ولا يمكن فصل هذا المشهد عن المؤامرات والخطط الإيرانية التي تدبر للعراق، فأمريكا التي جرتها إيران إلى الفخ تلو الآخر عمدت إلى تجاهل أهل السنة من أجل عيون إيران ، بينما كان هؤلاء السنة هم المظلومين مرتين ، المرة الأولى بوجود الدكتاتور صدام حسين الذي اضطهدهم وأعدم كل من يعارضه منهم ،والمرة الثانية بعد أن تمكنت الأحزاب الشيعية من العراق فعملت على التنكيل بهم وإقصائهم ، وأما أمريكا فقد انشغلت بدعم المعارضة العراقية والتحضير لعراق ما بعد صدام، وغاب عنها أن كثيراً من أحزاب الموالاة والمعارضة ورموزها هم من الرافضة الموالين لإيران والجاحدين لفضل أمريكا عليهم ،والذي تبين فيما بعد حينما عملوا على طرد أمريكا ودعوة إيران لحكم العراق عن طريق المالكي وغيره وأما إيران فلا يمكن تجاهل دورها في التأثير على هؤلاء وتوجيههم.
ولما اكتوى حكام السعودية والكويت ودول الخليج بنار وغدر الطاغية المشنوق صدام حسين ونظام حكمه البعثي الذي دفعهم خوفهم على بلدانهم إلى طلب الحماية من ذلك الطاغية المجنون ولكن إيران استغلت ذلك لتنفيذ خطتها الرافضية الخبيثة فتظاهرت بالرغبة في مساعدة أمريكا على ذلك والرغبة في المشاركة في إسقاطه ، فكافأها المسؤول الأمريكي الغبي آنذاك بريمر بأن مكن لهم من بسط نفوذ رجال إيران في العراق فقاموا باضطهاد أهل السنة وعزلهم عن الداخلية والدفاع وتهميشهم ، حتى تمكنت إيران من العراق واستفردت به في نهاية 2011 بعد أن بعثت عملاءها ليفجروا الأرض تحت القوات الأمريكية التي آثرت السلامة فانسحبت من العراق تاركة إيران لتحتل العراق وتبدأ الزحف على دول الخليج العربي .
ومن جانب آخر كانت إيران تسعى من خلال التقارب المتسارع بين إيران والسعودية إلى شق الصف الخليجي وخاصة الإماراتي السعودي لأن إيران تحتل الجزر الإماراتية ،وقد نجحت في زرع ذلك الخلاف الذي كاد أن يتفاقم لولا قوة وصلابة العلاقات بين أبناء الخليج العربي ورفضهم لأي خلاف خليجي خليجي ، وذلك بعد أن أثار ذلك التقارب حفيظة دولة الإمارات العربية المتحدة حكومة وشعباً فقاطع الشيخ زايد آل نـهيان لأول مرة القمة التشاورية لدول الخليج التي عقدت في جدة ، مع أن بلاده ترأس تلك الدورة لمجلس التعاون الخليجي، وقد ثار لغط في القمة حول هرولة بعض دول الخليج وخصوصاً السعودية نحو إيران رغم أنـها تحتل أراض عربية خليجية - الجزر الإماراتية الثلاث - وترفض المفاوضات بشأنـها أو التحكيم، وانتهت أعمال القمة دون بيان ختامي، وتصاعدت بعدها لغة العتب الإماراتي حتى وصلت إلى الاتـهامات والاتـهامات المضادة بين المسؤولين في كل من أبو ظبي والرياض على صفحات الصحف ووسائل الإعلام، ولم يفلح الاجتماع الوزاري الذي عقد في الرياض في نزع فتيل التوتر بين البلدين بل زاد من حدة الخلاف وانتهى إلى الفشل كسابقه دون بيان ختامي.. مما أثار تكهنات بأن تلجأ دولة الإمارات إلى تجميد عضويتها في مجلس التعاون الخليجي الذي ترى أن بعض دوله قد وضعت علامات استفهام كبرى حول أولوياتـها: هل تبقي علاقاتـها الحسنة مع شقيقاتـها في الاتحاد الخليجي أم تتقارب مع إيران غير مكترثة بابتلاعها الجزر (العربية) كما ابتلعت منطقة (عربستان) من قبل؟! ولكن الأمر قد تبدل الآن في السعودية وفي الإمارات وفي دول الخليج وعادت الأمور إلى أفضل مما قبل بعدما اكتشف الجميع أن إيران كانت تلعب بهم جميعاً في انتظار يوم الغدر الموعود الذي يبدأون به بقطع رأس ملك البحرين ثم الكويت والسعودية وسلطان عمان فالإمارات وقطر .
ومن هذا نخلص إلى الحقائق التالية :
أولاً :كان المخططون الشيعة الإيرانيون بحاجة إلى مثل خاتمي في ظل فشل أساليبها القديمة في تصدير الثورة، وإدارة علاقاتـها الإقليمية والدولية، وتجاوز الزمن لمثل تلك الممارسات التي ربما أدت دورها خلال العقدين الماضيين من عمر الثورة، ولابد لإيران أن تظهر بمظهر جديد في عصر العولمة والثورة الإعلامية والمعلوماتية التي تجتاح العالم على مشارف الألفية الثالثة.
مع علم هؤلاء المخططين أن خاتمي لم يكن ليتخلى عن الأهداف التي قامت من أجلها ثورة الخميني، وعلى رأسها هدف تصدير الثورة - أي نشر التشيع في العالم الإسلامي، ودعم الأقليات الرافضية في الدول المجاورة وغير المجاورة - ولكن بأساليب جديدة تقوم على الدبلوماسية والحوار والعلاقات الاقتصادية والثقافية، ففي بلاد الشام وخصوصاً في سورية ولبنان استمر باب تشييع السنة مفتوحاً على مصراعيه ومنظمات الرافضة ومؤسساتـهم وهيئاتـهم المدعومة إيرانياً تعمل ليل نـهار، وتحظى بتسهيلات كبيرة من السلطات المحلية هناك.
وفي المقابل فإن أهل السنة - أهل البلاد - مستضعفون مشردون، ومؤسساتـهم - إن وجدت - فهي تعيش هاجس الخوف والملاحقة والمراقبة الصارمة، وإن قدر لها أن تبقى بعيداً عن بطش السلطات فهي تعاني من شح الموارد وقلة ذات اليد، خصوصاً بعد انحسار الدعم الذي كانت تتلقاه من الخيرين من أهل السنة في الكويت قبل الغزو العراقي، ومن أهل السنة في السعودية ودول الخليج الأخرى بعدما حلت لعنة ابن لادن وعصاباته على أهل السنة بدعم إيراني فقام هذا المعتوه الإرهابي ـ من حيث يدري أو لايدري ـ نيابة عن إيران بقتل الأمريكيين في عقر دارهم وخارجها فكانت ردة فعل أمريكا الطبيعية استهداف أهل السنة دون أن تدرك أن مخطط بن لادن شيعي إيراني وليس سنياً عربيا وضيقت تلك الحكومات وأمريكا على المؤسسات الخيرية السنية وفتحت الباب واسعاً أمام المؤسسات الشيعية التابعة لإيران فشددت حكومات هذه الدول – بما في ذلك السعودية - الرقابة على تدفق الأموال الخيرية إلى خارج البلاد تنفيذاً لقانون مكافحة الإرهاب والتطرف وتجفيف المنابع الذي استهدف أهل السنة الذين هم من أكبر ضحايا المجرم المعتوه أسامه بن لادن وعصابات تورا بورا .
ولكن أمريكا والدول العربية السنية التي ظلمت أهل السنة لم تصل إلى تلك البراءة إلا في وقت متأخر حينما اكتشفت أن إيران وشيعتها ومرتزقة من السنة الذين تمولهم إيران كابن لادن والظواهري وعصابات قاعدتهم هم مصدر الإرهاب وليس ألعرب أوالسنة ،وآخر ماتوصلت إليه أمريكا من حقائق كان حينما احبطت الولايات المتحدة الامريكية مخططا فارسيا زرادشتيا ايرانيا لتفجير السفارة السعودية في العاصمة الامريكية واشنطن واغتيال السفير السعودي عادل الجبير،والذي حاول تنفيذه عملاء الحرس الثوري الفارسي، ضبط احدهم ويدعى «منصور أربابصير» وهو فارسي الاصل ويحمل الجنسية الامريكية، اما الآخر فيدعى «غلام شاكوري» وهو عضو في قوات القدس الفارسية ويقيم في بلاد فارس «ايران»، ويشكل ذلك المخطط الفارسي – المدعوم من حرس الثورة الفارسي – انتهاكا فاضحا للقوانين الامريكية والدولية، وتعديا سافرا على السيادة الامريكية. وكان على واشنطن ان ترد بقوة على طهران وتعزلها بصورة اكبر عن المجتمع الدولي.وهنا تطابقت وجهتا نظر واشنطن والرياض حول المخطط الفارسي الاجرامي لاغتيال السفير السعودي في واشنطن وتفجير السفارة السعودية واعتبرتاه انتهاكا فاضحا للمعايير والاتفاقيات الدولية يتعارض مع المبادئ الانسانية، وقد اكد وزير العدل الامريكي «اريك هولدر» ان بلاده ملتزمة بمساءلة ايران وتحميلها المسؤولية الكاملة عن تلك المؤامرة الدنيئة والمخطط الاجرامي اللذين حيكا ودعما ووجها من الحرس الثوري الفارسي طبقا لاعترافات المجرمين المعتقلين اللذين اعترفا بدورهما في تلك المؤامرة والانتهاك الخطير والسافر للقوانين الامريكية والدولية.
ثانياً :البون شاسع بين اهتمامات القيادتين الإيرانية والقيادات في الدول السنية ، ففي الوقت الذي ينطلق فيه المسؤولون الإيرانيون من دوافع عقدية، فيحرصون أن يضعوا على جدول أعمال زياراتـهم للبلدان المختلفة تفقد أبناء طائفتهم الشيعية ، وتدارس أوضاعهم مع قيادة البلد المضيف، نرى القادة في بلداننا لا يهتمون إلا بمناصبهم وأشخاصهم، فلم تنقل لنا الأخبار أن أحداً من المسؤولين السعوديين وغير السعوديين الذين زاروا طهران قد أثار موضوع أهل السنة في إيران، وهم الذين يرزحون تحت ويلات الظلم والبطش، ولا يتمتعون بأدنى ما يتمتع به أبناء الطوائف الأخرى من اليهود والبهائيين والمجوس وغيرهم من حقوق، رغم أنـهم يشكلون أكثر من 20% من سكان إيران، ولم يخطر ببال هؤلاء الضيوف الكبار أن يسألوا مضيفيهم أن يدلوهم على مسجد واحد لأهل السنة في طهران التي تعج بكنائس النصارى وأديرة اليهود ومعابد المجوس، في وقت أثارت إسرائيل الدنيا ولم تقعدها عندما أعلن في طهران عن اعتقال عدد من اليهود الإيرانيين بتهمة التجسس لإسرائيل، وكانت حسرتنا تزداد ونحن نرى رفسنجاني وخاتمي وغيرهم من المسؤولين الإيرانيين يحرصون في زياراتـهم للملكة على الالتقاء بأبناء طائفتهم في مناطقهم في الأحساء والقطيف وسيهات وغيرها من تجمعات الرافضة في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية، ويلتقون بأعيانـهم ومشائخهم ليس في قراهم فحسب؛ بل وفي بلاط حاكم المنطقة، مع أنـهم يتمتعون بكامل حقوقهم تقريباً التي تتمتع بـها الأغلبية الساحقة من أهل السنة.بينما يتجنب قادتنا حتى مجرد مساعدة أهل السنة بالخفاء.
أما رفسنجاني ومرافقوه فلم يكتفوا بزيارة الأحياء من أبناء جلدتـهم حتى أصروا على تفقد الأموات من آل البيت في قبورهم، وهم يطالبون منذ قيام الثورة بالاهتمام بقبور آل البيت في المدينة المنورة وغيرها وعمارتـها وزخرفتها على طريقة أهل البدع والشركيات، وتحت إلحاح رفسنجاني وزمرته فتحت أمامهم مقبرة البقيع ليدخلوها مع نسائهم ويقيموا مناحة هناك يلعنون فيها أجلاء الصحابة وأئمة أهل السنة الذين اغتصبوا - بزعمهم - حقوق آل البيت، الأمر الذي جعل إمام وخطيب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي يتخطى الخطوط الحمراء
|