نظرات فى كتاب الطمأنينة بين الوهم والحقيقة
نظرات فى كتاب الطمأنينة بين الوهم والحقيقة
المؤلف رياض بن سليمان السلطان وهو يدور حول الطمأنينة وأثرها فى نقس المسلم ويصف الرجل ذلك فى مقدمته فيقول :
"أما بعد:
فإن الناظر إلى سير أعلامنا الأوائل، وعلمائنا المتقدمين، فضلا عن القرون المفضلة من الصحابة والتابعين، يجد أن لأقوالهم وأفعالهم تأثيرا في النفوس، وأنها تعمل عملها في القلوب، إنهم بشر ممن خلق،ولكنها العلاقة مع الله، والأنس بجواره، وكثرة دعائهم وصلاتهم وطرقهم لبابه، ولكنها أرواح تعلقت بخالقها، وعرفت حق بارئها جل وعلا، تمكنت حلاوة الإيمان إلى سويداء قلوبهم، وتجلل مهجهم برد اليقين، فتجد أن سيرهم بيضاء مشرقة، جهاد ودعوة وبطولات ومواقف مشرفة، في سبيل نصرة هذا الدين، يؤصر أحدهم بالأغلال، ويكبل بالحديد، ويوثق بالقيود، ويودع في الظلمات في غياهب السجون، يستبدل أحدهم بظهر الأرض بطنا، ويستبدل الغنى وزهرة الحياة الدنيا بالبساطة والكفاف، زهدا منه وورعا، يجلد أحدهم كما يجلد البعير، ويعذب عذابا لا تتحمله عشرات الرجال، فيعفو ويصفح، ويكظم الغيظ، ويكبح جماح النفس، يتأسى بأفضل الخليفة وإمام هذه الأمة صلوات الله وسلامه عليه، كل ذلك بسبب الطمأنينة والوقار اللذين حلا في قلوبهم."
وضرب الرجل مثل بطمأنينة ابن تيمية رغم محنة السجن فقال :
" أخي المسلم:
ها هو ابن تيمية عليه تدور من حوله الأزمات، وتحل به النكبات، ويضايق من قبل الخاصة والعامة، يودع السجن، ويحبس وراء الحديد والقضبان، ثم يقول قولته العصماء، تحرك بها الجنان قبل اللسان، ولحظتها النواظر قبل أن يتكلم بها فاه، خلدت عبر الزمان، وتواتر نقلها عبر القرون والأيام، عدة كل مصلح وداعية، ومبدأ كل جرئ في الحق لا
يخاف في الله لومة لائم:
«ماذا يفعل أعدائي بي؟ قتلي شهادة، وسجني خلوة، وطردي سياحة، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة»
وعندما سجن عليه رحمة الله وأودع الظلمات، قال:
«فضرب بينهم بسور له باب، باطنه فيه الرحمة، وظاهرة من قبله العذاب»
يظن الناس أنه في شقاء ونكد، وضيق وتعاسة، لأنه في قبضة الأعداء وتحت سطوة جبابرة الأعداء، ولكن ما علموا أن الروح التي بين جنبيه لا يملكها إلا خالقها، ولذة الاتصال بالله وترطيب اللسان بذكره بينه وبين الله، لا يستطيع أحد كائنا من كان أن يكون دخلا بينهما، الدموع بالعين تشرق، والقلب بحلاوة اليقين يغرق، أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون.
إذا تصدع شمل الود بينهم
فللمحبين شمل غير منصدع
وإن تقطع حبل الوصل يومئذ
فللمحبين حبل غير منقطع"
وبحدثنا الرجل عن بقية ما حدث لابن تيمية نقلا عن ابن القيم فقال :
"ويروي عنه تلميذه ابن القيم بقوله: كان إذا حلت به مصيبة أو نكبة، قرأ قول الله جل وعلا: ... {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما}"
وضرب مثلا أخر بالحسن البصرى فى طمأنينته فقال :
"أما الحسن البصري: عندما أخرج من جرابه كسرة خبز يابسة، وكان في سفر قريبا من البحر، وغمسها بماء البحر المالح ثم أكلها وتجرعها، وقال قولته المعروفة التي طالما ارتوت بها قلوب العباد، واستطعمتها أفواه الزهاد والنساك، تشحذ الهمم نحو الطاعة، ونيل ولاية الله جل وعلا، وبلوغ تلك المرتبة العالية من اليقين والإيمان، قال: «إنما في سعادة، لو علم عنها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف»."
وتحدث عن الطمأنينة ناقلا كلام غيره فقال :
"لقد خلوا ما بينهم وبين الرحمن فألبسهم الله نورا من نوره، استشعروا بذل وانكسار، وخضوع واستسلام قول الله جل وعلا: ... {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}
قال صاحب الظلال : (تطمئن بإحساسها بالصلة بالله، والأنس بجواره والأمن في جانبه وحماه، تطمئن من قلق الوحدة، وحيرة الطريق، بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير، وتطمئن بالشعور بالحماية من كل اعتداء، ومن كل ضر ومن كل شر إلا بما يشاء الله، مع الرضا بالابتلاء والصبر على البلاء."
ويخاطب الرجل كل مسلم متحدثا عن الإحساس بالطمأنينة وهو إحساس لا ينقل بالكلام فقال :
" أخي :
(الطمأنينة بذكر الله في قلوب المؤمنين حقيقة عميقة، يعرفها الذين خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، فاتصلت بالله؛ يعرفونها ولا يملكون بالكلمات أن ينقلوها إلى الآخرين، لأنها لا تنقل بالكلمات وجميل العبارات، إنما تسري في القلب فيستروحها، ويهش لها ويندى بها ويستريح لها، يحس أنه في هذا الوجود ليس منفردا وحيدا بلا أنيس، فكل ما حوله صديق، النور والظلمة، الأرض والجبال، السماء التي تظل، والأرض التي تقل، لأن كل ما حوله من صنع الله الذي هو في حماه، ليس أشقى على وجه هذه الأرض وفي خضم هذه الحياة، ممن يعيش لا يدري لم جاء وإلى أين يذهب، ولم يعاني ما يعاني في هذه الدنيا؟ ليس أشقى ممن يسير في الأرض يوجس من كل شيء خيفة، غاب عنه أن كل مخلوق وموجود على هذه البسيطة هو من صنع الله، وأن الله له في كل شيء آية، يشق طريقه فريدا وحيدا، شاردا في فلاة، عليه أن يكافح وحده بلا ناصر ولا هاد ولا معين).
يا منتهى وحشتي وأنسي
كن لي إن لم أكن لنفسي
أوهمني في غد نجاتي
حلمك عن سيئات أمسي"
وتحدث عمن هم المطمئنون فقال :
" أيها الأخ المبارك: المطمئنون بذكر الله: هم التائبون المنيبون المستغفرون، الذين استجابوا لأمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
المطمئنون بذكر الله: هم الذين أوتروا قبل نومهم، وقاموا من ليلهم ما شاء الله، واستغفروا بالأسحار.
المطمئنون بذكر الله: هم الذين أرضوا خالقهم بتقواه، وعبادة بحسن الأخلاق، وكريم الخصال، وجميل الفعال.
المطمئنون بذكر الله: هم الذين تواضعوا لله فرفعهم، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وأطابوا الكلام، وصلوا بالليل والناس نيام، وفي الآخرة وجدوا ما وعدهم الله ورسوله حقا، أن دخلوا الجنة بسلام، {ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود * لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد} "
وتحدث عن طمأنينة أخرى مختلفة وهى طمأنينة الكفار حيث يأمنون مكر الله فقال :
|