العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة الفـكـــريـة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية على المريخ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث العقد النفسية ورعب الحياة الواقعية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خوارزمية القرآن وخوارزمية النبوة يكشفان كذب القرآنيين (آيتان من القرآن وحديث للنبي ص (آخر رد :محمد محمد البقاش)       :: نظرات في مقال السؤال الملغوم .. أشهر المغالطات المنطقيّة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال البشر والحضارة ... كيف وصلنا إلى هنا؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال التسونامي والبراكين والزلازل أسلحة الطبيعة المدمرة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال الساعة ونهاية العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)      

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 10-06-2010, 11:01 AM   #1
تيسير العفيشات
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2010
المشاركات: 2
إفتراضي كنيسة ناعور .....الجزء الثاني

كان سقف الكنيسة من الخارج قد غطي بالقرميد الأحمر ويال تلك الروعة التي يعكسها هذا الجمال عندما تنعكس عليه أشعة شمس الصباح الوضيئة حيث يغمر النفس بإحساس مشبوب يطلق الروح من عقابيلها الأرضية، ومن إسارها الشارد، وجروحها النازفة، من ثقل العقل، حتى يبدو عالم الروح والعقل عالما واحدا بلا فواصل ، بل وحدة شاملة يتحول فيها الانسان الى طيف ملائكي يسير عل الأرض .. ومما يزيدك بهجة وفرح ، هذا الينبوع الذي يدلف من تلك الصخرة الباكية في الجانب الشرقي، بخريرة اللطيف الذي يطرب الحياة في داخلك وهو يتلوى في قناته االتي بنيت من أحجار البازلت، منحدرا حتى يصل الى بطن الوادى الكبير، ولعل أجمل ما في هذا الينبوع الدافق من روح الحجر، هو طعم المياه الذي تعطره أزهار الياسمين والريحان التي تتساقط في قلبة، فتزكوه شذا وعطرا يأخذ بجماع الذات، فكأنه رسالة خالدة من رسائل السماء، حملها نبي شع نوره في أفق بعيد، وراحت أنفاسه تمرح في أمواهه الرحبة السعيدة، زهوا لحياة القلوب، وشرابا خالدا يغذو الأرواح الهائمة زاد الخلود . وإما بدهك منظر القوس القائم على عمودين من رخام، برزت على تاجه رسوم متقاطعة لا تتكاد تتبينها حتى تأنس في نفسك السكينة خصوصا مع انحناءالعمودين قليلا الى الداخل مما يجعلهما يغفوان على الصخرة وكأنهما يحتضناها بدعة، وكأن الفنان الذي صممهما على هذا النحو، أراد أن يطلق خيال الواردين الى هذا الينبوع بنوع من الترميز الشديد البالغ التأثير فهذه عين الحياة التي سكبها الثالوث الاعظم في قلب هذه البقعة الطاهرة من الأرض فمن شرب منها شربة ولج الى قلب السماء .



وفي حي اللاتين هذا، كل شيء موزع بتناغم أخاذ فالبيوت تتناثر في تؤدة وهدوء، منحدرة من أعلى الى أسفل، تتكون في اغلبها من طابقين فقط .. ابتعدت عن الكنيسة في مساحات متساوية لتترك فضاء رحب وواسع حولها اغرقا في الروعة بحيث تستقل الكنيسة بمكانها وبروحها وبشعائرها وأنغامها وصلواتها ، الطابق الأسفل في كل بيت مكون من بهو واسع فقط هو مكان الجلوس يحرص اصحابه على أن يفرشوه فرشا بسيطا بعيدا عن الأبهة ودلالة ذلك ترك مساحة تشي بعمق الإيمان والسكينة والابتعاد عن مظاهر الحياة المادية، وفي جوانب البهو تتناثر العديد من التماثيل الدينية وصور المسيح والعذراء مريم وصور القديسين .. ويحرص كل بيت على وجود مبخر نحاسي له ثلاثة أجرنه متساوية يوضع بها ثلاثة أنواع من البخور تنبعث رائحته في كامل البيت كل حين ، يصعد من البهو درج الى الطابق الثاني الذي أعد للنوم، أما اصطح المنازل فعادة ما كانت تغطى بالقريمد الأحمر في محاكاة على ما يبدو لصطح الكنيسة ، تحيط بكل بيت منها أسوار من اشجار الصنوبر والسرو، وهي اشجار تكثر في هذه المنطقة ، ميزتها أنها دائمة الخضرة طوال العام ومنظرها يأخذ باللب في جسدها الملفوف بهندسة رائعة ساحرة تبدا بلإتساع ما أمكن عند قاعدة الجذع ثم تأخذ بالأنساب الضيق كلما ارتفعت نحو الاعلى ، على نحو بالغ الدقة، واجمل ما في هذا النوع من الأشجار هو عندما تهتز بفعل هبات النسيم تطلق تلك النغمات العذاب وكأنها تسابيح تحوم بالفضاء خصوصا عندما تنبعث نغمات الارغن من قلب الكنيسة أثناء اداء الصلوات فتختلط تلك مشكلة معزوفة اسميتها معزوفة السماء .. وآناء الليل عندما يرف القمر بنوره الباسم يهتبل المنظر أمامك وانت تري هذه الأشعة الوردية قد نفذت من المساحات الضئيلة بين الاشجار لتنعكس على الشوااع او على جوانب الدور التي بنيت أغلبها من الحجر الأحمر القاني وهو ذاته الحجر الذي بنيت منها جدران الكنيسة والدير تنعكس ضلال الاشجار وضوء القمر ليرسم تلك اللوحات التي تتراقص أمام ناضريك في بداهة ودهشة فقط يجب أن يكون شعورك عميقا بقيمة الفن حتى تلتقط مثل هذه المناظر التي توحي باحاسيس مشبوبة ناضرة.وفي داخل الحديقة المحيطة بالبيت تنتثر اشجار من الزيتون والتين والرمان بأنواعة المختلفة التي تلتف في عقابيلها عرائش العنب والزيزفون أما اشجار الياسمين التي تتسلق على الحواف فما ابدعها وهي تنثر عطرها في كل اتجاه، خصوصا في فصل الربيع وبداية فصل الصيف إذ ترف أزهارها باللون الأبيض واحيان في الاصفر وما أروع أن تشاهد هذه الأزهار تتساقط على الأرض، ان الياسمين و معجزته في هذا الحي بالذات، انه لا يطلق عطرة الآخاذ الا في المساء، ولا أدري اية معجزة تلك عندما تختلط هذه اللمسة اللطيفة الساحرة لهذا العطر مع رائحة البخور وعبق المساء لتسري في الأبدان رعشة مذهلة ، وفي هذه الحدائق الغناء تكثر أنواع الطيور وتتعدد وهي تتقافز من شجرة الى اخرى ومن سطح الى آخر ، وأخص ما يشدك هنا الهداهد الوضاءة الجميلة التي حرم صيدها، أو حتى ازعاجها، وهي ترسل أعذب الألحان عندما تصدح في ساعات الأصيل أو في ساعات المساء، وهناك الحسون بأنواعه والوانه واحجامه التي تنثر ألحانها الشهية في رقة ودعة خاصة اذا ما اختلطت مع هديل الحمائم التي يحرص كل بيت في هذا الحي على اقتناء اسراب منها كثيرة، وما اجمل أن ترى تلك الأسراب وهي تجوب الفضاء في المساء بأعداد كبيرة تتلوي مع الريح يمنة ويسرة هبوطا وصعودا ثم تتساقط فرادى على أسطح المنازل عندما يجن الضلام .


كم تساءلت عن معايير الجمال أين تختفي عندما تتنفس هواء القداسة الاليهة الذي يمرح متراقصا في هذا المكان العابق بالسحر والجلال والجمال في هذا الحي وما يحيط به من هضاب واودية ترف فيها الأمواه الدالفة من الصخور الباكية والبساتين المتانثرة على صفحات الهضاب وفي القيعان وعلى حفافي مجرى السيل العرم .. وتلك لعمري نغمة من نغمات الوجود الخالد ولحن من الحان السماء في لحظة صفو من لحظات ارادة الحياة الكبرى .



ولكم وددت أن اعيش في ذلك الجو الذي مزج بين القداسة والشهوة بين الايمان والتقوى بين الانسانية والألوهية طيلة حياتي فبل أن احمل عصا الترحال مهوما في هذا العالم ى ألوي على شيء .. آنئذا كنت استمتع بكل نوازع الانسان في داخلي واقتات بكل حواسي على هذا الجمال بحيث تتجسد جماع عواطفي وارادتي فهنا مساقط الحكمة التي تغذو عقلي ووجداني .. فمن لي بتلك السويعات التي قضيتها منتشيا بسحر الطبيعة ورفيف الروح في الملأ الأعلى وهي تنثال هنية في حي اللاتين ..



أول مرة دخلت فيها الى هذه الكنيسة التي يطلق عليها الآن كنيسة النور كانت في عام 1980م في أحد ايام الأحد وكان دافعي الى ذلك غريبا ولا أدري سببا لبواعثه ..ربما كانت تلك الالحان التي ترسلها اجراس الكنيسة في المساء من كل سبت، أو في صباحات الآحاد مع بداية القداس ألحان كانت تتناثر في سماء ناعور وتتردد أصداؤها في جنبات الوادي معلنة بدء ميلاد الروح الذي يستعاد حيا متجسدا على مثال رائع، لكن ما أن ولجت الى داخل الكنسية حتى أخذت بأمور ثلاثة، تركت نطباعا في ذاتي فيما بعد لم أستطع التخلص منه لسنين لاحقة ،الأول هو طريقة الصلاة، والثاني هو الفضاء الرحب الجميل داخل الكنيسة الذي اذهلني ، والثالث هو تلك المويسقي الهادئة الناعمة التي كانت ترافق أداء الصلوات ...


العبرة وراءالصلاة الجماعية في الكنيسة لطيفة .. تقول : كما أن المسيح تجسد في أحشاء مريم عندما حل عليها الروح القدس فالمؤمنون جميعا في هذا الكون يجسدوا أو يكونوا جسد المسيح الكوني بالروح القدس وبنعمته التي تحل عليهم في الكنيسة التي تمثل مريم العذراء فالروح القدس يجسد كل الحاضرين في الكنيسة ويصبح المسيح هو المصلي فيهم ، فكأنهم في داخل رحم الكنيسة جسدا واحدا كما كان المسيح جسدا واحدا في رحم مريم.. فالكنيسة هي مريم بالنسبة لهم و عندما يحل الروح القدس يرتفع المصلون الى القدوس وليس القدوس هو الذي ينزل فيصبح كافة المصلون روحا واحدة وجسدا واحدا هذا مع ما يخالطه الكاهن من تسابيح وترانيم وأدعية تعيدها الجوقة المرافقة في سكينة ودعه وحزن وفرح تمتزج المشاعر حتى لا يبقى سوى احساس واحد مفعم بشعور واحد هو الشعور بحضور المسيح الذي يطغى على كل شيئ .. لكني لا أدري كيف يستطيعوا أن يتمثلوا ذلك .. كثيرا ما سألت المصلين فما حظيت بعير نظرات الاستهجان ..


أما بهو الكنيسة فيشعرك بجلال المقدس الذي يتواثب أمام عينيك وتكاد تتلمسه بأطراف أناملك .. ويحي ثم ويحي .. أمن الممكن أن يتجسد المعنى على شكل مادي خاصة عندما تنبعث رائحة البخور المشكل من خليط من الند والزعفران والخرمل والعبيق والصندل عبقا يخالطه شذى التاريخ وجلال الكلمة السماوية .. من هو أنا ذا الغارق في أتاويه السحر ومملكة الخيال ونار الوجد ؟ عبارة همست بها في قلب فتاة كانت تقف الى جانبي خاشعة في محراب تبتلها وصلواتها ، كانت المسكينة غافية القلب يقضة الروح .. آه كم أنا مارق لعين لقد أدركت ذلك فقلت لأقطع عليها خشوعها فلدي سؤال تتمتم بها شفتاي، لكن الفتاة لم تلوي على شيء ولم تحفل بسؤالي، كنت أعرف ذلك وهممت بممارسة لعبة الذكاء معها ... لكني أشحت بوجهي وعقلي وكياني عنها لحظة أن راح انطون يراقص مفاتيح البيانو الضخم بأنامله، حينها صمت كل شيء خلا هذا اللحن العظيم ، وانطون هذا كان عالما بالموسيقى تاريخا وفكرا ولحنا كان عبقريا فذا غريب الأطوار والأفعال .لا يتكلم كثيرا ويفضل الصمت اذا سئل اجاب بعينيه الجاحظتين وبحاجبيه العرضين واذا ما استفزه السؤال عرضّ بحده وانهال كالسيل مما يروي لا ضمأ السائل فقط وإنما يحشو عقله حشوا بما لا يتوقعه ... كانت حياته يكتنفها الغموض لكنه كان ذا سطوة بالغة على رواد الكنيسة اذا ما راح يعزف على آلته المحببه الى قلبه كثير البيانو .. لم يكن يحب الارجن لأن الدو فيه ثقيل وهو لا يتناسب مع مسحة الألم وجلال الكلمة الالهية ولقد دارت بيني وبينه حوارات عديدة سأعود لها في غير هذا الموضع ..


راح أنطون يعزف مقطوعة شوبان ( أحزان ) وهي اعظم ما تركه هذا العملاق من آثار
وتكمن عظمة وسحر وجلال شوبان في أنه هو من اكتشف هذا العالم الموسيقي الجديد بظلاله المتألقة، وانتقالاته الآسرة من أسطع الألوان إلي أقتمها، وأنه هو الذي اكتشف سلم الألوان الموسيقية.فمع شوبان لم يعد البناء الموسيقي كما هو في الموسيقا الكلاسيكية اقصد في أركان المعمار الموسيقي، بل أصبح اساساً ذا قيمة تشكيلية وقد عني شوبان بوصفه السيد الجليل للموسيقا التأثيرية بهذه التصويرية أكثر من عنايته بأي جانب مغاير من جوانب السلم الموسيقي وأصبح للانتقالات اللمية عنده معنى مبتكر . ففي الموسيقا الكلاسيكية كانت التحولات من جانب الشكل والبناء فقط فهي مصممة لتعبر عن المكان والزمان.





كان انطون فرحا حينا متجهما حينا وكأن مشاعره تتنافر مع كل ايقاع أو انتقالة تنتقل من الضد الى الضد في لحظة .. كان انطون بنفسه العالية أبلغ تعبير يمكن أن تجسده هذه الموسيقى بمعزل عن التمتمات الصلواتية التي تخفت حتى تتلاشى تماما من قبل الكاهن اللعين وكم تمنيت أن يصمت هذا الرجل الى الأبد .. قلت هذه العبارة لأنطون ذات مرة .. نظر الى فأجابني بابتسامة فهمت معناها
ولي أن اقول هنا إن اعظم انجاز حققته الحضارة الغربية على الإطلاق هو هذه الموسيقى التي قادها عظماء انجبتهم الطبيعة في لحظة خلق فريدة ..
لكننا في العالم العربي ... ويح هذا العالم .. لم نألف مثل هذه الموسيقى .. وبالتالي ظلت أحاسيسنا فقيرة في كل شيء بالفكر والعلم والأدب والروح في اعلى تجلياتها الممكنة ... ارتبطت الموسيقى عندنا بالكلمة كصورة .. وبالتالي فقدت ليس حيويتها فقط وإنما ممكناتها الخلقية المعبرة عن الوجود ..
تيسير العفيشات غير متصل   الرد مع إقتباس
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .