العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة الفـكـــريـة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نظرات فى مقال أسرار وخفايا رموز العالم القديم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال آثار غامضة ... هل هي أكاذيب أم بقايا حضارات منسية؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خرافة وهم سبق الرؤية .. ديجا فو (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال هستيريا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال فن التحقيق الجنائي في الجرائم الإلكترونية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مونوتشوا رعب في سماء لوكناو الهندية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: A visitor from the sky (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة فى مقال مستقبل قريب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال ماذا يوجد عند حافة الكون؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: أهل الكتاب فى عهد النبى (ص)فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 20-06-2008, 10:01 AM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

7ـ ليس هناك برابرة على الأبواب

لينتبه القارئ الكريم لهذا الاستهلال الماكر للكاتب

في فيلم ((محارب الطريق The Road Warrior)) للمنتج السينمائي الأسترالي (جورج ميلر)، نرى حضارة اليوم القائمة على النفط قد انهارت نتيجة لحرب ضروس تشبه (سِفْر الرؤيا)، وضاع العلم من جراءها، وطاف الفوط والفوندال المحدثون في سياراتهم وعرباتهم التي تجرها (الخيول) يحاولون سرقة البنزين وطلقات الرصاص من بعضهم البعض، بسبب ضياع تكنولوجيا الإنتاج.

يحاول الكاتب في تقديمه لمقالته، تصوير العالم إذا ما تعرض لحرب من قبل جماعات متخلفة، تقضي على حضارته القائمة وتجعل العالم ينسى فنون العلوم التي قامت عليها حضارة العالم المتمدن. ماذا سيكون شكله؟ وهل يمكن أو يجوز لنا أن نترك هؤلاء الأعداء البرابرة أن يفعلوا فعلتهم؟ ومن هم هؤلاء البرابرة الجدد الذين سيقضون على حضارة العالم؟ ومن أين استقوا فقههم؟. إن المقالة مليئة بمحرضات التنبه لمثل ذلك العدو..

منابع الفكر المناهض للحضارة

يحاول الكاتب المماراة ليبعد الشكوك عن نفسه في تحديد العدو المقبل لحضارة الغرب، إنه لم يرغب في جعل القارئ يرى بشكل مباشر أن الإسلام والمسلمين هم من سيكونون أعداء المستقبل، ولكنه يسوق القارئ الغربي ويخوفه من هذا العدو الخطر. ولكن بعد أن يضع تمهيدا مكشوفا بأن من أسس للفكر المناهض للتقدم هم (الغرب) أنفسهم.

فيقول: يُعتبر (جان جاك روسو) المصدر المشترك لمعظم النظريات المعادية للتكنولوجيا، فهو أول فيلسوف حديث يشكك في فضل (التقدم ) التاريخي. فهو يقرر بأن الحاجات البشرية الحقيقية محدودة العدد جدا. فالإنسان بحاجة الى مأوى ومأكل، وأن موضوع أمن الإنسان من أخيه الإنسان هو افتراض خاطئ أوجدته النظريات الداعية للتقدم، فليس من الضروري أن يشعر الإنسان بخطر من يعيش قربه. باختصار، إن دفع الإنسان لنزعة الاستهلاك هو ما أوجد عنده الطبيعة الشرهة العدوانية.

ويورد (روسو) مثلا لهذه الظاهرة، في جامع التحف الذي يؤرقه وجود فجوات بين مجموعته أكثر مما يسعده وجود التحف نفسها، فتبقى نفسه مشغولة في إكمال تلك المجموعة. وبوسعنا (يقول فوكوياما) أن نجد مثالا حديثا، أنه في الثلاثينات من القرن العشرين كان من النادر أن نجد جهاز مذياع (راديو) في بلدة كاملة من بلدان العالم الثالث (مثلا) أما اليوم فقد تجد لدى الشاب أو الفتاة عدة أجهزة لتسجيل وضغط الأعمال الموسيقية والسينمائية.

أثر تلك الأفكار القديمة على الواقع الراهن

يتهكم الكاتب من طرف خفي على جمعيات حماية البيئة والمعادية للنشاط الصناعي والنووي وغيره، ويرد تلك النشاطات لمرجعها التاريخي (أفكار روسو). فهو يعتبر أحزاب (الخضر) وجمعيات البيئة وغيرها امتدادا لتلك الأفكار القديمة.

يكابر الكاتب (وليلاحظ القارئ تطابق هذا الفكر مع الإدارة الأمريكية الحالية التي ترفض التوقيع على معاهدة الاحتباس الحراري). فيقول: إن البيئة النظيفة هي من صلب اهتمام الإنسان الراقي المتمدن الصناعي، لذا فإن البيئة القذرة هي في دول العالم الثالث، والاحتباس الحراري يأتي من عندهم نتيجة قطعهم للغابات وإحراقها للوقيد، فغابات أمريكا الشمالية وأوروبا أنظف وأكثر اخضرارا من غابات دول العالم الثالث!

انتقاص من دعوات العودة للماضي

لا يستخف الكاتب بالدعوة للماضي فحسب، بل يستخف بالدعوة المتصالحة مع الواقع الراهن، أي تلك التي تدعو الى حضارة صناعية حديثة لكنها غير مؤذية للبشرية. فيتساءل كيف سيحدث ذلك؟

يضيف: إنه من الغباء تصور الرعاة والعمال الزراعيين الذين تحولوا الى نمط الحياة الحديثة المرفهة أن يعودوا لأساليب الماضي، لذلك فإن تلك التحولات بالعالم الثالث هي التي تهدد العالم المتحضر وليس العكس. فبرأيه حتى يحافظ سكان العالم الثالث على مستواهم المعيشي الذي وصلوا إليه فسيلجئون لتدمير ما حولهم وربما تدمير العالم. وسيجد أبناء العالم الثالث من حولهم ومن العالم الثالث نفسه من يدعو للعودة الى النمط القديم وتحدث المصيبة.

احتمال نشوب حرب

إن أي حرب تستخدم أسلحة الدمار الشامل، يمكن أن تقضي على الكثير من القاطنين من سكان الدولتين المتصارعتين، وممكن أن تتفتت الدولتان أو أحدهما ويهجرها السكان الى مكان آخر، لعدم صلاحية العيش في تلك البلاد المدمَرة.

إن الدول الكارهة للحروب، والتي ستنجو من دمار الحرب سيكون لها شأن بعد نهاية الحرب. بعد أن تتدمر مصانع الدولتين المتحاربتين. وقد تزدهر بعد تلك الحروب نشاطات الأديان المعادية للحضارة والتكنولوجيا، وقد تقوم الجماعات الملتزمة بالأديان المعادية للحضارة بتدمير القدرة على تذكر التكنولوجيا السابقة!

[ ليتمعن القارئ بالفقرة السابقة، ويرى كيف أن هذا الفقه هو ما أوحى لبوش أن يقول قولته: من ليس معنا هو ضدنا.. ولنتمعن بفكرة عدم ترك الآخرين دون حروب حتى لا ينعموا بنتائج الحروب دون تضحيات .. ولنتمعن بهذا العدو الذي أراد طمس معالمه في حديثه عن روسو بالبداية الى الحديث عن الأديان المعادية للحضارة! .. إنه نهج ذهني وعملي]

لكن، يعود الكاتب بمكر شديد للقول، إنه لا يوجد برابرة جدد على الأبواب، فمن يستطيع تدمير الحضارة والتكنولوجيا الغربية، يُفترض أن يكون على دراية بتلك التكنولوجيا ولديه القدرة على تدميرها. [ من هنا تبرز الدعوات المستمرة ـ وإن كانت قديمة ـ على منع التكنولوجيا عن الدول الإسلامية وردعها منذ بداية التفكير بها].
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 11-07-2008, 12:23 AM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

8ـ تراكم بلا حدود


(( لم تكن بلادنا سعيدة الحظ. فقد تقرر تجربة الماركسية فينا، ودفعنا القدر في هذا الاتجاه. فبدلا من اختيار بلد ما في إفريقيا لهذا، شرعوا في إجراء هذه التجربة فينا نحن. غير أننا في النهاية أثبتنا أنه لا مكان لهذه الفكرة. فقد دفعت بنا بعيدا عن الطريق الذي انتهجته دول العالم المتحضرة، وهو ما تعكسه حقيقة أن أربعين في المائة من أفراد الشعب يعيشون دون حد الفقر. بل ويعانون مذلة دائمة إذ لا يتلقون السلع إلا بعد إبرازهم بطاقات التموين. إنها مذلة دائمة تذكرك في كل ساعة بأنك عبد في هذه الدولة))
................... من خطبة لبوريس يلتسين في اجتماع لحزب (روسيا ...................الديمقراطية في موسكو في 1/6/1991

كعادته، يبدأ المؤلف بانتقاء فقرة تهيئ القارئ لتقبل ما سيقول بمقالته، فاختار فقرته أعلاه من خطاب (يلتسين) ليسوق حجته بأنه حتى التقدم والازدهار وإن تساوت فيه الدول الشمولية كالاتحاد السوفييتي أو الصين، فإن هذا التقدم والازدهار سيبقى ناقصا ما لم يترافق مع العقلية الليبرالية بنموذجها الغربي.

يقول: كل ما شرحناه حتى الآن هو أن الازدهار الدائب للعلوم الطبيعية الحديثة يسفر عن تاريخ غائي وتحولات اجتماعية متجانسة الطابع في مختلف الأمم والحضارات. فالتكنولوجيا والتنظيم الرشيد للعمل هما من الشروط اللازمة للتصنيع. وهو ما ينجم عنه بالتالي ظواهر اجتماعية مثل التوسع في سكنى المدن، وفي البيروقراطية، وتفكك الأسر الكبيرة والعلاقات القبلية، والارتفاع بمستوى التعليم. كذلك أوضحنا كيف أن هيمنة العلوم الطبيعية الحديثة على الحياة البشرية، لا يمكن التراجع بشأنها في ظل أية ظروف، حتى في أشدها تطرفا. غير أننا لم نوضح حتى الآن كيف أن العلم يؤدي بالضرورة الى الرأسمالية في المجال الاقتصادي، أو الى الديمقراطية الليبرالية في المجال السياسي.

والواقع أن ثمة أمثلة لدول مرت بالمراحل الأولى من التصنيع، تُعَدُ دولاً متقدمة اقتصاديا وحضرية، وعلمانية، وبناء الدولة فيها متين متجانس، وشعبها جيد التعليم نسبياً، غير أنها لا هي بالرأسمالية ولا بالديمقراطية. والمثل الرئيسي هنا، ولسنوات عديدة، هو الاتحاد السوفييتي في عهد ستالين، وهو الذي تمكن في السنوات ما بين 1928 وأواخر الثلاثينات من تحقيق تحول اجتماعي مذهل من دولة زراعية معظم سكانها فلاحون، الى دولة صناعية قوية، دون أن يتيح للمواطنين حريات اقتصادية أو سياسية.

لقد أثر نمو الاتحاد السوفييتي على الكثير من الكتاب الغربيين، فكتب (اسحق دويتشر) في الخمسينات يقول: (إن اقتصاد التخطيط المركزي أكثر فعالية من فوضى آلية اقتصاد السوق، وأن الصناعات المؤممة أقدر على تحديث المصانع والآلات من القطاع الخاص)

بالرغم من سوء سمعة الرأسمالية سواء لدى اليمين الديني التقليدي، أو اليسار الاشتراكي الماركسي، فإن تفسير انتصارها في نهاية المطاف باعتبارها النظام الاقتصادي الوحيد الصالح للبقاء. [ هكذا يقرر الكاتب خلاصة ما يؤمن به]

ويضيف: نحن نعلم الآن أن التصنيع لا يأتي طفرة فتنتقل الدول به فجأة الى الحداثة الاقتصادية، وإنما هو عملية دائبة التطور ولا نهاية واضحة لها، بحيث تغدو حداثة اليوم قديمة في الغد. وقد تغيرت على نحو مطرد وسيلة إشباع ما أسماه (هيجل) نسق الاحتياجات، كما تغيرت هذه الاحتياجات نفسها. وقد كان المنظرون الاقتصاديون القدماء (ماركس و إنجلز) يرون أن التصنيع يتكون من الصناعات الخفيفة (نسيج، خزف) لكن الأمر تغير بسرعة، فأصبحت سكك الحديد والصناعات الثقيلة، هي التي تعني كل من (لينين وستالين) .. وقد تسابقت دول كثيرة في الوصول الى مرتبة الدول الصناعية إضافة الى أوروبا والولايات المتحدة فإن اليابان والصين وكثير من الدول قد وضعت أقدامها على هذا الطريق.

تسارع التطور

كَتَبَ (دانييل بيل) عام 1967، أن متوسط طول المدة بين اكتشاف مبتكر تكنولوجي جديد وبين إدراك إمكاناته التجارية كان 30 عاما في الفترة ما بين عامي 1880 و 1919، ثم انخفض الى 16 عاما في الفترة ما بين 1919و 1945 ثم الى 9 أعوام في الفترة ما بين 1945و 1967. ويقول الكاتب (فوكوياما) أن الدورة الآن لا تزيد عن بضعة شهور.

ويضيف الكاتب: أن التطور شمل أيضا التجارة الدولية، حيث كانت في الأجيال السابقة لا تزيد عن 3% فيما بين الدول، ثم أخذت تتزايد سنويا بمعدل 13% ولا شك أن تطور المواصلات والاتصالات والعلاقات بين المصارف التجارية وتدفق المعلومات جعل من العالم سوقا سهل المراقبة.

الابتكار والاختراع رهنا على الأجواء الحرة

هنا يعود الكاتب، ليتشفى بانهيار الاتحاد السوفييتي، فيعزي عدم مواكبة علماءه لحركة الاختراع الى النظام المركزي، في حين كان أداء علماء البلدان الرأسمالية أكثر عطاء لاقتران عملهم بالمنافسة الحرة و ما يعود على ابتكاراتهم من أرباح، وقد يكون محقا في هذه النقطة، حيث حولت البيروقراطية المركزية العاملين المبدعين والعلماء الى أرقام لا يحسون فيها بأهميتهم.

رضوخ أصحاب النمط المركزي لمنطق الاقتصاد المتقدم

يقول الكاتب ـ تكملة لمقالته ـ : أن الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية والصين، أدركت منذ أواخر الثمانينات، عقم سياساتها الاقتصادية فاختارت طائعة التحول الى الاقتصاد المتقدم (أي الغربي)!

تعليق:

لقد ذكر بعض الشيوعيين في تقييمهم للتجربة السوفييتية في مجلة الطريق التي كانت تصدر في بيروت في أواخر التسعينات، أن من أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي هو اضطراب المشاعر التي تصف الواقع، فبين شعور بالفخر لا تسنده حقائق واقعية. وضرب مثالا في هذا الصدد أن الساسة يرددون: الاتحاد السوفييتي أكبر دولة منتجة للبطاطا في العالم، ويقول الكاتب آنذاك (وأظنه الشيوعي عامر عبد الله ـ لم أعد أذكر) أن هذا الكلام صحيح، لكن سوء مكائن الحصاد تهشم ربع الإنتاج، ويقضي سوء التخزين على 50% من المحصول بفعل القوارض وعدم تهيئة المستودعات.

إذن، فقوام القدرة موجود، ولكن سوء الإدارة و (بيروقراطيتها) هو السبب، وأن حل ذلك قد يكون بتطوير الأساليب الإدارية.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 02-06-2009, 02:41 AM   #3
nabilbenka
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
الإقامة: ليس لي بلد
المشاركات: 41
إفتراضي

قرأت الكتاب
و لم يعجبني فصاحبه يطبل لليبرالية و يعنقد أن الشيوعية سقطت و أن الإسلام فاشل و كلامه فيه ثرثرة بدون فائدة ووجع رأس شكرا
....
__________________
لا فائدة من التوقيع...
nabilbenka غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-06-2009, 01:03 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

24ـ قوة الضعفاء

الواقعية نظرية تذهب الى أن الافتقار الى الإحساس بالأمن، والعدوان، والحرب، هي احتمالات دائمة في النظام الدولي، وأن هذا الوضع وضع إنساني، أي أنه لا سبيل الى تغييره بظهور أشكال وأنماط معينة من المجتمعات الإنسانية، بالنظر الى امتداد جذوره الى الطبيعة البشرية الثابتة. ويشير الواقعيون في سعيهم لإثبات صحة زعمهم الى انتشار الحروب منذ فجر التاريخ، منذ المواقع الدموية الأولى الوارد ذكرها في الكتاب المقدس الى الحربين العالمتين في قرننا هذا.

(1)

عرج الكاتب (فوكوياما ) على تفسيرين، لطبيعة تحرك البشر: التفسير الأول يشير الى أن الحرب هي ظاهرة طبيعية ليس لها علاقة بالوضع الداخلي للدولة، بل تسعى فيها الدول لتوسيع دائرة الاعتراف بقوتها من خلال العدوان على الدول الأخرى، وهذه الظاهرة منتشرة على مر التاريخ وفي كل الدول. أي أن الطبيعة الأساسية للبشر هي عدوانية.

والتفسير الآخر: تبناه (جان جاك روسو) بأن الطبيعة البشرية تميل للسلام، فالإنسان الأول الذي عاش بمفرده كان خائفا واحتياجاته كانت قليلة يمكن إشباعها دون اللجوء للاقتتال، وهكذا هي الطبيعة البشرية يميل فيها الأفراد الى الانعزال بحثا عن الأمن، وهم يعيشون أشبه بالبقر راضون بأن يعيشوا وأن يدعوا غيرهم يعيشون.

ويعني أن عالم العبيد الساعين الى الحفاظ على وجودهم الطبيعي هو عالم لا يعرف الصراع، وأما من يتصارع ويؤسس للحروب هو عالم السادة (حسب رأي هيجل و هوبز) الذي لا يقبل نظام ثنائية أو تعدد الأقطاب والذي يسعى كل منهم أن يكون السيد الأوحد في العالم. وعالم الأسياد لا يشترط بحروبه الدفاع عن الذات، فهو يحارب حتى لو لم يكن مهدداً.

(2)

يعود الكاتب (فوكوياما) لمحاكمة النظرة الخاصة بالتوسع في السلطة والحروب، سواء كانت من زعماء (أفراد) أو من أنظمة سياسية (دول)، فيقول: ليس هناك ما يثبت تجريبيا أن الصراع على السلطة هو دائما رغبة في زيادة القوة النسبية الى أقصى حد. ويضرب مثالا: الكولونيلات اليونانيين الذين سلموا السلطة للمدنيين عام 1947، كذلك الفئة العسكرية في الأرجنتين التي تخلت عن الحكم عام 1983، مواجهين احتمال تقديمهم للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم أثناء توليهم الحكم.

والتاريخ الحديث يدعم تلك النظرة، فقد تتخلى دولة كبريطانيا العظمى عن مستعمرات استبسلت في نهاية القرن التاسع عشر للحصول عليها، لتتخلى عنها بعد الحرب العالمية الثانية طوعا لتخفيف الأعباء عنها. كذلك يمكن القول عن تركيا التي كانت تحلم بإمبراطورية طورانية تمتد من شرق أوروبا الى القفقاس، قبل الحرب العالمية الأولى، ليتخلى مصطفى كمال أتاتورك عن تلك الفكرة ويحدد مساحة دولته بما هي عليه الآن.

لو تأخر (فوكوياما) بتأليف كتابه هذا، لأدرج الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا في أمثلة التخلي عن مساحات لا تنتمي للمركز انتماء كافياً.

(3)

يتفنن (فوكوياما) بربط (البراجماتية: الذرائعية) مع روح (الليبرالية الجديدة)، فيكيف رغبة الدولة في إظهار القوة والتوسع مع إمكاناتها على الإبقاء على هذا التوسع، فإن كانت كلفة التوسع بواسطة الحروب عالية، وكلفة الحفاظ على هذه المساحات أعلى. فإن الدولة تنحى منحىً آخرا في التعبير عن قوتها.

هذا النمط من التعبير عن القوة، نجده في (اليابان) المدحورة في الحرب العالمية الثانية، في اتجاهها نحو القوة الاقتصادية والمالية والتقنية التي تجعلها من الدول القوية (دون حروب). وهذا ينسحب على أكثر من دولة مثل كوريا الجنوبية، وبعض دول أوروبا كألمانيا وهولندا والسويد وسويسرا الخ.

(4)

لن تشفع القوة العسكرية وحدها في ثبات حالة التوسع للدولة، أو حتى الأحلاف، فقد تآكل حلف (وارسو) دولة بعد أخرى حتى تفكك نهائيا، دون أن تدمر دبابة واحدة من دباباته ودون أن يُقتل جنديٌ واحد من جنوده. ولم يُهرع الاتحاد السوفييتي لوقف هذا التفتت والانحلال .. لماذا؟

ويقرر فوكوياما أن هذا النمط من التفكك حدث في التاريخ بأشكال مختلفة، ويضرب مثل احتلال (الرعاع والهكسوس) لمصر وحكمها من القرن الثامن عشر قبل الميلاد الى القرن السادس عشر قبل الميلاد، واختفائهم بعد ذلك، كما يمر على الإمبراطورية العربية الإسلامية ويجعلها مثالا يشبه الرعاع والهكسوس!

المثالان السابقان، في رأي (فوكوياما) جاءا نتيجة العنف والعنجهية والظلم فكان مصيرهما كما كان.

(5)

هنا، لا بد بعد ذكر تلك الأمثلة، من عودة للنموذج الأفضل (البديل) لتلك النماذج الغاشمة. إنه نموذج الليبرالية الحديثة، حيث يرى (فوكوياما) أن قوتها آتية من (أيديولوجية العبيد) التي تخدم طوعا سادة الليبرالية الحديثة.

ولكي يدلل فوكوياما على نظريته يقول: كان الجنود الفارون من الحرب الأهلية الأمريكية يقتلون فورا (دون محاكمة)، مع أن تجنيدهم كان يتم غصبا وقهرا، وكانت ظاهرة إعدامهم تتم يوميا كمشهد روتيني، أما في الحرب العالمية الثانية فلم يُعدم غير جنديٌ واحد بسبب جريمة التهرب من الحرب، وقد رفعت زوجته قضية على الحكومة الأمريكية.

ولا ينسى فوكوياما ـ طبعا ـ أن يمر على بعض الدول الأوروبية كبريطانيا التي ألغت (الخدمة العسكرية الإجبارية)، ليحل محلها الإقناع بسمو أهداف الدولة (الليبرالية) مع إغداق المال على المجندين.

خلاصة القول:

يريد فوكوياما أن يقول أن السيادة المطلقة على الكرة الأرضية لا تتلائم مع القهر والعنف والإجبار (كما في حالات الهكسوس والمسلمين والشيوعيين)، بل بالاقتناع والدفاع طوعا من (قبل) العبيد عن نظام يقتنعون به، ألا وهو النظام الليبرالي وبالذات الأمريكي!

تعليق:

كم أتمنى أن يمد الله بعمر فوكوياما لأقرأ له كيف يفسر هروب الجنود الأمريكيين من الخدمة في العراق ولجوء الآلاف منهم الى كندا، هذا غير أعداد المنتحرين من الجنود الأمريكيين والتي وصلت أعدادهم ما يقترب من عدد الذين قتلوا في ساحات القتال.. هل يكون هؤلاء الجنود عبيداً قد أفاقوا؟؟


__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 19-06-2009, 08:30 PM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(25)

المصالح القومية

يبدأ فوكوياما ب : القومية ظاهرة حديثة بالنظر الى أنها تحل محل العلاقة بين السيد والعبد، علاقة من الاعتراف المتبادل على أساس المساواة. غير أنها ليست علاقة عقلانية تماما لأنها لا تضفي الاعتراف إلا على الأعضاء في جماعة وطنية أو عرقية معينة. لكنها أكثر شرعية من ناحية ديمقراطية وأكثر مساواة من الملكية الوراثية مثلا، التي تعتبر شعوبا بأكملها جزءا من تركة. من هنا ترتبط الحركات القومية ارتباطا وثيقا بالحركات الديمقراطية منذ الثورة الفرنسية.

غير أن الكرامة التي يسعى القوميون الى نيل الاعتراف بها ليست هي الكرامة الإنسانية العامة بل كرامة جماعتهم وعرقهم، وقد تؤدي المطالبة بمثل هذا النوع من الاعتراف الى صراع مع جماعات أخرى تريد نيل الاعتراف بكرامتها. ولذا فإن القومية بوسعها تماما أن تحل محل الطموح الديني أو طموح الأسر الحاكمة كما حدث في ألمانيا.

(1)

قد تفسد القومية رونق التحضر الليبرالي عندما تطغى عليها النزعة المتعصبة. وهذا ما حدث مع بريطانيا وفرنسا، حيث كان بإمكانهما إقامة إمبراطوريتين شاسعتين من المستعمرات الإفريقية والآسيوية، لكنهما لم تستطيعا المحافظة عليهما (حتى بالعنف والقوة) لغياب الرضا الشعبي، لأنهما ببساطة، اعتبرتا كرامة الهنود والجزائريين والفيتناميين وغيرهم أقل من كرامتهما.

كما أنه وبأعقاب الثورة الفرنسية وظهور القومية، لم يعد باستطاعة ملك أو أمير قيادة جيوش من الفلاحين والعمال المجندين ومن قوميات مختلفة لخوض حرب ضد ملك أو أمير آخر.

كما أن هذه الظاهرة، جعلت إمبراطوريات متعددة القوميات تتجه نحو التفتت، كما حدث مع إمبراطورية (الهابسبورغ) والإمبراطورية (العثمانية).

(2)

ومع التسليم بالقوة الهائلة للقومية على مدى القرنين الماضيين، نرى لزاما أن نضع هذه الظاهرة في منظورها الصحيح. ذلك أنه من الشائع أن ينظر الصحفيون والساسة، بل وحتى العلماء الى القومية وكأنما هي تعكس تعطشا كبيرا وأساسيا في الطبيعة البشرية، وكأن (الأمم ) التي كانت أساسا للقومية هي وحدات اجتماعية خالدة، قدم الدولة أو العائلة.

ويرى عموم الناس أن القومية متى أطلت برأسها صارت تمثل قوة في التاريخ هي من الضخامة بحيث لا يمكن لأية أشكال أخرى من الانتماء، كالدين أو الأيديولوجية، صدها، ومن المقدر لها في النهاية أن تدحر الأعشاب الضعيفة كالشيوعية أو الليبرالية*1

وقد بدا هذا الرأي مؤخرا يظهر في أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفييتي السابق. وقد تغلبت النزعات القومية في جمهوريات يوغسلافيا السابقة والاتحاد السوفييتي السابق على العقائد السياسية والمذهبية، فمعظم دول أوروبا الشرقية والتي سادت فيها العقيدة الشيوعية، وينتمون معظمهم الى المذهب الأرثوذكسي، إلا أن المطالب القومية غلبت كل ذلك.

ونحن نضيف، أنه في العراق ورغم أن الغزاة حاولوا إلصاق الصراع الداخلي وكأنه صراع طائفي، فقد تحالفت القيادات الكردية والتي تنتمي الى المذهب السني مع أعداء العراق من مذاهب مختلفة وقوميات مختلفة على هامش الحراك القومي لا أكثر، ولم تُجر القيادات العربية الشيعية في العراق لمثل ذلك الصراع من نفس المنطلق، فاستعاض الأعداء بأشخاص غير عرب يدعون أنهم كذلك لتأجيج الصراع وصبغه بالطائفي.

(3)

يقول (فوكوياما): أنه لا يجب تضخيم دور القومية، رغم أهميتها، ورغم أن البعض قد توقع لها بعد الحرب الباردة أن تحل محل الصراعات الأيديولوجية، فالقومية (بنظره) ليست لها جذور عميقة جدا في النفس لبشرية*2

هنا، يذهب (فوكوياما) الى أن التكتلات القومية تكون قائمة ما دامت مصالحهم قائمة، وقد زادت أهمية التكتلات القومية عندما ربطت باللغة والثقافة والشخصية العامة لأبناء الدولة/الأمة/القومية.

لكن قبل ذلك، كان ارتباط النبيل الروسي بالنبيل الفرنسي أكثر من ارتباط النبيل الروسي بالفلاح الروسي ، وقد كانت الوحدات السياسية لا تعتني بالقومية، فالإمبراطور شارل الخامس من أسرة (الهابسبورغ) كان يحكم أجزاء من ألمانيا وأسبانيا وهولندا، كما حكم سلاطين العثمانيين الترك والعرب والبربر ومسيحيين أوروبيين في نفس الوقت.

إن الكاتب يريد أن يومئ الى مسألة لها علاقة بالعولمة، فيريد القول إن المؤمنين بالليبرالية في عموم العالم ممكن أن تربطهم روابط فيما بينهم أكثر من التي تربطهم مع شعوبهم، هذا إذا فوض أمر الحكم لهم!

(4)

يربط (فوكوياما) النزوع للقومية مع التخلف، فيقول: إن ألمانيا وإيطاليا وهما الدولتان اللتان تأخرتا عن اللحاق بركب الصناعة، هما من فجرتا الصراعات في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأن الصراع في (إقليم الباسك) الإسباني آت من تخلف أسبانيا عن دول أوروبا المتقدمة، التي لا تعني كثيرا بالقوميات.

وأن ما يحدث في أوروبا الشرقية (يوغسلافيا السابقة والاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا) ومناطق مختلفة من العالم آت من أنها دول متخلفة ولم يكتمل بها التطور الصناعي، وكان الكاتب يتوقع أن تتفجر صراعات على هامش القومية في مناطق كثيرة في آسيا وإفريقيا، ولكنه يستبعد حدوثها في العالم الراقي.

تعليق

عندما حدثت الحرب بين ألمانيا وفرنسا، في عهد (بسمارك) لم يتخلف الماركسيون الألمان ولا الفرنسيون عن الالتحاق بجيوش دولتيهم. كما فعل بالضبط من هم غير الروس في الحرب العالمية الثانية عندما تعاونوا مع هتلر. ففرنسا المتقدمة كروسيا وألمانيا المتخلفة.

كذلك، فإن مشكلة إقليم (كويبك) الكندي (على افتراض أن كندا مع المجتمع الراقي في نظر فوكوياما) لا زالت قائمة، كما هي قائمة مشكلة (ايرلندا) مع بريطانيا (المتقدمة).

ولا ننسى التصويت من البريطانيين والفرنسيين ضد الاندماج مع أوروبا، وهي مطالب يفترض أنها تتماشى مع نظرية (فوكوياما)!



هوامش (من تهميش المؤلف)
*1ـ الكثير من هذه النقاط أورده (أرنست جلنر) في كتابه Nations and Nationalism (إيثاكا، نيويورك، مطبعة جامعة كورنيل 1983).
*2ـ المصدر السابق صفحة 34

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 20-05-2008, 01:27 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أشكركم أخي الكريم على التفضل بالمرور

وتزكية المساهمة

احترامي وتقديري
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 19-10-2008, 12:02 PM   #7
سعود الناصر
أبو ناصر
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
الإقامة: السعودية
المشاركات: 748
إفتراضي

الموضوع طويل ومليان
وطبعا ما قريته
لكن ما يعلم الغيب إلا الله وحده
واي شي ينكتب في هالموضوع ماله قيمة ابد
لا نهابة تاريخ ولا بداية تاريخ ولا ما يحزنون
__________________


توقيعي اني من ثرى تربتك نجد
والفخر كل الفخر مسلم سعودي
سعود الناصر غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-11-2008, 01:24 PM   #8
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة سعود الناصر مشاهدة مشاركة
الموضوع طويل ومليان
وطبعا ما قريته
لكن ما يعلم الغيب إلا الله وحده
واي شي ينكتب في هالموضوع ماله قيمة ابد
لا نهابة تاريخ ولا بداية تاريخ ولا ما يحزنون
الله يعطيك العافية
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-11-2008, 01:27 PM   #9
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الجزء الثالث: الصراع من أجل نيل الاعتراف والتقدير.

13ـ في البدء كانت معركة حياة أو موت من أجل المنزلة الخالصة

( وليس بالوسع نيل الحرية إلا بالمخاطرة بالحياة. حينئذ فقط يمكننا التدليل على أن جوهر وعي الإنسان بذاته ليس مجرد البقاء على قيد الحياة، ولا هو مجرد الصورة المباشر التي يبزغ فيها هذا الوعي لأول مرة .. فالفرد الذي لا يخاطر بحياته قد يُعْتَرَف به فردا، غير أنه لم ينل حقيقة هذا الاعتراف باعتباره وعيا مستقلا بالذات)
............................. ج.ف.هيجل: [فينومينولوجيا العقل]

(( الرغبة الناشئة عن طبيعة الإنسان ـ الرغبة التي يتولد عنها الوعي بالذات وواقع الإنسان، هي في أصلها تعبير عن الرغبة في نيل الاعتراف والتقدير. وما المخاطرة بالحياة التي يبزغ بها واقع الإنسان الى النور، إلا مخاطرة من أجل إشباع تلك الرغبة. وبالتالي فإن أي حديث عن مصدر الوعي بالذات هو بالضرورة حديث عن معركة حياة أو موت من أجل الاعتراف والتقدير))

....................... ألكسندر كوجيف: [مقدمة لقراءة هيكل]

يستهل الكاتب مقالته هنا، والتي تتصدر الجزء الثالث، باقتباسين اثنين، ومن يجمع اقتباسات الافتتاح للكاتب يستطيع أن يتعرف على الدينامو المحرك لتفكيره أو ما يطلق عليه (الدافع الإبستمولوجي). فهو يريد أن يقرر أن الليبراليين هم ورثة كل المفكرين الجادين، والذي يحرص الكاتب أن يكونوا كتابا من الغرب.

أخطار و مخاوف وأحلام.

ما هي الأخطار والمحاذير بالنسبة لشعوب العالم؟ (يتساءل المؤلف): ويجيب: إنها ثقل الكولونيلات المكروهين أو قادة الأحزاب الذين يضطهدون غيرهم، والحكام الذين يلجئون للاعتقال التعسفي للمواطنين. إن الشعوب تحلم بالعيش دون خوف، والتمتع بقدر من الرخاء. ولكن الرخاء لن يأتي إلا بالديمقراطية والرأسمالية، وحتى إن جاء الرخاء في ظل حكومات غير ليبرالية كما في كوريا وسنغافورة وتايوان (وهي حكومات أوتوقراطية) فإن هذا الرخاء لن يكتمل إلا بالليبرالية!

يضيف الكاتب: وحتى نقف المعنى الحقيقي لليبرالية علينا الرجوع الى ما قبل (هيجل)، أي الى عهد ( توماس هوبز ـ توفي 1679)و(جون لوك المتوفى 1704) حيث منابع الليبرالية، لكنه يفضل الوقوف عند ما كتب (هيجل المتوفى عام 1831)، لأنه يفهمنا الليبرالية بطريقة أكثر نبلا، ولأن الآخرين كانوا يميلون لتغليب الحلم البرجوازي الذي ينشغل باستمرار برخاء عيشها المادي. في حين أن الليبرالية تتوجه للجانب الإنساني في فكرها.

لقد أنكر هيجل أن هناك طبيعة بشرية ثابتة لا تتغير، فالإنسان عنده حر غير محدد، وقادر على تشكيل طبيعته عبر الزمن التاريخي. وقد ذكر هيجل في كتابه (فينومينولوجيا العقل) أن الإنسان الأول (الطبيعي) يشترك مع الحيوان في حاجات طبيعية أساسية كالطعام والنوم والمأوى والحفاظ على حياته، لكن الإنسان الأول يتفوق على الحيوان في أنه يرغب أن يقدره الآخرون ويعترفون به وبوجوده وآثاره، وبقدر ما يفعلون ذلك بقدر ما يحس أنه كائن اجتماعي يختلف عن الحيوان.

انتصار وهزيمة ومخاطرة

يقرر هيجل بأن الإنسان هو كائن اجتماعي يميل للمخاطرة، واجتماعيته لا تؤدي به الى الحياة في مجتمع مدني يسوده السلام، وإنما الى صراع عنيف حتى الموت من أجل المنزلة الخاصة. التقى اثنان من (الإنسان الأول) ودارت بينهما معركة، وقد تسفر هذه المعركة الدموية عن نتيجة من ثلاث: فقد يموت المتصارعان، فتنتهي بموتهما الحياة نفسها. وقد يموت أحد المتنافسين، فيظل المنتصر غير راض عن الوضع إذ لم يعد ثمة وعي بشري آخر ليعترف به. وقد تنتهي المعركة بقيام علاقة بين سيد وعبد، إذ يقرر أحد المتنافسين الإذعان لوضع العبودية مفضلا إياه على خطر الموت. وحينئذ يشعر السيد بالرضا إذ خاطر بحياته ونال الاعتراف والتقدير بسبب هذه المخاطرة من كائن بشري آخر.

هذا التدريج بالفهم لحركة البشر، تكلم عنه أيضا (هوبز) في موضوع الطبيعة وعلاقتها بالإنسان. كما تكلم عنها (لوك) في الحديث عن (الحرب).

التراتب الاجتماعي والطبقية

إذا كان المجتمع عند (هيجل) و(لوك) ينقسم الى فئتين: فئة على استعداد أن تخاطر بحياتها وهم (السادة) الذين يرسمون في النهاية شكل حركة عبيدهم وكمية الضرائب الواجب عليهم دفعها الخ، وطبقة الذين ليسوا على استعداد للمخاطرة بحياتهم وهم العبيد، فإن ماركس رفض هذا التقسيم وآثر تقسيم المجتمع الى مالكين لأدوات الإنتاج (أرض، آلات، أموال الخ) وعمال أو زراع يقدمون جهدهم لهؤلاء رغما عنهم وبطريقة غير عادلة.

لكن هيجل يسوق أمثلة تدلل على نظريته، فيورد مثل الصخرة التي تتدحرج من أعلى جبل بفعل ثقلها وبفعل الجاذبية الأرضية، لا يوقفها شيء ويرجع ذلك الى حرية الظواهر الطبيعية. كما يضرب مثلا: دب جائع يتحرك بوحشية لسد جوعه. ولكن الإنسان بإنسانيته يرفض أن تكون الطبيعة هي من يوجه حركته و (يحدد حريته)، فكلما استطاع الوقوف في وجه تدخلها كلما اقترب من إنسانيته وكان حرا أي غير ملبي لنداء الطبيعة.

من هنا يشارك هيجل، كل الفلاسفة الذين يعتبرون أن الحروب، حتى لو كانت لأسباب تافهة، فهي تعبر عن الإنسان مستعد للمخاطرة بحياته ضد من يحاول إجباره على القبول بشيء. ويعاود هيجل للقول: أنه إذا كان صراع الحيوانات من أجل إطعام نفسها أو صغارها، أو تحديد الرقعة التي يتحرك فيها الحيوان، فإن الأمر يختلف عند الإنسان فقد يقاتل من أجل علم (راية) أو لتقلد منصب أو يهلك نفسه في تمارين من أجل وسام.

تعليق:

يستطيع أي متأمل ـ لغاية الآن ـ أن يفهم مغزى الترابط بين المقالات السابقة التي تمجد من الإنسان الليبرالي الغربي، الذي ورث فلسفة وحكمة من سبقه من أبناء بيئته، ليكون الإنسان المنتصر من أجل الإنسانية، والمستحق لقيادتها، مبعدا الهمجية من طريقه.

لقد قالها قبل (فوكوياما) كل من (مونتسكيو) و (فولتير) (روسو)، عندما مهدوا للثورة الفرنسية [ التي يجلها فوكوياما]، حيث كانت فحوى دعواهم بأنه لا يجوز احتلال ملك الغير إلا بقانون ولا يجوز قتل الغير إلا بقانون ولا يجوز سن قانون إلا بوجود ممثلين لمن تُسَن لهم القوانين (الشعب)، ولكن بعد عقدين من الزمن وجدنا أن رواد الثورة الفرنسية قد احتلوا (مصر) وكأن من يقطنها هم كائنات غير بشرية، وهذا ما تكرر في تبجح (فوكوياما) بإنسانية (ليبراليته) التي أذاقت العالم من ويلاتها في عقد من الزمن ما لم يذقه في قرون
!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 29-11-2008, 10:57 AM   #10
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

14

الإنسان الأول

((ذلك أن كل إنسان يسعى الى أن يقيمه زميله كتقييمه لنفسه. فإن بدرت من زميله بادرة تشير الى احتقاره أو الانتقاص من قدره، كان من الطبيعي أن يحاول، بقدر ما تواتيه الجرأة، أن ينتزع أكبر قدر من التقدير ممن ناصبوه الاحتقار، عن طريق إيذائهم، ومن الآخرين بجعلهم عبرة لهم)).
توماس هوبز[ الوحش البحري المخيف]

(1)

لم تظهر الديمقراطيات الليبرالية المعاصرة من خلال ضباب التقاليد، وإنما خلقها البشر عامدين عند نقطة معينة من التاريخ. وليس من السهل تحديد بدايات ظهور الليبرالية نظريا، وحتى إن كان كارل ماركس هو من نبه على وجودها، فإن التعرف على آراء (توماس هوبز) سيعطينا فكرة أنه سبق غيره في التفكير بطريقة ليبرالية.

لقد اتصف (هوبز) بهجومه على الإنسان الطبيعي (الفطري) ووصفه بأنه وحيد، فقير، قميء، متوحش، قصير العمر. كما اتصف بهجومه على الحكومات وربط شرعيتها بقبول المحكومين لها، واستنكر ما وصف في عهده بالحق الإلهي الذي يتمتع به الملوك ويطلبون من الشعب القبول به دون مناقشة.

يصنف هوبز دوافع النزاعات عند البشر الى ثلاثة أسباب رئيسية: أولها التنافس وثانيها فقدان الثقة بالنفس وثالثها المجد.

وقد تدفع الرغبة في المجد الناس الى الغزو بسبب تفاهات، ككلمة قيلت، أو ابتسامة، أو رأي مخالف، أو أية إشارة تحمل في طياتها الاحتقار، إما للأفراد أنفسهم، أو لأولادهم وأقاربهم، أو لأصدقائهم، أو لأمتهم، أو لمهنتهم أو لاسمهم.

وقد يتنازع الناس في رأي (هوبز) على الضروريات، غير أن الأغلب أن يتنازعوا على التفاهات، وبعبارة أخرى من أجل نيل الاعتراف والتقدير. ولا تحسب الخسارات المادية في مثل تلك النزاعات. وهذا الشيء أطلق عليها (هيجل) العاطفة الإنسانية الشاملة للكبرياء واحترام الذات أو الغرور والصلف والأنانية في شكل آخر.

(2)

الخوف من الموت على حلبة الصراع.
هذه النقطة هي التي تجعل المغلوب و المهزوم أن يعيش في شكل دوني (عبد) مع الغالب والمنتصر (سيد). وتلك النقطة يلتقي بها هوبز مع هيجل، إلا أن هوبز يعتبر هذا الوضع بدائيا وقريبا من عصر الإنسان الأول، في حين يعتبرها هيجل نتيجة طبيعية تحول دون حدوث الفوضى بحيث يكون السيد المنتصر هو من يتحكم في العلاقات بين أفراد الشعب، ويمنعهم من أن يكون أحدهم ضد الكل مجربا قوته في النيل من أي أحد.

لكن هوبز يحاول أن يجد شرطا (وجدانيا)، إذ يطالب الأفراد الذين يريدون أن يجنبوا أنفسهم من الموت، مقابل التمتع بما ينالهم من نفع مادي، أن يتنازلوا عن كبريائهم و تطلعاتهم الذاتية.

من هنا كان سر تسمية أشهر كتبه (الوحش البحري المخيف) بهذا الاسم، وهو يرمز بهذا الرمز الى (الدولة) كونها كائن حي لا يشبع، لقد كان كتاب (هوبز) يسبق الثورة الأمريكية 1776 بعدة سنوات. ويعتبر هو أول من أشر على الروح الليبرالية بشكلها الأولي، وجاءت الثورة الأمريكية لتسير قدما في تطوير تلك الروح!

(3)

كانت رؤية (هوبز) لحكم الملوك أنهم ينزلقون تدريجيا الى الاستبداد. وكثيرا ما يكون من الصعب، دون آلية المؤسسات كالانتخابات التي تسجل رضا الرعية، أن نعرف ما إذا كان هذا الملك أو ذاك يتمتع بمثل هذا الرضا.

كان من السهل على (جون لوك) أن يلتقط تلك الإشارة من جانب (هوبز) فيعدل عليها، بتطوير المؤسسات البرلمانية دون الاضطرار للمس بالنظام الملكي، حيث تكون المؤسسات تضبط أداء الدولة محافظة على رمزية ومركزية الحكم المتمثل بالملك، ومراعية لحقوق الشعب بانتخابه لممثليه في كل مؤسساتهم التي يحكمها الدستور وتضبط حركتها القوانين التي يشرعها ممثلو الشعب، ويباركها الملك المهيوب جانبه من قبل مؤسسات الشعب.

رغم أنه يبدو أن الارتباط بين هوبز والنظام الأمريكي هو الأقوى، لكن الواقع يشير الى غير ذلك، فبالرغم من أن النظام في أمريكا هو جمهوري، إلا أن تأثره بأفكار (جون لوك) أكبر من تأثره بأفكار (هوبز).


تعليق

ليلاحظ القارئ الكريم كيف أن أسس هذا الفكر الليبرالي مهزوزة، يسهل التلاعب بها وتحويلها لتقوم بتفسير ما يريده الكاتب، أو لنقل ما يريده كل أصحاب هذا اللون من التفكير، والذي هو ـ مع الأسف ـ لا تزال السيادة على العالم بيده.

فمن جانب، يريد الكاتب وصف الصراعات بين البشر غير المتمدن (وهو ما اختار له عنوان الإنسان الأول) بأنها تقوم على أسباب تافهة، لا يهم فيها الربح المادي بقدر ما تكون أسبابها آتية من استصغار أو شتم الخصم لمن يبدأ الصراع. ولو أننا بحثنا في الصراعات خلال قرنين من الزمان في كل العالم لوجدنا مسببيها هم من أولئك التي يتغنى برجاحة عقولهم (فوكوياما).

كانت الولايات المتحدة، ولا تزال، كبقعة أرض واسعة، من أخصب وأغنى أراضي العالم، وكان شعبها من أغنى شعوب العالم، فبماذا تريد قياداتهم الليبرالية أن تستقوي من شعب أفغانستان، لتدفعه للتوجه لزراعة المخدرات ولتعطل نموه في كل الأصعدة؟ ألم تتشابه بسلوكها مع حيوانات الغابة التي تبول على حجر أو ساق شجرة لتعلم الآخرين بحدود سيطرتها؟ وهكذا فعلت مع غرينادا وبنما وتفعل مع العراق؟

أي فكر يبشر به هذا الأحمق، وعلمنا أنه تراجع عنه قبل سنتين وتنبأ بتراجع قوة أمريكا، وحماقة سلوك إدارة بوش، رغم أن فوكوياما كان أحد الموقدين لنار غزو العراق.

لكننا نحاول هنا في تلك المساهمة أن نطلع القارئ العربي على الحاضنة التي تخرج منها قرارات تلك القوى التي لا تتركنا نعيش بسلام كما نريد.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 2 (0 عضو و 2 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .