العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية على المريخ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث العقد النفسية ورعب الحياة الواقعية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خوارزمية القرآن وخوارزمية النبوة يكشفان كذب القرآنيين (آيتان من القرآن وحديث للنبي ص (آخر رد :محمد محمد البقاش)       :: نظرات في مقال السؤال الملغوم .. أشهر المغالطات المنطقيّة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال البشر والحضارة ... كيف وصلنا إلى هنا؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال التسونامي والبراكين والزلازل أسلحة الطبيعة المدمرة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال الساعة ونهاية العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات في مقال معلومات قد لا تعرفها عن الموت (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 08-03-2010, 11:00 AM   #51
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ثالثاً: رفض الآخر في الحرب الأهلية اللبنانية (1975ـ 1990)

في حرب دامت أكثر من 15 سنة وتداخلت فيها الأسباب الداخلية بالعوامل الإقليمية والدولية التي ساعدت على تطويل أمدها وتعميق النزاعات فيها، من الصعب جداً تحديد أولوية تلك الأسباب لتجعل منها أساسا علميا للتفسير.

لقد ظهر منهجان في تحليل أسباب الحرب: المنهج الاقتصادي والمنهج النفسي والاجتماعي. والمنهج الاقتصادي يُعيد أصحابه أسباب الحرب الأهلية الى أن المهجرين من القرى والمناطق التي تعرضت الى القصف الصهيوني في جنوب لبنان، قد نزحوا الى ضواحي المدن وبالذات (بيروت) طلباً للأمن والعمل والعلم، وشكلوا (حزام بؤس)، ترافق مع ظهور وانتشار الأفكار الديمقراطية والليبرالية والاشتراكية، وتزايد معه الميول الى إقامة مناطق خاصة بالطائفة والقومية وغيرها، وكان الحراك يبدو وكأنه ينبع من طبقات مسحوقة فلاحية أو فقيرة.


لكن دعاة المنهج النفسي والاجتماعي يؤشرون الى ما يلي:

1ـ إن الطوائف أو المذاهب تشكل وحدات ثقافية ذات امتداد تاريخي قديم ودور مميز في المجتمع اللبناني. وبالتالي، فلهذه الطوائف الحق في إقامة مجتمعها (الخاص) بها وإدارة شؤونها الداخلية عبر (زعمائها) دون تدخل من زعماء الطوائف الأخرى.

2ـ تقاليد وعادات وثقافة كل طائفة، التي تتزاوج فيما بينها، يكرس تكتلها.

3ـ إن ميليشيات كل الطوائف هي بمثابة جيوش لكانتونات تُستخدم عندما تحس بتهديد أمن الطائفة.

4ـ لهشاشة الدولة المركزية التي لا مركزية فيها سوى الاسم، فإن الصراعات الداخلية داخل الطائفة كانت ضحاياه أكثر من صراعاته مع الطوائف الأخرى. فقد خسر (الموارنة) و (الشيعة) من صراعاتهم الداخلية خسائر أكثر بكثير من تلك التي خسروها مع أطراف أخرى.

5ـ تظهر مع ذلك شعارات يطرحها اللبنانيون مجتمعون (لبنان للبنانيين) على غرار مصر للمصريين والجزائر للجزائريين، وهذا الشعار له مدلولاته في نواح معينة.

خاتمة:

لا بد من القول إن النظام السياسي اللبناني المبني على توازنات طوائفية مرحلية وهشة هو، بطبيعته، مولد للأزمات. وإذا كانت الأزمات تعبر عن نفسها بصيغ الاحتجاج، والإحباط، والدعوة الى رفع الغبن، والرغبة في المشاركة الفاعلة في مرحلة السلم، فإن مرحلة الحرب عرت المكبوت الطائفي وفجرت الغرائز الدفينة.

إن لبنان بحاجة الى نظام جديد يستند الى قراءة معمقة لأحداث الماضي واستخراج الدروس والعبر منها. والدولة القادرة على صهر اللبنانيين في بوتقة الوحدة الوطنية .
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-03-2010, 10:42 PM   #52
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الثاني والأربعون: الآخر العربي والآخر الفلسطيني في نظر الفلسطينيين في إسرائيل ..

تقديم: عزيز حيدر .. أستاذ بجامعة بير زيت ـ فلسطين
الصفحات من (699ـ 726) من الكتاب
مقدمة:

حازت قضية العلاقة بين اليهود والفلسطينيين في إسرائيل اهتمام عدد كبير من الباحثين، ولا سيما الإسرائيليين. ولكن الاهتمام بصورة الآخر لم يكن بارزاً في هذه الدراسات حتى أواسط السبعينات. وحتى بعد هذا التاريخ تمكن ملاحظة تركيز الأبحاث على صورة الفلسطيني في نظر الإسرائيلي. إلا أن صورة الإسرائيلي في نظر الفلسطينيين (الذين يعيشون في فلسطين 1948) لم تزل نادرة.

ولأن الوضع معقد جداً داخل المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، فإن الباحث يناقش قضية حساسة جداً يتناول فيها مسائل تتعلق بالهوية والمواطنة وغيرها. قسم يتعلق في نظرة الفلسطيني لتأخر الحال السياسي في الدول العربية، وقسم يتعلق بالمكاسب التي تحققها مواطنة الفلسطيني داخل الأرض المحتلة الخ.

أولاً: الهوية الجماعية وصورة الآخر

أثبتت التطورات التاريخية، خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية، أن الانتماء القومي والإثني والديني يعتبر من أقوى الانتماءات وأكثرها صموداً، ولذلك فإن فكرة انصهار هذه الجماعات في بوتقة واحدة وهوية واحدة أثبتت فشلها في جميع أنواع الأنظمة السياسية ـ الاجتماعية المعاصرة.

إن الانتماء الى جماعة محددة يعني ضمناً وجود جماعات أخرى، أي أن وجود هوية جماعية معينة لا يمكن إلا بوجود هويات أخرى. وهذه الحقيقة تؤكد أهمية الحدود بين الجماعات، وبخاصة تلك التي تتشكل على الأسس نفسها (قومي، اثني، ديني، عرقي...الخ).

فالفرد يعرف نفسه بطريقة تضعه داخل حدود جماعة معينة، وهو بذلك يكون قد أعلن من (لا يكون)، أي الى أي جماعة لا ينتمي. لهذا السبب تكتسب دراسة هذه الحدود أهمية خاصة.

ديناميات الهوية والانتم

تتعين الحدود بين الجماعات بواسطة العناصر الموضوعية التي تميزها بعضها من بعض (البيولوجي والبنيوي والثقافي) والاعتراف المتبادل بهذا التميز. وينتج من تعريفنا للحدود الفاصلة بين الجماعات بأنها حدود اجتماعية، فإن تلك الحدود تقوى وتضعف بحسب السياق السياسي ـ الاجتماعي. لا بل هناك من يعتقد أن الفرد يمكن أن يغير هويته، أو أنه يمكن أن ينتمي الى عدد من الهويات في نفس الوقت، وذلك من منطلق أن الناس يكيفون أفعالهم بحسب السياق والظروف.

نحن نعتقد أن هذه الآراء القائلة بالمبالغة في التأكيد على مرونة الحدود وإمكانية الخيار بين بدائل للاعتبارات التالية:

أ ـ إن التغير الثقافي ليس كافياً لتغيير الانتماءات، وخصوصا على مستوى الجماعات، والتاريخ حافل بالأمثلة الكثيرة.

ب ـ يصطدم تحويل الانتماء القومي أو الاثني عادة بالقيود البنيوية التي تنتج من سياسة النظام السياسي وتؤدي الى قيام حدود اجتماعية صلبة ثابتة أو شبه ثابتة وخصوصاً في حالات الصراع.

ج ـ إن تحويل انتماء الفرد لا يعتمد على رغبته وقراراته فقط، وإنما يعتمد أيضاً على (الآخر)، أي الجماعة التي يرغب في الانتماء إليها. ففي حالات كثيرة (تغلق) الجماعة نفسها أمام محاولات الانتقال والانتساب إليها، إما بسبب خوفها على ضياع هويتها الخاصة المميزة، وإما من أجل المحافظة على امتيازات خاصة في توزيع موارد المجتمع.

د ـ يثبت التاريخ أن الهوية القومية والإثنية قادرتان على المراوغة والتملص من الضغوط، وأنهما قابلتان للصمود والاستمرار على المدى البعيد.

ثانياً: هوية الفلسطينيين في إسرائيل

تشكلت هوية العرب في إسرائيل من عدد من الأبعاد والعناصر التي اندمجت لتنتج ذاتاً جماعية واحدة. ولكن بروز هذه الأبعاد والعناصر اختلفت من فترة الى أخرى. فالهوية المحلية التي تعكس البعد الأول (الاجتماعي) والتفاعل على مدى الأجيال كانت هي الأقوى من الهويات الأخرى. وكان هناك بعد آخر ديني ـ طائفي اختلفت قوته من فئة الى أخرى، ومن منطقة الى أخرى. أما البعد الثالث في الهوية فكان الفلسطيني والذي عكس البعد السياسي ـ الوطني، ولكنه لم يكن قوياً بالذات في الأقلية العربية التي كان معظمها بعيداً عن المركز السياسي ـ الاجتماعي الفلسطيني في المدن الرئيسية. والبعد الرابع كان الانتماء العربي الذي ينعكس في الثقافة العربية المشتركة مع الشعوب العربية والذي يبرز فيه عنصر اللغة.

وبعد قيام دولة إسرائيل، والسياسات التي مارستها تجاه العرب أسهمت إسهاماً كبيراً في إبراز تميز العرب من الأكثرية اليهودية لأنها حددت مكانة الأقلية العربية كجماعة مرفوضة وهامشية على المستوى الرسمي والشعبي على النحو التالي:

1ـ تميز العرب على مستوى التعامل الرسمي وتعريفهم بمصطلحات مثل (غير اليهود) و (أقليات) و (مسلمون) و (مسيحيون) و (دروز) و (بدو) و (الوسط العربي). وقد تم التمييز بين العرب واليهود حتى في بطاقة الهوية الشخصية. بذلك تكون الدولة قد أجبرت الأفراد على الانتماء الجماعي قسراً.

2ـ التمييز في توزيع موارد الدولة، ضد العرب كأفراد وجماعة، مما سبب قلة فرص الحراك الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

3ـ استخدام أجهزة حكم وأنظمة وقوانين خاصة بالعرب، مثل جهاز الحكم العسكري وأنظمة الطوارئ وعزلهم بواسطة قوانين أخرى مثل قانون العودة وقانون الطوائف وغيرهما.

4ـ عزل العرب مؤسسياً بواسطة جهاز تعليم خاص بهم وفصل وسائل الإعلام والمنظمات الطوعية والتنظيمات السياسية والاجتماعية.

5ـ ساهمت في تعميق الفجوة والبعد سياسة العزل الجغرافي والاجتماعي التي أدت الى تقوقع العرب وعزلتهم في أماكن سكناهم.

تبلور الهوية وتحول الانطباعات بعد عام 1967

خلقت حرب 1967 أوضاعاً سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة تماماً عن الأوضاع التي سادت قبلها وأنتجت مؤثرات جديدة في تبلور الهوية الجماعية:

أ ـ تطورت الأوضاع الاقتصادية وارتفع مستوى التعليم والثقافة بين الفلسطينيين في إسرائيل، مما أثر في تبلور الوعي الوطني والسياسي.

ب ـ أدى احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة الى اللقاء المتجدد بين الفلسطينيين، ومكن الذين في الداخل من الاطلاع على ثقافات وسياسات الجماعات العربية والفلسطينية خارج فلسطين 1948.

ج ـ شكلت نتائج حرب 1967 صدمة عنيفة لتصورات الفلسطينيين في إسرائيل وتوقعاتهم من البلدان العربية، وأدى ذلك الى تهاوي انتماؤهم العربي الى انتمائهم الفلسطيني.

د ـ بدأت عملية اندماج الفلسطينيين في الاقتصاد والنظام السياسي الإسرائيلي. وكانت نتيجة هذه العملية الانفتاح أكثر من السابق على المجتمع الإسرائيلي والتعرف عليه والتأثر به.

وقد كل ذلك الى تحولات يمكن اختصارها بما يلي:

أ ـ بدأ الفلسطينيون في إسرائيل يميزون بشكل حاد بين العربي والفلسطيني. فصورة العربي بدأت تغلب عليها السلبية بسبب معاملته للفلسطينيين في البلدان العربية، وبسبب عجزه ودونيته أمام إسرائيل. وعلى رغم أن هذه الصورة اختلفت قليلاً أعقاب حرب 1973، إلا أنها في جوهرها لم تختلف على المدى البعيد. ولكن هذه الحرب بالذات أدت لأول مرة الى بداية التمييز بين الأنظمة العربية والإنسان العربي.

ب ـ على مستوى العلاقات الداخلية بين الفلسطينيين، أنتج اللقاء المتجدد والتفاعل اليومي انطباعات متبادلة متوافقة أحياناً ومتناقضة في أحيان كثيرة، بحيث تحولت الصورة البسيطة السابقة الى صورة معقدة:

1ـ نظر الفلسطينيون في المناطق المحتلة عام 1967 الى فلسطينيي عام 1948 نظرة استعلاء على المستوى الوطني السياسي، واتهموهم بأنهم أقل وطنية وأقل عروبة، وقد أدت تلك النظرة الى استفزاز فلسطينيي الداخل.

2ـ في مستوى السلوكيات الشخصية، نظر فلسطينيو 1967 الى فلسطينيي 1948 نظرة سلبية جداً واتهموهم باكتساب أخلاقيات غربية وإسرائيلية.

ج ـ بدأت صورة الإسرائيلي في نظر فلسطينيي 1948 تتعقد، فهو يمثل القوي والجبار والمنتصر على أكثر من صعيد، ومن جانب آخر هو منحل لا يهتم بالأخلاق ولا بالشرف الخ.

تبلور صورة الذات ووضوح الآخر (1976ـ 1998)

شهدت هذه الفترة عملية تكامل الهوية الوطنية الفلسطينية بين فلسطينيي 1948 وفي نفس الوقت تعميق الاندماج في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية في البلاد.

ولكن الظاهرة المميزة التي برزت أنه أصبح فلسطينيو 1948 يعرفون أنفسهم بأنهم عرب بالمعنى القومي والثقافي وأنهم فلسطينيون بالمعنى الوطني، وأخذوا يتفاعلون مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية السياسية والاجتماعية والثقافية كجزء غير منفصل من خلال أشعارهم ودراساتهم ورواياتهم ويمكن تلخيص تلك المرحلة بما يلي:

أ ـ هناك شرائح واسعة بين الفلسطينيين ارتبطت مصالحها الاقتصادية بالسوق الإسرائيلي بعد سنوات طويلة من الاندماج في هذا السوق وتوثيق العلاقات الاقتصادية والاجتماعية مع الإسرائيليين.

ب ـ تأثرت فئات كبيرة من الفلسطينيين بأساليب الحياة في إسرائيل وتبنتها وانخرطت فيها، مثل الاستهلاك وقضاء وقت الفراغ الخ.

ج ـ تأثر جميع الفلسطينيين بأساليب التنظيم والعمل السياسي وحتى القيم والمعايير التي توجه السلوك في هذا المجال. وعلى الرغم من الاختلاف في أساليب التعبئة السياسية. إضافة الى أن كثير من فلسطينيي 1948 انخرطوا في الأحزاب الإسرائيلية أو أحزاب عربية أنشئت داخل إسرائيل.

د ـ إن نسبة عالية من فلسطينيي 1948 تتكلم اللغة العبرية وتتقن القراءة والكتابة وتستخدمها في الدراسة والحياة المهنية والاتصال مع الخارج.

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-03-2010, 10:43 PM   #53
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الانتفاضة، حرب الخليج واتفاقيات السلام (1988ـ1995)

تعتبر الانتفاضة أهم تطور سياسي، بعد حرب 1967 وقبل بدء عملية السلام، أثر في بلورة وحسم مواقف فلسطينيي 1948 من القضايا التي تشغل الحيز الرئيسي في توجهاتهم السياسية، وأهمها الهوية الوطنية والقومية.

كانت الأهمية الأولى للانتفاضة في أنها أبرزت بشكل واضح الفروق بين فلسطينيي 1948 والتجمعات الفلسطينية الأخرى في الضفة والقطاع، في ترجمة الانتماء الوطني الى سلوك عملي. فموقفهم من أحداث الانتفاضة لم يتعد التضامن والتعاطف، وبذلك أصبح الخط الأخضر يشكل حداً فاصلاً بين فلسطينيي 1948 وفلسطينيي 1967.

وقد برزت مجموعة من المؤشرات السلوكية التي تؤكد الفوارق بين المجموعتين ولنضرب أمثلة على ذلك:

أ ـ التطوع للخدمة العسكرية من فئات من فلسطينيي 1948 والعمل في وحدات الشرطة الخاصة ووحدات المستعربين في فلسطين 1967، لتقدم خدمة القتل وإعاقة أعمال المقاومين.

ب ـ الاحتفالات الجماعية والفردية، بمبادرة ذاتية من فلسطينيي 1948، بعيد نشوء إسرائيل ورفع الأعلام على البيوت ووسائل النقل.

ج ـ تهافت الشبيبة الفلسطينيين على الانتساب الى منظمات الشبيبة الحزبية والمنظمات شبه العسكرية، مثل (كتائب الشبيبة).

وبعد مباحثات السلام بين مصر وإسرائيل ومؤتمر مدريد واتفاقية أوسلو واتفاقية الصلح بين الأردن وإسرائيل، تغيرت الصورة وتركت سمات اجتماعية وثقافية في المجالات التالية:

أ ـ المجال الثقافي:

إن أكثر مجالات التأثر الثقافي ظهوراً ووضوحاً هي اللغة. فإضافة الى خلو مناهج اللغة العربية من الرموز الوطنية والقومية، هناك تركيز على اللغة العبرية. ومما يعمق التأثر باللغة العبرية أنها لغة التدريس في معظم المواضيع العلمية، بسبب غياب كتب التدريس العربية وسهولة التدريس والقراءة لمن تخرجوا من الجامعات العبرية.

ب ـ المجال الاجتماعي ـ الاقتصادي

يظهر أثر التحولات في هذا المجال في أنماط التنشئة ومضمونها، وفي نمط العائلة، وبخاصة أنماط العلاقات داخلها، وفي مكانة المرأة ووضعها في العلاقات الاجتماعية وفي سوق العمل.

ج ـ في مجال الثقافة السياسية

رغم تأثر فلسطينيي 1948 بأنماط السياسة الإسرائيلية وطرق تنظيمها، فإن تمثل مضامينها عند عرب 1948 لم يكن إسرائيلياً كاملاً وذلك سببه آتٍ من رفض المجتمع الإسرائيلي لقبول هؤلاء داخله.

ثالثاً: صورة الآخر في المرحلة الحالية

من الملاحظ أن صورة الآخر تطورت بشكل متواصل بتأثير التطورات والتحولات السياسية. وليس هناك شك في أن العلاقة القوية بين المتغيرين ناتجة من مركزية البعد السياسي في الهوية الوطنية.

وفي عام 1994 أجرى الباحث (عزيز حيدر: كاتب هذا البحث) دراسة ميدانية على 470 حالة من خريجي الجامعات الإسرائيلية من فلسطينيي 1948 بين عامي 1980ـ 1993، لرصد الصورة التي يراها هؤلاء:

يرى أكثرية فلسطينيي 1948 أنفسهم متميزين إيجابياً عن العرب الآخرين وحتى عن فلسطينيي 1967، فهم أكثر صراحة في التعبير عما يفكرون فيه.

ويرى هؤلاء في الإسرائيلي أنه لديه صفات: الطموح وتحقيق الإنجازات ويروه إباحياً ومحافظا في نفس الوقت.

وقد خلص الكاتب الى أن فلسطينيي 1948 لديهم صورة عن الآخر العربي والآخر الإسرائيلي تكونت من خلال تفاعلهم الجماعي وليس من خلال تفاعل فردي تم تدوينه من مفكرٍ أو كاتب منعزل عن التجربة المستمرة.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-04-2010, 08:43 PM   #54
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الثالث والأربعون: الفلسطيني والعربي والإسرائيلي في نظر الطلبة الجامعيين في فلسطين ..

تقديم: محمود ميعاري .. أستاذ بجامعة بير زيت ـ فلسطين
الصفحات (727ـ 744) من الكتاب

أولاً: الإطار النظري

كثيراً ما يطغى التعصب على العلاقات بين الجماعات الإثنية (عرقية، قومية، دينية...الخ) والتعصب (Prejudice ) هو ظاهرة اجتماعية مستمرة. ففي العصور القديمة كان اليونانيون يعتقدون أنهم وحدهم الجديرون بالحرية والسيادة، وأن الجماعات الأخرى ليس لها إلا الخضوع والطاعة لهم.

وفي الوقت الحاضر يميز التعصب كثيراً من العلاقات الإثنية في العالم كالعلاقات بين العرب واليهود في فلسطين، وبين البيض والسود في الولايات المتحدة، وبين الصرب والمسلمين السلافيين في يوغسلافيا (سابقاً) والقائمة طويلة. وعرّف (بانتون Michael Banton) التعصب بأنه (موقف أو اتجاه سلبي أو عدائي نحو جماعة معينة أو نحو أعضائها).

ويتميز التعصب بوجود ما يمكن تسميته بالعربية صوراً نمطية أو أفكاراً مقولبة أو آراء مسبقة (Stereotype) والمصطلح الأخير مستمد من لغة تقانة (تكنولوجيا) الطباعة، وهو في الأصل اللوح المعدني الذي يستخدم في طبع آلاف النسخ أو الصور المتطابقة دون حاجة الى تغيير.

وقد عرف (ليبمان) الستيريوتايب بأنه (الصورة الذهنية المشتركة التي تحملها مجموعة من الأفراد، والتي تتكون غالباً من رأي مبسط أو ناقص أو مشوه يتم تجاهل الفروق الفردية بين الناس فيه.

(1)

تُرجع (نادية سالم) صورة العرب السلبية في الغرب الى محددات أو (عوامل) تاريخية ومحددات ثقافية وحضارية. وأهم المحددات التاريخية هي الحروب الصليبية وما نتج عنها من تشويه للصورة العربية في أوروبا. فالمؤلفات الغربية عن هذه الحروب ترسم صورة قاتمة للعربي يبدو فيها متعصباً وغير متسامح تجاه المسيحيين.

أما المحددات الثقافية والحضارية، فأهمها كتابات المستشرقين العدائية عن الإسلام الذي ظل يشكل خطراً على المسيحية كدولة وعقيدة أكثر من ألف سنة. فالقرآن في هذه الكتابات ليس تنزيلاً إلهيا، بل من تأليف محمد وهو مليء بأفكار غريبة عن الجن والملائكة. هذه المؤلفات المشوهة عن الإسلام خلقت لدى الإنسان الغربي العادي صورة عن العرب والمسلمين بأنهم أقرب الى البربرية والهمجية.

(2)

الصور النمطية تبقى شبه ثابتة في الأوضاع العادية. وكما يقول (ملتون غوردون) ( إن الصور تغرس في الثقافة، وتتغير ببطء، وتنتقل بالطريقة نفسها التي تنتقل بها المعتقدات الثقافية الأخرى).

ففي دراسة قامت بها (نادية سالم) على صور العرب والإسرائيليين في الصحف الأمريكية تبين أن حرب 1967 أظهرت سمات سلبية للشخصية العربية (فالعربي يشعر بالدونية، فاقد للثقة بالنفس، تفكيره غيبي، كاذب، إرهابي) وصفات إيجابية للشخصية (فالإسرائيلي شجاع، واثق من نفسه، متحضر، وتفكيره علمي). أما بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، فقد تحسنت صورة العربي في الصحافة الأمريكية فالعربي (واثق من نفسه، متحضر، وتفكيره علمي). وتراجعت صورة الإسرائيلي فهو (مضطهد ويشعر بالدونية ويحس بالعزلة).

هذه الحالات موجودة في أكثر من بقعة في العالم. فالصيني في نظر الهنود (ودوداً، أميناً، شجاعا ومتحضراً وعلمياً). هذا كان قبل النزاع الحدودي بين البلدين، أما بعده فالصيني في نظر الهنود (عدوانياً، مخادعاً، أنانياً، مثيراً للحرب، قاسياً، عنيفاً، وأحمق).

(3)

هناك تفسيرات عديدة للتعصب ولظهور الصور النمطية، أهمها تفسيران رئيسيان: تفسير نفسي، وتفسير اجتماعي. والتفسير النفسي يرجع التعصب والصور النمطية الى عوامل نفسية مثل (الخوف والقلق والشعور بالنقص والإحباط).

والتفسير الاجتماعي للتعصب فيركز على علاقة الجماعة الأخرى بجماعة الفرد. فيرى بعض العلماء أن التفاوت في المكانة والقوة بين جماعتين يخلق شعوراً بالتعصب، ولا سيما لدى أفراد الجماعة المسيطرة. فمثلاً ينظر الأسياد الى العبيد باعتبارهم كُسالى وغير مسئولين وغير مبادرين.

والتعصب هو رد فعل دفاعي ضد التحدي، الصريح أو الضمني، لامتيازات الجماعة المسيطرة، وكلما زاد التهديد الحقيقي أو المدرك، لامتيازات الجماعة المسيطرة، زاد تعصب أفراد هذه الجماعة ضد المهددين لها من الخارج.

وعندما لا تستطيع فئة التغلب على الفئة التي أقوى منها، فإنها تستلهم تعصب تلك الفئة لتمارسه على من تقدر عليهم. فعجز اليهود الشرقيين في إسرائيل عن الوصول الى مستوى اليهود الغربيين، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، يدفعهم الى تعصبهم ضد المواطنين العرب، وممارسة العداون عليهم بصورة أنكى من اليهود الغربيين.

ثانياً: الدراسات السابقة

لقد أجريت في إسرائيل عدة دراسات على صور الذات والآخر في نظر الشباب الإسرائيلي. ففي عام 1965 أجرى (كلمن بنيميني) وهو عالم نفس في الجامعة العبرية في القدس، بحثاً عن صور الإسرائيلي والأمريكي والألماني والعربي في نظر طلبة مدارس ثانوية يهودية. ووجد أن صورة الإسرائيلي (يتسم بأنه إيجابي واجتماعي وذكي ورجولي ومتفائل ويعترف بالجميل ومنتصب وسريع وصحي وقوي وواسع الأفق)، أما صورة العربي (قديم جداً، ثقيل، صعب، ناكر للجميل، أناني، سلبي، ضيق الأفق، قصير بطيء راكد) ومن المستغرب أن صورة الألماني تفوقت على صورة العربي، رغم فظائع النازية.

كرر (بنيميني) التجربة (الدراسة) في أعوام 1968، 1974، 1979، 1990، 1994. فلم تتحسن صورة الفلسطيني أو العربي إلا قليلاً في الأعوام التي وقعت بها اتفاقيات (كامب ديفيد) واتفاقية أوسلو.

ثالثا: الدراسة العربية

1ـ صورة الذات والآخر

في دراسة طلاب جامعة بير زيت يرى الفلسطينيون أنهم أفضل من الإسرائيليين وأفضل من أهل قطاع غزة وأفضل من بقية العرب، فصورة الفلسطيني في الضفة الغربية (شجاع، عقلاني، غير عدواني). في حين صورة الفلسطيني في إسرائيل (1948) (متوسط في شجاعته وعقلاني وغير عدواني).

2ـ الصورة الإجمالية وارتباطاتها المتبادلة

تقييم الفلسطيني لليهودي بأنه (عقلاني، متوسط في شجاعته) بعكس تقييم اليهودي للفلسطيني.

3ـ الصور الإجمالية وعلاقتها بالهوية

تم توجيه خمسة أسئلة (الديانة والقومية والقطرية ..) وكانت النتيجة أن الهوية الفلسطينية هي الأقوى 90.5% ثم جاءت العروبة 63.6% ثم جاءت الديانة 54.5%.

وقد ظهر أن الانتماء السياسي لفصيل معين (فتح، حماس، منظمات يسارية الخ) لا تختلف أجوبتهم جوهرياً عن غيرهم.

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 27-04-2010, 09:09 AM   #55
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الرابع والأربعون: "العوام" و"الأفندي" في مصر: دراسة في آليات الشك المتبادل..

تقديم: علي فهمي.. باحث مصري

الصفحات 745ـ 758

توطئة:

قبل أن ندخل في موضوع البحث، دعنا نتذكر مع الأخوة القراء، أن الوظائف العامة قد جرى عليها تغير منذ صدر الدولة الإسلامية حتى العصر الحديث، وقد كانت الدولة المتأثرة بالنمط الفارسي تتشابه مع الدولة المتأثرة بالنمط العثماني (التركي)، من حيث أن الوظائف بها تختلف عما كانت عليه في العصر الراشدي أو العصر الأموي، حيث كان يتقاضى الموظف راتبه من بيت مال المسلمين.

أما في النمط الفارسي والنمط التركي، فكان الولاة وأتباعهم في الوظائف الدنيا هم من يعطون الدولة بدل تعيينهم في مراكزهم، كذلك كان يفعل القضاة وباقي الموظفين على أن يحصلوا هم من الرعايا ما يفوق ما يدفعونه للدولة.

مقدمة الباحث

وضع الباحث في مطلع بحثه بين هلالين (الفاتحة للعسكري، قلع الطربوش وعمل ولي)، وهي أهزوجة من أهازيج العوام في القاهرة، ذات دلالة ساخرة، وتنم عن حيل الفكاهة المصرية للتندر بمن يلبس التقوى الزائفة ليغطي على ظلمه وفساده.

يتقدم الباحث بمحاولة للتعريف ببعض الألقاب التي سادت في المجتمع المصري:

1ـ باشا: وهو لقب يمنحه السلطان الى ذوي الرتب العسكرية، أو السياسية العليا، وهي لفظة (فارسية) بالأصل مكونة من مقطعين (با) وهي القدم و(شاه) وهو السلطان.
2ـ البك: وهو لقب يلي برتبته رتبة الباشا وكان يمنح لزعماء القبائل، ثم أصبح يمنح للموظفين المتنفذين من وكلاء الوزارات والمدارء العامين، وأصبح يلفظ (بيه).
3ـ الأفندي: (وهو الذي ما نهتم به في هذه الدراسة)، يأتي بعد مرتبة البك، ويشمل طوائف واسعة من المستخدمين العموميين. ثم أصبح يشمل السعاة حتى الذين لم يكونوا يحملون شهادات دراسية.
4ـ (الجلبي) لم تكن تستخدم بمصر، بل بالعراق وهي لفظة لها علاقة بملكية الأرض (إقطاع).
5ـ العوام: تطلق على عموم الشعب وتأخذ أشكالاً لفظية أخرى حسب موقع اللفظ، فيقال (حرافيش) ويقال (زعر) ويقال (عامة) ويقال (جعيدية).

وقبل أن يدخل الباحث في صلب بحثه، ينوه الى أن التغيرات الجوهرية التي طرأت على مفهوم الوظيفة كانت في النصف الثاني من عهد محمد علي باشا، أي في العقد الثالث من القرن التاسع عشر، إذ أصبح للموظفين العموميين رواتب محددة، ولهم مهام محددة، وإن كانت في تلك الفترة تنحصر الوظائف بما يشبه مهام موظفي البلديات في أيامنا.

أولاً: حول تاريخ الشك المتبادل بين (العوام) و(الأفندي) في إعادة التركيب

يقدم المثال المصري في تاريخ الإدارة البيروقراطية تجسيداً فريداً لطغيان السلطة المركزية والتتابع التدرجي للقهر الإداري، من رأس الدولة الى صغار الموظفين مروراً بكبار وبمتوسطي الموظفين. ولعل هذه الملامح والسمات التي تكتسبها ـ تقليدياً ـ الإدارة البيروقراطية المصرية ترجع الى ضرورات ضبط (النهر) على نحو صارم*1. وهكذا، فإن أهم الوظائف المصرية تكون قد حُصرت في الري وجباية الضرائب والدفاع.

وعليه فإن تلك المهام تستوجب صرامة آمرة من طرف الدولة، وجمهور (عوام) يشكك ويتذمر من دور الدولة، ويخضع لها في نفس الوقت.

ولنعد الى دور محمد علي، في ترتيب الدواوين (المصالح الحكومية) ونسقها الذي استقاه من الشكل الأوروبي، فيما يتعلق بتحديد شروط التعيين والترقي وإنهاء الخدمة، وصرف الرواتب، وإعفاء العوام من تقديم الأموال (رشاوى، أتاوى) الى الموظفين العموميين.

ومن المهم، الإشارة تاريخياً، الى دور الأقباط في إشغال الوظائف الحسابية والكتابية، والتي التصق بها لقب (الأفندي)، وهذا النهج استنه العرب الفاتحون، فبقي الموظف الصغير القبطي، يتعامل مع العوام كممثل صغير للدولة وبنفس الوقت، ينتهج نهجاً يشعر العوام أنه أقرب إليهم من الدولة! وقد يكون السبب وراء ذلك، أن غالبية المصريين قد دخلوا سلمياً في الإسلام، بحيث ترك هذا الجو المسيحيين الأقباط بأنهم باتوا أقلية، فكانوا لا يريدون الاصطدام المباشر مع المسلمين وبنفس الوقت يبحثون عن رضا أجهزة الدولة.

لقد كانت نظرة العوام الى الأفندي تتسم بالشك فهذا (الأفندي) هو من يغش (سك العملة) بتقليل نسب الذهب والفضة وهو الذي يسهم في إخفاء البضائع في الأزمات وهو الذي يسوق الناس في الفيضانات للسخرة والعمل المجاني في درء مخاطر الفيضان، وهو الذي يمهد لتجنيد العوام عند الحروب.

وبالمقابل، فإن الأفندي كان ينظر للعوام بأنهم كاذبون يحسنون التمثيل بفقرهم وعوزهم ونفاقهم وتقليل أرباحهم للتهرب من الضرائب.

ثانياً: العوام والأفندي في مصر المعاصرة ـ تنويعات حديثة على لحن قديم

إن كان عرضنا للعلاقة بين العوام والأفندي في عهد محمد علي باشا يرسخ تلك الصور، فإن التغيير الذي حدث في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبالذات في النصف الثاني من عهد (الخديوي إسماعيل) أي عندما بدأت المعالم الدستورية تظهر في الدولة، ويظهر معها القوانين الحديثة على النمط الأوروبي.

ولو أردنا مناقشة الأسباب العميقة لبقاء ظلال التوتر والشك المتبادل في العلاقة بين العوام والأفندي، فإننا نفترض عدة فرضيات وراء (الإستاتيكية: عدم التجانس بين طبقات المجتمع). فعلى الرغم من التوسع الهائل في التعليم، وبخاصة بعد تعميم المجانية الكاملة في التعليم ما قبل الجامعي بمبادرة من (طه حسين) وزير التعليم في حكومة الوفد الأخيرة (1950)، ثم تعميم مجانية التعليم الكاملة في عهد عبد الناصر، فإنه يوجد 18 مليون أمي في مصر (كتب هذا البحث في أواسط التسعينات من القرن الماضي). وهؤلاء الأميون كلهم من عوام الريف والحضر.

كما أننا نفترض وبالتوازي مع الفرضية السابقة، أن تدني المستوى المادي للموظف العام في مصر وبخاصة منذ تبني الدولة لسياسة الانفتاح (1974)*2، وما ترتب على ذلك من آثار بالغة الخطورة، تمثلت في ارتفاع التضخم بمعدلات غير مسبوقة، أصبح هذا (الأفندي) مهدداً بأن يهاجر من طبقته الوسطى الى أدنى طبقات الشعب، وهذا ما دفعه لإهمال واجبه الوظيفي ويسيل لعابه على رشوة يبتكر لها وسائلها. هذا مما زاد التوتر بين العوام والأفندي. وقد كانت الرشوة والتي لم يكن من يعرفها في عهد عبد الناصر، معروفة ومعترف بها على لسان رئيس الوزراء (عبد العزيز حجازي 1975) عندما طالب بتقنين الرشوة والتي سماها في تصريحه (عمولة).

الى جانب الفرضين السابقين، فإن هناك فرضية ثالثة، وهي كثرة القوانين والتعليمات والتي تشرع للعلاقة بين الشعب والسلطة، فقد صدر منذ ثورة 1952 ولغاية عام 1986، (59) ألف تشريع وقانون، وهذا يؤدي الى بلبلة بين الشعب ويجعل من الصعب على القضاة والمحامين الإلمام بهذا الكم.

ثالثاً: آليات الشك المتبادل بين (العوام) و (الأفندي) ـ خطوط عريضة

عند حدوث الزلزال في مصر في ظهر يوم 12/10/1992، تحركت كافة الأجهزة المعنية بعد فترة وجيزة من حدوث الهزة الأرضية، الى درجة أن (مجلس الوزراء المصري) الذي كان منعقداً أثناء الحادث، ظل في حالة انعقاد مستمر لمتابعة الموقف أولاً بأول. وشكلت لجان كثيرة متنوعة الاختصاصات على نحو فوري، كما قطع رئيس الدولة رحلته الى اليابان وعاد للقاهرة فورا.

على الرغم من هذا كله، فإن غيوماً من الشك المتبادل في العلاقة بين جماهير المتضررين (العوام) من جهة، والسلطة على كافة مستوياتها التنفيذية، بما في ذلك صغار الموظفين (الأفندية) من جهة أخرى، قد ظهرت في أفق العلاقة بعد ثلاثة أو أربعة أيام من حدوث الزلزال. وهذه بعض عينات من النظرات المتبادلة:

ـ وعدت السلطات أن من هُدم منزله سيحصل على مسكنٍ فوراً. تم تأجيل تلك الفورية الى شهرين آخرين ثم الى آجال أخرى. وكان العوام يبتكرون النكات التي تدلل على عدم وفاء الحكومة.

ـ في المقابل اتهمت السلطات المواطنين بالكذب وعدم تضرر منازلهم.

ـ في زيارة تفقدية قام بها رئيس الوزراء بعد أسبوع من الزلزال، كَذَّب الأطفال الذين كانوا في المستشفى الذي زاره، كذبوا مزاعم مدراء المستشفى من تقديم الحليب ووجبات إفطار لهؤلاء الأطفال، وكان التكذيب يبث مباشرة على شاشات التلفزيون.

هذه المظاهر تكررت في مصر بعد غرق السفينة وفي أحداث أخرى.

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 14-05-2010, 09:15 AM   #56
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الخامس والأربعون: المرأة ك "آخر" :
دراسة في هيمنة التنميط الجنساني على مكانة المرأة في المجتمع الأردني ..

تقديم: حلمي خضر ساري .. أستاذ في قسم الاجتماع ـ الجامعة الأردنية
الصفحات 759ـ 781 من الكتاب
أولاً: التنميط كعملية معرفية ـ اجتماعية

يرى الكثير من الباحثين أن عملية التنميط ليست سوى عملية معرفية عامة (Cognitive-Process) تعتمد في تكوينها على عمليات معرفية أخرى كالتصنيف (Categorization) والتعميم (Generalization) يلجأ إليها الفرد من أجل تبسيط المعارف والمعلومات الغزيرة والمعقدة من محيطه الخارجي بشقيه المادي والاجتماعي.

ومع ذلك فالصورة النمطية (Stereotype) لا تتساوى مع الفئة (Category). فالأخيرة هي مفهوم حيادي واقعي مجرد من أحكام القيمة يطلق على الخصائص والسمات التي تميز جماعة معينة من غيرها، في حين أن الصورة النمطية هي تصور مفرط في التبسيط وتعميم مبالغ فيه.

ثانيا: التنميط الاجتماعي: الوظائف والآثار

تعمل الصور النمطية بحكم طبيعتها كبناء معرفي أولي، على توجيه إدراك الفرد وتفاعله الاجتماعي مع الآخرين، بشكل يضمن إثبات صحتها والمحافظة على بقائها واستمراريتها. وحتى في الحالات التي يجد فيها الفرد بعض الأدلة والحقائق التي تتعارض مع هذه الصور النمطية، فإنه غالباً لا يعتمدها ولا يأخذ بها، بل يبقى مُصراً على الاعتماد على هذه الصور والرجوع إليها كأطر معرفية توجه سلوكه وتفاعله مع الفرد أو الجماعة المنمطة.

ومن هذا المنطلق، فإن الصور النمطية تؤدي الى انسحاب هذا السلوك في التعامل مع المرأة كآخر.

ثالثاً: التنميط الجنساني: مرتكزاته الأيديولوجية ومظاهره الاجتماعية

ترتكز أيديولوجيا التنميط الجنساني على ادعاءات وافتراضات (Assumption) مستمدة في غالبيتها من البيولوجيا تهدف الى إبقاء مكانة المرأة على ما هي عليه من دونية في المجتمع، إذ تزعم هذه الأيديولوجية بأن المكانة التي تحتلها المرأة في البناء الاجتماعي لأي مجتمع، وبخاصة المجتمع الرأسمالي، ليست سوى انعكاس طبيعي يتلاءم مع طبيعتها وبيولوجيتها كأنثى. فهرموناتها، ونسبة ذكائها وحجم دماغها، ونوع دمها، ونمط جسمها (Body Type)، ونضجها الجنسي تختلف عن الرجل، ولذا فإن الأعمال والأدوار التي تشغلها المرأة يجب أن تتناسب مع طبيعتها.

ومع أنه ليس في نية هذا البحث كشف زيف هذه الادعاءات والتصورات، إلا أنه يكفي القول هنا بأنها ادعاءات تبسيطية واختزالية وقدرية تستغلها الأكثرية/ صفوة القوة من أجل إضفاء الشرعية على اللامساواة بين الجنسين في المجتمع.

رابعاً: التنميط الجنساني وعمل المرأة الأردنية

يُعتبر الجنس ( رجل ـ امرأة) أحد المرتكزات الأساسية التي يتم على ضوئها توزيع العمل والأدوار والوظائف بين الجنسين في المجتمعات الإنسانية كافة، حيث تُخصص للرجال أعمال معينة وتوكل للنساء أعمال أخرى، إلا أن وجهة الخلاف لا تكمن في هذا التخصيص بقدر ما تكمن في المكانة المفارقة والقيمة الاجتماعية المصاحبة لهذه الأعمال، والحقوق المختلفة الممنوحة لكلا الجنسين، وأساليب تقييم المجتمع لأداء كل منهما للأعمال المخصصة له.

ومهما تعددت وجهات نظر علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا الثقافية في تفسير أسباب تقسيم العمل بين الجنسين في المجتمعات عبر التاريخ، فإنه يبقى للتنميط الجنساني دور كبير في ذلك يصعب إغفاله وتجاهله في المجتمع، وبخاصة في مجتمع كالمجتمع الأردني والذي يتشابه كثيرا مع المجتمعات العربية، من حيث الثقافة التقليدية والسيادة الأبوية.

إن الذي يقرر مكانة المرأة في المجتمع هو موقعها ضمن علاقات الإنتاج والنظرة الثقافية إليها وموقعها ضمن البناء الاجتماعي الذي تحتله في المجتمع، وليس نسبة مشاركتها في الإنتاج. ومن هذا المنطلق، لا يرى الباحث وجود علاقة سببية بين مكانة المرأة الاجتماعية ونسبة مشاركتها في الإنتاج.

ولفهم تلك العلاقة، يورد الباحث مثلاً عن تدني المكانة الاجتماعية للطبقات العمالية في المجتمعات الصناعية الرأسمالية، على الرغم من مساهمتها العالية في العملية الإنتاجية، ويتم أيضاً فهم أسباب علو المكانة الاجتماعية التي يتمتع بها كبار الملاك الرأسماليون في تلك المجتمعات، والبكوات والباشوات في الريف العربي، على الرغم من انخفاض نسبة مشاركتهم، وربما انعدامها، في العملية الإنتاجية.

من نتائج الدراسة للباحث

ازدادت نسبة العاملات الأردنيات بين عام 1972 و1979 بزيادة سنوية 1.3% في حين كانت الزيادة بين عامي 1979 و1990 بمعدل 8.8% سنوياً.

وفيما يتعلق بنوع العمل (عام 1987)، فقد كانت نسبة الفنيات المتخصصات 46.4% ونسبة الإداريات 1.1% ونسبة من يقمن بالأعمال الكتابية 26.4%؛ ومن يقمن بأعمال البيع 3.1%؛ والمشتغلات في الخدمات 9.1%؛ والمشتغلات في الزراعة 4.1%؛ والمشتغلات في قطاع النقل والإنتاج 9.9%.

وفي اعتبار التحصيل العلمي بين المشتغلات الأردنيات في عام 1990، فإن الأميات نسبتهن 8.2% والملمات (دون الابتدائي) 4.7% وذوات التحصيل الابتدائي 6.7% والإعدادي 8.1% والثانوي 17.6% وحاملات شهادات الدبلوم من المعاهد المتوسطة 38.3% والجامعيات 16.4%. [هذه الدراسة عن أوضاع العاملات في مصانع العاصمة عمان].

وعند المقارنة بين رواتب الذكور مع رواتب الإناث، في عام 1989، كان الفنيون الذكور يتقاضون رواتب 194 دينار للرجل، في حين الإناث تتقاضى 128 ديناراُ. أما المدراء من الذكور 465 دينار، والمديرات 357 دينار؛ وراتب المشتغل في الأعمال الكتابية من الذكور 170 دينار ومن الإناث 139 دينار؛ وراتب المشتغل في أعمال البيع للذكور 187 دينار، وللإناث 132 دينار؛ والشغل في الخدمات للذكور 110 دينار، وللإناث 87 دينار؛ ولعمال الزراعة 112 دينار للذكور، و120 ديناراً للإناث؛ وعمال الإنتاج 135 دينار للذكور، و69 ديناراً للإناث.

وفي ذِكر الباحث للبطالة عام 1990، حسب الفئات العمرية: ففئة 15ـ19 سنة 26.3% للذكور، و60.9% للإناث؛ وفئة 20-29 سنة 16.4% للذكور، و 37.8% عند الإناث؛ وفئة 30ـ39 سنة 7% للذكور، و 6.8% للإناث؛ وفئة 40ـ49 سنة 10% للذكور و 2.6% للإناث؛ 50ـ59 سنة 12.9% للذكور، وما فوق 60 عاماً 19.3% للذكور، و5.3% للإناث.

ويذكر الباحث أنه في عام 1990 كانت نسبة البطالة في أعلى مستوياتها عند الإناث، حيث بلغت عند الجامعيات 17.4% وخريجات المعاهد المتوسطة 35.4% في حين كانت للذكور الجامعيين 11.4% وخريجي المعاهد المتوسطة 16.3%.

خلاصة:

يتضح من البيانات أعلاه أثر التنميط الجنساني في التأثير في مكانة المرأة في المجتمع الأردني، وأن مكانة المرأة أدنى في قيمة الرواتب وفي احتلالها للمواقع القيادية وفي إقبال جهات التشغيل على الاعتماد عليها، ونوعية العمل الذي تقوم به.








__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 27-05-2010, 10:04 AM   #57
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل السادس والأربعون: الرجل ـ المرأة: انعكاس أم انكسار؟
صورة الرجل من خلال أقوال المرأة وفانتزماتها ..

تقديم: ماري ـ تيراز خيري بدوي .. أستاذة في جامعة القديس يوسف ـ بيروت

الصفحات 783- 794 من الكتاب

(( لقد ظن سُدَى أنه دونالد.
لقد ظنت نفسها سُدَى أنها إليزابيث.
لقد ظن سُدى أنها إليزابيث
لقد ظنت سُدى أنه دونالد:
إنهما يخطئان بمرارة...
فمن ذا الذي له فائدة أن يدوم هذا الغموض؟
[أوجين أونيسكو، المغنية الصلعاء، المشهد الخامس]

بهذا المقطع تستهل الباحثة كتابة بحثها، لتقول: منذ صورة الرجل البدائي، صاحب العصا، والممسك بشعر المرأة يجرها من ورائه، طويلة هي الطريق التي قطعت، على ما يبدو، في علاقة الرجل بالمرأة، مع ذلك...

تعتمد الباحثة على تجاربها ومشاهداتها خلال 14 سنة ـ كما تقول ـ وتنطلق من رصد أقوال (هلوستهن: كما تقول) من خلال ثلاث ثوابت:

أولاً: الزوج المحتمل الذي يجب إغراؤه، أو صورة الرجل بما هو خلاص ممكن للفتاة بالزواج

تأتي هذه الصورة في أقوال العديد من الفتيات، نختار منها:
ـ (إني أتصور مستقبلي مع زوج أحبه ومع طفلين أو ثلاثة في بيت في الريف، وأتصور نفسي أنتظر رجوع زوجي في الليل وقد أعددت له عشاء طيباً)
[ فتاة 16 سنة في الثانوية من عائلة اجتماعية اقتصادية فوق المتوسط]

ـ (أنا بصدد إنهاء شهادة الإجازة في هذه السنة، وفي انتظار زواجي، سأعمل قليلاً)
[فتاة 21 سنة، طالبة في العلوم السياسية ـ مستوى متوسط]

ـ ( ولكن متى سيأتينني ذلك الشخص الذي سيحررني من كل هذه الأشغال؟)
[ فتاة 28سنة، كاتبة إدارة، مستوى متوسط]

ـ (أنا أعمل وأكسب عيشي على نحوٍ طيب، ولكن لما أعثر في يوم ما على شخص يتزوجني، سأكف عن العمل حتى إذا ما لم يطلب مني ذلك... فالرجال لا يحبون النساء اللواتي يعملن حتى ولئن قالوا بعكس ذلك)
[طبيبة 31 سنة، ذات مستوى فوق المتوسط]

إنها السذاجة والمثالية عند بعضهن، وإنه العذاب والتبعية عند البعض الآخر، فصورة المنقذ تستحق كل التضحيات. وتصدق بذلك (عقدة ساندريون) التي تتطابق مع المثل (على الفتاة أن تعلق شهادتها المدرسية في مطبخها).

وتشير الباحثة الى اندفاع الفتيات لإغواء من يريد الزواج بهن:

ـ (إن أجرتي كاملة تذهب الى اقتناء الثياب وأدوات التجميل.. ليس من الجائز عندي أن أهمل نفسي.. ذلك أني لست متزوجة.. أنتِ تفهمين..)
[فتاة 26 سنة كاتبة إدارة، مستوى متوسط]

ـ (نحن نقدم على تضحيات كثيرة حتى (نلبس) و (نرتب) ابنتينا 19 و 21 سنة، إذ لا بد من تزويجهما)
[والدا الفتاتين، مستوى متوسط، والوالد عاطل عن العمل)

فما عسى الأمر يكون لو خاب أمل الانتظار؟

ـ (من ذا الذي سأتزوج؟ لم يعد هناك رجال... فجميعهم ماتوا أو رحلوا الى بلدان أخرى)
[ فتاة 31 سنة، كاتبة إدارة، مستوى متوسط]

هذه عينة مما أوردته الباحثة، يؤكد الصورة القديمة بثوب جديد.

ثانياً: سيد مطلق تتوجب خدمته: أو صورة الرجل بما هو قوة لا يمكن ولا يجب مقاومتها في شيء.

ها هي قد تزوجت، فماذا سيحصل لها؟

تدخل الباحثة مرحلة جديدة في بحثها، فتورد عينات من أقوال المتزوجات، اللواتي يؤكدن مسائل تشير الى وجوب تلبية طلبات الزوج في كل شيء والتوقف عن الدراسة والعمل..لنرى:

ـ (إنه لا يريد مني أن أواصل تعليمي بسبب وجود الفتيان في الجامعات. لقد قال لي: يكفينا هذا فأنت امرأة متزوجة الآن؛ اهتمي ببيتك وزوجك)
[ متزوجة أخيراً 25 سنة، شهادة بكالوريوس، مستوى متوسط]

ـ (لا يجب على المرأة أن تجيب زوجها ب (لا) في أمور الجنس، فإن لم يكن ذلك راح يبحث عن غيرها)
[ متزوجة 23 سنة، مجازة في علم الاجتماع، مستوى فوق المتوسط]

ـ (لما أقول له بأني لست راغبة في فعل الجنس يصبح متوتر الأعصاب وغضوبا لا يحتمل، وأحس كما لو يعاقبني بتصرفاته في توافه الأشياء المتصلة بالحياة اليومية... وأنتهي بأن أنعت نفسي بالبلهاء وأقول لنفسي ليفعل فعلته حتى ننهي هذا الأمر... وعلى هذا النحو تعلمت ألا أقول له (لا)..)
[متزوجة 26 سنة، مُدرسة، مستوى فوق المتوسط]

أما مشكل الابتزاز الجنسي لغير المتزوجات:
ـ (لقد شرعت أشتغل لديه هذه السنة حتى أوفر ما يلزم لمتابعة دراستي الجامعية التي بدأتها في السنة الماضية... المرة الأولى غازل شعري وقبلني، لقد صرت كالمشلولة ولم أعِ لماذا أسلمت نفسي... وفي مرة أخرى كان أجرأ، إذ تسللت يداه الى صدري... لقد تسمرت كالمشلولة، هل بإمكانك أن تقولي لي ماذا كان علي أن أفعل؟ لم أستطع أن أرد الفعل، فلعلي كنت أخاف من فقدان مرتبي)
[فتاة 21 سنة، طالبة جامعية، مستوى متوسط]

ثالثاً: جلاد عنيف لا بد من تحمله أو صورة الرجل العنيف بما هو مصدر ألم تتقبله المرأة

ـ (هل تعلمين بمَ أجاب والديَّ لما رويت لهما كيف يضربني زوجي؟ لقد قالا لي: لا عليكِ، فالأمر تافه ومن الجائز أن يحدث، لو لم تكوني مزعجة بما لا يُطاق لما فعل معك ما فعل!... رأيت حينئذ أن أهدئ نفسي وأتوقف عن مجادلته)
[متزوجة 27 سنة، جامعية، مستوى متوسط]

وتسترسل الباحثة، في تقديم أقوال فتيات يصورن الرجل في أوضاع العنف والاغتصاب وتمزيق الملابس الخ، ويولون ويقدمن أنفسهن كضحايا لا حول لهن ولا قوة.

رابعاً: قلب الثوابت الفرويدية: الانفعال والمازوشية والأنوثة

إن الآخر، هو صاحب الأولوية، ذو قطبية مزدوجة: الآخر ـ الكهل ـ الولي بمواجهتنا نحن الأطفال، ثم الآخر ـ الشريك بمواجهتنا نحن في مرحلة النضج.

الطفل (ذكراً كان أو أنثى) = منفعل؛ الكهل (رجلاً كان أو امرأة) = فاعل.
الاستسلام والخضوع في الحالتين للفاعل من قِبل المنفعل.

خامساً: الاندماجية وعلاقة الاستحواذ

لا يكتفي الفاعل بهذه الحالة بخضوع واستسلام المنفعل، بل يريده أن يكون مؤمناً وقانعاً وراضياً بخضوعه وانفعاله المستسلم للفاعل، فيكون المنفعل مستسلماً ومتلذذاً باستسلامه وهزيمته! هكذا يريد الرجل المرأة، وهكذا تفهم المرأة الرجل، اقتنعت أم لم تقتنع!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-06-2010, 09:55 AM   #58
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

القسم السادس : عبر الحدود : آخر الأدب والفن

الفصل السابع والأربعون: صورة (الأخرى) في الرواية العربية: من نقد الآخر الى نقد الذات .. في أصوات سليمان فياض..

تقديم: جورج طرابيشي .. كاتب ومفكر عربي ..

الصفحات (797ـ 810)

(1)

من وجهة نظر سوسيولوجية صرفة تكاد مقولة (الآخر) تكون مقولة مؤسسة للرواية العربية، وهذا بمعنيين:

أولاً: من حيث نشأة الرواية وظهورها، بل حتى وتطورها، في الثقافة العربية كنوع أدبي طارئ ومستحدث ما كان مُقَيَّضا له أن يرى النور قبل صدمة اللقاء بالغرب. فالرواية، كنوع أدبي، تكاد تكون بالتعريف (فَن الآخر).

لم تكن الرواية معروفة كفن أدبي عند العرب، قبل رواية (عودة الروح) لتوفيق الحكيم عام 1933، وإن كان البعض يرى أن أول رواية عربية كانت (زينب) لمحمد حسين هيكل عام 1912.

ثانياً: من حيث البنية الروائية، وتحديداً ما يتمحور من هذه البنية حول (البطولة) بمعناها الروائي، فبقدر ما أن الرواية هي بالضرورة (رواية بطل)، فلنا أن نلاحظ أن ليس من قبيل الصدفة أيضاً أن يكون ل (الآخر)، بالمعنى السوسيولوجي للكلمة، دور كبير في (دور البطولة) في الرواية العربية.

فبدءاً من رواية توفيق الحكيم الثانية، عصفور من الشرق الصادرة عام 1938، اتجه فرعٌ أساسي من الرواية العربية نحو التعاطي الحصري مع ما سنسميه بإشكالية الأنثروبولوجيا الحضارية، أي إشكالية العلاقات ما بين الشرق والغرب بحسب تسمية أكثر كلاسيكية.

ويستعرض الكاتب (جورج طرابيشي) مجموعة من الروايات التي ينسحب عليها ما تقدم به، فيدرج (موسم الهجرة الى الشمال) للطيب صالح، و(الحي اللاتيني) لسهيل إدريس، و(الساخن والبارد) لفتحي غانم، و (قصة حب مجوسية) لعبد الرحمن منيف، و (رصيف العذراء السوداء) لعبد السلام العجيلي، و(الربيع والخريف) لحنا مينة، ومؤخراً (زمن الأخطاء) لمحمد شكري.

ويقف الكاتب عند سمتين واضحتين في كل تلك الروايات: الأول هو تجسيد البطولة في (ذكر) من الشرق، والبطولة الثانوية لآخر (أنثى) من الغرب. والسمة الثانية أن الأول (البطل) شرقي، والآخر (غربي).

يشير الكاتب الى عقدة الشعور ب (الخِصاء الحضاري) من الشرقي تجاه الآخر الغربي (المتفوق) حضارياً، وكأنه يريد تأكيد مسألة (إيهام) الشرقي لنفسه بأنه لو نال من المرأة الغربية فقد نال من الغرب بأسره. وعلى هذا النحو تحولت (الرجولة) منسوبة الى الشرق الى سلاح، وتحولت (الأنوثة) منسوبة الى الغرب، الى جرح، وتحول فعل الحب الى فعل انتقام.

يتوقف الكاتب بشكل أكثر تفصيلاً عند شكل جديد من الروايات، هو رواية (أصوات) التي صدرت عام 1972لمؤلفها: سليمان فياض. ويرى في تلك الرواية أنها على خلاف الروايات السابقة، التي كان يذهب فيها الشرقي الى الغرب ليقابل الأنثى أو التابعة لبطولة الرواية هناك، ففي رواية (أصوات) تحضر البطلة الثانوية الى الشرق. والبطولة في روايته هي للفرنسية (سيمون) وليس لزوجها المغترب المصري (حامد البحيري) ومن ناحية أخرى تؤشر الرواية على بطولات ثانوية بطريقة مستحدثة، يشكل فيها كل بطلٍ آخره وِفق سياق مترابط. فترفض (سيمون) الوافدة من بلاد (الفرنجة) الخضوع لذكور القرية، من باب (التجنيس) وترفض الخضوع لنساء القرية من باب (التشييئ).

(2)

ولتقريب ما أراده الكاتب من وقوفه عند رواية (أصوات)، فاسمها آت من اختياره لسبعة أشخاص (أصوات) يكشفون فيها عن تقييمهم لحدث الرواية، هؤلاء الأشخاص السبعة يمثلون السلطة والمثقفين والنساء والعوام الخ.

و(سيمون) هي زوجة المغترب المصري (حامد البحيري) الذي هاجر الى فرنسا وأفلح في عمله الاقتصادي ليصبح ثرياً من أثرياء باريس بعد 30 سنة من إقامته فيها. و(حامد) هذا، يشده الحنين الى بلدته (الدراويش) فيبعث مالاً لأقاربه في القرية عن طريق أخيه (أحمد البحيري) لإنفاقها على القرية وعلى البيت الذي ستسكن فيه زوجته (سيمون) وقال في برقية له (إنكم سوف تحبونها كثيراً، وأنها سوف تحبكم بدورها، وبخاصة إذا كان مظهركم وسلوككم حسناً معاً)

وهذا المظهر هو ما سيحرص عليه (مأمور البندر) و(عمدة القرية) وأهلها، وأهل حامد البحيري على إعطائه الأولوية المطلقة. ولقد كانت أوامر المأمور لعمدة القرية ومن هم في إمرته واضحة قاطعة (بوجوب ظهور الدراويش بالمظهر اللائق أمام حامد، وبخاصة أمام زوجته سيمون الفرنسية، حتى نرفع رأس حامد أمام زوجته، ونرفع رأس الدراويش والناحية ومصر أمام الخواجات جميعاً، ممثلين في شخص الست سيمون).

ومثقف القرية، محمد بن المنسي، الذي تقف ثقافته عند عتبة الشهادة الثانوية [زمنية الرواية في الأربعينيات من القرن الماضي]، يصوغ بدوره إشكالية المظهر هذه بلغة أكثر تطوراً نظرياً وأكثر توكيداً على ما يمثله حدث قدوم (الآخر) من قطيعة مع المجرى الطبيعي لحياة القرية: (فجأة، وعلى غير موعد، اختل الكون في أعيننا وعقولنا. الشمس لم تزل تشرق، وتغرب أيضاً في موعدها ... كل شيء يحدث كما هو، كما كان. وكل شيء كان من قبل هذه المفاجأة التي انقضَّت على قريتنا من غير موعد، يبدو طبيعيا في أعيننا، ومألوفاً لعقولنا.) ويستمر المثقف في تدوين الفروق بين أمس القرية ويومها، فالأمس الذي كان يسكب في الأزقة والحارات مياه الغسيل والاستحمام محملة بذوب الصابون والعرق، جالبة في أثرها الذباب ومناقير البط والإوز والدجاج. الحمير تنهق والكلاب تنبح والبهائم تزعق طلبا للطعام .. الخ

أما العمدة، فتقترن النزعة النقدية لديه بنزعة عملية (قلت للجميع أنه لا بد أن تظهر الدراويش بالمظهر اللائق بها وبالديار المصرية. ووافقوني على ذلك. وأخذنا، طوال أسبوعين، في تهذيب حشائش القنوات، وترميم جسورها (فقد ترغب الست سيمون في أن تتمشى عليها في العصاري)، وردمنا البرك والمستنقعات... وعبدنا طرق الدراويش، وردمنا حفرها بطبقة جديدة..الخ)

وهناك (أحمد البحيري) وهو شقيق زوج الخواجاية .. تناوله الباحث، على أنه نموذج للمواطن الذي يدرك ما هو عليه قومه من تخلف، ولكنه لا يحرك ساكناً طالما أن هذا التخلف لا يراه أحدٌ غريب.

يذكر الروائي في روايته (أصوات) أن أهل الرأي في (دوار العمودية) لم ينسوا أثر الحملة الفرنسية قبل حوالي 150 سنة، وكيف أن الفرنسيين انتهكوا حرماتهم وعاشروا نسائهم (والعياذ بالله)، ويذكر أحد المتناقشين في هذا الموضوع أن أحد أجداده روى أنه قُتل من قرية الدراويش وما حولها على يد قوم سيمون 17 ألف نفس. لكن أحد الجالسين ينقل عن إمام المسجد بأن الثأر يسقط بعد مرور سبعة أجيال!

ويستغل أحد الحضور في دوار العمودية ليقدم نقداً ساخراً فيضحك ويقول: اكتشفنا ونحن نضحك سر بياض وجوه بناتنا ونسائنا وكثرة العيون الملونة بين أولادنا في الدراويش والنواحي المحيطة بنا، من (فارسكور حتى عزبة الفرج، ومن بورسعيد حتى الإسكندرية.

(3)

والواقع أن همّ معاداة الاستعمار يغلفه ويؤطره في (أصوات) هم أشمل منه وأعمق، هو الهم النهضوي. ومن دون الدخول في تحليلات نظرية لا تتحملها المقالة، فإن (أصوات) تقدم الهم النهضوي على الهم الآتي من الشعور بالأسى من الاستعمار.

يقدم صاحب الرواية عناصرها ليكشف نسيج مجتمع محلي والكيفية التي يتعامل فيها مع ما تحمله الرواية من (رمزية). فالعمدة والمأمور الممثلين للسلطة يمثلون الحرص الشديد على المظاهر الكاذبة. والمثقف يقع أخيراً في حب الوافدة (الفرنجية). وشقيق زوجها يعاف زوجته التي تخاطبه عند معاشرته لها أنها لا تريد معاشرة أرانب دون إحساس. فزوجها يكيف تصرفاته للفت انتباه زوجة أخيه الأجنبية. وزوجته تتعامل مع (سيمون) كآخر أنثوي من جنسية مختلفة لا بد التخلص منه.

سيمون التي وفدت، كانت تتحرك كالأطفال بحيويتها، وبنفس الوقت تحمل معها كبرياء حضارة بلدها، فلا تهتم بما يفكر به الرجال، ولا تهتم بما تحيكه لها النساء.

في اجتماع لنساء القرية: سيمون لا تتصرف كأنثى. سيمون تسيء السمعة لزوجها. سيمون ليست على ديننا. سيمون ليست نظيفة. سيمون لا تحلق شعرها الداخلي. سيمون غير مُطهرة. زوجها بماله يشتري مئة ألف امرأة أفضل منها.

في مشهد ثاني وأخير. تموت سيمون بين أيدي النسوة التي أوقعن بها. فحاولن ختانها. فماتت. بعضهم يعزي موتها لزيادة البنج، وبعضهم يقول ماتت من النزيف. وبعضهم قال أنها ماتت قهراً لأن نسوة مثل تلك النساء أجبرتها على عكس ما تمليه عليه حريتها!

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 27-06-2010, 12:53 PM   #59
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الثامن والأربعون: صورة الذات وصورة الآخر في الخطاب الروائي العربي: تحليل سوسيولوجي لرواية (محاولة للخروج) ..

تقديم: فتحي أبو العينين ..أستاذ في جامعة عين شمس ـ القاهرة

الصفحات (811ـ834)

كان للحملة الفرنسية على مصر (1798ـ 1801) وجهان: أحدهما يعبر عن العقل والإنجازات الحضارية القائمة على المعرفة العلمية، والآخر لا عقلي يقوم على الرغبة في السيطرة على الشعوب الأخرى. ومثلما كشفت الحملة عن حالة التخلف والضعف التي تعيشها مجتمعات الشرق العربي، فإنها جسدت لحظة مهمة من لحظات المواجهة مع الغرب أنتجت لدى ال (نحن) العربية صوراً ملتبسة ومعقدة عن الآخر/الغرب، اختلط فيها البعد السياسي بالبعد الثقافي، وأخذت هذه الصور تتأسس في وعي المثقفين العرب من رواد النهضة الحديثة.

يستعرض الباحث الروايات العربية التي يبرز فيها الآخر بالطريقة التي قدم لها الباحث، فيذكر رواية أديب/طه حسين 1935، ويذكر عصفور من الشرق/توفيق الحكيم، ويذكر قنديل أم هاشم/ يحيى حقي 1944، ويذكر الحي اللاتيني/سهيل إدريس 1954، ثم يذكر موسم الهجرة الى الشمال/الطيب صالح.

وينظر الباحث الى هزيمة عام 1967 على أنها تشكل الخط الفاصل بين ما قبل ذلك التاريخ وما بعده، فلم يعد البطل هو ذلك الطالب المسافر بل ذلك المثقف والمناضل المهزوم في وطنه أو المنفي عنه، فيتراجع في الرواية العربية طابع السياحة والاندهاش، وتدخل مكانها أحاسيس الحرب والحب والأخلاق والتجريب في هيكلة الرواية بشكل مختلف.

محاولة للخروج: صورة الذات وصورة الآخر

بعد استعراض الباحث لنشاطات الروائيين العرب، توقف عند رواية (محاولة للخروج) للروائي المصري عبد الحكيم قاسم، التي صدرت عن الهيئة المصرية للكتاب في عام 1987.

وفي حديث الباحث عن عناصر بناء الرواية، يتطرق للعنوان الذي تكمن أهميته في أن يكون تكثيفاً للدلالة العامة للعمل ككل. ويبدو البطل/الراوي شاباً مأزوماً محاصراً بعوامل إحباط داخلية على مستوى المشاعر والوجدانيات، وخارجية على مستوى الجميع.

يطالعنا بطل الرواية في مستهلها (أصبحت في الثلاثين ولم أنجز بعد شيئاً، مع أنني كنت دائماً مفعم القلب بالرغبات العظيمة، ولم أقعد أبداً راكداً في ظل جدار، وكل ليالي العمر لم أنم إلا قليلاً) [ صفحة5]. وبأول ملمح لصورة الذات الجماعية (نحن): (الصحاب أجدبت فروات رؤوسهم وحلقت على أطلال ملامح وجوههم الكآبة... والنساء ذابلات العيون مولولات) ويضيف (شرفات المقاهي صاخبة بضجة لا تخترقها فجوة واحدة منصتة، الكراسي قائمة في توتر هندسي صلب عدائي، وغرف البيوت خانقة والحيطان متسخة مزينة بسوقية خالية من البهجة... والسلالم عالية متربة، تصعد الى أبواب ساخنة صامتة).

وفي نهاية الاستهلال يعلمنا الراوي أنه يتعلم الفرنسية على يدي (إيفلين) السويسرية زوجة أحد أصدقائه. ونحن لا نجد في الرواية موضوعاً أو حبكة روائية بالمعنى التقليدي. فالمحكي هنا هو تجربة خاصة، يشحذ المؤلف أدواته الفنية لطرحها روائياً، ولا تستغرق في الزمن الداخلي للرواية سوى أيام معدودة.

تبدأ التجربة بذهاب البطل الى (سقارة) فتقدمه (إيفلين) في العربة السياحية على أنه (كاتب قصة) فيلفت انتباهه فتاتان يجلس أمامهما، واحدة اسمها (إليزابيث)، تبدي في الطريق ملاحظة على قذارة بيوت القرية التي اخترقوها في طريقهم، فيبادر: أن هناك قرى بيوتها أكثر قذارة!

كان يجتهد ليبقى قريباً من (إليزابيث)، وحاول ثلاث مرات أن يقبلها، بين كل مرة وأخرى عدة ساعات، فكانت تتمنع وتستهجن سلوكه، وبعد أن يصطحبها لقريته والتجوال في القاهرة، تسلم نفسها له. كان ذلك قبل عودتها لبلادها بليلة واحدة، فتحولت تلك الليلة لدى الراوي على أنها تاريخ أو بداية لتأسيس تاريخ يجعل الراوي يحلق عالياً في مفاهيم (النظافة والشرف والعدالة) فيصوغ روايته بتجلٍ واضح، ويركز في الكتابة على (أنا) بقصدٍ واضح.

يختار الراوي تاريخ يوم هو 16/7/1966، الذي تبلغه المدرسة التي يتعلم فيها الفرنسية، ولليوم دلالة واضحة في الرواية، حيث فترة الستينات من القرن الماضي كانت فيها مصر تشهد تناقضات حادة أتعبت وعي المثقفين، وبخاصة الشباب منهم الذين عاشوا متطلعين الى آفاق جديدة للحياة وللفكر وللثقافة، لكنهم اكتشفوا بُعد الشقة بينهم وبين ما يطمحون إليه، وراعهم حجم الفجوة التي بنوا عليها آمالهم، والممارسات الفعلية لأجهزة الدولة البيروقراطية، ولبعض الفئات التي اتخذت من الشعارات الثورية ستاراً لتحقيق أهداف وميزات خاصة، ولتفريغ تلك الشعارات من مضمونها.

كانت أمكنة الرواية تدور بين المواقع الأثرية والقاهرة وقرية البطل. وكانت الشخوص تتمثل بالسياح والمواطنين ورموز الثقافة والدولة.

صورة الذات

صورة الذات الفردية (الأنا)

وهي صورة البطل/الراوي، شاب في الثلاثينيات من عمره، من أصل ريفي، درس في مدارس القرية ومدينة (طنطا) وفي الجامعة، يعيش في القاهرة مع شقيقه في غرفة (فوق السطوح). يبحث عن عمل، ويمارس كتابة القصة، ويلتقي بأصدقاء يقومون بما يقوم به من كتابات فيجلسون بالمقاهي ويحضرون الندوات.

طموحاته الثقافية لا حدود لها، يعيش حالة من الغربة واليأس وعذابات النفس، تكاد صلاته بالعالم الخارجي أن تكون مقطوعة. طموحاته المخفقة ووعيه الشقي تضفي على حالته المعنوية قدراً هائلاً من الكدر يلازمه، وهو نفسه يعرف ذلك، فهو يقول (إنني أفكر بغددي لا بدماغي)، وفي تبريراته لليزابيث عندما كانت تنهره في محاولته لتقبيلها ( إنكِ تفهمين الناس من خلال مسلمات حمقاء، الإنسان ليس آلة مضبوطة على قواعد أخلاقية ثابتة، هل يجب أن نفهم كل الأشياء ونعللها تعليلاً صحيحاً) وفي المرة الثانية (لم أرد إيذائك... لست بشعاً الى هذا الحد).

صورة الذات الجماعية (النحن)

لا تتشكل صورة الذات الجماعية من مكون واحد في الرواية، بل من عدة مكونات أو صور فرعية.

فصورة المثقفين الشبان من أصدقاء الراوي، شركاؤه في الإحباط والضياع، وشركاؤه المشدودون لعالم الفن والأدب. فصديقه ابن النوبة الذي يقول للراوي بحضور إليزابيث (بُص.. أنا ماشي حافي.. الجزمة انقطعت.. رميتها في النيل) تنظر إليه إليزابيث خائفة فيقول لها الراوي (إنه ليس مخيفاً.. إنه حزين.. كلنا حزانى.. بشكل أو آخر).

صورة أهل القرية التي ينتمي لها الراوي فيقول لليزابيث عنهم (ناس أعرفهم دون تبادل، بعيوني أحس ملمس أيديهم ورائحة ثيابهم).

صورة مصر والمصريين عموماً، شخوصها تتراوح من رموز السلطة، الذين يمثلون الصلاح ويمارسون اللصوصية، وصورة الكادحين النشطين الذين يبنون السد العالي.

صورة الآخر

في رواية (محاولة للخروج) تغيب صورة الغرب السياسي، أي الغرب الاستعماري الذي قاست منه دول الشرق العربي. والصورة المتجلية في الرواية هي صورة الغرب الحضاري الذي ترمز له (إليزابيث السويسرية)، وربما اختار الراوي جنسيتها السويسرية ليتجنب الحديث عن بريطانيا أو فرنسا اللتان لهما علاقة استعمارية واضحة.

في تصوير (إليزابيث) يصورها الراوي على أنها ليست صارخة الجمال كما يتصور العرب بنات الغرب، (فمها كبير وشفتاها مرهفتان جافتان عاريتان من الطلاء، وحينما تبتسم تبدو أسنانها مصفرة من التدخين). يريد قول أنه لم ينخدع بالجمال بل شده عامل التحضر.

ثم يفرح كثيراً الراوي عندما تبلغه (إليزابيث) أنها ابنة لفلاح سويسري وهي تعيش في الريف، فيعتمد ذلك العامل كداعم لدوافعه للتقرب منها، وهذا ما شجعه لدعوتها لزيارة قريته (ستحبينها جداً... نحن فقراء... متخلفون لكن سوف تجدين أشياء لطيفة).



__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 19-07-2010, 02:20 AM   #60
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل التاسع والأربعون: الطريق الى الآخر يمر بالذات: نموذج من أعمال يوسف إدريس..

تقديم: محمد حافظ دياب .. أستاذ بجامعة بنها ـ مصر

( الصفحات 835ـ 848)

يتناول الباحث (محمد حافظ ذياب) قصتين للأديب الروائي المصري (يوسف إدريس)، الأولى: السيدة فينا كتبها عام 1959، والثانية نيويورك 80، وكتبها عام 1980.

أولاً: من فيينا الى نيويورك


في (السيدة فينا) يتناول يوسف إدريس، شخصية (درش) موظف حكومي مصري صغير، له زوجة وابن صغير يحبهما، أرسل مع وفد في مهمة رسمية الى أوروبا بضعة أيام. وهو مولع بالنساء، وصاحب خبرة ومغامرات في هذا المضمار، لكنها محصورة في نساء بلده.

صحيح أنه جاء الى أوروبا في مهمة رسمية، إلا أنه لم يكن لديه سوى مأرب واحد (أن يجرب المرأة الأوروبية) [فينا60/صفحة 77]. أما البعد الحضاري الكامن وراء تطلعه الجنسي، فثمة إشارات توعز به، من قبيل تحديده هدفه الخاص من الرحلة: (أن يغزو أوروبا المرأة ـ ص79).

كان للمرأة التي في باله، على أن لا تكون من فتيات الشوارع، إنما يريد اللقاء (مع سيدة أوروبية أصيلة ذات شخصية، تريده هو ولا تريد نقوده، وتعطيه نفسها بإرادتها ـ ص80)، إنه يطلب أكثر من اللقاء الجنسي، فبغيته هي معرفة (الآخر الأوروبي). وحين تموج الشوارع بالبحارة الأمريكيين، فهو لا يخشاهم كمنافسين، لأن هؤلاء يبحثون عن أوروبا العابثة، أما هو فيبحث عن أوروبا السيدة.

بعد محاولات فاشلة، ومع ليلته الأخيرة في فيينا ينجح (درش) في مسعاه المحموم، فيحصد ثمار الصبر والجسارة والبديهة والخبرة في المغازي النسائية، حين يجتذب الى دائرة سحره سيدة نمساوية جميلة ومحترمة، يلتقيها في الطريق عائدة الى دارها بعد يوم عمل طويل وسهرة في الأوبرا مع صديقاتها، ويتوجهان معاً الى هذه الدار.

للسيدة مثله أسرة من زوج وطفلين، إلا أن زوجها مسافر في رحلة عمل. يظل (درش) في حيرة من أمر هذه السيدة طيلة الفترة التي يقضيانها معاً. إنه غير واثق من أفضل سبل التعامل معها: (هذه المرأة تكاد تفجر عقله من الحيرة، لم يعد يدري إن كانت شيطاناً أم ملاكأً، ساذجة أم ماكرة، تضحك عليه أم هي معجبة به، وتحيره ابتسامتها التي لا معنى لها، وهزة كتفيها، التي قد تعني لا وأيضاً تعني نعم ـ ص 127 من الرواية).

تبدو هذه التفاصيل في ظاهرها محملة بصورة تلقائية بنبرة الشك وعدم الثقة التي تطبع العلاقة التاريخية بين الشرق والغرب. وحين يضمها إليه ويقبلها للمرة الأولى، فإنها تتأوه قائلة: (ستكسر ظهري يا إفريقي ص 128). مخاطبة إياه بصفته الإثنية المخالفة لإثنيتها.

يمضي الباحث في ذكر تفاصيل الرواية، وكيف أن المرأة الغربية، هي الأخرى قد حلمت بالشرقي بسحره الذي كونته في خيالها، وكان (درش) يدرك تلك الخاصية عندها، فأراد لأن يرفع رأس الشرق وإفريقيا عالياً [ص 146].

يخلص الباحث الى أن أوهامنا، كما هي أوهام الغرب عنا، والتي ننتظر وينتظرون معنا في تطابقها مع الصورة التي كُوِنَت عن الآخر، هي ما تعيق اللقاء الحضاري بين الاتجاهين. يدلل الروائي على هذا الاستنتاج بأن درش بعد أن حصل ما أراد من تلك المرأة، أخذ يتجول في شقتها، فرأى أنها تنشر غسيلها في الحمام، كما تفعل زوجته، فيطرح سؤالاً ساذجاً: هذا هو الغرب؟ إنه يشبهنا، وأنه لا يمت بصلة للصورة التي كوناها، ثم يغمض عينيه ويتصور زوجته بوضع شوق وحنين!

نيويورك 80: بعد 21 سنة يعود يوسف إدريس ليتوارى وراء شخصية كاتب مصري ذهب الى نيويورك، ليلتقي مع سيدة أمريكية، ويفاجأ عندما تعرف عليها أنها ممن يسمونهم مومسات (هكذا عرفت نفسها ص 5)، ينزعج الكاتب من تقديم هذه المرأة الجميلة لنفسها على هذا الأساس (هذه التحفة معروضة للبيع ص 13 من الرواية).

تدرك المرأة ما يدور في خلده فتقول: (ولدت في غابة لم أصنعها، ولكنها كائنة وموجودة ـ ص 68). يدخل معها هازئا، في حوار حول الثمن الذي تتقاضاه، فتجيبه بأرقام مضبوطة، بحسب الوقت الذي عليها أن تقضيه. يتذكر القروش القليلة التي تتقاضاها فتيات الليل في القاهرة.

وعبر تواصل الحوار بينهما، يكتشف أنها حاملة لدرجة الدكتوراه وعالمة في النفس واختصاصية في علاج القصور الجنسي. وتظل تبرر له اتخاذها مهنة البغاء، لكنه يرفض ويقول لها: أنتِ في رأيي إنسانة محترفة، لا علاقة لها بالإحساس أو بالشعور أو حتى بالإنسانية. يتذكر لحظتها أنه كاتب وأنه لا بد أن يكون له رأي في هذه (المسألة) فيستدرك: (إني لمشمئز) من حضارة تصعد بسمو علمها الى القمر، ولا زالت تنحط بجسدها.

تعرض عليه أن تقضي الليلة معه (مجاناً) فيرفض (أنتِ قطعة متخلفة عقلياً، ألم تفهمي بعد أن المسألة الجسدية المحضة لا تعني أي متعة بالنسبة لإنسان مثلي؟). يعود الى الفندق، لكنها تتعقبه الى غرفته، وتعاود عرضها بأن تدفع له هي!، ويصمم على الرفض، فيكون حكمها عليه (وعلى الحضارة التي يمثلها استتباعاً) ليس بأهون أو أقل رفضاً من حكمه عليها، إذ تسمه بأنه ما زال (طفلاً عاطفياً ونفسياً).

تنتهي القصة والجدال بانهيار المرأة نتيجة رفضه المتكرر، ومن خلال مشهد صاخب وبنهاية مفتعلة بعيدة عن الإقناع!

ثانياً: التواصل والتمايز

أراد (يوسف إدريس) من قرائه أن ينظروا الى القصتين في سياق واحد، باعتبارهما تنويعتين للحن واحد. فقد تعمد أن ينشر قصة (فينا 60 مع نيويورك 80) ليوضح ما أراد قوله في رسالته.

حاول يوسف إدريس أن يكون منصفاً في تصويره طرفي المعادلة، وقد خلص الى نتيجة مفادها، أن تصوراتنا الزائفة أو المبالغ فيها عن حضارة ما أخرى، تنبع في العمق من تصور فهمنا لحضارتنا نحن، وإن اللقاء بين حضارتين يستوجب فهم ابن الحضارة لحضارته قبل أن يلتقي مع الآخر.

ثالثاً: الشعرية المتورطة

لسنا فقط، في القصتين، قبالة حالة من الالتباس الفكري، بل إننا كذلك بإزاء حالة من الالتباس التجنيسي الذي يبعدنا عن تعيين شكل الإبداع القصصي لهما. هل تراه الالتباس الفكري للكاتب، وقد انسحب على هوية العملين؟

كانت الورطة، مثلاً، تظهر في اختيار الأسماء، فالبطل في (نيويورك 80) اسمه (عوض) والبطلة اسمها (باميللا غراهام)، فعوض يشيع في التصور الشعبي في مصر وتتشظى حمولته ما بين التعويض عن موت سابقين والإيمان بما يأتي به الله، وكذلك البطلة فهي تعيد ذاكرة موروثة حضارياً.

ويتورط في اللغة فبين لغة فصحى مثل: (سادر في غيه) و (يُستضاع العمل) و(دلف الى جوارها)... الى لغة التخاطب الشعبي (أنت مكسح .. بدل أنت كسيح) وأنت (مجعلص ... بدل أنت سمين) و (يترازل على البنت .. بدل يثقل عليها) و (امرأة ستاتي ... بدل امرأة محافظة).

ويدرج الباحث هفوات ونقاط ارتجال يوسف إدريس، مع محاولته تغطيتها بكرنفالية!

رابعاً: فقه الرؤية المتحولة

حاول إدريس أن يأخذ منحى متطرف في النظرة الى الآخر. ورغم أن المسافة بين الروايتين بين 1959 و 1980، مليئة بالأحداث فقد كانت السمة البارزة أن يظهر فكر يوسف إدريس المتراجع من كونه (اشتراكي ديمقراطي 1959) الى معجب بالحضارة الأمريكية ومتهادن معها في (1980)..

لقد قارن الباحث ما ورد في الروايتين أو القصتين، مع بعض من مقالات نشرها إدريس في الأهرام، وحاكمه عليها ليستخلص اضطراب الرؤية.


__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .