العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السيـاسية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة في مقال ثلث البشر سيعيشون قريبا في عالم البعد الخامس (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد مقال بوابات الجحيم التي فتحت فوق سيبيريا عام 1908 لغز الانفجار الكبير (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الغرق فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال أمطار غريبة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 24-02-2009, 08:22 AM   #1
البدوي الشارد
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2009
الإقامة: حزيرة العرب
المشاركات: 760
إفتراضي موت السياسة في مصر -فهمي هويدي

موت السياسة في مصر


فهمي هويدي

الخبر السار أن العديد من الفئات في مصر أصبحت تنتفض وتلجأ إلى الإضراب لكي تضغط على الحكومة دفاعاً عن مصالحها، أما الخبر المحزن فإن مصالح الوطن لم تعد تجد قوة تغار عليها وتضغط بدورها للدفاع عنها.
أصبحت الإضرابات عنواناً ثابتاً على جدران مصر. حتى كدنا نسأل: من يضرب هذا الصباح؟ بالتالي فلم يعد السؤال هل يضرب الناس أم لا، ولكننا صرنا نسأل: من عليه الدور ومتى يتم ذلك؟ وهو تطور مهم جدير بالرصد والإثبات. ففي الأسبوع الماضي شهدت مصر أربعة إضرابات للصيادلة والمحامين وأصحاب الشاحنات وسائقيها وعمال شركة جنوب الوادي للبترول. وحسب بيانات المرصد النقابي والعمالي في القاهرة، فإن شهر يناير من هذا العام شهد 56 احتجاجاً بصور مختلفة، وإلى منتصف شهر فبراير سجل المرصد 32 احتجاجاً. وقبل ذلك، في عام 2007 شهدت مصر 756 احتجاجاً، تراوحت بين الإضراب والاعتصام والتظاهر وتقديم الشكاوى إلى الجهات المعنية في الحكومة. وهو ما لم يختلف كثيراً في العام الذي أعقبه (2008).
الظاهرة بهذا الحجم جديدة على المجتمع المصري، إذ باستثناء تظاهرات طلاب الجامعات التي عادة ما تقابل بقمع شديد أدى إلى تراجعها في السنوات الأخيرة، فإن التظاهر المعبر عن الاحتجاج والغضب لم يكن من معالم ثقافة المجتمع المصري خلال نصف القرن الأخير على الأقل لأسباب يطول شرحها. إذ خيم السكون على أرجاء مصر طيلة تلك المدة، فلم نسمع صوتاً غاضباً للمجتمع لا في الشأن الخاص لفئاته ولا في الشأن العام للبلد. وتعد تظاهرات 18و19 يناير التي خرجت في عام 1977 احتجاجاً على رفع الأسعار، وتمرد جنود الأمن المركزي في عام 1986 من التجليات الاستثنائية التي تؤيد القاعدة ولا تنفيها.
خلال السنوات الثلاث الأخيرة حدث تحول مهم في حركة المجتمع المصري، إذ فيما لم نكن نسمع له صوتاً في الشأن الخاص أو العام، فإننا أصبحنا نسمع أصواتاً عدة لفئات فاض بها الكيل ولم تعد تحتمل قسوة الحياة. وهو ما أدى إلى بروز الاهتمام بالشأن الخاص، مع استمرار السكون المخيم المحيط بملف الشأن العام، رغم توالي التحديات التي كانت تستوجب وقفة حازمة من جانب المجتمع. وقائمة تلك التحديات طويلة، إذ تراوحت بين تقنين تراجع الحالة الديموقراطية مع تغوّل المؤسسة الأمنية، وارتفاع مؤشرات الفساد في السلطة، وبيع الأصول المالية للبلد، واستشراء الهيمنة الأجنبية.. إلخ.
أما لماذا خرجت الفئات المختلفة عن سكونها المعتاد، فرفعت صوتها محتجة وغاضبة في مواجهة الحكومة، فأغلب الظن أن ذلك راجع إلى سببين جوهريين، أولهما وطأة الضغوط المعيشية التي أثقلت كاهل تلك الفئات، فأفقرت الطبقة الوسطى وسحقت الفقراء، مما دفع بأغلب الغاضبين إلى المطالبة بتحسين أحوالهم المادية. أما ثانيهما فيتمثل في سقوط حاجز الخوف من السلطة، سواء لأنه «من طالت عصاه قلَّت هيبته»، كما يقول المثل العربي، أو بسبب الجرأة التي مارستها الصحف المعارضة والمستقلة في نقد السلطة وفضح ممارساتها، مما شجع آخرين على رفع أصواتهم الغاضبة والمحتجة دون وجل.
للشيخ محمد الغزالي مقولة أشرت إليها أكثر من مرة ذكر فيها أن انتهاك شرف البنت يقيم الدنيا ولا يقعدها في مجتمعنا، لكن العدوان على شرف الأمة لم يعد يحرك ساكنا فيها. وغني عن البيان أنه لم يكن يهوِّن من شأن انتهاك شرف البنت، لكنه كان يستهول السكوت على العدوان على شرف الأمة، مع ذلك فالمقولة تحتاج إلى مراجعة. ذلك أن غضب الأسرة أو المجتمع الذي يحيط بها لأي عدوان على شرف بنتهم أمر طبيعي لا يحتاج إلى تعبئة وتحريض أو احتشاد، فضلاً عن أن وسائل التعبير عن ذلك الغضب تلقائية ومحدودة، وهي بمقدور كل أحد.
أما الغضب لأجل العدوان على شرف الوطن فإنه يحتاج إلى ترتيب مختلف، فذلك أمر يتطلب تعبئة واحتشادا، فضلاً عن أنه يستوجب توفير أوعية تستقطب طاقات الغضب وتوظفها في الاتجاه الصحيح الذي يرد العدوان. وتلك مهمة القوى السياسية المختلفة التي تمثلها الأحزاب، باعتبار أن النخبة الوطنية هي المسؤولة عن تعبئة الرأي العام وقيادته. وهذه النقطة الأخيرة تجرنا إلى صلب الموضوع الذي نحن بصدده.
ذلك أنه من الطبيعي أن يغضب الناس وأن يخرجوا عن أطوارهم عندما تضيق بهم سبل الحياة، ويتعلق الأمر بمتطلباتهم المعيشية. وينبغي ألا يتوقع أحد منهم أن يتظاهروا من تلقاء أنفسهم دفاعا عن الديموقراطية أو احتجاجا على الفساد أو تزوير الانتخابات أو غير ذلك من قضايا الشأن العام. وهم إذا فعلوها مرة تحت أي ظرف فإنهم سوف يتفرقون بمجرد ظهور جنود الأمن المركزي بثيابهم السوداء وعصيهم الكهربائية، ولن يعودوا إليها مرة أخرى.
بكلام آخر، فإن الدفاع عن القضايا العامة المتعلقة بحاضر الوطن ومستقبله من المهام الأساسية للأحزاب السياسية باعتبارها الأوعية الشرعية الجامعة للقوى الوطنية. إذ يفترض أن تلك الأحزاب لم تكتسب شرعيتها إلا بعدما طرحت برامجها التي حددت فيها رؤيتها في حراسة الوطن والسهر على استقراره والسعي إلى النهوض به. وإذا جاز لنا أن نشبه المجتمع بالبشر، فإن الجماهير هي الجسم بكل مكوناته، أما القوى الحية والنخبة السياسية فتمثّل الرأس لذلك الجسم. ولا يستطيع الجسم أن يتحرك دون توجيه من الرأس الذي يحتوي على المخ.
أردت من كل ذلك أن أقول: إننا نظلم الناس ونحمّلهم أكثر مما يحتملون حين نتهمهم بالتقاعس عن القيام بواجب هو من مسؤولية الأحزاب السياسية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني. وإذا ما حدث ذلك التقاعس فعلينا أن نتساءل أولا عن وضع الرأس، قبل أن نحاكم استجابات الجسم.
إذا حاولنا تنزيل هذه الفكرة على الواقع، فسنجد أن مصر تشهد حالة سياسية نادرة. إذ فيها 24 حزباً معترفاً به وليس فيها حياة سياسية. وفيها انتخابات برلمانية وبلدية، ومجلس للشعب وآخر للشورى، ومجالس ثالثة محلية. مع ذلك فليس هناك أي مشاركة سياسية ولا تداول للسلطة ولا مساءلة للحكومة. والأحزاب لا تنشأ إلا بموافقة أمنية بالدرجة الأولى، ومن ثم فإنها تكتسب شرعيتها من تلك الموافقة لا من التأييد الشعبي لها، الأمر الذي وضعنا بإزاء هرم مقلوب، السلطة فيه هي التي تشكل الأحزاب، وليس الأحزاب هي التي تشكل السلطة.
ورغم عملية «الإخصاء» التي تتعرض لها الأحزاب والتي أصبحت شرطا لميلادها، فإنها تتعرض للتكبيل بعد ذلك، بحيث لا يجوز لها ـ بمقتضى القانون ـ أن تتواصل مع المجتمع، فتقيم مهرجانا شعبيا أو لقاء جماهيريا خارج مقرها، إلا بعد موافقة الأمن.
لا يقف الأمر عند ذلك الحد، لأن الأحزاب على ضعفها وقلة حيلتها تظل موضوعة تحت الرقابة طول الوقت. إذ المطلوب منها في حقيقة الأمر إما أن تظل جزءاً من «الديكور» الديموقراطي. فتصبح شكلاً بلا وظيفة أو مضمون. أو أن تتحول إلى أجنحة للحزب الحاكم. وأي خروج عن هذا الإطار يعرض الحزب إما إلى التجميد والمصادرة أو التفجير من الداخل، وما جرى لحزب العمل عبرة للآخرين. ذلك أن الحزب الذي أسسه الراحل إبراهيم شكري أراد أن يمارس دوره بشكل جاد وأن يمثل المعارضة الحقيقية، فصدر قرار تجميده في سنة 2000، وحين طُعن في قرار لجنة الأحزاب بالتجميد أمام مجلس الدولة، فإن تقرير مفوض المجلس اعتبر القرار باطلا وغير دستوري وطالب بعودة الحزب، ولكن الحكومة لم تكترث بذلك. ورغم صدور 13 حكماً من مجلس الدولة لإعادة إصدار جريدة «الشعب» الناطقة بلسان الحزب، فإن الجهات الأمنية رفضت تنفيذ هذه الأحكام واحداً تلو الآخر.
وإذا كان بوسع الحكومة أن تجمد أي حزب يحاول تجاوز الحدود المرسومة، فإنها لا تعدم وسيلة لتفجير الأحزاب من الداخل وتغذية الانشقاقات فيها، وهو ما حدث مع أحزاب الغد والأحرار ومع حزب الوفد. إذ ثبت أن الانشقاقات التي وقعت داخل تلك الأحزاب لم تكن بعيدة عن أصابع الأجهزة الأمنية.
الشاهد أن النظام القائم لم يكتفِ باحتكار السلطة فحسب، بل عمد أيضا إلى تأميم المجال العام، بحيث لا يعلو صوت في بر مصر فوق صوت الحزب الحاكم، من ثمَّ تطالب كل فعاليات المجتمع وقواه الحية بأن تصبح صدى لذلك الحزب إن لم تنضوِ تحت لوائه وتَذُبْ فيه.
في نهاية المطاف، وبعد57 عاما من الثورة على النظام الملكي وإعلان الجمهورية أصبح المجتمع المصري جسماً بلا رأس، ليس لديّ حنين إلى ذلك النظام، لكن ما جرى أن النظام الجمهوري فرغ من مضمونه. إذ تم اختطافه وإقصاء «الجمهور» منه عبر إضعاف خلاياه الحية وتصفيتها واحدة تلو الأخرى. فيما تحول الوطن إلى «وقف» سُلمت مقاليده ومفاتيحه إلى فئة بذاتها أدارته وتوارثته جيلا بعد جيل. الإضعاف والتصفية أفضيا إلى موت الحياة السياسية، مع الاعتذار للجنة السياسات. إذ تم تغييب مختلف المؤسسات المدنية الفاعلة، بحيث لم يبقَ في الساحة سوى المؤسسة الأمنية. ورغم امتلاء الفضاء المصري بالأحزاب، إلا أنك إذا رفعت عينيك عن الصحف ومددت بصرك في ذلك الفضاء، فلن ترى شيئا، لكنك ستلمح على البعد «خيال مآتة» تتقاذفه الرياح كتب عليه «الحزب الديموقراطي». الأمر الذي قد يجعلك تنفجر في البكاء أو تستسلم لضحك هستيري يظل صداه يتردد في الفضاء بلا توقف.
حين يعلن موت الحياة السياسية فإنه يصبح عبثياً التساؤل عن غيرة الناس على مصالح الوطن. إذ ينبغي أن يشعر هؤلاء بأنهم مواطنون أولا، وأن تعود الحياة إلى الرأس المعطَّل ثانيا، وأن نكف عن الكذب والخداع ثالثا، وبعد ذلك نتكلم في الموضوع.
([) كاتب مصري
البدوي الشارد غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .