العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نظرات فى مقال أسرار وخفايا رموز العالم القديم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال آثار غامضة ... هل هي أكاذيب أم بقايا حضارات منسية؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خرافة وهم سبق الرؤية .. ديجا فو (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال هستيريا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال فن التحقيق الجنائي في الجرائم الإلكترونية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مونوتشوا رعب في سماء لوكناو الهندية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: A visitor from the sky (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة فى مقال مستقبل قريب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال ماذا يوجد عند حافة الكون؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: أهل الكتاب فى عهد النبى (ص)فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 03-09-2008, 02:30 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي مؤازرة

مؤازرة

كانت أرضية مكان الاجتماع مرشوشة بالماء، والسرادق منصوبة بشكل حرف u والكراسي مرقمة بأرقام وضعها متعهد المناسبات ووضع على ظهر كل كرسي اسمه ورقم تلفونه ، ووضعت في الوسط عدة مناضد لتحمل أواني حفظ الماء البارد، وسخانات القهوة المعدة سلفا، وعدد من علب المناديل الورقية، وثبتت في الواجهة الداخلية لصدر السرادق الأوسط قطعة قماش كتب عليها بخط واضح آية قرآنية (واعتصموا بحبل الله جميعا) وبجانبها وضعت صورة رأس الدولة وقطع قماش كتب عليها عبارات التأييد والولاء له وللدولة.

كان صاحب الدعوة (أبو يوسف) قد تعهد منذ مدة بإقامة مثل تلك الولائم لتقريب وجهات نظر المدعوين، في اختيار مرشح البرلمان من بين عدة عشائر تتحالف فقط في أيام الانتخابات سواء الانتخابات البرلمانية أو البلدية أو غرفة التجارة، وكون أبناء تلك العشائر يعرفون أنه ليس بالإمكان أن ينجح أحدهم دون تأييد باقي تلك العشائر، فقد اكتشف صاحب الدعوة أهمية مثل تلك المبادرات التي يقوم بها لتقريب وجهات نظرهم، دون أن يتدخل في شيء، لا في مزاحمتهم على ترشيح نفسه أو أحد أقربائه (القليلين). فكان يكتفي بتقديم المكان والطعام، ويأخذ مجده من تلك الناحية فقط، حيث يبقى الناس يربطون ما تم في هذه الدعوة باسم صاحبها.

كان هناك من يقول: أن تلك الدعوات يتم الإعداد لها بالخفاء من قبل أشخاص يتخفون وراء اسم صاحب الدعوة حتى لا يُكتشف أمرهم، وأن المدعوين يتم انتقائهم بعناية، في حين كان هناك من يقول أن تلك الدعوات كانت عامة وليس هناك بطاقات دعوة مخصصة بالأسماء.

(1)


كان لافي أول الحاضرين، لم تستطع سترته ذات اللون الأخضر الداكن أن تخفي بروز كرشه، رغم أنه كان يعتقد إذا أدخل الأزرار بالعروات سيخفي ذلك البروز.. لم يستفد لافي من التمارين التي قام بها أمام المرآة حيث كان يقف مرة بمواجهة المرآة ومرة يجعل جنبه الأيمن أمامها ومرة الأيسر، يبتسم ويعبس، ويراقب بروز الجزء الخلفي من رقبته التي كانت تبدو كرقبة (رباع بلغاري) من الوزن الثقيل.. حاول أن يغطي رأسه بكوفية لتتدلى فوق رقبته..

رآه أبو يوسف من وراء زجاج شرفة منزله في الطابق الثالث، فلم يأمر أحدا من أولاده الستة الذين كلفهم بخدمة الضيوف أن ينزل ويجامل ضيفه الأول، فأبو يوسف يعلم أن لافي لم يكن من المدعوين، كما يعلم ذلك لافي نفسه.. فالدعوات يقوم بتبليغ أصحابها أشخاص آخرون يعلم أسماءهم مجموعة ممن يعدون لتلك الاجتماعات، كما يعلمهم أبو يوسف نفسه.

حاول لافي إشغال نفسه في عد الكراسي ريثما يأتي بعض المدعوين، وكان بين حين وآخر يشفط بروز كرشه للداخل، لكنه يفشل في إبقاءه على وضعه، فيحاول تعديل جلسته، يشد أكتافه للخلف ويدفع بعجزه الى الأمام، كي يقلل من ظهور المنحنى المتشكل من جلسته، يفك أزرار سترته ويعود لتثبيتها من جديد..

(2)

حضر المدعوون تباعا، ولم يكن أحد منهم يحفل أو ينتبه لوجود لافي، رغم ضخامة جسمه، فقد تعودوا على رؤيته في مثل تلك المناسبات فأصبح كأنه جزء من ديكور السرادق.

وقف أبو يوسف بعد اكتمال حضور المدعوين، واكتفى بقول ( أهلا وسهلا) رغم أنه ذبح ما يقرب من خمسين خروفا، ولم تكن تلك المرة الأولى بل سبقها سبع مرات شبيهة بتلك الدعوة.

لم يسأل أحد عن سبب الدعوة، فهم يعرفون السبب جيدا. ولم يبادر أحد لاقتراح جدول للأعمال أو انتخاب أو اختيار رئيس للاجتماع، فمثل هذا النوع من الاقتراحات سيعجل ظهور الخلافات بين المجتمعين وقد تكلفهم انفضاض الاجتماع قبل تناول الطعام.

(3)

وقف (واثق) يصطنع ابتسامة ويتجول بعينيه دون أن يحرك رقبته، عله يعثر على بؤرة تخطط لتخريب الاجتماع كما يحلو له دائما أن يطلق على معارضيه إذا ما أبدوا معارضتهم لخططه، ثم التفت الى يمينه ليقول لا شيء لمن كان يقف جنبه، ثم يلملم ابتساماته ليعيد سحنته الى شكل صارم يتناسب مع وضع القائد المفروض على الآخرين ..

أنتم تعلمون أن الانتخابات البرلمانية على الأبواب، وأن غيرنا من التكتلات العشائرية قد أكمل صفوفه، وليس أمامنا إلا عدة أسابيع عن موعد الانتخابات، وإن صدقنا نوايانا فإن النجاح حليفنا بإذن الله وإن استمعنا الى المغرضين فإننا سنكون على خصومة مع النجاح.

إن (واثق) يعلم ما يقول، فالمعركة الانتخابية اشتقت اسمها من المعارك القتالية، لا بد من خطاب إثارة همم يسبق التعبئة العامة والنفير ولا بد أن يكون هناك خصم أو عدو أو هدف في كل معركة. فما هو الهدف ومن هو العدو وكيف سيتم الارتفاع بهمم الحاضرين لجعلهم مقاتلين أشداء في معركتهم؟
ليس هذا التجمع العشائري حزبا سياسيا له أهدافه وبرامجه أو نقابات تابعة له ومريدين يحترفون العمل السياسي احترافا. إنهم مواطنون عاديون جدا، ليس لهم علاقة بالعمل العام إلا في مناسبات متباعدة، فلذلك لا بد أن يكون العمل على كسبهم يخاطب واقعهم دون المس بمقام الدولة، ودون الاستخفاف بأي من الحضور كي لا تتسرب أصواتهم خارجا.

(4)

كان دكتور الجامعة عبد القادر يجلس في المقاعد الخلفية وبجانبه زميل له، فتمتم له قائلا: (هذه الأفلام مرت علينا كثيرا).. الى متى سيبقى مجتمعنا بتلك السذاجة؟ ما فائدة تلك الاجتماعات؟

أجابه زميله(حسن) متسائلا: والمطلوب؟ هل تعتقد أن مجتمعنا جاهز لتجارب أفضل من هذه التي نعيشها؟ وهل تعتقد أن التجارب التي تخوضها الشعوب الأكثر تقدما تختلف كثيرا عن تجربتنا هذه؟ إنها شبيهة كثيرا بتجربتنا، وبالعكس، فإن كانت تجمعاتهم هي تجمعات اصطناعية، فتجمعاتنا طبيعية، والهدف عند الطرفين هو نفس الهدف: هو المزاحمة على تبوء مراكز سلطوية عليا. ماذا يعني؟ إنه حق مشروع وفق رؤية إنسانية قديمة جدا تتجدد وفق أنظمة تخترعها المجتمعات لتقاسم مواقع النفوذ فيما بينها.

قال الدكتور عبد القادر: إن تحالف العشائر كان قبل الإسلام، وكان له ضرورة ووظيفة بنفس الوقت، فلغياب الدولة كانت العشيرة تحمي نفسها بإعداد مقاتلين يذودون عن حياضها ويصدون المعتدين، فإن استطاعت العشيرة أن تقوم بذلك وحدها وكان لديها ما يزيد عن أربعمائة مقاتل كان تستحق اسم (جمرة)، وإن لم تستطع، اضطرت للتحالف مع غيرها لتكوين حلفا يحمل (طوطما) يسمي التحالف باسمه، فإن كان الطوطم بشكل ( ثور أو أسد أو جحش) أصبحت العشائر المتحالفة تحمل اسم (بني ثور، بني أسد، بني جحش).

التفت الدكتور حسن بعينيه فقط، دون تحريك رأسه وابتسم قبل أن ينهي صمته المفتعل ليقول: نعم، إنها كذلك، فطالما يوجد هناك دولة ونظام يقوم بتأمين الحماية للمواطنين، فإن العشائر تتحالف من أجل الانتخابات فقط (المعارك الانتخابية).

(5)

قام الجميع لتناول الطعام، وكان يجري حديث جانبي بين أكثر المدعوين أهمية، وبعد تناول الطعام والشراب الذي يتبعه، أعلن أحدهم عن وجوب تسجيل ممثلين عن العشائر والأفخاذ لكي يحصر الاجتماع بهم مستقبلا، فكان العدد حوالي خمسين رجلا، ثم بادر بعضهم بتسمية لجنة من عشرة أشخاص، لم يعترض أحد على تلك الأسماء، وقد كان وراء عدم اعتراض أحدهم، هو الطقس الذي يتبع تناول الطعام وانخفاض جهوزية التفكير.

عاد الرجال الى بيوتهم، وكل واحد منهم سيتكلم عن الاجتماع بطريقته الخاصة، فقد يختزل ما قاله الكثير من الرجال، أو حتى لا يذكرهم أنهم كانوا في الاجتماع أصلا، وسيضيف على مساهمته المتواضعة عدة إضافات فيقول ما قاله داخل الاجتماع وما كان يود أن يقوله، وقد يضيف ما كان يقصد كل واحد من المتكلمين وفق نهج تحليلي يتناسب مع الشخصية التي أراد أن يطبعها في أذهان الذين يستمعون له.
__________________
ابن حوران

آخر تعديل بواسطة السيد عبد الرازق ، 04-09-2008 الساعة 12:19 AM.
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 04-09-2008, 12:22 AM   #2
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

تحياتي لأخي الفاضل الكريم ابن حوران .
كل عام سيدي وأنت بكل خير .
مررت علي هذه المؤازة المصلحية المنفعية .
تحياتي لكم ومودتي
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 04-09-2008, 08:08 PM   #3
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

ابن حوران ..

قلم يصعب جدا أن تقرأه بعينيك فحسب ..

فمع صفحته دائما يسبقنى تحفز وإعمال فكر وتشويق وإستسلام ذهنى تام ..

بل كثيرا ما أعجز عن الرد والتعقيب فأخرج محتضنا صمتى ..

كى أخرج كل مرة بأكثر من فكرة وكى يكبر صاحب القلم فى عينى أكثر وأكثر ..

ابن جوران ..

تقدير من هنا وإلى هام الثريا

محبتى
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-09-2008, 10:14 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

[

أخبر الزعيم زوجته وأولاده أنه سيستقبل حوالي ستين شخصا في منزله اليوم، وهم لجنة ممثلي العشائر، فعليهم أن يتهيئوا في عمل القهوة (السادة) وتجهيز ما يلزم لمثل هذا الاجتماع، وعليهم أن ( يبيضوا وجهه) أمام المدعوين.

لم يحضر أعضاء لجنة الممثلين (الخمسين) في آن واحد، وهي عادة معروفة في كل الاجتماعات. فمنهم من يعتقد أنه إن حضر مبكرا فإنه سيضع نفسه في موضع المتلهف لمثل تلك الاجتماعات، كما أن عليه أن يقوم من مكانه عدة مرات ليصافح من يأتي بعده، أو يفسح المجال لغيره للجلوس بمكانه، وهي إشارة ستفضح مكانة الرجال وتراتبهم فيما بينهم، وقد يكون التبكير في نظره مجالا لفتح أحاديث والإجابة عن تساؤلات من يصادفهم قبل حضور الكل، وبذلك سيجعل من نفسه مكشوف النوايا أمام أشخاص لا يريد أن يعلموا طبيعة موقفه من المرشحين.

ومنهم من يجعل من تبكيره في الحضور مصدرا لمنافع عدة، فاحتلال مقعد في الصدارة ورصد ما سيقول الحضور منذ بدء الاجتماع أو ما يسبقه من تصريحات لأشخاص يحاولون تقديم أنفسهم على أنهم أشخاص يعلمون ما لا يعلمه غيرهم، كلها مزايا تفيد ولا تضر.

(7)

التفت أبو محمد وهو رجل في السبعين من عمره يسرة ويمنى، وفرك (مسبحته) بين راحتيه، وتساءل: هل يطول انتظارنا؟ فأجابه الزعيم: لا إننا ننتظر السيد واثق، وقد أخبرني قبل دقائق بواسطة الهاتف أنه قادم في الطريق.

سارع أبو محمد في تقليب (مسبحته) بين يديه، وابتسم ابتسامة مقتصدة، وروى قصة قصيرة جدا مفادها أن قيادة الأسود للجماعات أفضل من قيادة الثعالب. ابتسم الدكتور حسن ولم يعلق على قصة أبي محمد.

ما هي إلا دقائق قليلة، حتى حضر السيد واثق، فقام الجميع بوجهه عدا أبو محمد الذي اعتذر لعدم قدرته على الوقوف بسهولة، ابتسم واثق له وقبل اعتذاره بعد أن طبع قبلة على جبينه.

بعد أن جلس واثق، وقدم له أحد أبناء الزعيم فنجانا من القهوة السادة، وحياه من كان يجلس في الصالة تحية المجاملة، انتبه واثق لململة أبي محمد، وقبل أن يعلن أبو محمد عن ضجره، بادر واثق بالطلب من أبي محمد أن يبدأ الحديث. لم يعتذر أبو محمد عن قبول تلك المهمة بشكل صريح، حتى لا يفهم الآخرون أنه فوض السيد واثق بها. لكنه بادر بالتساؤل عن سبب وجود المجتمعين، أليس للاهتداء لطريقة توفيقية يختارون فيها مرشحا يمثل هذا التجمع العشائري الذي تزيد أًصوات من ينتمون إليه عن خمسة عشر ألف صوتا.

(8)

ساد جو يكثر فيه الحديث دون تنظيم، فأحدهم يقول: يا جماعة دعونا نتسامح ونختار شخصا كفؤا يمثلنا ونتوكل على الله. فيرد أبو محمد ويقول: لماذا نحن هنا؟ أليس لعمل ما تطلب؟ ولكننا نريد أن (نبرجم) وكان يقصد (نبرمج) عملنا.

يخرج صوت من زاوية، لماذا لا يكون لكل عشيرة صوت واحد، ونقترع على المتقدمين الثمانية.
يجاوبه أحدهم من طرف آخر: هذا ليس عدلا، فلا يجوز أن تتساوى عشيرة لديها آلاف الأصوات مع عشيرة تكاد أصوات أبنائها لا تصل الى المائة صوت.
يعترض آخرٌ كان لا ينوي الحديث: وما بال أصحاب المائة صوت؟ ألا يكفيكم أنهم وقفوا معكم في كل المعارك الانتخابية ك (مصفقين) دون مزاحمتكم، حتى على عضوية مجلس بلدي، هل تستكثرون عليهم أن يكون لكل عشيرة منهم صوت يصوتون به لكم ( ويقصد هنا العشائر الأكثر عددا).

التقط (واثق) المداخلة الأخيرة، وحاول بسرعة استثمارها، فوافق عليها بصوت عال أسكت فيه كل المتكلمين، وجاءت أصوات التأييد من محبي ومؤيدي واثق لتتحول طريقة تمثيل كل عشيرة بممثل ـ بغض النظر عن عدد أصوات أبنائها ـ إلى نهج سيباشر فيه فورا.

هناك من همس لمن بجانبه، أن هذا سيناريو معد مسبقا من (واثق) ومن معه، فكل المداخلات التي صرح بها أصحابها كان متفقا عليها.

(9)

دخل الشيخ (صالح) ومعه خمسة رجال يشهد لهم بالنزاهة الى داخل غرفة، وتم استدعاء المندوبين واحدا تلو الآخر ليقترعوا على واحد من ثمانية تقدموا لترشيح أنفسهم مبدئيا، وقد أقسموا أغلظ الأيمان أمام الجميع أنهم سيقبلون بهذا التصويت المبدئي وسيقفون الى جانب من يقع عليه الاختيار بكل ما أوتي أحدهم من قوة.

كان (ناهي) ابن عم (واثق) أحد المرشحين الثمانية، ولدى عشيرتهما أكثر من ألف صوت، وهو أحد أهم ثلاثة رجال في إحدى الوزارات، وقد طلب التقاعد لنفسه ليتفرغ لحملة الانتخابات.

كما كان الى جانبه من بين الثمانية، رئيس بلدية قديم لم ينه فترة رئاسته للبلدية بل فر لاجئا سياسيا الى إحدى الدول العربية قبل ثلاثين عاما، وكان مشهورا بقوة حجته وطرافة ما يسوق من كلام. وكانت أصوات عشيرته لا تزيد عن ثلاثمائة صوتا.

كما كان (غانم) من بين المرشحين،وهو مساح في دائرة الأراضي، طلب إحالته على التقاعد، ليرتب سفرا الى دولة خليجية. كانت أصوات عشيرته أكثر من أربعمائة صوت بقليل، لكن تلك العشيرة تكرر القول أن أقاربهم في القرى التابعة للدائرة الانتخابية تفوق أي تجمع عشائري.

وكان هناك خمسة مرشحين، تزيد أصوات عشيرة كل منهم عن ألف صوت، أما الباقون فلم يكونوا مثيرين للانتباه.

( 10)

عدّل الشيخ (صالح) من وضع عباءته، بعد أن خرج من غرفة الاقتراع، وابتسم وسلم وبسمل ثم أعلن النتيجة: إن من اختاره الخمسون كان (غانم).

تعالت أًصوات الاحتجاج من أطراف متعددة، ولكن الوزير المتقاعد الوحيد الذي خرج من تلك البلدة (في وقتها) أنقذ موقف الشيخ (صالح) وأعلن تأييده لاختيار الجميع لغانم، كانت كلمته طويلة بعض الشيء، وكان يستغل ما برصيده من هيبة ليبقي الجو هادئا ريثما ينهي كلمته على الأقل.

انتبه (مقبل) وهو واحد من السياسيين الذين يمقتون هذا النمط من العمل الجماهيري بشكله البدائي، وقام وأعلن تبرعه بألفي دولار، فأحدث صدمة كبيرة للحاضرين، فارتبك الناس بين متبرع -حتى لا يوصف بالبخل أو عدم التأييد-وبين صامت خصوصا أولئك الذين أعلنوا اعتراضهم على الفور، وانفض الاجتماع عن تسجيل تبرعات بما يقارب عشرين ألف دولار.
__________________
ابن حوران

آخر تعديل بواسطة السيد عبد الرازق ، 09-09-2008 الساعة 10:39 PM.
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-09-2008, 02:07 PM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(11)

مرت ثلاثة أسابيع على تسمية (غانم) مرشحا لعشرات العشائر، واعترف الخصوم أن هذا الشخص قد ضمن النجاح منذ الآن، ومنهم من نقل خبرا عن الإذاعة الإسرائيلية عن تسمية غانم مرشحا يضمن النجاح!

التقى (مقبل) مع مجموعة من السياسيين الذين خاضوا عدة تجارب انتخابية وفشلوا فيها جميعا، لسيادة الجو العشائري، الذي لا يقر بانتخاب أمثالهم لأي منصب. وأخذوا يقلبون الأمور ويقيمون ما حدث، وما هي الخطوات القادمة الواجب اتباعها,

سأل (يوسف) : لماذا تبرعت بألفي دولار لهذا المرشح الذي يتصف بعدم القدرة، وليس هناك أمل في أن يتعاون معنا مستقبلا؟

أجابه مقبل: لقد جربنا ترشيح أنفسنا في أكثر من مناسبة انتخابية وفشلنا بها جميعا، فلا عشائرنا تكن لنا احتراما شديدا ولا أعداد أصواتها تكفي لنجاحنا حتى لو التفت حولنا، وما دامت رئاسة البلدية وعضوية البرلمان للعشائر الكبيرة، فلا أمل لنا بالنجاح في أي مهمة. فمؤازرتنا لهذا المساح المتواضع وعشيرته قليلة الأصوات، ستكسر تقليد سيادة العشيرة الكبيرة ونتخندق وراء العمل من أجل الجميع. وبهذا نكون غير بعيدين عن الأوساط الجماهيرية، وبنفس الوقت ننمي مهارات كوادرنا ونعرف الناس عليهم، خير لنا من الاختفاء وإعلان اشمئزازنا.

وصى مقبل جماعته أن لا يجلسوا قرب بعضهم البعض في الدواوين، وأن لا يعلنوا تأييدهم لبعضهم بشكل مكشوف، وأن يتجنبوا الضحك أو الابتسام إن تكلم أحد الشيوخ، فالمكان سيكون مليئا بالحضور، فإن انكشف أمر الاستخفاف بالمتكلمين، فإن هذا الموقف سيكون له شأن كبير في تقديم أحدهم للجمهور دون أن يجد معارضة.

وافق الجميع سريعا على هذا التوجه، وبدأ التخطيط للخطوات المقبلة.

(12)


ركب مقبل سيارته بصحبة يوسف، وتوجها الى عشيرة (غانم)، وعندما مرا من زقاق وجدا منهم مجموعة تزيد عن عشرة أشخاص يجلسون على رصيف الزقاق، وكان لمقبل دالة على واحد منهم، وبعد أن سلما على المجموعة خاطب مقبل من له دالة عليه: هل تعتقدون أنه بوضعكم هذا تستطيعون إنجاح مرشحكم للبرلمان؟ إنكم لا تستطيعون إنجاح (مختار). استغرب يوسف تلك اللهجة من مقبل تجاه هؤلاء، كما استغرب قسم من أقارب غانم تلك اللهجة، ولكن صاحب مقبل ضحك وأيد قول مقبل، وطلب من الجميع أن يدخلوا الى ديوان بيته بصحبة مقبل ويوسف.

أدرك يوسف، أن تبرع مقبل بالألفي دولار قد أثمر مبكرا، فلو لم يعلم هؤلاء عن مبادرة مقبل بافتتاح حفل التبرعات الذي سيكون له شأن في تسيير أمور الحملة الانتخابية، لكانت ردة فعلهم مختلفة تجاهه وتجاه صاحبه ـ أٌقلها زجره وعدم استضافته لديهم .

امتلأ الديوان بأبناء عشيرة غانم، ولم يكن (غانم) موجودا، لم يكن لدى معظمهم علم أو خبرة مسبقة في إدارة شؤون الانتخابات. وكان أكثر من ثلثيهم لا يعرف من هما الضيفان!

طلب صاحب الديوان من (مقبل) أن يتفضل بالحديث الى الحاضرين وينصحهم بالكيفية التي سيقومون بها لتسيير الحملة الانتخابية.

حياهم مقبل تحية المساء وأضاف: إن الجميع قد زكى ابنكم ليكون مرشحا للجميع، وقد برأ الناس ذمتهم تجاهكم، وها هي قد مضت عدة أسابيع وأنتم لم تأتوا بحركة تدل على جديتكم واهتمامكم وخبراتكم بمتابعة المشوار. وتأكدوا أن هناك من ينتظر فشلكم في المبادرة ليفكر بإعادة تسمية شخص آخر غير ابنكم!

كانت تلك الكلمات كقنبلة رميت في الديوان، فتعالت الأصوات المذعورة: والحل .. الحل يا أستاذ .. خطيئة من لا يعرف برقبة من يعرف!

(13)

سارع مقبل مع يوسف لزيارة (أبي محمد)، قبل أن يتخذ موقفا يصعب تغييره، وأقنعاه بضرورة تبني المساح المرشح وتفويت الفرصة على (واثق) وجماعته الذين يرددون أنه لا نجاح لأي مرشح لا نرضى عنه.

يعلم مقبل، أن أفضل طريقة لكسب تأييد أحدهم، هي التصرف معه كشريك وبسرعة قبل إعادة تقييمه للحديث الأخير الذي دار معه، فلذلك كلف أبا محمد بالذهاب لإقناع أبي نواف وأبي سليم وأبي ابراهيم.

لم يكتف مقبل بتكليف أبي محمد، بل زار كل من كلفه بزيارتهم وطلب منهم ما طلبه من أبي محمد. كان يحفظ الكثير من المناسبات التي تحتم على من يستمع اليه ان يقف الى جانب مقبل ضد الطرف الذي ينتقي القصص المحرضة ضده. فمن قصة طلاق قديمة الى قصة اعتداء بالأيدي في مناسبة العرس، الى تكرار قول قاله أحد رموز الطرف الآخر بحق من يكلمه (مقبل)، ويحرص أن تكون الأقوال والأحداث حقيقية يعرفها من يحدثه جيدا.

استطاع الفريق الذي تحرك مع مقبل أن يصنع حالة واضحة في التجمع حول المرشح (غانم)، فكان الفريق يستخدم وسائل تعبئة خاصة تعتمد على دغدغة الآمال والأحلام لمن تتم زيارته، وأحيانا تستخدم الأرشيف في نبش إساءات حصلت لمن يتحدثون له من أجل تهيئته وتعبئته ليكون جاهزا.

(14)

اختار فريق العمل الذي ترأسه مقبل مكانا لنصب سرادق ضخم، ثم أسست لجنة للمقر مهمتها استقبال الزوار والمؤيدين والإعلان (من إذاعة المقر) عن أسمائهم وتبجيل من قام بالزيارة وتقديم الحلوى والقهوة.

لقد تم وضع وصايا صارمة للمكلفين باستقبال الزوار والمؤيدين، وذلك بالاحتفاء بمن يأتي ومرافقته واختيار مكان جلوس يليق به، ثم تقديم القهوة له، وعدم إغفال خدمة أي زائر حتى لا يكون هناك مبرر يجعل الناس ينفضّون عن مؤازرة المرشح، كما تم توصية أبناء عشيرة غانم بعدم الرد على من يهمسون غمزا أو تصريحا برأي لا يوافق أقارب غانم، وأن يبتعد أقارب غانم عن خوض نقاشات داخل السرادق ويتركون تلك المهمة للمؤيدين.

امتلأت جوانب السرادق بقطع القماش التي تعلن تأييد كل عشيرة أولا بأول، وكان الخطاط ومن يساعده لا يوفرون جهدا في إنجاز عملهم بسرعة كبيرة.

لقد كان للإذاعة الداخلية واعتماد أسلوب الكتابة على القماش أثرٌ كبير في تزايد حجم كرة الثلج في تأييد المرشح غانم، حتى إنه في أحاديث التوقعات عمن سيفوز في المقاعد الثلاثة المخصصة للدائرة الانتخابية، كان غانم يحتل المكان الأول في لائحة التوقعات كلها.

(15)

تأخر واثق وأبناء عشيرته عن إعلان تأييدهم مدة تزيد عن شهرين، ولم يكن تأخيرهم إلا من باب الرهان على أن غانم وعشيرته لن يستطيعوا البدء بمشوار المعركة الانتخابية دون مساعدة واثق وأقاربه، وإن بدأوها فإنهم سيرتكبون من الحماقات ما يجعل الناس تبتعد عن تأييدهم.

كان واثق وهو محامي من طراز رفيع، يسافر كل عام لدولة عربية لحضور مؤتمر أو لقاء على صعيد الدول العربية. ولكنه لم يستخدم تلك الميزة في تقديم نفسه للمواطنين محليا، بل هو إضافة لكونه محام جيد، وابن عشيرة يحسب حسابها في المعارك الانتخابية، فإنه كان في فترة رئيسا للبلدية شهد له الجميع بنزاهته وعدم انجراره وراء العواطف والمحاباة، وهناك من يقول أن تلك الفترة كانت سببا في جعل واثق يفشل في أي انتخابات تلت تلك المرحلة التي لم يستغلها لإقامة علاقات تفيده انتخابيا.

لم يكن واثق متأكدا من وجود من يستطيع الوقوف في وجه خططه الانتخابية، أو التأثير في عموم الناس المحسوبين على التكتل العشائري الذي ينتمي له واثق. فقد كان يعتمد أسلوبا يرتكز على قاعدة (إذا مت عطشان فلا نزل القطر) أي إن لم يضمن واثق النجاح لنفسه، فلن يجعل أحدا يفرح بنجاح. لكنه بعد التنامي الملحوظ لمؤيدي (غانم) تيقن أن الركب قد سار دون انتظاره، فجمع عشيرته وقرروا الذهاب لمقر غانم من أجل تأييده.

سارع أهل غانم بالترحيب بواثق وعشيرته، وقد تجاوزوا كل التعليمات التي وضعها لهم (مقبل) مع جماعته، فرحبوا من خلال الإذاعة الداخلية للمقر الانتخابي بنفسهم دون الاعتماد على المذيع (أستاذ اللغة العربية).

وقف مقبل مع مجموعة من أصحابه المقربين، واكتفوا بمقابلات عيونهم لبعضها، لتنقل ما يحدث بشكل بث مباشر ودون كلام!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-10-2008, 12:10 AM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(16)

تشكلت لجان ووضعت جداول لزيارات المواطنين لكسب تأييدهم، والتجول في القرى المحيطة بالقصبة. كان النظام الانتخابي يجيز انتخاب ثلاثة مرشحين بورقة اقتراع واحدة، لذا فإن المرشحين ومن يديرون حملاتهم الانتخابية كانوا منشغلين في عقد صفقات. والمرشح القوي كان محط أنظار المرشحين الآخرين لعقد الصفقات معه.

لم يهتم بمسألة تبادل الأصوات غير الذين يأخذون من اللعبة الانتخابية طريقا للتسلية والشهرة واختبارات توكيد الذات، فكما أن ألعاب الكمبيوتر بها مستويات كل مستوى جديد أعلى من سابقه يزيد تعقيدا عنه ويؤكد مهارة من يجتازه، فإن موضوع تبادل الأصوات يجعل من دائرة معارف من يقومون بالتوسط والتنسيق في عقد مثل تلك الصفقات أوسع، وتبقى شهرتهم ماثلة إذا نجح المرشحان لفترة طويلة فيستفيدون من مثل تلك النجاحات في التوسط في فض النزاعات العشائرية أو الحضور الاجتماعي وربما السياسي.

تناول الجمهور موضوع التبادل والزيارات لإدارات حملات المرشحين الآخرين بسخرية لاذعة، فمنهم من قال: أنهم يبيعون ويشترون بأصواتنا وكأننا عبيد لهم فلم يكتفوا بأن ينتزعوا منا مؤازرتنا لهم بالتخجيل والرجاء ولكنهم صاروا يساومون الغير على أصواتنا وكأنها أموال موجودة في رصيدهم بشكل مضمون.

(17)


في صالة النساء المخصصة لهن في مجلس عزاء، وبعد انتهاء موجة ولولة، وسرد تفاصيل اللحظات الأخيرة لموت المرحوم التي ترويها أرملته بين حين وآخر، وجدت النساء متسعا من الوقت لكي يتكلمن بموضوع الانتخابات.

قالت امرأة غانم (مرشح الإجماع) موجهة كلامها لزوجة الشيخ صالح عندما سألتها الأخيرة عن آخر أخبار الحملة الانتخابية: الحمد لله طالما أن الشيخ صالح يقف بجانب زوجها، فإن كل الأمور بخير، وأخذت زوجة المرشح تكيل المديح للشيخ صالح والحديث عن مناقبه، ولم تكن تعلم أنها كانت تغيض النسوة الجالسات اللواتي ينتظرن نصيب أزواجهن من المديح، دون جدوى. ولعل ما لم تستطع زوجة المرشح التنبؤ به هو تأثير حديثها السلبي على مواقف تلك النسوة، وربما مواقف أزواجهن أو حتى عشائرهن!

لم يكن (غانم) مصلحا اجتماعيا أو مخترعا أو قائدا عسكريا أو مرشح حزب سياسي تلتف القواعد حوله. إنه مجرد اسم من بين الأسماء وقف الحظ أو سياق التحرك الانتخابي بشكله معه، وأي خطوة لم تحسب جيدا قد تؤثر على النسوة وحتى الرجال.

كانت هناك امرأة تراقب انفعالات زوجة الشيخ صالح وهي تتلقى دفقات المديح من زوجة المرشح، فقد كانت زوجة الشيخ صالح تترنم على سماع مديح زوجها وتمثل دور التي لم تسمع جيدا ما قالته زوجة المرشح، فتطلب منها أن تعيد ما قالته، وقد استحت أن تطلب السكوت من النسوة للإصغاء لما تقوله زوجة المرشح، فكانت تهمهم بنشوة: "آخ لو تقول لهم واحدة يسكتوا.... آخ لو كان صوتها عالي شوي، ولا لو كانت تحكي في التلفزيون"
لكنها كانت ترغب بأن تتطوع إحدى النساء بالطلب من النسوة بالإصغاء،كرغبتها وتمنيها أنه لو كانت زوجة المرشح ذات صوت أعلى أو أنها تجلس خلف جهاز التحدث الآلي.

كانت المرأة التي تراقب زوجة الشيخ صالح، من إحدى قريباتها، لكن زوجها قد تزوج عليها أخت الشيخ صالح، فأخذت تفكر بالكيفية التي تشق موقف العشيرة نكاية بأخت الشيخ صالح (ضرتها) ونكاية بالشيخ صالح وزوجته، وليذهب غانم وفرصه للنجاح الى جهنم.

(18)

كان أبو محمد لا يخفي فرحته باستقبال (مقبل) و (يوسف) وأصحابهما، إذ كان يعتني بتحضير القهوة والشاي وتقديم بعض الحلويات، ومشاورة زواره بتحضير عشاء، وإن كانوا يزورونه يوميا بعد العشاء. ورغم أنه اعتاد النوم بعد العشاء بقليل، لكنه كان يستفيد من تردد هذه العينة من الناس، والتي من بينها الطبيب والمهندس والمحامي والكاتب المشهور في الصحف، وسياسيون تم استضافتهم بالمعتقلات. وكان يروق له الإحساس بأنه من يحركهم ويساهم في مجهودهم، وكان يبتسم فرحا عندما يأتي أحد أحفاده ويخبر الحاضرين عن (دوريات) المرشحين الآخرين ومرورها من جنب ديوان (أبي محمد) لمعرفة من يسهر عنده.

لم يكن أصحاب مقبل من صنف سياسي واحد، كان منهم من ينتظم بشكل دائم، ومنهم من لم يحضر اجتماعا حزبيا طيلة حياته، لكنه كان يحب أن يوهم كل الناس بأنه حزبي، أما المخابرات فكان مطمئن من جهتها لأنه بكل بساطة لم يكن حزبيا.

كان هؤلاء الرجال في معارك توكيد لذاتهم اجتماعيا، فيحبون أن تذكر أسماؤهم مع الأسماء الفاعلة في حملات الانتخابات، وكانوا يتبادلون المعلومات عن مواقف الناخبين، كونهم من عشائر مختلفة، لكن روح الفريق عندهم تتفوق على ولاءهم لعشائرهم، فلا يتورع أحدهم عن كشف موقف معاد يقوم به أحد أقاربه، وهذا ما يقوي روح المواءمة لديهم وظهورهم أمام الآخرين كفريق.

(19)

بينما كان أبو محمد منشغلا في تلقيم الشاي بالإبريق الرابض فوق الجمر أمامه، كان يدور حديث غير هام كثيرا بين ضيوفه الدائمين، بل كان يتناول ما يجري في الدوائر الانتخابية الأخرى.

ففي إحدى الدوائر الانتخابية كانت تضم مجموعة من القرى، لا تزيد أصوات القرية الواحدة عن ألف صوت في أحسن الأحوال، وليس هناك أمل في أن ينجح مرشح أي قرية من تلك القرى إلا بالتوافق مع القرى الأخرى، فكان المرشح يتم اختياره بعد ضرب القرعة على اسم القرية التي ستقدم مرشحا، وبعد أن يرسو الاختيار على تلك القرية يتم اختيار ذلك المرشح عن طريق قرعة أخرى.

وفي دائرة أخرى يتم وضع أدوار يلتزم بها أهل القرى والعشائر، فالدورة التي يتم فيها اختيار المرشح من قرية أو عشيرة لها الدور فإن القرى الأخرى أو العشائر الأخرى لا تتحرك إلا في حدود ما تطلبه منها تلك القرية أو العشيرة صاحبة (الحق أو الدور)!

ضحك يوسف وهو يستمع لمثل تلك الأحاديث، وقال أي مشرع سينتخب الناخبون دون أن يتعرفوا على قدراته الفكرية، كيف سيقوم بالتعامل مع القوانين والقضايا المطروحة عليه، وقد تم اختياره عن طريق (الحصوة) [كناية ساخرة عن ما تقوم به البصارة في رمي الودعٍٍٍ ]؟

تناول مقبل الحديث فقال: في اليابان لا يسمح للمتقدمين بالترشيح للبرلمان بقبولهم بقوائم المرشحين، إلا إذا أبرز شهادات تؤكد أنه كان عضوا في إدارة جمعية أو نقابة أو بلدية أو غيرها لخمس سنوات على الأقل. وفي بريطانيا تقدم الدولة للنائب مبنى خاصا به ومجموعة كبيرة من الموظفين يتابعون القضايا ويفرغون الإحصاءات ويعدون شكل المداخلة للنائب. إذ لا يعقل أن يلم المعلم (النائب بالبرلمان) بأمور الصحة والزراعة والرياضة دون مساعدة فريق متخصص.

ضحك الدكتور عبد القادر وقال: إذا أنتم تعرفون تلك المسائل لماذا تخوضون هذه التجربة السخيفة وتساعدون مرشحا لا لون ولا طعم ولا رائحة له؟

أحس يوسف بأنه بدأ حديثا كاد أن يزلزل فيه وحدة الجماعة فأراد أن يلطف الجو أو يحرف مسار الحديث فقال: لو فتشنا أدبيات البعثيين والشيوعيين والاخوان المسلمين لوجدنا أنهم يهاجمون الانتخابات بصفتها لعبة استعمارية وليبرالية وخادعة. ولكن إذا نجح لهم أحد المرشحين أو مجموعة من المرشحين لرأينا حديثهم وتقييمهم للتجربة يختلف. لا بد لتلك القوى من حسم لموقفها من موضوع الانتخابات والاستعداد لها واحتراف لعبتها إن أرادوها طريقا لتناقل السلطة.

انتبه أبو محمد الى حديث ضيوفه الذي لم يفهمه بشكل جيد ولم يستوعب ما تعنيه الكثير من المفردات التي قيلت فيه، لكنه فهم أن إيمان ضيوفه بموضوع الانتخابات لم يكن إيمانا راسخا، فتوجه الى أكثرهم شكوكا وهو الدكتور عبد القادر وقال: عمي يا عبد القادر.. إذا مررت على أناس يتقاسمون (البُراز) فقف وخذ حصتك..
رد الدكتور عبد القادر مشمئزا: لماذا تلك النصيحة المقززة؟
بصبر ودون تردد أجاب أبو محمد: يا ابني إن كانوا اليوم يتقاسمون البراز فغدا سيتقاسمون الذهب. أبقى أبو محمد عينيه مركزتين على وجه عبد القادر، ليتفقد أثر ما قاله له.
أُعجٍب مقبل بالطريقة التي عبر بها هذا الشيخ عن المواطنة!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-09-2008, 10:09 PM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفاضل الشاعر السيد عبد الرازق

شكرا لتفضلكم بالمرور و تنسيق الخط

احترامي وتقديري

الفاضل قوس المطر

تخجلني في كلمات التبجيل والإطراء

ما أنا إلا مواطن يرى ما حوله ويحاول وصفه بطريقة
يتوفق بها أحيانا ويخفق أحيانا أخرى

احترامي وتقديري
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-03-2009, 03:24 PM   #8
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أشكركم أخي على تفضلكم بالمرور الكريم
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .