العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية على المريخ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث العقد النفسية ورعب الحياة الواقعية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خوارزمية القرآن وخوارزمية النبوة يكشفان كذب القرآنيين (آيتان من القرآن وحديث للنبي ص (آخر رد :محمد محمد البقاش)       :: نظرات في مقال السؤال الملغوم .. أشهر المغالطات المنطقيّة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال البشر والحضارة ... كيف وصلنا إلى هنا؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال التسونامي والبراكين والزلازل أسلحة الطبيعة المدمرة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال الساعة ونهاية العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)      

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 02-01-2010, 01:16 PM   #1
إبراهيم مشارة
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2009
المشاركات: 6
Lightbulb أيـّـام في الخليج(1)

أصيح بالخليج: « يا خليج
يا واهب اللّؤلؤ، والمحّار، والرّدى !»
فيرجع الصّدى
كأنه النّشيج :
« يا خليج
يا واهب المحّار والرّدى. »
وينثر الخليج من هباته الكثار،
على الرّمال رغوة الأجاج، والمحّار
وما تبقّى من عظام بائس غريق
بدر شاكر السيّاب/ من أنشودة المطر

كان السيّاب حاضرا معي في رحلتي هذه ، أكثر من ذي قبل فالسيّاب يظل من أهم الشعراء الذين أحب شعرهم وأشعر شعورا صادقا بمآسيهم ،أما هذه المرة فيحضر بكثرة في خيالي ووجداني لأنني سأقترب كثيرا من جيكور بلدته في العراق ومن الكويت حيث مات وحيدا منسيا ذات شتاء من عام 1964.
والحق أن رحلتي الخليجية هذه بدأت من مطار الدوحة التي وصلتها ليلا بعد رحلة طيران امتدت لساعات في طائرة قطرية حديثة ومتطورة كأنك في فندق صغير من خمس نجوم يطير في السماء ، فمن شاشات تعرض الأفلام ومسار الرحلة والبلدان التي نمر فوقها والمسافة التي قطعناها وما تبقى لنقطعه ، إلى الخدمات التي تقدمها مضيفات الطيران وهن من أروبا والشرق الأقصى تقترب الواحدة منك في ابتسامة غير مصطنعة وإنجليزية واضحة تسألك عن حاجتك فتلبيها لك على الفور وترشقك بنظرة حانية فيذهب عنك الروع إن كنت ممن يخاف ركوب الطائرات أو مصاب بداء
" رهاب الأجواء العالية والأماكن المغلقة" الأيروفوبيا والكلوستروفوبيا كما يعرفان في علم النفس.
ومطار الدوحة مساحة من الأرض تسمع فيها كل اللغات وترى فيها كل الأجناس وهو صورة صادقة للبلد الساعي بلا كلل في طريق التحديث على النمط الأمريكي، ولكنني في عجلة من أمري ففي منتصف الليل سأطير إلى أبو ظبي والساعات القليلة المتبقية سأقضيها متجولا في هذا المطار
"المدينة " بين المحلات وألوان البضائع الغربية والشرقية ومن حين لأخر أدلف إلى غرفة أدخن، فالتدخين ممنوع في غير هذه الغرفة وحين تدخلها تصطدم بجموع بشرية من كل الأجناس ذكرانا وإناثا ومن مختلف الأعمار بعضهم جالس وبعضهم لم يحالفه الحظ في العثور على مقعد فبقي واقفا، وجميعهم يدخنون على عجل خوف أن تفوتهم الرحلة أو أن يتيهوا في هذا المطار العجيب، وانتابني شعور بالأسى لتلك الأوانس يتلفن طراوتهن وسحرهن بلفائف التبغ. فانا رغم إيماني بالمساواة الكاملة بين الجنسين لا أحب للمرأة أن تدخن وهذا ليس من قبيل الفلسفة الذكوريّة الشرقية التي تنكر على المرأة فعل أشياء تحفظها للرجل وحده ولكن من قبيل الإشفاق على الحسن تعبث به السجائر!
وامتطيت الطائرة بعد منتصف الليل لأصل إلى أبو ظبي والنهار الوليد فجرا يمشي في جنازة الليل المدبر مشيعا.
خرجت من المطار وكان السائق الذي ينتظرني شابا مصريا وسيارات الأجرة في الخليج تمتلكها شركات وتوظف العاملين بها، كشركة
"الغزالة " التي تمتلك هذه السيارة وتوظف هذا الشاب المصري. والمصريون كعادتهم حميميّون فيهم مرح وخفة وعلى جانب من الثقافة
فهذا السائق متخرج من الجامعة ولكنه يكسب أفضل في الخليج كسائق سيارة أجرة وهو سعيد بعمله، شرع يحدثني في الشعر ويقرأ علي شيئا من أشعار الغزل لنزار قباني التي يحفظها ويحبها وأبدى إعجابه الشديد بأم كلثوم التي شرع يغني شيئا من أغانيها وأنا مرهق لا قبل لي بسماع الشعر ولا أغاني أم كلثوم التي أحبها بل أبحث عن سرير لأستلقي وأذهب في نوم عميق.
- فندق" ساندز أبو ظبي" أنا مأمور بإيصالك إلى هناك. قال السائق
فقلت:
- لا بأس
ووصلنا الفندق، كان فخما حقا من خمس نجوم :عمارة باذخة تطاول أعنان السماء وحين أوصلني الخادم إلى غرفتي لم أكن على استعداد لأن أسمع شيئا وهو يتحدث عن فطور الصباح هل أنزل بنفسي أم يحضرونه لي إلى الغرفة و كذا الجرائد و تمنى لي ليلة سعيدة.
استيقظت من نومي عند العاشرة ونزلت أتناول الفطور وأقرأ جرائد اليوم الإماراتية.
كان الفندق حقا فخما باذخا لا أثر فيه لحرارة الخارج يتوسط قلب المدينة ومن الطابق الرابع عشر كنت أراقب المدينة، هذه المدينة التي ارتبط اسمها بالظبي الذي يصطاده الصيادون والتي تأسست عام 1790 كسكن لصيادي الأسماك ومنذ خمسين سنة لم تكن إلا قرية كبيرة أصبحت من أهم مدن العالم رخاء وتوسعا عمرانيا ووفرة مالية وخدماتية ، شوارعها كشوارع المدن الأمريكية بلا ضيق أو التواء، ممتدة واسعة تعانق الأفق الذي ينحني عليها ليحضنها في سعة ورحابة والبنايات الزجاجية الخدماتية تملأ تلك الشوارع وأشجار النخيل تظلل الأرصفة الواسعة وحين تناولت فطور الصباح خرجت أتجول في لذة في شارع الشيخ زايد لا شيء أفسد علي الفسحة غير الحرارة الشديدة والرطوبة الخانقة ، فأيّار في الخليج هو الشهر الذي ترتفع فيه الحرارة إيذانا بمقدم الصيف ولو أن المكيفات في كل الأمكنة فالبنايات والمحلات التجارية تشعرك بأجواء جبال الألب فقد تكفلت التكنولوجيا بالقضاء على هيمنة الطبيعة. هنا لا أثر لعبق التاريخ وعراقة المدينة بل حيوية الحاضر، هنا المستقبل أطغى من الماضي فإذا كانت المدن العربية الأخرى تشبه الجبل الجليدي، الجزء الطافي فيه وهو الحاضر والمستقبل أقل من الجزء الخفيّ وهو الماضي فإن مدينة أبو ظبي يخت كبير ينساب على صفحة الماء بخفة يستمتع من فيه بجمال البحر وروعته جزؤه الطافي والخفيّ سيان!
أول ما عانيته هو البحث عن علبة سجائر التدخين محارب والأكشاك التي تبيع السجائر كما نجدها في باريس أو القاهرة وغيرهما من مدن العالم لا أثر لها هنا في الخليج اللهمّ إلا في محلات تجارية صغيرة لا تعرض عليك إلا نوعا واحدا من السجائر ولكنها طريقة جيدة لمحاربة آفة التدخين.
ومن ثمن علبة السجائر وثمن بطاقة الاتصالات الهاتفية يمكن أن تعرف أن الحياة في الإمارات العربية ليست بالزهيدة ولو أن الدخل مرتفع فبلدان الخليج العربي من أكثر بلدان العالم دخلا فرديا مرتفعا فاكتشاف النفط وتدفق الأموال وقلة السكان أتاح للناس حياة رخية ميسورة وفي الإمارات العربية يمكن أن تلاحظ أن العمالة أجنبية مائة في المائة فالهنود والسّرلانكيّون والمصريون يشغلون المحلات والفنادق والشوارع وفي الليل حين تخف الحرارة وتخرج للتجول في هذه المدينة التي لا تنام ستحس بالمتعة والأنس حين ترى الناس وعائلاتهم يجلسون على العشب يتبادلون أطراف الحديث يتناولون العشاء أو يشربون الشاي فالعمل وحر النهار يحولان دون ذلك.
والحياة في سوق الشيخ زايد عامرة وهو سوق يعد إنجازا حداثيا بكل معنى الكلمة وصورة طبق الأصل لما يمكن أن تشاهده في المحلات الكبرى في جنيف أو باريس أو أمريكا- التي لم أزرها- ولكن تطورها التقني والعلمي والحضاري فرض علينا أن نعرفها- شئنا أم أبينا- ونحن اليوم في حاجة ماسة إلى أن ننفتح عليها أكثر ونستفيد منها، فالبلد الذي كان يضع السود في خانة العبيد منذ خمس عشريات فتح بيته الأبيض لمواطن أسود، ومنح المواطنة لكل قادم من العالم النامي ومكنه من الثروة والحرية والمساواة وقدر فيه كفاءته، بلد مثل هذا على الرغم من نزعته الاستعمارية وروحه المهيمنة خليق بالاحترام وخليق بنا أن نحذو حذوه في احترام ناسنا وفي إشاعة العدل ودمقرطة الحياة ، سياسية أو اجتماعية أو وفكرية . وفي ذلك المحل الكوني صالونات الحلاقة والمطاعم ومحلات العطور وأمكنة للعب الأطفال وما شئت من ألوان المتعة والتسلية والناس تعودوا على التردد على هذه المكان ليلا بعد انتهاء الدوام وهبوب نسمة فيها شيء شاحب لا يكاد يبين من انتعاشة الربيع فالليل في الإمارات متعة على عكس بعض المدن العربية التي تموت في الليل – لا شيء للناس يشغلهم إلا النوم - حتى في ليلتي آخر الأسبوع وكأنهم لم يقرأوا قول الخيام:
فما أطال النوم عمـــــــرا ولا
قصّـر في الأعمار طول السهر
إبراهيم مشارة غير متصل   الرد مع إقتباس
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .