قراءة في كتاب النسخ في القرآن بين المؤيدين والمعارضين
قراءة في كتاب النسخ في القرآن بين المؤيدين والمعارضين
مؤلف الكتاب محمد الناصري من اهل المغرب وهو يدور حول وجود النسخ من عدمه في القرآن وفى التمهيد قال الناصرى:
"تمهيد ...
القرآن الكريم كلمة الله وهدايته الأخيرة لإرشاد الخلق إلى طريق الحق، ومعجزة الإسلام الخالدة التي لا يزيدها التقدم العلمي إلا رسوخا في الإعجاز ... ولا عجب والقرآن كذلك، أن حظي بعناية فائقة واهتمام بالغ من لدن علماء الأمة سلفا وخلفا.
ومن مظاهر عناية علماء الأمة بالقرآن الكريم: إقبالهم على حفظ ألفاظه، وتفسير معانيه، وتأليف المؤلفات العديدة حوله، التي ضمت علوما جليلة لكشف كنوزه التي لا تنقضي."
واستدل الناصرى على أهمية النسخ بالرواية التى ذكرها بقوله:
"ومن أعظم علوم القرآن، التي اجتهد علماء الأمة في وضع قواعد لها: علم الناسخ والمنسوخ، العلم الذي أجمعت الأمة على أن معرفته "أكيدة وفائدته عظيمة، لا يستغني عن معرفته العلماء، ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء، لما يترتب عليه من النوازل في الأحكام، ومعرفة الحلال من الحرام، روى أبو البختري قال:"دخل علي المسجد فإذا رجل يخوف الناس، فقال: ما هذا؟، قالوا: رجل يذكر الناس، فقال: ليس برجل يذكر الناس! لكنه يقول: أنا فلان ابن فلان فاعرفوني، فأرسل إليه فقال: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟! فقال: لا، قال: فاخرج من مسجدنا ولا تذكر فيه وفي رواية أخرى أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت! ومثله عن ابن عباس""
والحديث باطل والخطأ فيه هو السماح باستخدام المسجد لتخويف الناس بينما الواجب هو أن المسج بنى بذكر اسم الله وهو وحيه كما قال تعالى :
" في بيوت اذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه "
وتحدث عن فائدة علم النسخ فقال :
"ولأهمية العلم الكبيرة -هاته- "اهتم العلماء بدراسة النسخ في القرآن الكريم، وصنفوا فيه، وأفردوا له مؤلفات خاصة، وكشفوا النقاب عن مواطنه، وأزالوا الشبهات التي أحيطت بموضوع النسخ، ومن أبرز من ألف في النسخ كل من: ابن الجوزي الفقيه الحنبلي المتوفى سنة (597 هـ) في كتابه "أخبار الرسوخ بمقدار الناسخ والمنسوخ"، وهو مطبوع مع كتاب مراتب المدلسين لابن حجر، وأبي جعفر النحاس محمد بن أحمد المرادي المتوفى سنة (338 هـ) في كتابه، الناسخ والمنسوخ "وهو مطبوع بهامش كتاب "أسباب النزول "للواحيدي، ومكي بن أبي طالب القيسي المتوفى سنة (313 هـ) في كتابه "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه " وكتاب "الإيجاز في ناسخ القرآن ومنسوخه" وكتب في الناسخ والمنسوخ كل من قتادة بن دعامة من تابعي البشرة، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وأبي داود السجستاني، وأبي بكر ابن الأنباري، وأبي بكر بن العربي المعافري .. "
وبعد أن ذكر تاريخ بعض الناسخ والمنسوخ في التاريخ عرف النسح من خلال اللغة والمصطلح فقال :
"النسخ ... الدلالة اللغوية والشرعية
"يذكر اللغويون لمادة النسخ عدة معان تدور بين النقل، والإبطال، والإزالة، فيقولون نسخ زيد الكتاب إذا نقله عن معارضة [مقابلة]، ونسخ النحل إذا نقله من خلية إلى أخرى، ويقولون: نسخ الشيب الشباب إذا أزاله وحل محله، ويقولون: نسخت الريح آثار القوم إذا أبطلتها.
وأمام هذه المعاني المتعددة للمادة، نراهم يختلفون في أيها هو المعنى الحقيقي، وأيها مجاز له، ثم يتجاوز هذا الخلاف دائرتهم إلى الأصوليين والمؤلفين في الناسخ والمنسوخ، حين ينقلون عنهم ... "
ورجح الناصرى أن معنى النسخ هو الإزالة فقال :
"والراجح أن مادة النسخ وضعت لتدل على معنى الإزالة "فالإزالة هي المعنى الحقيقي لمادة النسخ في القرآن كما يدل على ذلك استعمال القرآن نفسه لمادة النسخ، إذ نلحظ أنه (أي القرآن الكريم) مع استعماله للمادة في معنى النقل، يكاد يحكم بأن الإزالة هي معناها الحقيقي: بيان ذلك أنه عبر عن جواز النسخ في ثلاث آيات، فاستعمل مادته في أولها، واستعمل في الثانية مادة المحو والإثبات، وفي الثالثة مادة التبديل، وكل ذلك حيث يقول:
"ما ننسخ من آية أو ننسها بخير منها أو مثلها"
"يمحو الله ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب"
"وإذا بدلنا آية مكان آية"
والذي يبدو لنا أن التعبير عن النسخ بالمحو والإثبات في آية، وبالتبديل في آية آخرى .... يوحي بأن مثلهما في إفادة معنى الإزالة، فالإزالة هي معناه الحقيقي إذن"
وأما النسخ بمعنى المحو النهائى من كتاب الله فلا دليل عليه بدليل وجود الأحكام الناسخة والمنسوخة فيه كما أن آية تبديل آية مكان آية واضحة في استبدال الحكم فقط
وبعد ذلك انتقل الرجل إلى اختلاف القوم في معانى النسخ فقال :
"وإذا انتقلنا إلى البحث عن حقيقة النسخ الشرعية، بعد أن تبينا حقيقته ومجازه لغة، فإن ما نسجله كملاحظة أولى هو: اختلاف علماء الأصول في تعريف النسخ شرعا، تبعا لاختلافهم في تحديد معناه لغة.
وهكذا "نجد من الأصوليين من يعرفه بأنه بيان انتهاء مدة التعبد مع التراضي، ومن يعرفه بأنه الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم، ومن يعرفه بأنه اللفظ الدال على ظهور انتفاء شرط دوام الحكم الأول، ومن يعرفه فيقول: هو أن يرد دليل شرعي متراخيا عن دليل شرعي مقتضيا خلاف حكمه ومن يذهب في تعريفه إلى أنه رفع تعلق مطلق بحكم شرعي ابتداء، ومن يضطرب فيحاول الجمع بين عدة اتجاهات في تعريفه، ومن يستوحي القرآن والسنة وكلام المتقدمين فيعرفه، بأنه رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر".
وحدثنا الناصرى عن حكم الحكم الراجح عند العلماء وهو بقاء الحكمين في كتاب الله مع نسح أحدهما للأخر وهو قوله:
"والتعريف الأخير للنسخ -والذي مفاده بأنه رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر- هو الراجح عند جمهور العلماء، لأنه "تعريف واضح بسيط لا غموض فيه ولا تعقيد، وأنه يعود بالنسخ إلى مدلوله الأول، فيربط بينه وبين معناه اللغوي برباط وثيق، ويستمد القرآن الكريم والسنة المطهرة، ولغة الصحابة والتابعين حقيقته الشرعية كما أنه تعريف جامع مانع لا يحمل نوعا من النسخ، ولا يسمح بدخول ما ليس بنسخ في نطاق النسخ كما حده، بالإضافة إلى أنه يعرفه على أنه هو فعل الشارع، وهذه هي حقيقته، والشارع وحده هو الذي يملك سلطة تقريره والقول به فيما شاء من أحكامه"
إنها ملاحظات تجعل من تعريفنا هو الراجح "والجائز عند جمهور علماء الأمة" "
وتحدث عن أنواع النسخ فقال:
"النسخ ... حكمه ... دليله ... أنواعه
والنسخ -بمعناه الراجح- جائز عقلا وواقع شرعا في الشريعة الواحدة وبين الشرائع، حيث إن شريعتنا ناسخة لما قبلها، وهو قول الجمهور.
وبناء على هذا القول، أمكن تقسيم النسخ إلى قسمين:
النسخ الكلي: وهو النسخ الواقع بين الشرائع السماوية، فكل شريعة متأخرة زمنيا، تأتي أحكامها ناسخة لبعض أحكام الشريعة التي سبقتها، فمثلا شريعة عيسى ناسخة لشريعة موسى، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لشريعة عيسى وبذلك تعتبر شريعة محمد ناسخة لما قبلها من الشرائع، فلا عمل بما في شريعة سابقة إلا ما وافق الشريعة الخاتمة الخالدة.
ولا يوجد مسلم ينكر هذه الحقيقة، إذ لا نعلم أحدا من المسلمين أنكر نسخ شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لجميع ما سبقها من شرائع، إلا ما ادعى على أبي مسلم الأصفهاني، وهذا من التحامل عليه، فإنه إنما أنكر النسخ الجزئي في الشريعة الإسلامية لا النسخ الكلي، وكلامه منصب على إنكار النسخ في القرآن على وجه الخصوص"
مما سبق نجد تناقضا في كلام الناصرى فمرة يقول بالنسخ الكلى للشرائع السابقة في قوله" وبذلك تعتبر شريعة محمد ناسخة لما قبلها من الشرائع" ومرة يقول أنها لا تنسخها كليا وإنما تنسخ جزء صغير منها بقوله" فكل شريعة متأخرة زمنيا، تأتي أحكامها ناسخة لبعض أحكام الشريعة التي سبقتها"
فالرسالات وهى الشرائع الإلهية أكثر من99.9% منها ثابتة وعدد قليل يعد على أصابه اليد هو المنسوخ
وتحدث عما سماه النسخ الجزئى فقال :
"النسخ الجزئي: وهو النسخ الواقع في الشريعة الواحدة، كأن يكون في الشريعة الواحدة حكم جاء مخالفا لحكم سابق عليه، ولا يمكن الجمع بينهما بتأويل مقبول، فيكون الثاني حتما ناسخا للأول ...
|