وتدفع الأطفال إلى العناد والعدوانية، وتعيق وصولهم إلى مرحلة النضج العقلي، وتشعرهم دائما بالدونية والإهانة وفقدان الكرامة ولا يعني هذا أننا نمنع من العقاب على الإطلاق، بل ينبغي أن يكون هناك عقاب أحيانا , على ألا يتعدى هذا العقاب حدود الرحمة والرفق، كما قيل:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما
فليقس أحيانا على من يرحم"
القسوة أى الهيمنة ليس نتيجتها دوما أفراد ضعاف الشخصية أو لا رأى لهم ولكنها أحيانا تنتج أفرادا لهم آراء كما تنتج أحيانا قساة أخرين يردون على الكبار قسوتهم فالتربية أيا كانت صحيحة أو خاطئة يعود تأثيرها للصغير نفسه من خلال مشيئته وهى إرادته ومن ثم رأينا إبراهيم(ص) المسلم نتاج مجتمع كافر ورأينا ابن نوح (ص) الكافر مع أن بقية أسرته عدا أمه مسلمون ورأينا امرأة فرعون المسلمة نتاج المجتمع الكافر ورأينا يوسف(ص) الذى تربى مع الكفار وهو صغير يحافظ على إٍيلامه عندما كبر ورأينا موسى(ص) الذى تربى فى بيت عدوه الكافر يرفض مظالم فرعون ويدافع عن المظلومين
والخطأ الخامس عند المؤلف هو التساهل مع ارتكاب المحرمات وفيه قال:
"5 - التساهل مع المنكرات:
وكما أن القسوة مرفوضة، فإن التساهل مع المنكرات كذلك مرفوض، وهو من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الآباء، وحجتهم في ذلك أن الطفل ما زال صغيرا، وأنه سوف يترك هذه المنكرات عندما يكبر، وهذا ليس صحيحا، لأن من تعود شيئا في صغره صعب عليه التخلص منه عند الكبر , قال ابن القيم رحمه الله: (وكم من أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة، بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهوته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد، رأيت عامته من قبل الآباء) (تحفة المودود)
ومن أعظم أنواع التساهل مع الأبناء عدم حثهم على إقامة الصلاة والاهتمام بها، والنبي (ص) يقول: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» (رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني)
فالأب الذي يذهب إلى المسجد ويترك أبناءه نائمين، أو يلعبون فإنه مخطئ، لقوله تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} [طه: 132]
وعليه كذلك أن ينهاهم عن سماع الموسيقى والغناء، وينهاهم عن مشابهة الكفار في ملابسهم وعاداتهم، وينهاهم عن التعلق بالمشاهير، من يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وليكن زاده في ذلك كله هو الرفق واللين والإقناع والحوار الهادئ والعلاقة الحميمة مع الأبناء"
تساهل الأبوين فى البيت مع المنكرات ناتج غالبا من تساهل المجتمع خارج البيت مع المنكرات كما هو الحال فى مجتمعاتنا الحالية فالدول التى تتبنى الإسلام كدين فى دساتيرها والإسلام منهم براء هى من تنشر الفساد من خلال إعلامها وقوانينها ووزارات الشباب والثقافة والسياحة ... وأما فى المجتمع المسلم فلو حدث تقصير من داخل البيت فإن المجتمع خارجه يردع هذا التساهل ويجعل الأولاد يعرفون كون الأبوين على الباطل
والخطأ السادس عند المؤلف هو إهمال الواقع وفيه قال :
"6 - إهمال الواقع
ومن الأخطاء في التربية إهمال الواقع والجمود على النموذج القديم، وعدم التجديد بما يتلاءم مع متطلبات العصر، فيهتم المربي مثلا بالسباحة والرماية وركوب الخيل، ويترك المهارات الأخرى التي يتطلبها العصر، كعلوم الحاسب الآلي (الكمبيوتر) وتعليم اللغات الأجنبية، والتدريب على مهارات الإلقاء والخطابة والكتابة، وإتقان إحدى ألعاب الدفاع عن النفس الحديثة وغير ذلك، مما يتسبب في تخلف هؤلاء - الذين لم يهتم مربوهم بتطوير قدراتهم - عن أقرانهم، فيؤدي ذلك إلى شعورهم بالنقص، وانعزالهم عن أقرانهم الذين تفوقوا عليهم في كثير من مجالات الحياة"
إهمال الواقع يكون فى مجتمعاتنا المتخلفة يكون إما باعتناق مقولة السلفية بمعنى تقليد ما جاء فى السيرة النبوية وحكايات الصحابة فقط وهى الجمود وإما نتيجة الفقر والحاجة فالكثير من الناس ليس لديهم أجهزة حاسوب أو هواتف متصلة بالشبكة العنكبوتية
وأما المجتمع العادل مجتمع المسلمين الحقيقى فالمجتمع يتعامل مع كل شىء بكلام الله ومن ضمن إعداد قوته الإعداد التقنى وفيه قال تعالى :
" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"
والخطأ السابع عند المؤلف عدم الإقرار بالخطأ وفيه قال :
"7 - عدم الاعتراف بالخطأ
كم منا من عاقب أبنا له خطأ وهو له ظالم
كم منا من اتهم أحد أبنائه وهو برئ
كم منا من ضرب أحد أبنائه بسبب وشاية كاذبة
ومع أن الوالد يعرف بعد ذلك أنه أخطأ في حق ابنه، إلا أنه لا يعتذر منه، ولا يعترف بخطئه، وكأن هذا الابن لا حقوق له ولا كرامة ولا شعور وهذا بلا شك سلوك خاطئ، وهو يولد في نفوس الأبناء صفات سيئة كالكبر والغرور والتعصب للرأي وإن كان فاسدا، والتمادي في الخطأ وغير ذلك ولو أن الوالد قام بالاعتذار لابنه، لكان ذلك تصرفا سليما، بحيث يحول المربي خطأه إلى سلوك إيجابي يؤثر في نفوس الأبناء، فيدعوهم إلى ما يقتضيه هذا السلوك من التواضع للحق، والاعتراف بالخطأ، والتسامح في معاملة الآخرين"
وقطعا الإقرار بالذنب مطلوب من كل مسلم وإلا كان كافرا ومطلوب منه الاستغفار له وإلا استمر على كفره ومن ثم فالخطأ فى حق الأبناء يستوجب الاستغفار والاعتذار لهم
وأما الخطأ الثامن فهو الفردية فى اتخاذ القرارات وفيه قال :
"8 - الفردية في اتخاذ القرارات
لا شك أن الأب هو الراعي وهو القيم وهو المسئول عن أهل بيته، ولكن ليس معنى ذلك أن ينفرد باتخاذ كافة القرارات دون الرجوع إلى من في البيت، فإن ذلك يتسبب في سيادة روح التسلط بين الأبناء، بحيث يتسلط الكبار على الصغار، فيقومون بقمعهم كما يفعل والدهم معهم في رأيهم
وأذكر هنا ذلك الرجل الذي كان يأخذ زوجته وأولاده بسيارته في يوم الإجازة، وهم لا يعلمون إلى أين سيذهب بهم، وإذا سأل أحد عن ذلك عاقب الجميع بالرجوع إلى البيت وحرمانهم من النزهة التي ينتظرونها بشوق ولهفة، مع أنهم لا يعلمون طبيعتها
أليس الأفضل أن يجمع هذا الأب أبناءه، ويشاورهم في الجهة التي يحبون الذهاب إليها؟ ماذا سيخسر لو فعل ذلك؟ ولكنها النفوس التي لا ترى نفسها إلا بكبت الآخرين وإلغائهم، والسيطرة عليهم"
وهذا الكلام هو تكرار لما سماه قبلا الهيمنة وأيضا القسوة وتحدث عما سماه عدم احترام الخصوصيات فقال :
"9 - عدم احترام الخصوصيات
ينبغي أن نعلم أطفالنا احترام الخصوصيات، حتى يكونوا دقيقين في الفصل بين فضاءاتهم الشخصية والفضاءات التي يعيش فيها الآخرون
ولقد وجهنا القرآن الكريم إلى أن نعلم أطفالنا ومن يكون في خدمتنا في البيوت ضرورة أن يستأذنوا قبل الدخول علينا في أوقات تعد أوقات راحة، وأوقاتا خاصة لا يكون المرء فيها مستعدا لاستقبال أحد
ولذا فإن على الأبوين - ولا سيما الأم - أن يعلما الطفل جوهر خصوصيات الآخرين وحدودها، فلا يدخل على أحد في مكان خاص دون استئذان، ولا يفتح شيئا مغلقا ليس له، سواء أكان باب بيت، أو ثلاجة، أو كتابا، أو دفترا، أو صندوقا، مهما طالت إقامته في ذلك المكان
إن بعض البيوت انعدم فيها احترام الخصوصيات، فنشأ الأبناء فيها على الفوضى والهمجية والعدوان على حقوق الآخرين
إن على الآباء أن يحترموا أولا خصوصيات أبنائهم، فيطرقوا الباب قبل الدخول، ويكتموا أسرارهم، ولا يعيروهم بذنب، بل يستروا عليهم، ويقيلوا عثراتهم، فإن فعلوا ذلك، نجحوا في تعليم أولادهم احترام خصوصيات الآخرين"
وهذا الكلام هو تكرار للكلام عن التساهل فى المنكرات وهى هنا منكرات الكبار كما هو تكرار للكلام عن عدم الاعتراف بالخطأ
وأخيرا تحدث عما سماه الإقصاء فقال :
"10 - الإقصاء
إن بعض الآباء يرى من العيب أن يجلس الطفل في مجالس الكبار، فيعمل على طرده وتعنيفه وإقصائه، إذا هو فكر في اقتحام مجالس الكبار
ولا شك أن الطفل ينبغي أن يؤذن له أحيانا في الجلوس مع الكبار، للأخذ عنهم، والتعلم والاستفادة من خبراتهم وقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله (ص) أتي بشراب، فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء»؟! فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا، فتله رسول الله (ص) في يده
فما أعظمه (ص) من هاد ومرب ومعلم، تتعلم منه البشرية على جميع مستوياتها في كل زمان ومكان، فالمنهج الإسلامي الرباني لا يمنع الأطفال الصغار من مخالطة الكبار ومجالستهم في مجالسهم ومساجدهم وتجمعاتهم وأسفارهم وأنديتهم، وذلك حتى يكتسبوا الخبرات، ويشاركوا في الأعمال، ويتدربوا على المسؤوليات وعزل الصغار عن الاتصال بالكبار هو منهج سلبي وغير عملي، ويدع الصغار بعضهم لبعض، فلا يتعلمون إلا السفاسف من الأمور، وتستهويهم الشياطين، فيتعلمون الشرور، بدلا من مخالطة الكبار وتعلم معالي الأمور"
والإقصاء هو من ضمن أساليب القسوة والهيمنة ومن ثم فهو تكرار لما سبق ذكره
|