متوركا على ركبتيه ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر قدمه اليمنى تواضعا لربه عز وجل وأدبا بين يديه واحتراما للطعام وللمؤاكل فهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل وأفضلها؛ لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي الذي خلقها الله سبحانه عليه مع ما فيها من الهيئة الأدبية وأجود ما اغتذى الإنسان إذا كانت أعضاؤه على وضعها الطبيعي ولا يكون كذلك إلا إذا كان الإنسان منتصبا الانتصاب الطبيعي وأردأ الجلسات للأكل الاتكاء على الجنب؛ لما تقدم من أن المريء وأعضاء الازدراء تضيق عند هذه الهيئة والمعدة لا تبقى على وضعها الطبيعي؛ لأنها تنعصر مما يلي البطن بالأرض وما يلي الظهر بالحجاب الفاصل بني آلات الغذاء وآلات التنفس وإن كان المراد بالاتكاء: الاعتماد على الوسائد والوطاء الذي تحت الجالس فيكون المعنى: إني إذا أكلت لم أقعد متكئا على الأوطية والوسائد كفعل الجبابرة ومن يريد الإكثار من الطعام لكني آكل بلغة كما يأكل العبد) "
|