العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > مكتبـة الخيمة العربيـة > دواوين الشعر

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الغرق فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال أمطار غريبة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)      

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 25-04-2008, 12:54 PM   #1
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي المنفى والغربة في شعر الشاعر العراقي

[FRAME="11 70"]المنفى والغربة في شعر الشاعر العراقي
( يحيى السماوي) *

عبد اللطيف الأرناؤوط

لست أدري ـ على رغم ولعي بقراءة نتاج الشعر المعاصر ومتابعة الحركة الشعرية على دروب التقليد والحداثة ـ كيف شدّني شعر " يحيى السماوي " منذ صدور دواوينه الأولى ، وأرغمني على الإعتراف بإبداعه ، إذ من النادر أن أستسلم بيسر ٍ لشاعر أقرأ له للمرة الأولى . فمنذ قراءتي بواكير قصائده في مجموعته " قلبي على وطني " عام 1992 م وأنا أتابع مجموعاته الشعرية بشغف وإعجاب ، وقد سيطر على وجداني معترفا أن العبقرية الشعرية تعلن عن نفسها دون أن تحتاج إلى مَن يمنحها صكّ الشهادة .. وربما تعود هذه القناعة التي توافرت لديّ إلى سببين ... فالشاعر السماوي يُعَدُّ بجدارة ، وارثا ً أصيلا ً لديباجة الشعر العربي القديم ، وقد تمكن من فهم واستيعاب أسرار صنعتها الخفية وطبـّقها في شعره دون أن يجمد عند حدود القديم . فقد استعار من الحداثة جوهرها ، وأبرز مقوماتها التي لا تجور على طبيعة الشعر العربي الموروث ، ولا تهدر رسالة الشاعر في الإيصال لوضوحها وجلائها وبُعدها عن الشطط والتعقيد والتعتيم .. فكان شعره يمثل ما يمكن أن يرجوه القارئ من الدعوة إلى تحديث الشعر الذي كثر الجدل فيه تنظيرا ، وأساء بعض مَن جارى تلك الدعوة فقلـّدَ الشعر الغربي مرتديا ثوبا مستعارا ـ والعارية مهما تزيّت فإنها تبقى غريبة نافرة عن ثوب الشعر العربي .

أما السبب الثاني فيعود إلى صدق الشاعر في كل ما أبدع ، فقد عكس شعره حياته إنسانا ً مشردا هاربا من الديكتاتورية ، لاجئا بعيدا عن وطنه المثخن بالجراح ، ورمته وطنيته المخلصة على شواطئ الغربة ، فلم يكتب إلآ بما يتصل بحياته ومحنة وطنه " العراق " ، حتى عُدّتْ كل هذه العوامل محنته الذاتية ، فكان في منفاه صورة عن وطنه المنفيّ من خريطة العالم .

يكفي أن نقرأ عناوين دواوينه لنعرف تفاصيل المحنة .. من هذه العناوين مثلا ً : " قلبي على وطني " .. " من أغاني المشرد " .. " جرح باتساع الوطن " .. " عيناك لي وطن ومنفى " .. " هذه خيمتي .. فأين الوطن ؟ " .. " أطبقت أجفاني عليك " .. " ألأفق نافذتي " .. " البكاء على كتف الوطن " فهي توحي بمضامينها كيف استحال الوطن وتجسّد في روحه حتى باتا معا ً وحدة ً لا انفصام فيها .ولا شك أن أدب المنافي ليس حكرا على السماوي أو بقية شعراء هذا العصر ، فهو قديم في التراث العربي بصورتيه : المنفى الروحي النفسي ، والمنفى الحياتي الجسدي والجغرافي كما هو ماثل في أدب المهاجر ، وشعر شعراء القضية الفلسطينية . لكنه يتخذ عند السماوي تفرّدا ً خاصا ً لأن كل شعره وقفٌ عليه ، ولم يُتـَحْ لشاعر أن يتناول ظاهرة المنفى وعذاباته بهذا العمق والإتساع ، إذ استطاعت قريحته أن تعبر عن مأساة الغربة بمعنييها النفسي والجغرافي بأربع عشرة مجموعة شعرية دون أن يجترَّ ذاته أو يكرر صدى ترجيعها في نفسه . ومع أن هذه المجموعات تبدو كسيمفونية تعزف على نغم واحد ، لكن يوجد في كل قصيدة من التنوّع والتلوين ما يمنحها جدّة وابتكارا ، لأنها تنبع من معطيات نفسه الحزينة المكلومة ومن محنة شعب مضطهد ، وتحكي سيرة عمر ٍ منذور لمحنة الوطن الذي أحبَّه ، فأسلمه حبه العجيب إلى أكثر من منفى .
وكما رفض الشاعر الديكتاتورية والإستبداد والنظام الشمولي ، فقد بقي مناضلا وطنيا رافضا الإذعان لمشيئة المحتلين الذين جعلوا من وطنه خربة ينعب فيها البوم ويمرع فيها الإرهاب . فالعراق مبدع الكتابة ووارث عظمة فكر الحضارات التي تعاقبت عليه ، أمسى اليوم مسرحا ً لأكبر وأبشع عَـبَـث ٍ سياسي إجرامي تمارسه أقوى دولة في العالم .

لقد آثر الشاعر أن يعيش منفيا ً باختياره ، يكتوي بالنار ذاتها التي يكتوي بها وطنه على أن يعود إليه ليعانق موتا ً لا معنى له ... يقول :

يـومي له لـيـلان ِ... أيـن نـهــاري ؟
أتـكـون شــمــسـي دونـمــا أنــوار ِ؟

أبحرتُ في جسد الفصول مُهاجـرا ً
طاوي الحـقـول ولـيس من أنصار ِ

أبْـدَلــتُ بالـظـلّ ِ الهـجـيـرَ لأنـني
قـد كـنتُ في داري غـريـبَ الـدار ِ

أنا ضائعٌ ـ مثل العراق ِـ فـفـتشي
عـني بروضك لا بِـلـيـلِ صحاري

أنـساكِ ؟ لا والله ِ! تلك مـصيبتي
إنّ الوفاءَ ـ وإنْ خُذِلـتُ ـ مَـداري

أنا لـسـتُ أولَ حالم ٍ نـكـَثـَـتْ بـه
أحـلامُـه فــأفــاقَ بــعــدَ عــثــار ِ

حظي كدجلةَ والفرات: نـَداههـما
دمعٌ .. ولحنهـما صُـراخُ : حَـذار ِ

وتعدّدَتْ يا هـندُ في وطن الهوى
سُــبُـلُ الــرّدى بـتعَـدُّد ِ الـتـُجّـار ِ

وطنٌ على سعة ِ السماءِ رغـيفهُ
لـكـنــه : حِـكـرٌ عــلى الأشـــرار ِ

**
على الرغم من أنّ محنة الوطن ، كانت عاملا ً من أبرز العوامل في اغتراب الشاعر النفسي ، لكنه منذ طفولته ، كان الألم والفجيعة خِدنه ، يغذيان نفسه المرهفة ويُشعِرانه بقسوة الحياة في ظل نظام شمولي .. يقول :

أنا سادنُ الوَجَع ِ الجليل ِ ..خَـبَرتهُ
طـفـلا ً .. وهـا قاربتُ يـومَ ذهابي

أنا طفلكِ الشيخُ .. ابتدأتُ كهـولتي
من قـبل ِ بـدء ِ طـفولـتي وشـبـابي

لـَعِـبَـتْ بـيَ الأيــامُ حـتى أدْمَـنـَتْ
وجَعي .. وخَرَّزَت ِ العـثارُ شِعابي

يحـدو بـقافـلـتي الضَـياعُ .. كأنني
للحزن ِ راحٌ .. والهـموم ِ خـَوابي

(ستٌّ وخمسونَ) انتهيْنَ وليس من
فــَرَح ٍ أُخِـيط ُ بــه فـتـُوقَ عـذابي

عشـنا بدَيجـور ٍ .. فلمّـا أشـمَسَـتْ
كـشـَـفَ الضحى قـاتـل ٍ ومُـرابـي

ومُـسَـبِّحـيـنَ تـكادُ حـين دخـولِهِـم
تـشـكـو الإلـه َ حِـجـارةُ المِحـراب ِ

ومُـخـَنـَّـثِـيـنَ يَــرَون َ دك َّ مــآذِن ٍ
مَـجـدا ً.. وأنَّ النصـرَ حَـزُّ رِقـاب ِ

وإذا كان اغتراب الشاعر النفسي طفلا ً يبدأ منذ مرحلة الفطام من ثدي أمه وما يترتب عنه من حرمان وسوء تكيّف شأن كل طفل ينقطع عنه نسغ الحياة ما دام أنه لا يعيش معنى الطفولة في ظل نظام كانت الطفولة من بين ضحاياه ، فإن هذه المرحلة لديه إمتدت في حياته إلى ما بعد الطفولة في منفاه الثاني حيث فطامه الرمزي الآخر عن ثدي الوطن الأم .. فهو ما فتئ يكرر أنه مازال طفلاً في إهاب شيخ ، محروما ً من رؤية وطنه الذي غادره مكرها ً بعدما انضمّ إلى معارضة حكم النظام الديكتاتوري ، وكان يراوده أمل العودة ، وقد بدأت قوة النظام تتصدّع بسبب ممارساته القمعية التي أفضت إلى نبذه من قبل غالبية الشعب العراقي مما سـهّـل لقوات " التحرير المزعوم " مهمة الإطاحة به .. لكنه فوجئ أن " العراق " قد خضع لاحتلال أجنبي لا يقلّ قسوةً ووحشية ً ، وأن بعض رفاق دربه الذين حملوا لواء المعارضة ، يعودون إلى الوطن على ظهر دبابة المحتل ، وفي وهمهم أنه سيسلمهم أمانة الوطن على طبق من فضة ، لكن حدسه الشعري مكـّنه من قراءة سطور المستقبل بمعطيات الواقع ، فآثر المنفى والغربة على العودة الذليلة إلى واقع الوطن المتردي :

جئتك ِ الان أواسيكِ بموتي
ألحِديني صدرَك ِ الطفلَ
انسجي ليْ من مناديل المراثي كـَفـَنا

فكـّري أنْ تجدي إسما ً جديدا ً
للذي كان أنا ..

فأنا الواقف مابين يديك ِ الآنَ
ما عدتُ هنا ..

فـتـّشي تحت ركام ِ القهر ِ عـني
في الذي كان يُسَـمّى وطنا ..

قبل أن ينسَـجـِـنا

في أضابير ِ السـفارات ِ
الدهاليز ِ
سـراديب ِ الخـَنا

والخطابات ِ التي تـُكتـَبُ في وجهين :ِ
وجه ٌ يتهجّـاهُ الدراويشُ علينا
كلما أوشكت ِ الأرضُ على الرّعـد ِ
ووجهٌ في رحاب ِ " المعبد ِ الأبيض "
تـُرضي الوَثـَنـا

سَـلـَّـموا للغرباء ِ الرَّسَـنا

ومشى خلف الخيول ِ السـادة ُ الأعيانُ جَـهْـرا ً
مُتـَحَـنـِّـينَ بـ " رَوْث ِ الجاه ِ "
طـُلابَ كراس ٍ وغِـنى

للسلاطين المرايا ..
والتوابيتُ لنا ..

ولهم باسم إله ِ الحرب ِ
ما يفضلُ من مائدة الجنة ِ
والنارُ لنا ..
ولهم شـهدُ العناقيد ِ
وأشواكُ البسـاتين ِ لنا ..

ولهم ما تكنزُ الأرضُ من النفط ِ
وعَـفـْطـُ الـعَـنـز ِ والزِّفتُ لنا ..

**
طفولة الشاعر المنفية بالخيبات الفردية ، إتسعت بخيبة أمله في العودة .. أصبح حلم العودة يوتوبيا في نظره .. لكن ، أين العراق الذي سيعود إليه ؟ أين هو وقد تهدمت بغداده ومدنه وقراه وحرثت قنابل البنتاغون بساتينه ، وهرب الملايين من أهله ممن سلموا من الموت ؟ فالشاعر قد زار الوطن أملا ً في أن يجد عراقا ً جديدا ً كالذي كان يحلم به ، فإذا به لم يجد غير الموت المجاني والخراب والرعب المرتسم على الوجوه :

مررتُ بالبصرة ِ .. لكنْ
لم أجدها ..
فقفلتُ راجعا ً
ولم أبلـِّغ أحدا ً سلامك الحميمَ
خفتُ أنْ يُصادرَ الغزاةُ صُـرَّة َ التراب ِ
ألقيتُ بها
وضعتُ في الزحامْ

لا " الحسنُ البصريُّ " في مسجده ِ
ولا " الفراهيديُّ " في مجلسِـه ِ
ولا الفتى " عليُّ " في " المقامْ "

خلـّيك في منفاك َ
لو كان يُجيدُ الهَـرَبَ الترابُ
ما أقامْ

في الوطن المحكوم ِ
بالإعدامْ !

يحدثُ أن يُـقـتَلَ عصفورٌ
لأنَ ريشـَـهُ
ليس بلون ِ جُـبَّـة ِ الإمامْ

يحدثُ أنْ يُـصْـفـَعَ ظبيٌ
في الطريق العامْ

لأنه لم يُطِـل ِ اللحية َ..
أنْ تـُطـْـرَدَ من ملعبها غزالة ٌ
لأنها
لا ترتدي عباءة ً طويلة َ الأكمامْ

يحدثُ أنْ يُـدَكَّ حيٌّ كاملٌ
وربما
مدينة ٌ كاملة ٌ
بزعم ِ أنَّ ما رقا ً
أقامَ في بيت ٍ من البيوت ِ
قبل عامْ !!

لقد حطمه اليأس حتى كفر بشعره ، وهو أثمن ما يملكه الشاعر .. فقد بدا عاجزا ً أمام محنة وطنه ، فراح يطلب شعرا ً يليق بمحنة الوطن فينتشله من جوف قبره المسيّج بحطام حضارته العريقة .. محنة جعلته حائرا ً مترددا ً يترجح بين الإقدام والنكوص .. بين العتاب والكتابة:

عاتبتُ ـ لو سَـمعَ الـقـريبُ عـتابي
وكـتبـتُ ـ لـو قـرأ الــبعـيـدُ كـتابي

وسألـتُ ـ لـو أنَّ الـذين محـضتهـم
ودّي أضــاؤوا حَـيْـرَتي بـجــواب ِ

وعصرتُ ماءَ العينِ لـو أنّ الأسى
أبقى بحقـل ِ العمر ِعـشبَ شـبـابِ

وترنـَّمَـتْ لـو لـم تكـن مـشـلـولـة ً
شـَفتي ومصلوبَ اللحون ِ ربابي

كيف الغناءُ ؟ حدائـقي مـذبـوحة ٌ
أزهـارُها .. ويـبيـسـة ٌ أعـشـابي ؟

الـدارُ بالأحباب ِ ... ما أفـيـاؤهـا
إنْ أقـفَـرَتْ داري مـن الأحـباب ِ ؟

**
قد نجهل كما يجهل النقد ، كيف يمتلك شاعر أبجدية التعبير عن الألم بنفس الرؤية ، ويستنطق بالكلمات ما نعجز عن استنطاقه . وبهذه القدرة الإبداعية يتجاوز " السماوي " المباشرة ، والإستغراق في الحديث عن الجوانب السياسية والإجتماعية ليعبّر بلغة يستمدها من معجم الألم ، وفي إطار بنية ٍ لغوية وروابط علائقية تجعل شعره يكتسي مع كل نصّ ٍ ابتكارا ، ويمتح من نبع الحب الإنساني ـ هذا القاسم المشترك بين كل البشر والذي لا يستطيع تجسيد ه سوى المبدعين .. يقول :

أملكُ من الوطن : إسمه
في جواز سفري المزوّر ..
من نداماي : وشاياتهم ..
من بحار الأحبة ِ: الزَبَد ..
من لؤلؤ الحظ ِّ: الصَدَف ..
ومن اللذائذ : الندم !

أرهقه الإنتظار والترقب ، وتعطل لديه كل إحساس ٍ بالمكان والزمان وهو يرى وطنه قد أضحى مختبرا يجرب فيه المحتل آخر مبتكراته من أسلحة متطورة ، بعد أن غرس فيه بذور الفتنة الطائفية ، كاشفا ً من خلال جرائمه الوحشية عن ذئبيته ، كجرائمه في سجن " أبو غريب " وجريمته الأكثر وحشية وهمجية المتمثلة بإقدام بعض جنوده على اغتصاب الطفلة " عبير قاسم حمزة " بعد قيامهم بقتل أفراد عائلتها ، حتى إذا انتهوا من فعلتهم الدنيئة قتلوها وأضرموا النار في الدار لإخفاء جريمتهم البشعة ... يقول في قصيدته المهداة إلى الشهيدة الطفلة " عبير " :
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .