قراءة فى كتاب قانون تفسير القرآن للنجم الطوفي
قراءة فى كتاب قانون تفسير القرآن للنجم الطوفي
المؤلف محمد علي محمد عطا والكتاب يدور حول اختراع الطوفى قانون لتفسير القرآن وفى مقدمته تحدث المؤلف عن أن الطوفى تحدث عن حل إشكال وضع منهج للتفسير فقال :
"المقدمة
في كتابه "الإكسير في قواعد التفسير" شغلت النجم الطوفي (ت 716 هـ) قضية منهجه فى تفسير القرآن الكريم حيث أفصح في مقدمته عن إشكال يتلجلج في صدره من جهة التفسير وهذا الإشكال الذي أبهمه في هذه المقدمة فصله في القسم الأول من "الإكسير" الذي عنونه: "في معاني القرآن" وقد سلك في سبيل توضيحه طريقة متدرجة"
وتحدث المؤلف عن أسباب اقدام الطوفى على وضع القانون فقال :
"مقدمات قانونه:
أولا: الدافع لوضع هذا القانون:
وضح النجم الطوفي أسباب وضعه لهذا القانون في مقدمة كتابه "الإكسير" فقال :"لم يزل يتلجلج في صدري إشكال علم التفسير ولم أر أحدا منهم كشفه فيما ألفه ولا نحاه فيما نحاه فتقاضتني النفس الطالبة للتحقيق الناكبة عن جمر الطريق لوضع قانون يعول عليه ويصار في هذا الفن إليه".
وهذا الإشكال الذي أبهمه في هذه المقدمة فصله في القسم الأول من "الإكسير" الذي عنونه: "في معاني القرآن" كما ذكرت سابقا وهو كما يفهم من كلامه اختلاط الآراء في التفسير واشتباك الأصلي بالدخيل مما يجعل الحاجة ماسة لقانون/منهج ينظم أمرين: الأول تفسير القرآن والثاني: الترجيح بين آراء المفسرين وقد قدم لقانونه بتمهيد طويل."
وتحدث عطا عن أن هناك بعض من آيات القرآن تحتاج للتفسير نتيجة وجود غموض فى معانى بعض الألفاظ فقال :
"ثانيا: التمهيد للقانون:
أ- بدأ ببيان احتياج بعض قراء القرآن إلى التفسير والتأويل: وبين فيه أن القرآن من حيث الوضوح والغموض في لفظه ومعناه ينقسم إلى:
1. واضح اللفظ والمعنى فهو لا يحتاج لتفسير "فهو بين بنفسه؛ لاتضاح معناه واشتهاره وضعا أو عرفا ونصوصيته في معناه نحو: {فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه} [الحجر:22]. فإن لفظ الإنزال والسماء والماء والإسقاء معروفة مشهورة ونصوصيتها في مدلولاتها غير منكورة" .
2. غير واضح اللفظ والمعنى جميعا ويحتاج لتفسير إما بسبب الاشتراك؛ نحو {ثلاثة قروء} [البقرة:228] للطهر والحيض وعسعس الليل لأقبل وأدبر و {لا يمسه إلا المطهرون} [الواقعة:789] لاحتماله النهي والخبر.
أو لظهور تشبيه كآيات الصفات نحو: {يداه مبسوطتان} [المائدة:64] {وجه ربك} [الرحمن:27] {ولتصنع على عيني} [طه:39] {ولا أعلم ما في نفسك} [المائدة:116].
أو لغرابة في اللفظ نحو: {ضاق بهم ذرعا} [هود:77] {ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم} [الذاريات:59] و {فرت من قسورة} [المدثر:51] وهو المحتاج إلى التفسير""
وتحدث عن غموض بعض القرآن وهو أمر ليس مسلما فى غموض فى القرآن لأنه واضخ مبين ولكن هناك عجز فى النفوس عن الفهم الصحيح لما يسمونه الغموض فقال:
"ثالثا: إشكال ورده: وفي أثناء بيانه السابق أجاب عن إشكال مؤداه: ما فائدة اشتمال القرآن على ألفاظ غريبة تحتاج إلى تفسير وهو نزل لتكليف الخلق بالعمل بمضمونه وقد كان واضحا وقت نزوله؟ وكان جوابه هو:
1. لغة العرب تحتوي على الواضح والغامض وكلاهما بليغ في موضعه والقرآن جاء على لغة العرب فلو جاء بأحدهما فقط لكان مقصرا عن رتبة اللغة فلا يصلح للإعجاز.
2. الواضح من القرآن جاء للتعبد على الفور من غير احتياج إلى نظر وغير الواضح جاء ليتعبد العلماء باستخراج معناه وليتعبد المقلدون لهم أيضا بتقليدهم فيه فيعظم أجرهما وأنزل الله المتشابه ليتعبد الجميع بالإيمان به فالعمل بالمفهوم منه والإيمان بغير المفهوم منه تعبدان صحيحان يميزان بين الطاعة والعصيان.
3. لعل غير الواضح شرك من أشراك الضلال يوقع فيه المعترض وقد ذكر الله أنواعا من هذه الأشراك فقال تعالى: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا} [الأنعام:53] وقوله تعالى: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم} [الحج:53] .
4. ولعل ذلك لحكمة خفيت علينا؛ لأن الله تعالى لا يفعل شيئا عبثا بدون حكمة وخفاء الحكمة لا يعني عدم وجودها ومن زعم عدم وجودها لأنها خفيت عليه كان مدعيا مساواة الله في علمه ومشاركته في معلوماته وهذا كفر "
وما قاله الطوفى وكرره عطا هو كلام يناقض القرآن لقوله تعالى :
" ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر "
وقال الله مبينا أنه بينه كله :
" ثم إن علينا بيانه "
وتحدث عن مسألة تفسير الرسول(ص) للقرآن كلمة كلمة فقال :
"رابعا: هل فسر الرسول القرآن حرفا حرفا: أثار الطوفي هذا السؤال ثم أجاب عنه بأن ظاهر الأمر أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يأخذون التفسير عن النبي (ص) واستشف ذلك من قول ابن مسعود رضي الله عنه:"كنا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها وأحكامها" وكانوا يأخذونه عن بعض الصحابة أيضا؛ لأن بعض الصحابة كانوا يفتون ويؤخذ عنهم العلم في عهد رسول الله ويحتمل أنهم كانوا يأخذون التفسير عن الرسول (ص) وعن بعض الصحابة في آن فلم يمت النبي (ص) إلا وقد أخذ عنه التفسير حرفا حرفا."
ورغم اقرار الطوفى بوجود تفسير منزل على النبى(ص) إلا أنه قال بضياعه فقال :"وبعد هذا التأكيد على أن الرسول (ص) فسر القرآن كاملا أجاب عن سؤال: هل وصل إلينا تفسير الرسول (ص) كاملا؟
وفي الإجابة عن ذلك أكد النجم الطوفي أنه ضاع كثير من تفسير رسول الله بسبب: عدم أخذ كل الصحابة عن النبي كل التفسير بل بعضه وموتهم قبل نقله كله لغيرهم فلم يكتمل التفسير عند واحد من الصحابة بل تفرق علمه بينهم هذا بالإضافة إلى أن النفر الذين عنوا بجمع القرآن على عهد رسول الله كانوا نفرا معدودين قليلين.
ولعل التابعي الذي أخذ بعض التفسير عن الصحابي لم يجتمع بصحابي آخر يكمل له التفسير أو اجتمع بمن لا زيادة عنده على ما أخذ عن الصحابي الأول.
وبناء على هذا النقص شرع المفسرون في إكمال التفسير باجتهادهم؛ معتمدين على اللغة تارة وعلى السنة تارة وعلى نظير الآية المطلوب تفسيرها من القرآن تارة ثالثة إضافة إلى الاعتماد على موارد أخرى مثل: التاريخ وأيام الأمم الخالية والإسرائيليات ونحوها.
ومعنى ذلك أن التفاسير المتداولة بين الأمة فيها كثير مما لم يقله النبي (ص) بل فيها ما لو عرض على النبي (ص) لرده وزجر قائله ويتأكد هذا من اختلاف المفسرين في الآية الواحدة أو في الحرف الواحد على عشرة أقوال وأكثر وأقل وبعض هذه الأقوال يرد بعضه أو يضاده أو يناقضه.
ونتج عن ذلك كثرة الدخل في التفاسير حتى آل الأمر إلى وجود أقوال كثيرة وفعلت كل طبقة من المفسرين كما تفعل الأخرى من زيادة الوجوه والأقوال والاختيارات وينسبون هذه الأقوال لمذاهبهم وآرائهم.
تماما كما حدث في مذاهب الفقهاء فقد نشأ عن تفرق الصحابة في الأمصار واختصاص بعضهم بما ليس عند الآخر من ناسخ ومنسوخ أو زيادة في حكم تقييد مطلق أو تخصيص عام ونحوه فأفتى كل منهم بما انتهى إليه علمه ثم أضيف إلى ذلك اختلافهم في تأويل الكتاب والسنة بحسب فهمهم وبحسب لغات العرب والقرائن والأحوال ثم تلقى التابعون عنهم ذلك وساروا سيرهم فكثر الاختلاف جدا وقد استشهد الطوفي بأن ما ذكره هذا في اختلاف الفقهاء هو ما ذكره الحميدي
خامسا: رد الطوفي شبهة قد تثار على كلامه مؤداها: كيف يقول المفسرون برأيهم وهم أهل ورع وهناك حديث يحرم ذلك بشدة حيث يقول رسول الله:"من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار". وقال أبو بكر الصديق:"أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في القرآن ما لا أعلم" وكان الأصمعي مع تقدمه وسعة باعه يحتمي تفسير القرآن وإعرابه؟ فهذا محال ولابد أن كل ما أوردوه من تفسير هو منقول عن الرسول (ص).
وأجاب عن ذلك بأنه يجوز أنهم ما علموا بحديث تحريم القول في القرآن بالرأي والذي علمه منهم نفذه ولم يتكلم برأيه والذي تكلم منهم وأخطأ يكون خطؤه خطأ اجتهاديا وهو مرفوع كما في أحكام الفروع.
ويجوز أنهم علموا ولكنهم حملوا المنع على الجاهل وليس العالم بدليل لفظ الحديث:"بغير علم" كما قال الحسين بن مسعود في مقدمة تفسيره وموقف أبي بكر الصديق يخرج بأنه قال ذلك في ما لا يعلم بدليل أنه تكلم في أحكام الشريعة بما يعلم والشريعة والقرآن كلاهما من دين الله ويخرج موقف الأصمعي بأنه إما أن يكون احتماؤه للكلام فيما لا يعلم وهذا توفيق؛ لأنه لا يعلمه وإما أن يكون مع العلم وهذا قد يكون جبنا وجمودا أو خروجا إلى السلامة واكتفاء بمن تكلم فيه قبله.
ويجوز أنهم رأوا أنه يتعين عليهم الكلام فزهدهم وورعهم حثهم على سد هذا الخلل حتى لا يقول فيه أهل الجهل وأن يدرس من علم الشريعة ما لا يمكن تداركه ورأوا أن الخطأ عنهم مرفوع في ذلك كما رفع عن الخطأ في الأحكام الفرعية الاجتهادية تماما كما حدث مع موسى بن عقبة عندما نقح المغازي مما دخل عليها من الكذب وأثنى العلماء على صنيعه "
قطعا ما قيل عن ضياه التفسير الإلهى للقرآن على الرسول (ص) هو ضرب من الوهم فهو محفوظ كالقرآن فى الكعبة الحقيقية وإلا كيف يحتكم المسلمون لشىء معدوم فى قوله تعالى :
"وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ"؟
القرآن وتفسيره موجود فى الكعبة الحقيقية من أجل أن يحتكم المسلمون المختلفون فى تفسير بعض المسائل إليه
وقد سمى الله التفسير البيان كما قال تعالى :
" قم إنا علينا بيانه "
وسماه الذكر المبين للمنزل وهو القرآن فقال :
" ونزانا عليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم"
وأما قانون أو منهج الطوفى فى التفسير فقد اقترح التالى :
"المبحث الثالث: القانون المقترح:
بعد هذه المقدمة الممهدة التي شملت تاريخ التفسير وإشكالاته بدأ في عرض قانونه الذي يقترحه لتنقية التفسير مما علق به وهذا القانون يشمل شقين؛ منهج تفسير الغامض ومنهج الترجيح بين اختلافات المفسرين.
الشق الأول: منهج تفسير الغامض: فقد رأى النجم الطوفي أن القرآن من حيث الوضوح والغموض بين أمرين:
1. واضح المعنى واللفظ وهذا لا إشكال فيه؛ لأن المراد منه هو المفهوم منه لكل عاقل مثل قوله: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} {ولا تقربوا الزنا} [الإسراء:32] ... إلخ.
2. وغامض اللفظ والمعنى وهذا الذي يحتاج لتفسير وقد يكون بين أمرين:
|