الوضع السياسي الحالي في إيران صراع طبقي بامتياز
احمد صالح الفقيه
03/07/2009
المظاهرات التي انخرط فيها أنصار حسين موسوي رفعت شعارات تطالب باحترام أصواتها الانتخابية، وبالحرية السياسية والاجتماعية الليبرالية، وبمزيد من الفرص الاقتصادية. انها مطالب الطبقة الوسطى الكلاسيكية من كاراكاس فنزويلا إلى القاهرة إلى طهران. ولم يكن مصادفة ان تنطلق تلك التظاهرات من شمال طهران حيت تتجاور الطبقتان الثرية والوسطى، بينما ينطلق مؤيدو احمدي نجاد من احياء جنوب طهران الفقيرة وأرياف إيران.
لقد كان احمدي نجاد مرشح الفقراء الذين دعموا خاتمي ضد الأثرياء ثم خاب أملهم فيه وفي طبقته الوسطى، وقد قاد احمدي نجاد ما يشبه ثورة اقتصادية واجتماعية في ولايته الأولى استهدفت الفقراء، فكان من الطبيعي ان تثور عليه الطبقة الوسطى والبازار ويتحالفا ضده. وكان ذكاء نجاد في انه نفذ ثورته تحت ظل شعارات الحوزة وولاية الفقيه فكسب القيادة العليا والقوات المسلحة المؤدلجة والتي ينتمي معظم منتسبيها الى الطبقة الفقيرة..
تحاول اجهزة الاعلام الغربية ومن لف لفها عقد مقارنات بين الثورة الايرانية العظمى وهذه الاحتجاجات الحالية، متناسية ان تلك كانت هبة شعبية شاملة ضد الشاه، بينما تؤيد غالبية الشعب احمدي نجاد في ايران اليوم. وان طبيعة الصراع هو طبقي يشبه تماما ما جرى في فنزويلا.
اورد هذه النبذة لمساعدة القارئ الكريم على تحقيق قدر من الفهم لجذور ونشأة القوى السياسية المتصارعة اليوم في ايران.
تعتبر نظرية ولاية الفقيه أساس النظام الذي أقامه الإمام الخميني في إيران بعد الثورة. وترجع فكرة أو نظرية ولاية الفقيه إلى القرن العاشر الهجري، عندما اعتنق الشاه الصفوي طهماسب نظرية المرجعية، وخضع للشيخ علي عبدالعال الكركي الذي استدعاه من النجف وقدم له فروض الطاعة والولاء معتبرا إياه نائبا عن الأمام المهدي. ولا يزال الخلاف السياسي حول المرجعية قائما حاليا في إيران.
وكانت حركة الحجتية من اهم الحركات المساهمة في الثورة. وهذه الحركة كان قد أنشأ ها الشيخ محمود الحلبي الذي توفي في شهر شباط (فبراير) 1998عن عمر ناهز المئة عام. وكان الشيخ يناضل ضد البهائية التي كان يسيطر عليها رئيس الوزراء أمير عباس هويدا. وقد نشطت الحركة في عهد الشاه وامتد نفوذها إلى الجيش ومعاهد التعليم والبازار والحوزة العلمية خصوصا بين فئة (الخطباء الحسينيين). وقد اعتبر الخميني الحجتية عقبة في سبيل الثورة بسبب ترويجها لنظرية الانتظار، ورأيهم في أن كل راية تخرج قبل راية المهدي هي راية ضلالة وصاحبها طاغوت. ولكنهم في الحركة تعاونوا مع النظام الثوري. وقد استقطبت نظرية ولاية الفقيه الخمينية معظم أنصار الحركة ولا يزال لأتباعها السابقين دور فاعل في النظام. وقد أقام الإمام الخميني عدة مؤسسات تحت نظرية ولاية الفقيه هي:
مجلس صيانة الدستور: وهو مجلس سياسي مكون من 12 شخصا من المدنيين ورجال الدين مناصفة ومهمته الموافقة على المرشحين للانتخابات.
مجلس الخبراء: وهو مجلس سياسي منتخب يتكون من 82 شخصا من المجتهدين والعلماء، ومهمته انتخاب الولي الفقيه وعزله.
مجلس تشخيص مصلحة النظام: وهو مجلس قضائي مكون من 32 عضوا، مهمته الفصل في أي خلاف يقع بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور.
التيارات الإيرانية منذ انتصار الثورة: روحانيون مبارز وروحانيت مبارز: روحانيون مبارز يعرف بتنظيم جماعة رجال الدين المناضلين الشباب المؤيدين لرئيس الوزراء السابق والمرشح الرئاسي الخاسر الحالي حسين موسوي، والذي كان قد أصبح من قبل كبير مستشاري خاتمي الذي كان عضوا في روحانيون مبارز.
ويقف روحانيون مبارزعلى هامش تنظيم آخر أقدم لرجال الدين الأكبر سنا ومكانة: جمعيت روحانيت مبارز التي كان يرأسها الشيخ مهدوي كنى رئيس الوزراء الاسبق. التقط رفسنجاني خاتمي وضمه إلى تنظيم كوادر الأعمار والبناء ذو العلاقة القوية بالبازار، وأثريائه الاكثر ليبرالية فيما يخص البزنس، ورشحه للرئاسة، ففاز في الإنتخابات بـ'20 مليون' صوت أمام ناطق نوري المحافظ. ودعا خاتمي إلى تشكيل حزب الدفاع عن المجتمع المدني المسالم ورشح لأمانته الشيخ عبدالواحد الموسوي اللاري لتأمين مزيد من القوة في وجه القوى التقليدية المهيمنة.
مجاهدين خلق: يجمع التنظيم المسلح بين الإسلام والفكر اليساري الإشتراكي، وهم متأثرون بكتابات المفكر الأسلامي وعالم الاجتماع الدكتور علي شريعتي، وقد أنكروا ولاية الفقيه، ورفض مسعود رجوي التوقيع على الدستور الإسلامي، فمنعه الخميني من الترشح لرئاسة الجمهورية. فاصطدم التنظيم المسلح بالنظام مؤيدا أبو الحسن بني صدر، وفجر مقر الحزب الجمهوري الإسلامي، وقتل 73 من قادة الحزب على رأسهم بهشتي، كما اغتالوا رئيس الجمهورية الثاني رجائي، ورئيس وزرائه باهنر، فتمت ملاحقة التنظيم وتصفية أعضائه وهرب من تبقى منهم إلى العراق حيث صارت للحزب معسكرات مسلحة في عهد صدام.
البازار: يشكل كبار التجار في بازار طهران قوة سياسية واقتصادية كبرى ويهيمنون على غرفة تجارة وصناعة طهران، وعلى مؤسسة المستضعفين التي ورثت أموال الشاه المصادرة وأموال أسرته وأعوانه، كما يهيمنون على(كميته أمداد) لجنة الإمام الخميني للمساعدات التي تضم مؤسسات كبيرة ومصانع وشركات. ولهم نفوذ في إجهزة القضاء والإدعاء والسجون ومحاكم الثورة. كما ان لهم علاقة قوية بجماعة روحانين مبارز، كما تمثلوا في الحزب الجمهوري الإسلامي الذي كان يعبر عن قوتهم، وهو الذي أسسه شريعتمداري، وكان ينافس الخميني على السلطة فاتهم بالتآمر وحل حزبه وحجز في بيته إلى أن توفي. وقد أفرز البازار في مرحلة معارضة الشاه منظمة فدائيي إسلام بقيادة نواب صفوي التي اغتالت عددا من رؤساء الوزراء والوزراء. ومن أبرز وجوه البازار الوزير السابق والمرشح للرئاسة عسكر أولادي واخوانه، ووزير الحرس السابق رفيق دوست وإخوانه وشيق ومير محمد صادق، وكريمي نوري، والمدعي العام الثوري لاجوردي ومهدي العراقي.
وكان البازار يصدر بالتعاون مع الشيخ الأذري القمي جريدة رسالة ويطالبون بالحرية التجارية وخصخصة التعليم والصحة والخدمات العامة، ولذلك اصطدموا مع خاتمي الذي ينتمي إلى 'روحانيون مبارز' التي تميل إلى تنشيط دور الدولة في الإقتصاد والتجارتين الداخلية والخارجية. أما البازار فبتحالفه مع جمعية روحانيت مبارز، التي كانت تقف بأجنحتها اليمينية والمعتدلة وراء مبدأ ولاية الفقيه ووقفت وراء مرشحها ناطق نوري، فقد واجه جزء منه الرئيس خاتمي حتى تمكن رفسنجاني من ضم الجميع تحت جناحه. حزب الله: مجموعة من الشباب المتطرف يتسمون باسم حزب الله الذي أستقل في بدايات الثورة للتعبير عن الحالة الشعبية العفوية للتظاهرات والمقاومة وقد انخرط معظمهم الآن ضمن قوات الباسيج (الحرس الثوري). وكانوا في عهد خاتمي يتجاوزون القانون ويعتدون على حريات الآخرين كالإعتداء على مكتب منتظري وقد أنتقدهم خاتمي بشدة آنذاك ودعاهم إلى احترام القانون وعدم التناقض مع مواصفات حزب الله الحقيقي.
واعتقد انه أصبح من الواضح إن التظاهرات الحالية لا تشكل أي تهديد للنظام القائم لوجود كتلة شعبية هي الأكبر والأكثر جذرية تقف إلى جانبه وتؤيده. وفي صراع ذي طابع طبقي كهذا يمكن ان يقع الكثيرون صرعى رؤوسهم الحامية.
' كاتب من اليمن
المظاهرات التي انخرط فيها أنصار حسين موسوي رفعت شعارات تطالب باحترام أصواتها الانتخابية، وبالحرية السياسية والاجتماعية الليبرالية، وبمزيد من الفرص الاقتصادية. انها مطالب الطبقة الوسطى الكلاسيكية من كاراكاس فنزويلا إلى القاهرة إلى طهران. ولم يكن مصادفة ان تنطلق تلك التظاهرات من شمال طهران حيت تتجاور الطبقتان الثرية والوسطى، بينما ينطلق مؤيدو احمدي نجاد من احياء جنوب طهران الفقيرة وأرياف إيران.
الوضع السياسي الحالي في إيران -قراءة طبقية
النمط الخطي
