العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة الفـكـــريـة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الميسر والقمار فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال لغز زانا الأم الوحشية لأبخازيا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: Can queen of England? (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: المعية الإلهية فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد رسالة في جواب شريف بن الطاهر عن عصمة المعصوم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات فى مقال أسرار وخفايا رموز العالم القديم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال آثار غامضة ... هل هي أكاذيب أم بقايا حضارات منسية؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خرافة وهم سبق الرؤية .. ديجا فو (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال هستيريا (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 18-08-2014, 12:26 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الحوار والنقاش والجدال


(1)


هناك منظومة من المفردات التي تتعلق بالنشاط اللغوي في العمل السياسي، يتوقف حُسن نمو الخاصية السياسية للسياسي على التوفيق في التعامل مع مثل تلك النشاطات المندرجة تحت تلك المنظومة.

فالحوار والجدال والحديث والمناقشة والمناظرة، قد تبدو لأول وهلة وكأنها تشي بنفس النشاط اللغوي، ولكنها تختلف اختلافاً قد يؤدي عدم فهمه الدقيق الى الوقوع في أخطاء قد تهوي بالسياسي من درجة عليا الى درجة سُفلى، حتى تخرجه بالتالي من دائرة النشاط السياسي في مجالاته المختلفة، إذ يكون في مسألة يُطلب فيها النقاش، يلجأ السياسي المتعثر الحظ الى المجادلة أو المناظرة!

الحوار من الجذر (حَارَ)، أي تاه ودار وعاد الى النقطة التي ابتدأ فيها مشواره، ومن هنا الحارات، والدارات مثل (دار القمر) أي الدائرة التي تحيط بالبدر المكتمل، وفي العراق لا زال الناس يستخدمون (الدارة، أو الداير) للتدليل على حي يعرف أصحابه بعضهم البعض، ويستخدم بعض الناس في كلامهم مثل تلك الإشارات فيقولون (يلف ويدور) لمن يعيد في الكلام أثناء حواره مع الآخر.

النقاش: بالأصل مأخوذة من نَقَش بمنقاش أي استخرج شوكة من قدمه أو قدم غيره، فتم الاستعاضة عنها في الكلام، لأولئك الذين يتسلسل أحدهم بالكلام ليستخرج (إقراراً) بحقيقةٍ معينة، يستخدمها ويستند عليها في إتمام كلامه.

والمناظرة: من الجذر (نظر)، فهي بالأصل المعاينة والإشراف، فيُقال: ناظِر المدرسة أو ناظر الحضرة الملكية الخ. ولكنها في الاستعمال الشائع اليوم تستخدم للمباراة في الكلام، فتتم المناظرات بين المرشحين للرئاسة أو البرلمان.

أما الجدل، والمجادلة، فهي لفظ لا يحمل عند العرب براءة المحاورة، بل ينطوي في ثناياه خِصال ماكرة. وفي الفلسفة يشير الى (الدياليكتيك) أو التطور الجدلي، حيث يطرح (أ) فكرة معينة، ويطرح (ب) نقيضها، ويتفقان في نهاية الحوار بعد أن يتنازل كل من (أ) و (ب) عن جزء مما طرح، فيتولد مولود اسمه (المركب)، فيحمله كل من (أ) و (ب) كأنه ذخيرة أو حصيلة ما اتفقا عليه، فيذهب أحدهم الى (ج) ويطرح المركب بصفته فكرة جديدة، فيطرح (ج) نقيضه، ثم يتوصل الطرفان الى مركب جديد، وهذه هي فكرة التطور في المجتمعات التي يحل الحوار والجدل البناء محل الموافقة الكاذبة أو النفاق.

وقد ورد الحوار والجدل في القرآن الكريم بأشكال مختلفة، فيكون بين الله ورسله، وبين الرسل والعباد وبين الناس وأعضائهم وبين الطير والناس الخ.. {ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}(الكهف 54)؛ {وقالوا أألهتنا خيرٌ أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون} (الزخرف54)؛ {وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا واعز نفرا} (الكهف34)؛ وقد ورد لفظ الجدل والحوار في آية واحدة {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير} (المجادلة1).

(2)

الأصل بالسياسي أنه يزعم أنه يحب وطنه ويحب شعبه، ومن يحب شعبه، لا يتمنى لهم إلا الخير، وأن يكون السياسي كالأم التي تنظف ولدها الرضيع دون تأفف، وأن لا ترمي به الى المزبلة كونه قذراً، فمن يتهكم على شعبه تسقط مزاعمه في أنه ينشد الخير لأبناء شعبه، حتى لو كانوا في نظره جهلة أو ماكرين، ومن يدري فلعلهم ينظرون إليه أنه جاهل وماكر!

مر على الدولة العربية والإسلامية قرنان من الزمن لم يكن المسلمون فيها إلا ما يقارب خُمس السكان، ومع ذلك فقد تفجرت طاقات الإبداع في كل المناحي، الاقتصادية والعلمية والفلسفية والفقهية، كان العدل يسود فيحس المواطن بالأمان وينصرف الى الإبداع، بل كانت الدولة تجذب المبدعين من خارجها ليظهروا إبداعاتهم وترجماتهم ويتعلموا العربية ويكتبوا ويؤلفوا بها، انظر الى الصابئة من أولاد موسى بن شاكر وثابت بن قرة، وانظر الى المسيحيين واليهود كيف كانوا يخلصوا في أعمالهم بالترجمات والبحوث وغيرها (أولاد حنين بن اسحق؛ وبختشوع) وغيرهم.

لن يكون عادلاً من لم يكن إنسانياً، فمن حابى ابن دينه أو ابن عِرْقه، أو ابن حزبه، على حساب الحق، فإنه ليس إنساناً عادلاً، ولا يؤمن بالله، ولا بأنبيائه، فكل الرسالات السماوية أوصت بالإنسان خيراً، وطالبت بالعدل والقسط، فلذلك جذبت دولة العرب والمسلمين المبدعين من كل أصقاع الأرض، عندما كان يسود فيها العدل، وهاجر أبناؤها من أرض المسلمين عندما ساد الظلم، وهذا ما جعل الإمام محمد عبده يقول قولته الشهيرة عن بلاد الأجانب وجدت فيهم إسلاماً ولم أجد مسلمين، كما لم نجد في بلادنا إسلاماً في حين أنها تمتلئ بالمسلمين.

(3)

يلجأ المحاور الرديء الى أساليب سيئة تنفر الناس من محاورته، ودلائل رداءة المحاور هي:
1ـ الحديث بصوت عالٍ.
2ـ الانتقال من موضوع لموضوع لتشتيت تركيز المحاور.
3ـ عدم الإصغاء للمحاور الآخر، وإن أصغى للحظات فهي لالتقاط الأنفاس، ويكون في أثناء تلك الوقفة يحظر لتوليفة سيئة جديدة.
4ـ الشتائم، ووصف المستشهد بهم بأوصاف غير مؤدبة، عميل، حمار، أخرق، مرتشي الخ، مما يؤذي المحاور الآخر أو يدفعه لتقليد هذا الأسلوب الرديء.
5ـ الضحك أثناء جولة المحاور الآخر والالتفات يمينا وشمالاً من باب السخرية.
6ـ استخدام الأسئلة الاستفزازية والتي تجلب التوريط، كأن يطرح سؤالاً بين لحظة وأخرى: هل أنت ضد سياسة رئيس الجمهورية؟ أو جلالة الملك؟
7ـ الابتعاد عن مناقشة ما يُطرح ودفع المحاور الى زوايا يتقنها المحاور الرديء، فإن أحس المحاور الرديء بجهل محاوره بالجغرافيا أو الدين أو التواريخ، دفع محاوره للوقوع بفخاخ إبراز جهله أو نقص معلوماته بها.
8ـ يحاول المحاور الرديء إشراك الحضور بإطرائهم ومدحهم في الأول ثم تأليبهم على محاوره، كأن يقول بين كل لحظة: اسأل هذا الرجل العظيم الذي يُجمع الناس على استقامته وأمانته وشجاعته، فهو إن لم يكسب هذا الشخص سيضمن (حياده) في المحاورة.

(4)

لا يبتذل المحاور الجيد احترام الآخرين ابتذالاً، بل ينطلق في احترامهم من خلال إيمانه بحق كل مواطن بإبداء رأيه في أمور وطنه، وقد يكون رأي هذا المواطن فيه من المنفعة ما يخدم الوطن، فلماذا يُقمع؟

وقد يكون رأي هذا المواطن مسموماً وكريهاً، فتخليص المواطن من آرائه الكريهة، كغسيل المعدة بعد التسمم بالغذاء، ولكن على المحاور الجيد تبيان رداءة الرأي الذي يحمله محاوره، بالحجة القوية والأسلوب المقبول، فلا يسفه رأي محاوره علناً، بل يوافقه عليه جملة وتفصيلاً، ثم يبدأ بتشريحه ب (لكن) (ماذا لو)، حتى يقر المحاور الآخر بضحالة فكرته ورداءتها.

على المحاور الجيد، أن يبقى على هدوءه ومحاوره يتكلم، ويساعده في التمكن في التعبير، ويقول له بين فترة وأخرى، نعم، أكمل من فضلك، ويسأله دون تجريح أو انتقاص: هل أنهيت حضرتك كلامك؟ ثم يتناول رده بطريقة علمية.

وقد لخص المولى عز وجل فكرة الحوار الجيد بقول الرجل المؤمن في سورة غافر {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا إن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وان يك كاذبا فعليه كذبه وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم} [غافر 28].
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-08-2014, 02:22 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

العمل الجماهيري


في كل مجال تدريسي نظري، يرافقه مجال عملي، دروس الفيزياء والكيمياء في قاعات المحاضرات، يتبعها أو يحاذيها دروس تطبيقية في المختبرات، وكذلك الهندسة والطب والزراعة الخ.

في السياسة، والعمل الحزبي، وكما أسلفنا، فإن كل الأحزاب تتطهر وتسوق نفسها كملائكة للرحمة، وقد اختبر المواطن العربي ذلك طيلة أكثر من قرن من الزمان. لم يعد المواطن يكترث للكلام النظري والشعارات، ولم يعد المواطن مدافعاً عن أي نظام حكم عربي، أو حتى حزب سياسي، استلم الحكم أم لم يستلم.

(1)

تسعى الأحزاب السياسية للوصول الى السلطة، من خلال تعريف (منحوت) للحزب بأنه جماعة دعائية مصطنعة دائمة تسعى لاستلام الحكم. في حين تكون المنظمات الجماهيرية، أو الشعبية، وأحياناً يُطلق عليها منظمات المجتمع المدني، وهو استخدام يحتاج الى مزيد من التفصيل ـ لسنا بصدده ـ، الى تنفيذ خطة معينة، قد تكون آتية من حزب بعينه، أو مجموعة أحزاب متفاهمة، أو أشخاص فُرادى ليس لهم علاقات حزبية، أو من حزبيين لم يأخذوا أوامر تحركهم من أحزابهم، لإتمام مسألة معينة في منطقة معينة.

وتتفاوت أهداف خطط ومشاريع العمل الجماهيري، من حيث مناسبتها، أو تصنيفها، فقد يتنادى أشخاص لتنظيف مدينة من القاذورات، وتنتهي حملتهم وتجمعهم بانتهاء الهدف، أو ينذر مجموعة من الأشخاص لمكافحة الأمية في قرية ما، أو يتنادى مجموعة من الشخصيات المحلية لمعالجة تسكع الشباب أمام مدارس البنات ومضايقتهن، بعد أن ينسقوا مع الجهات الأمنية المختلفة.

وأحياناً تأخذ مشاريع العمل الجماهيري طابعاً تنموياً، كأن يبادر أبناء تنظيمات حزبية ببناء قرى للعمال (مشاريع حدثت في أوائل السبعينات بالعراق). أو تقوم نقابة الأطباء مثلاً بفتح عيادات شعبية بأجور زهيدة جداً واعتبار التبرع بالقيام بهذا الواجب جزء من النضال الوطني.

وقد تبادر مجموعة معينة من اتحاد الشباب الوطني بالمشاركة بأعمال حصاد العدس والقمح، أو تنظيف منطقة أثرية، كما حدث في منظمة اتحاد شباب الأردن عندما شاركت في حصاد العدس في منطقة (عمراوة ـ شمال الأردن) وتنظيف منطقة آثار (أم قيس) وذلك في بداية التسعينات من القرن الماضي.

قد تستحسن القيادات الحزبية أعمالاً شعبية مثل تلك، وتدرجها في تقاريرها وكأنها إنجازات قامت بها هي، في حين تكون هي مبادرات منفصلة عن الإرادات الحزبية.

(2)


لا يُحب أكثر الناس العمل، ولا الحديث الطويل، ولا الرياضيات والبراهين والقوانين، وقد يكون طلبهم للعلم ليس حباً بالعلم بل هو رغبتهم بالابتعاد عن العمل، والكثير من الناس يجيب على سؤال لما تُعلِّم ابنك؟ فيقول: لا أريده أن يشقى مثلي في العمل، أي أريده أن يكون مُشرفاً ومديراً على أناس يعملون!

وقد فضحت السنوات الأخيرة تلك الخصلة أي كره العمل عند كل شعوب الأرض، ولم تشذ شعوبنا عن تلك القاعدة، فقد وقع الناس في الأردن وفي دول الخليج ضحايا لعمليات نصب واحتيال كبيرة وصلت قيمتها عدة مليارات الدولارات، بحجة الاستثمار بالبورصة والأسهم ذات المردود العالي! فباعت النساء مصاغها الذهبي، وباع الرجال بعض ممتلكاتهم أو معظمها وسلموا أثمانها لأشخاص ومكاتب وشركات وعدتهم بأرباح تصل الى 25% بالشهر! وصدَّقوا ذلك، ولم تزل قضايا عمليات النصب تلك مستمرة منذ ست أو سبع سنوات.

في السياسة قد تلجأ أحزابٌ وحكومات لمثل ذلك، مستلهمةً الخاصية البشرية في تسهيل الأمور والحصول على مكاسب سريعة دون عناء، فكانت بعض الأحزاب الشيوعية والقومية تلجأ لإرسال الطلاب للدراسة في الجامعات العربية أو الشيوعية، فيعلن الطلاب وحتى ذويهم إيمانهم المطلق! بالفكر الذي تلتزم به الدول صاحبة الجامعة! وما هي إلا سنوات قليلة حتى يتخرج هؤلاء الطلاب ويستنكفون من تلك الأحزاب أمام دوائر المخابرات العربية، أو أنهم ينخرطون في العمل المخابراتي أثناء دراستهم في تلك الجامعات، وربما قبل ذلك!

وتستغل هيئات حزبية أو مستقلة، تلك الخاصية في الانتخابات البلدية والبرلمانية وربما الرئاسية، في شراء ذمم الناخبين، كون تلك الجهات تعرف ضحالة الولاء والفهم السياسي لدى جمهور الناخبين، فهو لا يؤمن لا بالوحدة ولا بالحرية ولا بالعدل ولا بشيء أو أن تلك المسائل لا تؤرقه، ولكنه يؤمن بالمنفعة الآنية من عملية التصويت، فلذلك تنخفض نسب التصويت في كل مناطق العالم لعدم الاقتناع بكل العملية، ويذهب للاقتراع من يوالي حزباً أو طائفة أو عشيرة، ومن استلم ثمن صوته وهم يفوقوا الأصناف الأخرى!

(3)

وعندما تصدق النية في العمل الجماهيري، فإنه يؤدي دوراً ممتازاً في تحقيق العدالة ويُبعد الناس عن التفكير بالعنف والقتل والتفجير والتكفير وغيره، فقد تسقط حكومات وأنظمة، إذا تم ربط العمل الجماهيري بالعمل السياسي، كأن يتم الإضراب عند المعلمين والممرضين وعمال قطاع الكهرباء وإسالة المياه، ويبقى الإضراب قائماً حتى يتغير الدستور أو الحكومة أو يتنحى رئيس الجمهورية.

لكن هل يتنادى الناس هكذا للعصيان المدني؟ أم هل تكون وسائل التواصل الإلكتروني هي البديل عن التنظيمات الحزبية، وتؤدي دورها أم أدوارها؟ وهل هو مضمون هذا اللون من التواصل في العمل السياسي، أم أنه يصبح عرضة للسرقة؟

يعني, هل يستسلم العرب لفشل جهودهم بالتغيير المدني الحديث؟ أم أن التغيير المُسلح وما يرافقه من دماء وزهق أرواح وتخريب منشآت البلاد واقتصادها وتهديد السلم المدني هو الطريق البديل الناجح؟! أم أن هناك أسلوب لم نتدرب عليه جيداً، أو لم نستخدمه لحد الآن, أو أننا استخدمناه ولكن بطريقة مغلوطة؟ وما هو دور المسئول الحزبي في ذلك الأسلوب المُستتر؟
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 06-09-2014, 12:27 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

النقابات والعمل النقابي


رغم أن لفظ (نقيب) معروفٌ في تراثنا العربي الإسلامي، حيث ورد في القرآن الكريم بسورة المائدة { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا }، وتعني النقيب في اللغة الوجيه والقائد، وبالرغم من قِدم استعمال ذلك اللفظ، إلا أن مدلوله وما يعنيه قد دخل حديثاً الى الاستعمال، منذ قرن أو ما يزيد قليلا، وقد حل محل مصطلحات مثل (شيخ الكار) و (شيخ المهنة) وربما (المحتسب).

لقد عرفت حضارتنا العربية والإسلامية وشعوب منطقتنا مدلول هذا اللفظ منذ القدم، فقد نظم الفراعنة والسومريون مهنهم وأوردوها في تشريعاتهم كما وردت في شرائع حمورابي، ولو تمعنا في المادتين 229، و230 من شرائع حمورابي لأدركنا مدى ما كان من بلوغ تنظيم المهن (المادة 229: لو بنى معماري بيتاً لسيد، لكنه لم يجعله قوياً، وكانت النتيجة أن انهار البيت ومات صاحبه، يُقتل المعماري)؛ (المادة 230: لو تسبب في قتل ابن صاحب البيت يُقتل ابن المعماري)*1، كذلك توجد مواد تنظم عمل الأطباء والبيطريين وغيرهم.

(2)

إذا كان تعريف النقابة (Syndicate): جمعية تُشكل لأغراض المساومة الجماعية بشأن شروط الاستخدام ولرعاية مصالح أعضائها الاقتصادية والاجتماعية عن طريق الضغط على الحكومات والهيئات التشريعية، والالتجاء الى العمل السياسي في بعض حالات معينة*2, فإن الغايات الواردة في هذا التعريف، أو جزءا منها كانت قد وضعت نُصب أعين القائمين عليها منذ عهود غابرة (السومريين والفراعنة).

وفي العهود الإسلامية في القرون الأولى من الحكم الإسلامي، وجدت وظائف شبيهة بوظيفة النقيب في الوقت الحاضر، ولكنها لم تكن تحمل نفس الاسم، فقد وجد (المحتسب) الذي كان يراقب عمليات (الجودة) ومطابقة المواصفات وقد كان يرتبط بالوالي أو مدير الشرطة لضبط الجودة ومنع الغش، ومنهم من اعتبر تلك المهنة تطوعية وبلا أجر، بل أن صاحبها كان يحتسب أجره عند الله، ومن هنا جاء اسمه.

ويبدو أن تنظيم المدن والأسواق في العهود السابقة حتى قبل قرن من الزمان، كانت تسمح لأن يتم اختيار (كبير) لكل مهنة، ومن يتجول في أسواق الموصل وبغداد والقاهرة وفاس القديمة وغيرها من المدن العربية، سيجد (سوق الصفافير) أي المشتغلين في النحاسيات وسوق (الفراء) وأسواق متخصصة لكل حرفة وصنعة، وكانت المهن تُقسم لطوائف وأصناف, فكان كبير السوق يُطلق عليه ألقاباً تتماشى مع الدور الذي يقوم به، فيُقال (شيخ الكار) وشيخ المهنة و (شاهبندر التجار) الخ. وكان أعلى منصب هو شيخ مشايخ المهنة، يليه النقيب ثم (الشاويش) و(المعلم) و(الأسطة) والصانع والصبي الخ.*3


(3)


إذا كانت الحركة النقابية القديمة تعني بحقوق المهنة بما يخدم الصنعة والمواطن، فإن الحركة النقابية الحديثة قد دخل عليها عاملٌ مؤثر جديد، وهو مالك أدوات الإنتاج ومن ثم الممول بشكل عام، فلم يعد الخياط أو الحداد أو الخباز كما كان، يعمل في زاوية من زوايا بيته تطل على الشارع ولها مدخل على البيت، فتجلس ربة البيت مع زوجها تساعده وتسامره وتقدم له الشراب والطعام، فاقترن عمل البيت بالإنسانية والجودة، ولا يزال الناس يقولون (طعام بيت وليس طعام مطعم) و (شغل بيت) الخ، بل انتزع من مكانه وأجوائه ليوضع في جو جديد وغريب وبعيد عن الإنسانية.

كانت ساعات العمل الطويلة التي وصلت الى 16 ساعة في بعض الدول، وكان التحرش بالعاملات، وكان استخدام الأطفال، ولم يجد العامل في تلك الأجواء الجديدة التي سُحقت فيها إنسانيته إلا البحث عن طريقة ليتخلص فيها من معاناته وبؤسه، فكانت النقابات الحديثة التي جاءت بعد صراعات طويلة امتدت من بداية الثورة الصناعية الى منتصف القرن التاسع عشر حيث أسست أول النقابات بشكلها الأولي في بريطانيا عام (1720) تحت اسم (جمعيات)، ثم تطورت بعد ذلك، ولم يُعترف بها كنقابات إلا عام 1871، وقد شهدت الولايات المتحدة وأستراليا وغيرها الكثير من إضرابات العمال والتي كان أعنفها عام 1886 حيث أصبح الأول من أيار/مايو عيداً عالمياً للعمال.



وفي بلادنا العربية، في العصر الحديث كان إضراب عمال (لفافي السجائر) في مصر (وكان معظمهم من اليونانيين) أول إضراب في عام 1899، وكان لجمعية لفافي السجائر التي يرأسها اليوناني (دكتور كريازي).*4

وحاول القائمون على العمل النقابي التمييز بين النقابات المهنية والتي جعلوها للمحامين والمهندسين والأطباء والبيطريين والصحافيين وبين النقابات المعنية بالعمال والحرفيين.. ثم نشأت بعدها أشباه النقابات كغرف التجارة والصناعة وجمعيات رجال الأعمال الخ..

(4)

في الأحزاب العربية، تكون اتجاهان خاطئان للعمل الحزبي داخل النقابة: الأول ينظر للنقابة على أنها امتداد للتنظيم الحزبي، ويحاول بناء على ذلك فرض جميع مواقف الحزب على النقابة، والثاني: شعور المسئول الحزبي الذي يتمتع بشعبية من المستقلين داخل نقابته، أنه يُفضِّل على حزبه، وهؤلاء كثيراً ما يغترون وينشقون عن أحزابهم. وفي الحالتين فإن مرجعية الحزبيين داخل نقاباتهم تحبذ الرجوع للحزب بدل النقابة، وهذا ما ينفر المستقلين من النقابات وتدخل الأحزاب فيها. وإن القادة الحزبيين في النقابات والذين سيقومون بدور الوسيط بين إدارة الشركات والمؤسسات الحكومية، وبين العاملين أو أعضاء النقابة، سيكونون موضع كراهية وعزل من لدن الأعضاء وسيسقطون سياسياً.

الأساس في الأحزاب الثورية أنها أحزاب لطليعة الشعب وليس لجماهير الشعب، والحزبيون الذين يظنون أن الثورات هي من صُنع (النُخب) وأن الجماهير ليست إلا وقوداً في المعركة، ستُجهض ثوراتهم ولو بعد حين، فالشعب ليس كتلة هلامية عديمة الشكل متساوية الخصائص، بل جسم له رأس هو الطليعة الحزبية وجسم هو الجمهور، وبالقدر الذي تكسب فيه الأحزاب جماهيرها وتنظمها ضمن نقابات وهيئات مدنية وتترك لها حرية الإبداع في التعبير عن مطالبها، بالقدر الذي يصبح فيه الحزب ومسئوليه قادة جماهيريين سياسيين يلتف حولهم الناس..

قضايا الشعب ليست سبايا أُخذت من قبل الأنظمة، وإن كانت كذلك فإن محرريها من السبي لا يتصرفون معها كجواري تباع وتشترى، بل تُعاد إليها كرامتها بعودتها للشعب نفسه ليقول كلمته فيها.

ومن يتصفح ثورات العرب خلال قرن كامل من الزمان، يجد أن من يخلص الوطن من مستعمر أو حكم فاسد، يتصرف مع الوطن كسبية أعيدت ليس للشعب بل لمن حررها، يتصرف بها كيف يشاء.



هوامش
*1ـ شريعة حمورابي: دراسة قانونية مقارنة مع التشريعات الحديثة/عباس العبودي/ جامعة الموصل 1990 صفحة 269.
*2ـ موسوعة السياسة/ أسسها عبد الوهاب الكيالي/ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ المجلد السادس ط1 1990 صفحة 604.
*3ـ تاريخ مدينة دمشق وعلماؤها خلال الحكم المصري/ خالد بني هاني/ دمشق: الأوائل 2005 صفحة52.
*4ـ النقابات المهنية: محاولة للفهم/إعداد: خالد علي عمر/ القاهرة: مركز هشام مبارك للقانون صفحة10
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-09-2014, 10:35 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

في المُوَاطَنَة

قد يكون مصطلح المواطنة حديثاً نسبياً، ولكن الكلام عن المواطنة بما تحمله من معاني، كان قديماً جداً، فظهرت المطالبات الدينية السماوية بتكريم الإنسان، وتحريم دمه، وإعطائه حقوقه بغض النظر عن دينه وعرقه وغناه أو فقره.

تكلم اليونانيون والرومان والبوذيون والمسيحيون والمسلمون في موضوع المواطنة، حتى غدت وكأنها مطلب سماوي وأخلاقي، ولكن كان يتم التجاوز عليها حتى بدت وكأنها مطلب (مثالي) لا يتم تنفيذه بحذافيره، كما جاءت تلك المثالية في مؤلفات الفلاسفة (جمهورية أفلاطون) و(المدينة الفاضلة).

وبعد الثورة الفرنسية، تصاعد الحديث عن المواطنة، حتى أصبحت ركيزة أساسية في الدساتير والتشريعات القانونية الأخرى، كما أصبحت محاور أساسية وفرعية في المؤلفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحديثة.

(1)


المواطنة ثقافة، كما هي نظام يتأسس على قوانين ضابطة للحقوق والواجبات. وحين يتفكك النظام وتختل القوانين الناظمة للعدالة، فإن ثقافة المواطنة لا تصمد كثيراً، إلا إذا واكبها واحتضنها مجتمع مدني ومؤسسات حاضنة تقوم بتحصينها وإعادة بنائها، وتلعب دور الرافعة التاريخية لها لإعادة بناء النظام من جديد على أسس العدالة.*1

في مسيرة البشرية، ومن خلال تطور مفهوم الدولة، إذ تحولت الدولة شيئاً فشيئاً من دولة الأفراد والرعية الى دولة المواطنين، ترافق مع هذا التطور، نمو لفكرة الديمقراطية، حتى غدت الديمقراطية والمواطنة وكأنهما وجهان لورقة نقدٍ واحدة، لا يجوز البيع والشراء بها دون الوجهين معاً..

تتشكل عضلة القلب لفكرة المواطنة من ثلاث ركائز: الحرية والعدالة والمساواة. ومن خلال هذا الثلاثي فإن إعادة تشكيل الوعي الإنساني في مواجهة الطغاة والفقر والجوع والمرض والتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتمييز العنصري والثقافي، سيبقى في حالة تموضع ونمو مستمرين.

حقاً، هناك ديمقراطيات راسخة في العالم، ولكنها لا تلبي تغذية متطلبات ثالوث المواطنة (الحرية والعدالة والمساواة)، فبالرغم من أن شعار الثورة الفرنسية في عام 1789يحمل معاني الثالوث إلا أن المرأة لم يُسمح لها في التصويت أو الاقتراع إلا عام 1945، وكذلك يمكن القول عن التعامل مع السود في الولايات المتحدة، إذ مَرّ ما يقرب من مائتي سنة حتى تم الاعتراف بحقوقهم، فالمسألة، إذن ليست بالنصوص والديباجات بل بالممارسة والثقافة المؤمنة..

هناك ديمقراطية في الكيان الصهيوني، لكنها موسومة بالعنصرية، هناك ديمقراطية في لبنان ولكنها مقيدة بقصاصات طائفية ودينية، وهناك ديمقراطية في الولايات المتحدة ولكنها مفصلة حسب القدرات المالية ومصالح رأس المال.

(2)

ومن اشتقاقات المواطنة، وجذرها (وَطَن)، يبرز عندنا المكان الذي يُشكل الحدود الجغرافية والمساحة التي ينتمي لها المواطن، وهنا تبرز إشكاليتها في منطقتنا العربية، حيث تتوزع المفاهيم السياسية الأساسية، فالقوميون مثلاً، لا يعترفون بالحدود القطرية التي وضعها الاستعمار في اتفاقية سايكس ـ بيكو، ويبنون أيديولوجياتهم على حدودٍ يحلمون بها أن تكون من المحيط الى الخليج. والإسلاميون لا يعترفون بالحدود القطرية ولا بالأحلام القومية، فهم يتصورون وطناً لا حدود له، بل حدوده هي حدود دولة الخلافة، والشيوعيون والماركسيون لا يؤمنوا بكل ذلك لا بالحدود القطرية ولا القومية ولا الإسلامية. ويظهر الليبراليون وكأنهم أكثر الطوائف والمذاهب السياسية واقعيةً، فيتصرفون على أساس الحدود الراهنة.*2

إن هذه الإشكالية، تجعل مهام السياسي العربي أكثر تعقيداً من مهام السياسي في أي بقعة بالعالم، وتجعل الآخر من الفصائل الأخرى، وكأنه آخر لا يمكن التهادن معه، ولا يمكن التعايش معه، وتلك المسألة هي جذر المواطنة في كل أنحاء العالم.

(3)

من مظاهر المواطنة أن يقوم المواطن بالمشاركة بالأعمال التطوعية والثقافية، وتكييف سلوكه مع المعايير العامة للوطن، وأن يشعر بحب الوطن ويحترم المرأة ويتنافس عالمياً مع كل الحضارات ويحترم القوانين ويدفع الضرائب ويشترك بالانتخابات، وينتقد المخطئين في الدولة والمجتمع، ويحافظ على الممتلكات العامة، ويحترم الديانات والأعراق لكل من يشاركه في المواطنة، وأن لا يقدم أحداً على أحد بحجة تقاربه في الدين والقرابة والإقليم والعرق.. الخ

ولكي تتجلى تلك المظاهر عند المواطن، فعلى الوطن بقياداته السياسية والاقتصادية والثقافية أن يؤدي للمواطن (حقوقه) وأولها تعزيز حبه وولاءه لوطنه وليس لأشخاص وذلك من خلال بناء (الأنفة) وعدم الخضوع والخنوع للمتدخلين في شؤون الوطن، وكذلك تأمين العمل والصحة والتعليم والسكن، عندها يصبح الاحتكام للقوانين أكثر سلاسة وأكثر تطبيق، ويكون الانصياع للقوانين أكثر إذا أحس المواطن بالعدل والأمان، فسيدافع عن تلك القوانين لأنه أسهم في إيجادها من خلال فعاليته في الانتخابات والمناقشات التي رافقت ذلك، لكن عندما تنخفض نسبة المشاركة في الانتخابات، حتى لو كانت نزيهة 100% فإن ذلك يؤشر على وجود خلل في مسألة المواطنة.

(4)

لن يكون صادقاً في زعمه، من يرفع شعارات حب الوطن ويحابي مسئولاً كاذباً ومفسداً، ولن يكون سياسياً يُشار له بالبنان على صعيد المدينة والإقليم والوطن من شكك بوطنية كل الأحزاب وكل الشخصيات السياسية..

إن المسئول الحزبي الذي سيُكتب له أن يكون قائداً سياسياً في المستقبل، هو من يتدرب منذ نعومة أظافره على حب الوطن ومواطنيه، والتعامل مع كل الفرقاء في الفكر والدين على أنهم أناسٌ لهم الحق في الحياة كاملة كما يفترض لنفسه ذلك الحق، وعليه أن يطور مفهوم التعايش مع هؤلاء المواطنين، كما لو كانوا في مسئوليته، ويقبل أن يحكموه فيما لو آلت لهم الفرص في تبادل الأدوار (وهذا يتم ديمقراطياً) بالانتخابات وبناء المؤسسات التي تصون فكرة الديمقراطية وتطورها...

انتهى



هوامش
*1ـ انظر مثلاً كتاب عدنان السيد حسين رئيس الجامعة اللبنانية (المواطنة أسسها وأبعادها).
*2ـ انظر مقالة علي خليفة (دكتوراه في المواطنة والتربية من جامعة جنيف) تحت عنوان: المواطنة والدولة في الإسلام نشرها في مجلة المستقبل العربي عدد 427 أيلول/سبتمبر 2014 صفحة 56 وما بعدها.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .