العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الاسلامي > الخيمة الاسلامية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية على المريخ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث العقد النفسية ورعب الحياة الواقعية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خوارزمية القرآن وخوارزمية النبوة يكشفان كذب القرآنيين (آيتان من القرآن وحديث للنبي ص (آخر رد :محمد محمد البقاش)       :: نظرات في مقال السؤال الملغوم .. أشهر المغالطات المنطقيّة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال البشر والحضارة ... كيف وصلنا إلى هنا؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال التسونامي والبراكين والزلازل أسلحة الطبيعة المدمرة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال الساعة ونهاية العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات في مقال معلومات قد لا تعرفها عن الموت (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 23-08-2009, 10:28 AM   #41
فرحة مسلمة
''خــــــادمة كــــــتاب الله''
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2008
المشاركات: 2,952
إفتراضي

تابع
جهاده رضي الله عنه
ويتحدث صهيب رضي الله عنه صادقا عن ولائه العظيم لمسؤولياته كمسلم بايع الرسول، وسار تحت راية الإسلام فيقول:
" لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا قط إلا كنت حاضره..
ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضرها..
ولا يسر سرية قط. إلا كنت حاضرها..
ولا غزا غزاة قط، أوّل الزمان وآخره، إلا منت فيها عن يمينه أ، شماله..
وما خاف المسلمون أمامهم قط، إلا كنت أمامهم..
ولا خافوا وراءهم إلا كنت وراءهم..
وما جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين االعدوّ أبدا حتى لقي ربه"..!!

هذه صورة باهرة، لايمان فذ وولاء عظيم..
ولقد كان صهيب رضي الله عنه وعن اخوانه أجمعين، أهلا لهذا الايمان المتفوق من أول يوم استقبل فيه نور الله، ووضع يمينه في يكين الرسول..
يومئذ أخذت علاقاته بالناس، وبالدنيا، بل وبنفسه، طابعا جديدا. يومئذ. امتشق نفسا صلبة، زاهدة متفانية. وراح يستقبل بها الأحداث فيطوّعها. والأهوال فيروّعها.
ولقد مضى يواجه تبعاته في إقدام وجسور فلا يتخلف عن مشهد ولا عن خطر.. منصرفا ولعه وشغفه عن الغنائم الى المغارم.. وعن شهوة الحياة، الى عشق الخطر وحب الموت..
دعاباته رضي الله عنه
كان الرسول يحبه كثيرا.. وكان صهيب الى جانب ورعه وتقواه، خفيف الروح، حاضر النكتة..
رآه الرسول يأكل رطبا، وكان باحدى عينيه رمد..
فقال له الرسول ضاحكا:" أتأكل الرطب وفي عينيك رمد"..؟
فأجاب قائلا:" وأي بأس..؟ اني آكله بعيني الآخرى"..!!

كرمه رضي الله عنه
وكان جوّادا معطاء.. ينفق كل عطائه من بيت المال في سبيل الله، يعين محتاجا.. يغيث مكروبا.." ويطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا" حتى لقد أثار سخاؤه المفرط انتباه عمر فقال له: أراك تطعم كثيرا حتى انك لتسرف..؟
فأجابه صهيب لقد سمعت رسول الله يقول:" خياركم من أطعم الطعام".

حب النبي صلى الله عليه و سلم له
عن عائذ بن عمرو رضي الله عنه أن ابا سفيان أتى على سلمان و صهيب و بلال و نفر فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عدو مآخذها قال فقال أبو بكر رضي الله عنه : أتقولون هذا لشيخ قريش و سيدهم
فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال : "يا أبا بكر أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك"
فأتاهم أبو بكر فقال : يا إخوتاه أغضبتكم ؟
قالوا : لا...يغفر الله لك يا أخي

اختيار عمر رضي الله عنه له ليؤم الناس في الصلاة
ولئن كانت حياة صهيب مترعة بالمزايا والعظائم، فان اختيار عمر بن الخطاب إياه ليؤم المسلمين في الصلاة مزية تملأ حياته ألفة وعظمة.. فعندما اعتدي على أمير المؤمنين وهو يصلي بالمسلمين صلاة الفجر.. وعندما أحس نهاية الأجل، فراح يلقي على أصحابه وصيته وكلماته الأخيرة قال: " وليصلّ بالناس صهيب".. لقد اختار عمر يومئذ ستة من الصحابة، ووكل إليهم أمر الخليفة الجديد..
وخليفة المسلمين هو الذي يؤمهم في الصلاة، ففي الأيام الشاغرة بين وفاة أمير المؤمنين، واختيار الخليفة الجديد، من يؤم المسلمين في الصلاة..؟
إن عمر وخاصة في تلك اللحظات التي تأخذ فيها روحه الطاهرة طريقها إلى الله ليستأني ألف مرة قبل أن يختار.. فإذا اختار، فلا أحد هناك أوفر حظا ممن يقع عليه الاختيار..
ولقد اختار عمر صهيبا..
اختاره ليكون إمام المسلمين في الصلاة حتى ينهض الخليفة الجديد.. بأعباء مهمته..
اختاره وهو يعلم أن في لسانه عجمة، فكان هذا الاختيار من تمام نعمة الله على عبده الصالح صهيب بن سنان..

وفاته رضي الله عنه
توفي صهيب رضي الله عنه بالمدينة سنة ثمان و ثلاثين في شوال و قيل : سنة تسع و ثلالين وهو ابن ثلاث و سبعين سنة و دفن رضي الله عنه بالمدينة
__________________








فرحة مسلمة غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 23-08-2009, 11:14 AM   #42
أبا الوليد
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2009
المشاركات: 242
إفتراضي

جزاكم الله خيرا وكل عام وانتم بخير ...
أبا الوليد غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 24-08-2009, 10:26 AM   #43
فرحة مسلمة
''خــــــادمة كــــــتاب الله''
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2008
المشاركات: 2,952
إفتراضي

عبد الله بن جحش

إنه الصحابي الجليل عبد الله بن جحش رضي الله عنه

ابن عمة رسول الله و أخو السيدة زينب بنت جحش زوج رسول الله صلي الله عليه و سلم كان من السابقين إلى الإسلام حيث أسلم قبل دخول النبي دار الأرقم بن أبي الأرقم.
وقد عذب عبد الله في سبيل الله إلى أن خرج مهاجرًا إلى الحبشة مع المسلمين المهاجرين إليها فرارًا بدينه ثم دعاه الحنين إلى مكة فعاد إليها مع العائدين من الحبشة وظل بها صابرًا على ما يلاقيه من أذى حتى أذن الله للمسلمين بالهجرة إلى المدينة فسارع بالهجرة تاركًا في مكة دارًا عظيمة البنيان تطل على الكعبة فهجم المشركون على داره وباعوها وقبضوا ثمنها ولما علم قومه بذلك تأثرت نفوسهم وغضبوا غضبًا شديدًا فطمأنهم النبي صلي الله عليه و سلم و دعا الله أن يعوضهم دارًا خيرًا منها في الجنة ففرحوا بذلك.
وبعد أن استقر المقام بالنبي في المدينة، بعث سرية من المسلمين لترصُّد عير قريش القادمة من الشام و تعرف
أخبارها وقال للصحابة الذين تجهزوا لهذه السرية (لأبعثن عليكم رجلا أصبركم على الجوع والعطش) ثم اختار الرسول
عبد الله بن جحش رضي الله عنه وجعله أميرًا على أول سرية يبعثها وأعطاه كتابًا و طلب منه ألا يفتحه إلا بعد أن يسير بأصحابه يومين و سار عبد الله بالسرية.
وبعد يومين فتح الرسالة فإذا مكتوب فيها (إذا نظرت في كتابي هذا؛ فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصدبها قريشًا وتعلم لنا أخبارهم). وعندما قرأ عبد الله الرسالة تهلل وجهه بالفرح، وقال سمعنا وأطعنا، و التفت إلى أصحابه وأخبرهم الخبر وقال لهم نهاني رسول الله أن استكره أحدًا منكم، فمن كان يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق معي ومن كره ذلك فليرجع. [ابن هشام].
ولما وصلوا إلى المكان الذي وصفه لهم رسول الله ترصدوا لعير قريش حتى قدمت وفيها أربعة من الكفار فاستشارعبد الله بن جحش أصحابه في قتالهم فوافقوا على ذلك فهجموا على المشركين و قتلوا واحدًا وأسروا اثنين و فرَّ الرابع، وكان ذلك في آخر يوم من شهر جمادى الآخرة و أول ليلة من شهر رجب أحد الأشهر الحرم .
و أشاعت قريش أن رسول الله يأمر أصحابه بالحرب في الأشهر الحرم فحزن الرسول لذلك و عاتب عبد الله بن جحش
و أصحابه لكن الله سبحانه أنزل في ذلك قرآنًا قال تعالى
{يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه
أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل}
[البقرة 217].
ففرح عبد الله وأصحابه ببراءة الله لهم وكان عبد الله قد غنم في هذه السرية فقسم الغنائم و أعطى للرسول خمس الغنيمة و لم تكن آية الأنفال قد نزلت فكان عبد الله أول من أعطى الخمس لرسول الله في الإسلام ثم أنزل الله بعدها قوله تعالى {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول} [الأنفال 41] ثم جاءت غزوة بدر فأبلى فيها عبد الله بلاء حسنًا و أظهر شجاعة وفروسية حتى تحقق نصر الله للمسلمين. [ابن هشام].
وفي غزوة أحد وقف عبد الله بن جحش مع سعد بن أبي وقاص يستعدان للمعركة و كل منهما يدعو ربه فدعا سعد ربه أن يرزقه رجلاً شديدًا يقتله في سبيل الله و يأخذ غنيمته فأمن عبد الله على دعاء سعد و توجَّه هو إلى ربه في دعاء خاشع قال فيه اللهم ارزقْني رجلاً شديدًا حرده - بأسه- أقاتله فيك و يقاتلني ثم يأخذني - يقتلني- فيجدع - يقطع أنفي و أذني فإذا لقيتك غدًا يوم القيامة قلت من جَدَعَ أنفك وأذنك؟ فأقول فيك وفي رسولك فتقول صدقت.
و أمن سعد على دعائه ثم انطلقا إلى ساحة القتال و علم الله فيه صدق النية و إخلاص القلب و الرغبة الحقيقية في الاستشهاد في سبيل الله فاستجاب دعاءه فقاتل في سبيل الله و أظهر الشجاعة و البسالة حتى إن سيفه كسر من كثرة قتله للمشركين فأعطاه الرسول عرجون نخلة - العرجون أصل الأقرع التي تجمع البلح- فتحول هذا العرجون الضعيف في يده سيفًا صارمًا
يقاتل به الأعداء و بعد طول قتال رزقه الله الشهادة في سبيله حيث هجم عليه أحد المشركين و ضربه بسيفه ضربة شديدة فاضت بعدها روحه إلى بارئها ثم قام هذا المشرك بقطع أنفه و أذنه فسُميَّ المجدَّع في الله - أي المقطوع الأنف و الأذن-. ولما رآه سعد بن أبي وقاص على تلك الهيئة قال كانت دعوته خيرًا من دعوتي.
وكان عمره آنذاك بضعًا وأربعين سنة ودفن رضي الله عنه بجوار أسد الله حمزة في قبر واحد بعد أن صلَّى عليه رسول الله صلي الله عليه و سلم .


__________________








فرحة مسلمة غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-08-2009, 10:25 AM   #44
فرحة مسلمة
''خــــــادمة كــــــتاب الله''
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2008
المشاركات: 2,952
إفتراضي

عمرو بن العاص

رضي الله عنه


عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشي وكنيته أبو عبدالله ، صحابي جليل
قبـل إسلامـه كان أحد ثلاثة في قريش أتعبـوا الرسـول -صلى اللـه عليه
وسلم- بعنف مقاومتهم وإيذائهم لأصحابه ، وراح الرسول يدعو عليهم ويبتهل
لينزل العقاب بهم فنزل الوحي بقوله تعالى
" لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ مِنْ شيء أوْ يتوبَ عليهم أو يُعَذِّبهم فإنهم ظالمون "


وكـف الرسول الكريم عن الدعاء عليهم وترك أمرهـم الى الله ، واختار اللـه
لعمرو بن العاص طريق التوبة والرحمة ، فأسلم وأصبح مسلم مناضل وقائد فذ


إسلامه
أسلم عمرو بن العاص -رضي الله عنه- مع ( خالد بن الوليد ) قُبيل فتح مكة بقليل ( شهر صفر سنة ثمان للهجرة ) وبدأ إسلامه على يد النجاشي بالحبشة ففي زيارته الأخيرة للحبشة إذ جاء عمرو بن أمية الضمري ، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه ، فدخل على النجاشي ثم خرج من عنده ، فقال عمرو لأصحابه هذا عمرو بن أمية ، ولو قد دخلتُ على النجاشي فسألته إيّاه فأعطانيه فضربتُ عنقه ، فإذا فعلت به ذلك رأت قريش أن قد أجزأتُ عنها حين قتلتُ رسول محمد )

قال عمرو راوياً للقصة : فدخلتُ عليه فسجدتُ له كما كنت أصنـع فقال مرحباً بصديقي ، أهديتَ لي من بـلادك شيئاً ؟)قلتُ نعم ؟ قد أهديت لك أدماً كثيراً )ثم قربتهُ إليه فأعجبه واشتهاه ثم قلتُ له أيها الملك ، قد رأينا رجلاً خرج من عندك ، وهو رسول رجلٍ عدوّ لنا ، فأعطنيه لأقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا )فغضب النجاشي ثم مدَّ يدهُ فضرب بها أنفهُ ضربةً ظننتُ أنه قد كسرَه

قلتُ لو انشقت الأرض لدخلتُ فيها فَرَقاً منه ) ثم قلت أيها الملك ، والله لو ظننتُ أنك تكره هذا ما سألتكه ) فقال أتسألني أن أعطيك رسولَ رجل يأتيه النّاموس الأكبر الذي كان يأتي موسى ؟)قلتُ أيّها الملك ، أكذلك هو ؟ ) قال ويحك يا عمرو ، أطعني واتَّبِعهُ ، فإنه والله على الحق ، وليظهرنّ على مَنْ خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده )

فقلتُ أتبايعني على الإسلام ؟)قال نعم ) فبسط يَدَهُ فبايعتُهُ على الإسلام ، ثم خرجتُ إلى أصحابي وقد حال رأيي عمّا كان عليه ، فكتمتُ أصحابي إسلامي ، ثم خرجتُ عامداً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إسلامي ، فلقيـتُ خالد بن الوليد وهو مُقبـل من مكـة فقلتُ أين يا أبا سليمان ؟) قال والله لقد استقام المِيْسَمُ -أي أن أمر رسول الله قد اكتمل وصح بما نصره الله تعالى به- ، وإن الرجل لنبيّ ، أذهب والله أسلم ! حتى متى ؟؟) قلتُ فأنا والله ما جئتُ إلا للإسلام )

وما كاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يراهم حتى تهلل وجهه و قال لأصحابه لقد رَمَتْكم مكة بفَلَذات أكبادها ) وتقدم خالد فبايع ، وتقدم عمرو فقال إني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي ) فأجابه الرسول الكريم يا عمرو بايع فإن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله ) وبايع عمرو ووضع كل ما يملك في خدمة الدين الجديد

الشام
ثم بعث إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال إني أردتُ أن أوجِّهك وجهاً ، وأرغبُ لك رغبةً )000فقال عمرو أمّا المال فلا حاجة لي فيه ، ووجّهني حيثُ شئتَ ) فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نِعِمّاً بالمالِ الصالحِ للرجلِ الصالح ) ووجّه قِبل الشام ، وأمَرهُ أن يدعوَ أخوال أبيه ( العاص ) من ( بَلِيّ ) إلى الإسلام ، ويستنفرهم إلى الجهاد ، فشخص عمرو إلى ذلك الوجه

ثم كتب إلى رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- يستمـدّهُ ، فأمدّه بجيـش فيهم أبو بكـر وعمـر ، وأميرهم أبو عبيـدة بن الجـراح فقـال عمرو أنا أميركم )فقال أبو عبيـدة أنتَ أميرُ مَنْ معك ، وأنا أمير من معي )وكان معه المهاجرون الأولون ، فقال عمرو إنما أنتم مَدَدي فأنا أميركم )فقال له أبو عبيـدة تعلم يا عمرو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عَهِدَ إليّ فقال إذا قدِمْتَ على عمرو فتطاوَعَا ولا تختلِفا ) ، فإن خالفتني أطعتُك )قال فإني أخالفك ) فسلّم له أبو عبيـدة ، وصلى خلفه

فضله
قال طلحة بن عبيد الله أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول إنّ عمرو بن العاص لرشيد الأمر ) فقد صحب عمرو بن العاص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، واستعمله الرسول الكريم على غزوة ذات السلاسل ، وبعثه يوم الفتح إلى سُواع صنم هُذيل فهدمه ، وبعثه أيضاً إلى جيفـر وعبـد ابْنَـي الجلنـدا وكانا من الأزد بعُمان يدعوهما إلى الإسـلام ، فقُبِض رسـول اللـه -صلى الله عليه وسلم- وعمرو بعُمان

كان فزعٌ بالمدينة فأتى عمرو بن العاص على سالم مولى أبي حذيفة وهو مُحْتَبٍ بحمائل سيفِه ، فأخذ عمرو سيفه فاحتبى بحمائله ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا أيها الناس ! ألا كان مفزعكم إلى الله وإلى رسوله ) ثم قال ألا فعلتم كما فَعَل هذان الرجلان المؤمنان )

ذات السلاسل
بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عَمْراً على جيش ذات السلاسل ، إلى لَخْم وجُذام وكان في أصحابه قِلّة فقال لهم عمرو لا يوقدنّ أحدٌ منكم ناراً ) فشقّ ذلك عليهم ، فكلموا أبا بكر يُكلّم لهم عَمْراً فكلمه فقال لا يوقد أحدٌ منكم ناراً إلا ألقيته فيها)

فقاتل العدو فظهر عليهم ، فاستباح عسكرهم فقال له الناس ألا تتبعهم ؟) فقال لا ، إني لأخشى أن يكون لهم وراء هذه الجبال مادّةٌ يقتطعون المسلمين ) فشكوه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حين رجعوا فقال -صلى الله عليه وسلم- صدقوا يا عمرو ) فقال له إنه كان في أصحابي قِلّة فخشيتُ أن يرغب العدوّ في قتلهم ، فلمّا أظهرني الله عليهم قالوا : أنتبعُهُم ؟-فقلتُ : أخشى أن يكون لهم وراء هذه الجبال مادّة يقتطعون المسلمين ) فكأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- حمدَ أمرَهُ

الليلة الباردة
قال عمرو بن العاص : لمّا بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام ذات السلاسل ، فاحتلمتُ في ليلة باردة شديدة البرد ، فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أهلك ، فتيممتُ ثم صليتُ بأصحابي صلاة الصبح ، فلمّا قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكرتُ ذلك له فقال يا عمرو ! صليتَ بأصحابك وأنتَ جُنب ؟)000 قلتُ نعم يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ! إني احتلمتُ في ليلة باردةٍ شديدة البرد ، فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أهلك وذكرتُ000
قول الله تعالى :"( ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُم إنّ اللّهَ كان بِكُم رَحيماً )"( سورة النساء/29 )


فتيممتُ ثم صليتُ ، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يقُلْ شيئاً


الإمارة
قُبِض رسـول اللـه -صلى الله عليه وسلم- وعمرو بعُمان ، فخرج منها فقدم المدينة ، فبعثه أبو بكر الصديق أحدَ الأمراء إلى الشام ، فتولى ما تولى من فتحها وشهد اليرموك ، وولاه عمر بن الخطاب فلسطين وما والاها ، ثم كتب إليه أن يسير إلى مصر فسار إليها ففتح مصر ، وولاه عمر مصر إلى أن مات ، وولاه عثمان بن عفان مصر سنين ، ثم عزله واستعمل عليها عبد الله بن أبي سَرْح ، فقدم عمرو المدينة فأقام بها

فلمّا نشِبَ الناس في أمر عثمان خرج إلى الشام فنزل بها في أرض له بالسّبع من أرض فلسطين ، حتى قُتِلَ عثمان -رضي الله عنه- ، فصار إلى معاوية فلم يزل معه يُظهِرُ الطلبَ بدم عثمان ، وشهد معه صفين ، ثم ولاه معاوية مصر فخرج إليها فلم يزل بها والياً ، وابْتنَى بها داراً ، ونزلها إلى أن مات بها

حُبِّ الإمارة
مما امتاز به عمرو بن العاص حُبّه للإمارة ، فشكله الخارجي ومشيته وحديثه كلها تدل على أنه خُلِق للإمارة ، حتى أن في أحد الأيام رآه أمير المؤمنين عمر وهو مقبل فابتسم لِمَشْيَته وقال ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا ) والحق أن عمرو لم يُبْخِس نفسه هذا الحق ، فمع كل الأحداث الخطرة التي اجتاحت المسلمين ، كان عمرو يتعامل معها بأسلوب أمير معه من الذكاء والدهاء ما يجعله واثقا بنفسه مُعْتَزا بتفوقه ، وقد أولاه عمر بن الخطاب ولاية فلسطين والأردن ، ثم على مصر طوال حياة أمير المؤمنين

وعندما علم ابن الخطاب أن عمراً قد اجتاز حد الرخاء في معيشته أرسل إليه ( محمد بن مَسْلمة ) وأمره أن يقاسم عمراً جميع أمواله وأشيائه ، فيبقى له نصفها ويحمل معه الى بيت مال المسلمين بالمدينة النصف الآخر ، ولو علم أمير المؤمنين عمر أن حب عمرو للإمارة سيحمله على التفريط في مسئولياته لما أبقاه في الولاية لحظة واحدة

ذكاؤه ودهاؤه
كان عمـرو بن العاص حاد الذكاء ، قوي البديهة عميق الرؤية ، حتى أن أمير المؤمنين عمـر كان إذا رأى إنسانا عاجز الحيلة ، صـكّ كفيه عَجبا وقال سبحان الله ! إن خالق هذا وخالق عمرو بن العاص إله واحد ) كما كان عمرو بن العاص جريئا مِقْداما ، يمزج ذكائه بدهائه فيُظَنّ أنه جبان ، بيد أنها سعة حيلة يُخرج بها نفسه من المآزق المهلكة ، وكان عمر بن الخطاب يعرف ذلك فيه ، وعندما أرسله الى الشام قيل له إن على رأس جيوش الروم بالشام أرطبونا ) أي قائدا وأميرا من الشجعان الدُّهاة ، فكان جواب أمير المؤمنين لقد رمينا أرْطَبون الروم بأرْطَبون العرب ، فلننظر عمَّ تنفَرج الأمور )
ولقد انفرجت عن غلبة ساحقة لأرطبون العرب وداهيتهم عمرو بن العاص على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا الى مصر ولعل من أشهر المواقف التي يظهر فيها دهاء عمرو موقف التحكيم بين عليا ومعاوية ، وموقفه من قائد حصن بابليون.
__________________








فرحة مسلمة غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-08-2009, 10:33 AM   #45
فرحة مسلمة
''خــــــادمة كــــــتاب الله''
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2008
المشاركات: 2,952
إفتراضي

تابع
مُحَرِّر مِصْر
كانت مصر من أهم ولايات الإمبراطورية الرومانية ، وقد استغل الروم ثرواتها وحرموا منها السكان واستباحوا أهلها حتى أصبح الناس في ضيق لأن الروم فرضوا عليهم مذهبهم الديني قسرا ، فلما بلغ المصريون أنباء الفتوحات الإسلامية وعدالة المسلمين وسماحتهم تطلعت أنظارهم إليهم لتخليصهم مما هم فيه ،واتجه عمرو بن العاص سنة ( 18 هجري ) على رأس جيش من أربعة آلاف مقاتل متجها الى مصر ، وأمام شدة المقاومة طلب عمرو المدد من أمير المؤمنين فأرسل إليه أربعة آلاف جندي وتقدّم المسلمون وحاصروا حصن بابليون لمدة سبعة أشهر وتمكنوا من فتحه

ثم اتجهوا الى الإسكندرية فوجدوا مقاومة من حاميتها فامتد حصارها الى أربعة أشهر وأخيرا فتحت الإسكندرية وعقدت معاهدة الإسكندرية ، ولقد كان -رضي الله عنه- حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة ، ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان ، وتحدث عمرو مع زعماء الأنصار وكبار أساقفتهم فقال إن الله بعث محمدا بالحق وأمره به ، وإنه -عليه الصلاة والسلام- قد أدّى رسالته ، ومضى بعد أن تركنا على الواضِحَة ، وكان مما أمرنا به الإعذار الى الناس ، فنحن ندعوكم الى الإسلام ، فمن أجابنا فهو مِنّا له مالنا وعليه ما علينا ، ومن لم يُجِبنا الى الإسلام عرضنا عليه الجزْية وبذلنا له الحماية والمنعة ، ولقد أخبرنا نبينا أن مصر ستفتح علينا ، وأوصانا بأهلها خيرا فقال ستُفْتَح عليكم بعدي مصر ، فاسْتَوصوا بِقِبْطها خيرا ، فإن لهم ذِمّة ورَحِما ) فإن أجبتمونا الى ما ندعوكم إليه كانت لكم ذِمّة الى ذِمّة )

وفرغ عمرو من كلماته فصاح بعض الأساقفة والرهبان قائلا إن الرّحِم التي أوصاكم بها نبيكم لهي قرابة بعيدة لا يصل مثلها إلا الأنبياء )

حصن نابليون
أثناء حربه مع الرومان في مصر ، ( وفي بعض الروايات التاريخية أنها وقعت في اليرموك ) ، دعاه أرطبون الروم وقائدهم لمحادثته ، وكان قد أعطى أوامره لرجاله بإلقاء صخرة فوق عمرو إثر إنصرافه من الحصن ، ودخل عمرو على القائد لا يريبه منه شيء ، وانفض اللقاء ، وبينما هو في طريق الخروج لمح فوق أسوار الحصن حركة مريبة حركّت فيه الحرص والحذر ، وعلى الفور تصرف بشكل باهر

لقد عاد الى قائد الحصن في خطوات آمنة مطمئنة ولم يثر شكوكه أمر ، وقال للقائد لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه ، إن معي حيث يقيم أصحابي جماعة من أصحاب الرسول السابقين الى الإسلام ، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا دون مشورتهم ، ولا يرسل جيشا من جيوش الإسلام إلا جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده ، وقد رأيت أن آتيك بهم حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت ، ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة )

وأدرك قائد الروم أن عمرا بسذاجة قد منحه فرصة العمر ، فليوافقه الآن الرأي ، وإذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم ، أجهز عليهم جميعا ، بدلا من أن يجهز على عمرو وحده ، وألغيت خطة اغتيال عمرو ، وودّع عمرو بحرارة ، وابتسم داهية العرب وهو يغادر الحصن ، وفي الصباح عاد عمرو على رأس جيشه الى الحصن ممتطيا صهوة فرسه

بَطْريقِ غزّة
خرج عمرو بن العاص إلى بطريق غزّة في نفرٍ من أصحابه ، عليه قِباءٌ عليه صدأ الحديد وعمامة سوداء ، وفي يده رمح وعلى ظهره تُرْسٌ ، فلمّا طلع عليه ضحك البطريق وقال ما كنت تصنع بحمل السلاح إلينا ؟) قال خفتُ أن ألقى دونـك فأكـون قد فرّطـتُ ) فالتفت إلى أصحابه فقال بيده (( عقدَ الأنملة على إبهامه )) أي يشير بها إليهم ثم قال مرحباً بك ) وأجلسه معه على سريره وحادثه ، فأطال ثم كلمه بكلام كثير ، وحاجّه عمرو ودعاه إلى الإسلام

فلمّا سمع البطريق كلامَهُ وبيانهُ وأداءهُ قال بالرومية يا معشر الروم أطيعوني اليوم وأعصوني الدهر ، أمير القوم ألا ترون أنّي كلما كلمته كلمةً أجابني عن نفسه ، لا يقول أشاور أصحابي وأذكر لهم ما عرضتَ عليّ ، وليس الرأي إلا أن نقتله قبل أن يخرج من عندنا ، فتختلف العرب بينها ، وينتهي أمرهم ، ويعفون من قتالنا ) فقال مَنْ حوله من الروم ليس هذا برأي )

وقد كان دخل مع عمرو بن العاص رجلٌ من أصحابه يعرف كلام الروم ، فألقى إلى عمرو ما قال الملك ( البطريق ) ثم قال الملك ألا تخبرني هل في أصحابك مثلك يلبس ثيابك ويؤدي أداءك ؟)فقال عمرو أنا أكَلُّ أصحابي لساناً ، وأدناهم أداءً ، وفي أصحابي مَنْ لو كلمته لعرفت أنّي لستُ هناك ) قال فأنا أحب أن تبعث إليّ رأسكم في البيان والتقدم والأداء حتى أكلمه ) فقال عمرو أفعل )

وخرج عمرو من عنـده فقال البطريق لأصحابه لأخالفَنّكم ، لئـن دخل فرأيـتُ منه ما يقول لأضربَنّ عُنقَه ) فلمّا خرج عمروٌ من الباب كبّر وقال لا أعود لمثل هذا أبداً ) وأتى منزله ، فاجتمع إليه أصحابه يسألونه ، فخبّرهم خبره وخبر البطريق ، فأعظم القوم ذلك وحمدوا الله على ما رزق من السلامة

وكتب عمرو بذلك إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه عمر الحمدلله على إحسانه إلينا ، وإيّاك والتغرير بنفسك أو بأحدٍ من المسلمين في هذا أو شبهه ، وبحسب العلج منهم أن يُكلّمَ في مكانٍ سواءٍ بينك وبينه ، فتأمن غائلته ويكون أكسر ) فلما قرأ عمرو كتاب عمر ترحّم عليه ثم قال ليس الأب أبرُّ بولده بأبرَّ من عمر بن الخطاب برعيته )

التحكيم
في الخلاف بين علي ومعاوية نصل الى أكثر المواقف شهرة في حياة عمرو ، وهو موقفه في التحكيم وكانت فكرة أبو موسى الأشعري ( المُمَثِّل لعلي ) الأساسية هي أن الخلاف بينهما وصل الى نقطة حرجة ، راح ضحيتها الآلاف ، فلابد من نقطة بدء جديدة ، تعطي المسلمين فرصة للاختيار بعد تنحية أطراف النزاع ، وأبوموسى الأشعري على الرغم من فقهه وعلمه فهو يعامل الناس بصدقه ويكره الخداع والمناورة التي لجأ اليها الطرف الآخر ممثلا في عمرو بن العاص ( مُمَثِّل معاوية )الذي لجأ الى الذكاء والحيلة الواسعة في أخذ الراية لمعاوية

ففي اليوم التالي لاتفاقهم على تنحية علي ومعاوية وجعل الأمر شورى بين المسلمين دعا أبوموسى عمرا ليتحدث فأبى عمرو قائلا ما كنت لأتقدمك وأنت أكثر مني فضلا وأقدم هجرة وأكبر سنا ) وتقدم أبوموسى وقال يا أيها الناس ، انا قد نظرنا فيما يجمع الله به ألفة هذه الأمة ويصلح أمرها ، فلم نر شيئا أبلغ من خلع الرجلين - علي ومعاوية - وجعلها شورى يختار الناس لأنفسهم من يرونه لها ، واني قد خلعت عليا ومعاوية ، فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من أحببتم )وجاء دور عمرو بن العاص ليعلن خلع معاوية كما تم الاتفاق عليه بالأمس ، فصعد المنبر وقال أيها الناس ، ان أباموسى قد قال ما سمعتم ، وخلع صاحبه ، ألا واني قد خلعت صاحبه كما خلعه ، وأثْبِت صاحبي معاوية ، فانه ولي أمير المؤمنين عثمان والمطالب بدمه ، وأحق الناس بمقامه !!)

ولم يحتمل أبوموسى المفاجأة ، فلفح عمرا بكلمات غاضبة ثائرة فقد أنفذ أبو موسى الإتفاق وقَعَد عمرو عن إنفاذ
فضله
عن قبيصة بن جابر قال : صحبتُ عمر بن الخطاب فما رأيتُ رجلاً أقرأ لكتاب الله ، ولا أفقه في دين الله ، ولا أحسسَ مُداراةٍ منه ، وصحبتُ طلحة بن عبيد الله فما رأيتُ رجلاً أعطى لجزيلٍ عن غير مسألة منه ، وصحبت معاوية بن أبي سفيان فما رأيتُ رجلاً أثقل حِلماً منه ، وصحبتُ عمرو بن العاص فما رأيتُ رجلاً أبين طرفاً منه ، ولا أكرم جليساً ولا أشبه سريرة بعلانية منه ، وصحبت المغيرة بن شعبة ، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بالمكر لخرج من أبوابها كلّها
__________________








فرحة مسلمة غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-08-2009, 10:34 AM   #46
فرحة مسلمة
''خــــــادمة كــــــتاب الله''
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2008
المشاركات: 2,952
إفتراضي

تابع
حكمته
قال عمرو بن العاص أربعةٌ لا أمَلُّهُمْ أبداً ، جليسي ما فهم عنّي ، وثوبي ما سترني ، ودابّتي ما حملتني ، وامرأتي ما أحسنتْ عِشْرتي )

وقال عمرو لابنه عبدالله يا بُنيّ سلطانٌ عادلٌ خيرٌ من مطر وابل ، وأسد حَطوم خير من سلطان ظلوم ، وسلطان غشوم خيرٌ من فتنة تدوم ، يا بُنيّ زلّة الرجل عظيم يُجبَر ، وزلة اللسان لا تُبقي ولا تذر ، يا بُنيّ استراحَ مَنْ لا عقْلَ له فأرسلها مَثَلاً )

وقال عمرو بن العاص لمعاوية بن أبي سفيان يا أمير المؤمنين لا تكونَنّ لشيءٍ من أمر رعيّتكَ أشدَّ تعهداً منك لخصاصة الكريم حتى تعمل في سدّها ، ولطغيان اللئيم حتى تعمل في قمعه ، واستوحِشْ من الكريم الجائع ومن اللئيم الشبعان ، فإن الكريم يصول إذا جاع ، واللئيم يصول إذا شبع )

وقال عمرو عجبتُ من الرجل يفرّ من القدر وهو مواقعه ، ومن الرجل يرى القَذاةَ في عين أخيه ويَدع الجذعَ في عينيه ، ومن الرجل يخرج الضّغن من نفس أخيه ويَدَع الضّغن في نفسه ، وما تقدمتُ على أمرٍ فلمتُ نفسي على تقدُّمي عليه ، وما وضعتُ سرّي عند أحدٍ فلمتُه على أن أفشاه ، وكيف ألومه وقد ضِقتُ به )

مرض الموت
لمّا نزل بعمرو بن العاص الموت قال له ابنه عبد الله يا أبَتِ إنك كنت تقول عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه ؟ فصفْ لنا الموت وعقلك معك ) فقال يا بُنيّ الموتُ أجلُّ من أن يوصف ، ولكنّي سأصف لك منه شيئاً ، أجدني كأنّ على عنقي جبال رَضْوَى -جبل في المدينة على سبع مراحل- وأجدني كأنّ في جوفي شوك السُّلاّء ، وأجدني كأنّ نَفَسي يخرج من ثقب إبرةٍ )
وقيل أن عمرو بن العاص لمّا كان عند الموت دعا حرسه فقال أيّ صاحب كنتُ لكم ؟) قالوا كنتَ لنا صاحبَ صدقٍ ، تكرمنا وتعطينا وتفعلُ وتفعلُ )قال إنّما كنتُ أفعل ذلك لتمنعوني من الموت -أي الإغتيال- هاهو ذا قد نزل بي فاغنوه عنّي ) فنظـر القوم بعضهم إلى بعـض فقالوا والله ما كنّا نحسبك تكلَّمُ بالعَوراء يا أبا عبدالله ، قد علمتَ أنّا لا نغني عنك من الموت شيئاً )فقال أما والله لقد قُلتها وإنّي لأعلم أنّكم لا تغنـون عنّي من المـوت شيئاً ، ولكن لأن أكـون لم أتخـذ منكم رجلاً قـط يمنعني من الموت أحبّ إليّ من كذا وكذا ، فيا ويح ابن أبي طالب إذْ يقول : حرسَ امرأً أجلُهُ )

وفاته
وفي ليلة الفطر سنة ثلاث وأربعين من الهجرة ، أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر حيث كان واليا عليها ، وراح يستعرض في لحظات الرحيل حياته فقال كنت أول أمري كافرا ، وكنت أشد الناس على رسول الله ، فلو مِتّ يومئذ لوجَبَت لي النار ، ثم بايعت رسول الله ، فما كان في الناس أحد أحبّ إلي منه ، ولا أجلّ في عيني منه ، ولو سُئِلْتُ أن أنْعَتَه ما استطعت ، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه إجلالا له ، فلو مِتّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة ، ثم بُليت بعد ذلك بالسلطان ، وبأشياء لا أدري أهي لي أم عليّ )

وأوصى عمرو بن العاص ابنه عبد الله يا بُنيّ ، إذا مِتُّ فاغسلني غسلةً بالماء ، ثم جففني في ثوب ، ثم اغسلني الثانية بماءٍ قراح ، ثم جففني في ثوب ، ثم اغسلني الثالثة بماءٍ فيه شيء من كافور ، ثم جففني في ثوب ، ثم إذا ألبستني الثياب فأزِرَّ عليّ فإني مُخاصم ، ثم إذا حملتني على السرير فامش بي مشياً بين المشيتين وكنْ خلف الجنازة ، فإن مقدّمها للملائكة وخلفها لبني آدم ، فإذا وضعتني في القبر ، فسُن عليّ التراب سنّاً -أي اجعله مرتفعاً مستطيلاً على وجه الأرض-)
ثم رفـع بصره الى السماء في ضَراعـة مناجيا ربه الرحيم قائلا اللهم لا بريء فأعْتـذِر ، ولا عزيز فأنْتَصر ، وإلا تُدْركني رحمتك أكن من الهالكين ) وظل في ضراعاته حتى صعدت الى الله روحه وكانت آخر كلماته : لا إله إلا الله وتحت ثَرَى مصر ثَوَى رُفاتُه ، فقد دُفِنَ بالمُقطّم مقبرة أهل مصر ، وهو سفح جبل
__________________








فرحة مسلمة غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 26-08-2009, 12:45 PM   #47
فرحة مسلمة
''خــــــادمة كــــــتاب الله''
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2008
المشاركات: 2,952
إفتراضي

عبدالله بن مسعود

هو عبدالله بن مسعود بن غافل الهذلي، وكناه النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا عبدالرحمـن مات أبوه في الجاهلية، وأسلمت أمه وصحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك كان ينسب الى أمه أحيانا فيقال: (ابن أم عبد)... وأم عبد كنية أمه -رضي الله عنهما-.

أول لقاء مع الرسول

يقول -رضي الله عنه- عن أول لقاء له مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي مُعَيْط، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكـر فقالا: (يا غلام، هل عندك من لبن تسقينـا؟)... فقلت: (إني مؤتمـن ولست ساقيكما)... فقال النبـي -صلى الله عليه وسلم-: (هل عندك من شاة حائل، لم يَنْزُ عليها الفحل؟)... قلت: (نعم)... فأتيتهما بها، فاعتقلها النبي ومسح الضرع ودعا ربه فحفل الضرع، ثم أتاه أبو بكر بصخرة متقعّرة، فاحتلب فيها فشرب أبوبكر، ثم شربت ثم قال للضرع: (اقْلِص)... فقلص، فأتيت النبي بعد ذلك فقلت: (علمني من هذا القول)... فقال: (إنك غلام مُعَلّم).

إسلامه

لقد كان عبدالله بن مسعود من السابقين في الاسلام، فهو سادس ستة دخلوا في الاسلام، وقد هاجر هجرة الحبشة وهجرة المدينة، وشهد بدرا والمشاهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أجهز على أبي جهل، ونَفَلَه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيفَ أبي جهل حين أتاه برأسه.
وكان نحيل الجسم دقيق الساق ولكنه الايمان القوي بالله الذي يدفع صاحبه الى مكارم الأخلاق، وقد شهد له النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- بأن ساقه الدقيقة أثقل في ميزان الله من جبل أحد، وقد بشره الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- بالجنة.
فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن مسعود فصعد شجرةً وأمَرَه أن يأتيه منها بشيء، فنظر أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ساقه حين صعد فضحكوا من حُموشَةِ ساقه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَمّ تضحكون؟ لَرِجْلُ عبد الله أثقلُ في الميزان يوم القيامة من أحُدٍ).

جهره بالقرآن

وعبد الله بن مسعود -رضي اللـه عنه- أول من جهر بالقرآن الكريم عند الكعبة بعد رسول اللـه -صلى الله عليه وسلم-، اجتمع يوماً أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: (والله ما سمعت قريشُ هذا القرآن يُجهرُ لها به قط، فمَنْ رجلٌ يُسمعهم؟)... فقال عبد الله بن مسعود: (أنا)... فقالوا: (إنّا نخشاهم عليك، إنّما نريدُ رجلاً له عشيرة تمنعه من القوم إن أرادوه)... فقال: (دعوني فإنّ الله سيمنعني)... فغدا عبد الله حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها، حتى قام عبد الله عند المقام فقال رافعاً صوته.
بسم الله الرحمن الرحيم: {الرّحْمن، عَلّمَ القُرْآن، خَلَقَ الإنْسَان، عَلّمَهُ البَيَان}... فاستقبلها فقرأ بها، فتأمّلوا فجعلوا يقولون ما يقول ابن أم عبد، ثم قالوا: (إنّه ليتلوا بعض ما جاء به محمد)... فقاموا فجعلوا يضربونه في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه، فقالوا: (هذا الذي خشينا عليك)... فقال: (ما كان أعداء الله قط أهون عليّ منهم الآن، ولئن شئتم غاديتهم بمثلها غداً؟!)... قالوا: (حسبُكَ قد أسمعتهم ما يكرهون).

حفظ القرآن

أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن مسعود أن يقرأ عليه فقال: (اقرأ علي)... قال: (يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟)... فقال -صلى اللـه عليه وسلم-: (إني أحب أن أسمعه من غيري)... قال ابن مسعود فقرأت عليه من سورة النسـاء حتى وصلت الى.
قوله تعالى: {فكَيْفَ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا}... (النساء -41).
فقال له النبي -صلىالله عليه وسلـم-: (حسبـك)... قال ابن مسعود: (فالتفت اليه فاذا عيناه تذرفان).
كان ابن مسعود من علماء الصحابة -رضي الله عنهم- وحفظة القرآن الكريم البارعين، فيه انتشر علمه وفضله في الآفاق بكثرة أصحابه والآخذين عنه الذين تتلمذوا على يديه وتربوا، وقد كان يقول: (أخذت من فم رسـول اللـه -صلى اللـه عليه- سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد)... وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (استقرئـوا القرآن من أربعة من عبـدالله بن مسعود وسـالم مولى أبى حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل)... كمـا كان يقول: (من أحب أن يسمع القرآن غضاً كما أُنزل فليسمعه من ابن أم عبد)...
قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (استخلفتَ)... فقال: (إنّي إنْ استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي عُذّبتُم، ولكم ما حدّثكم به حُذيفة فصدِّقوه، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه).
وحين أخذ عثمان بن عفان من عبد الله مصحفه، وحمله على الأخذ بالمصحف الإمام الذي أمر بكتابته، فزع المسلمون لعبد الله وقالوا: (إنّا لم نأتِكَ زائرين، ولكن جئنا حين راعنا هذا الخبر)... فقال: (إنّ القرآن أُنزِلَ على نبيّكم -صلى الله عليه وسلم- من سبعة أبواب على سبعة أحرف، وإنّ الكتاب قبلكم كان ينزل -أو نزل- من باب واحد على حرف واحد، معناهما واحد).


قربه من الرسول

وابن مسعود صاحب نعلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدخلهما في يديه عندما يخلعهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو كذلك صاحب وسادة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومطهرته... أجاره الله من الشيطان فليس له سبيل عليه... وابن مسعود صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا يعلمه غيره، لذا كان اسمه (صاحب السَّواد)... حتى قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (لو كنت مؤمرا أحدا دون شورى المسلمين لأمَّرت ابن أُم عبد).
كما أعطي مالم يعط لغيره حين قال له الرسول: (إذْنُكَ علي أن ترفع الحجاب)... فكان له الحق بأن يطرق باب الرسول الكريم في أي وقت من الليل أو النهار... يقول أبو موسى الأشعري: (لقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وما أرى إلا ابن مسعود من أهله).
__________________








فرحة مسلمة غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 26-08-2009, 12:47 PM   #48
فرحة مسلمة
''خــــــادمة كــــــتاب الله''
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2008
المشاركات: 2,952
إفتراضي

تابع
مكانته عند الصحابة

قال عنه أمير المؤمنين عمر: (لقد مُليء فِقْهاً)... وقال أبو موسى الأشعري: (لا تسألونا عن شيء ما دام هذا الحَبْرُ فيكم)... ويقول عنه حذيفة: (ما أعرف أحدا أقرب سمتا ولا هديا ودلا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من ابن أم عبد).
واجتمع نفر من الصحابة عند علي بن أبي طالب فقالوا له: (يا أمير المؤمنين، ما رأينا رجلا كان أحسن خُلُقا ولا أرفق تعليما، ولا أحسن مُجالسة ولا أشد وَرَعا من عبد الله بن مسعود)... قال علي: (نشدتكم الله، أهو صدق من قلوبكم؟)... قالوا: (نعم)... قال: (اللهم إني أُشهدك، اللهم إني أقول فيه مثل ما قالوا، أو أفضل، لقد قرأ القرآن فأحل حلاله، وحرم حرامه، فقيه في الدين عالم بالسنة).
وعن تميم بن حرام قال: (جالستُ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما رأيتُ أحداً أزهدَ في الدنيا ولا أرغبَ في الآخرة، ولا أحبّ إليّ أن أكون في صلاحه، من ابن مسعود).

ورعه

كان أشد ما يخشاه ابن مسعود -رضي الله عنه- هو أن يحدث بشيء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيغير شيئا أو حرفا... يقول عمرو بن ميمون: (اختلفت الى عبد الله بن مسعود سنة، ما سمعته يحدث فيها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلا أنه حدّث ذات يوم بحديث فجرى على لسانه: قال رسول الله، فعلاه الكـرب حتى رأيت العـرق يتحدر عن جبهتـه، ثم قال مستدركا: قريبا من هذا قال الرسـول).
ويقول علقمـة بن قيـس: (كان عبد الله بن مسعود يقوم عشية كل خميس متحدثا، فما سمعته في عشية منها يقول: قال رسول الله غير مرة واحدة، فنظرت إليه وهو معتمد على عصا، فإذا عصاه ترتجف وتتزعزع).

حكمته

كان يملك عبدالله بن مسعود قدرة كبيرة على التعبير والنظر بعمق للأمور فهو يقول عما نسميه نِسبية الزمان: (إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه)... كما يقول عن العمل: (إني لأمقت الرجل إذ أراه فارغا، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة)... ومن كلماته الجامعة: (خير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، وشر العمى عمى القلب، وأعظم الخطايا الكذب، وشر المكاسب الربا، وشر المأكل مال اليتيم، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يغفر يغفر الله له).
وقال عبدالله بن مسعود: (لو أنّ أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لسَادوا أهل زمانهم، ولكنّهم وضعوه عند أهل الدنيا لينالوا من دنياهم، فهانوا عليهم، سمعتُ نبيّكم -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنْ جعلَ الهمومَ همّاً واحداً، همّه المعاد، كفاه الله سائرَ همومه، ومَنْ شعّبَتْهُ الهموم أحوال الدنيا لم يُبالِ الله في أي أوديتها هلك).

أمنيته

يقول ابن مسعود: (قمت من جوف الليل وأنا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله وأبو بكر وعمر، وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حفرته وأبو بكر وعمر يدلِّيَانه إليه، والرسول يقول: أدنيا إلي أخاكما... فدلياه إليه، فلما هيأه للحده قال: اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه... فيا ليتني كنت صاحب هذه الحفرة.

أهل الكوفة

ولاه أمير المؤمنين عمر بيت مال المسلمين بالكوفة، وقال لأهلها حين أرسله إليهم: (إني والله الذي لا إله إلا هو قد آثرتكم به على نفسي، فخذوا منه وتعلموا)... ولقد أحبه أهل الكوفة حبا لم يظفر بمثله أحد قبله... حتى قالوا له حين أراد الخليفة عثمان بن عفان عزله عن الكوفة: (أقم معنا ولا تخرج ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه منه)... ولكنه أجاب: (إن له علي الطاعة، وإنها ستكون أمور وفتن، ولا أحب أن أكون أول من يفتح أبوابها).

المرض

قال أنس بن مالك: دخلنا على عبد اللـه بن مسعود نعوده في مرضه، فقلنا: (كيف أصبَحتَ أبا عبد الرحمن؟)... قال: (أصبحنا بنعمة اللـه إخوانا)... قلنا: (كيف تجدُكَ يا أبا عبد الرحمن؟)... قال: (إجدُ قلبي مطمئناً بالإيمان)... قلنا له: (ما تشتكي أبا عبد الرحمن؟)... قال: (أشتكي ذنوبي و خطايايَ)... قلنا: (ما تشتهي شيئاً؟)... قال: (أشتهي مغفرة اللـه ورضوانه)... قلنا: (ألا ندعو لك طبيباً؟)... قال: (الطبيب أمرضني -وفي رواية أخرى الطبيب أنزل بي ما ترون).
ثم بكى عبد الله، ثم قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إنّ العبد إذا مرض يقول الرّب تبارك وتعالى: (عبدي في وثاقي)... فإن كان نزل به المرض في فترةٍ منه قال: (اكتبوا له من الأمر ما كان في فترته)... فأنا أبكي أنّه نزل بي المرض في فترةٍ، ولوددتُ أنّه كان في اجتهادٍ منّي).

الوصية

لمّا حضر عبد الله بن مسعود الموتُ دَعَا ابْنَه فقال: (يا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، إنّي موصيك بخمس خصال، فاحفظهنّ عنّي: أظهر اليأسَ للناس، فإنّ ذلك غنىً فاضل، ودعْ مطلبَ الحاجات إلى الناس، فإنّ ذلك فقرٌ حاضر، ودعْ ما يعتذر منه من الأمور، ولا تعملْ به، وإنِ استطعتَ ألا يأتي عليك يوم إلا وأنتَ خير منك بالإمس فافعل، وإذا صليتَ صلاةً فصلِّ صلاةَ مودِّع كأنّك لا تصلي صلاة بعدها).

الحلم

لقي رجل ابن مسعود فقال: لا تعدم حالِماً مذكّراً: (رأيتُكَ البارحة، ورأيتُ النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- على منبر مرتفع، وأنتَ دونه وهو يقول: (يابن مسعود هلُمّ إليّ، فلقد جُفيتَ بعدي)... فقال عبد الله: (آللّهِ أنتَ رأيتَهُ؟)... قال: (نعم)... قال: (فعزمتُ أن تخرج من المدينة حتى تصلي عليّ)... فما لبث إلا أياماً حتى مات -رضي الله عنه- فشهد الرجل الصلاة عليه.

وفاته

وفي أواخر عمره -رضي الله عنه- قدم الى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم... توفي سنة اثنتين وثلاثين للهجرة في أواخر خلافة عثمان... رضي الله عن ابن أم عبد وأمه صاحبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعلهما رفيقيه في الجنة مع الخالدين
__________________








فرحة مسلمة غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 29-08-2009, 11:58 AM   #49
فرحة مسلمة
''خــــــادمة كــــــتاب الله''
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2008
المشاركات: 2,952
إفتراضي

عمار بن ياسر

أبوه: ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن حصين العنسي، ثم المذحجي وهو أول شهيد في الإسلام.
أمه: سمية بنت خياط، أول شهيدة في الإسلام.
كنيته: أبو اليقظان.
• وهو من أوائل المسلمين، ومن المعذبين من أجل الإسلام، هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وشهد مع النبي (صلّى الله عليه وآله) جميع مشاهده.
• لازم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ولاّه عمر بن الخطاب الكوفة.
• شهد حرب الجمل وصفين مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) واستشهد في صفين سنة 37 بين يدي أمير المؤمنين وصلى عليه الإمام ودفنه، وأبّنه.
• عمره 94 سنة.
• قبره في الرقة (من مدن سوريا) مزار يقصده وبجنبه قبر التابعي أويس القرني (رضي الله عنه) المستشهد بصفين أيضاً.


قبس من حياته
لماذا يعذب هؤلاء يا أبتاه؟!
إن هؤلاء حادوا عن آلهتنا، ودانوا بغير ديننا، وتبعوا محمد.
محمد.. ومن هو محمد يا أبتاه؟!
محمد: فتى عبد المطلب، يتيم أبيه، فقير قومه. كفله عمه أبو طالب، وتولى تربيته بعد جده، جده عبد المطلب.
ولم ذلك؟
لأن والده عبد الله توفي عنه، وهو بعد لمّا تكتحل عيناه بنعيم الحياة.
أبتاه: ماذا يريد هذا اليتيم؟ وبماذا جاء؟
يقال: أنه دعا إلى دين، يوجب عبادة الله وحده، لا شريك له.
وماذا في ذلك؟
ماذا في ذلك؟! ذلك يعني أن أصنامنا يجب أن تزول حيث لا مبرّر لوجودها بعد.
ثم ما يري بعد هذا؟
لا أدري، أراك كثير الكلام، أسكت، ولا تتحدث بهذا الحديث، بل تناساه، نعم تناساه يا بني، فإني أخشى عليك من عذاب قريش.
يا أبتاه دعني أتقدم لهذه الزمرة التي أخذت بيدها مكاوي الحديد. لتطعن بحر نارها جلود هذه الأجساد الهزيلة التي تضورت من الألم بين أيديها.
حذار... حذار.
أتركهم يا ولدي، دعنا وشأننا، ما لنا وهذه الأمور؟
هيا بنا، هيا... هيا.
لماذا لم يتركوهم وشأنهم، ليعبدوا ما يعبدون؟
أجننت؟ كيف ترضى قريش أن تصاب آلهتها بالبوار؟
بني، إن خطر الإسلام على الجاهلية عظيم.
يا أبتاه: رحماك، لي رغبة ملحة في أن أذهب إلى محمد فأسمع منه ما يريد.
لا.. لا.. قالها الأب، وهو يزأر من الغضب، وكمّ فم ولده كي لا يستمر في الحديث.
ثم التفت يمنة ويسرة، وهو يخشى أن يقف أحد على حديثهما.
ثم حاول أن يتحدث، فماتت الكلمات على شفتيه، وهو يرتعد خوفاً ودهشة.
ما بك يا أبتاه؟
وغاب الوالد في تفكير عميق، وبدت علائم الاستفهام جلية على قسمات وجهه، ترى ماذا أصاب والده؟ فقد بدا في حالة عصبية للغاية.
وفضّل السكوت ريثما تهدأ حالة الشيخ. ما أن رأى والده قد عاد إلى صوابه، واسترجع وضعه الاعتيادي، حتى التفت إليه ثانية قائلاً:
أبتاه: هل تعدني أن أذهب إلى محمد، أبتاه: يحدوني ميل شديد لأن أعرف أهداف دعوته، ولأتبين حقيقة خطرها على آلهة قريش.
انتفض الأب من مكانه وهو يضطرب من الخوف والوجل وصاح بولده: دعنا نسير، دعنا نذهب إلى البيت، لنستريح من شر هذا اليوم.
وفي طريق عودتهما إلى البيت مرّا على جماعة تحمل السياط وتلهب بها ظهور ثلاثة أشخاص من بينهم امرأة واحدة، وقد تجمهر عليهم جمع يتضاحكون ويتصايحون.
يا عمار: أين رب محمد لينجيك من هذا العذاب؟... قالها أحدهم ساخراً وكان أحد الجلاوزة الموكلين بالتعذيب.
وعمار كالحديد يتدرّع بالإيمان، ويتحلّى بالصبر، عيناه شاخصتان إلى السماء، وشفتاه تلهجان: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).
وما أن سمع أبو جهل هذه الكلمات ترفّ على شفاه عمار حتى هجم عليه ثانية والغضب يتطاير شرره من عينيه، وانقضّ على عمار يفتح فكيه ليقطع لسانه، لقد هاله أن يسمع منه هذه الكلمات.
فيستقبله بعض أصحابه، وهم يتضاحكون...
وتقبّل الرجل من زمرته شكرهم، وعيناه لا يرفعهما عن هذه الأجساد الثلاثة المطروحة بين أيدي جلاوزته، تلهبها سياطهم المحمومة وتمزقهم حرابهم الحاقدة.
ويلتمّ شمل الصفوة الخيرة من المسلمين في حلقة تضم نبي الرحمة محمد (صلّى الله عليه وآله)، وهو يعيد على أسماعهم آيات من كتاب الله المجيد.
كان العدد لا يتجاوز الأصابع، وقد تعذّر حضور ياسر وزوجته، وولدهما عمار، حيث أن عذاب المشركين كان لا يزال ينصبّ عليهم صباً دون رحمة ولا شفقة.
ويعلم الرسول بكل ما يجري على هذا النفر المستضعف من أصحابه فلم يملك لهم من الأمر إلا أن يرفع يده للدعاء: (من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله).
ولم يقف عذاب القوم عند حدّ، فقد فاق كل وصف وكان عمار سابع من أسلم، وآمن بدعوة محمد، وكان عذاب الجاهلية يتفاقم عليه كما رأت أن هذا الرجل قد تدرّع بالصبر.
ولكن عمار كان ولا يزال فوق هذه الهمجية من العذاب فقد تحدّاها بقوة أعلى من أن تنهار على دكّة المشركين، إنما هي صلابة الإسلام، وإيمان محمد تبعثانه على التفاني في سبيل عقيدته.
كان عمار حليفاً لبني مخزوم، وكان يرجو أن ينال من مخالفته هذه بعض الراحة والطمأنينة، ولكن بني مخزوم هي التي قدمته قرباناً مقيداً إلى بساط التعذيب على يد المشركين من أمثال أبي سفيان، وعتبة، وأبي جهل، وغيرهم.
ونادى منادي المسلمين بالهجرة إلى الحبشة، فقد أصبح شبح الموت أقرب من الظل إلى أصحاب رسول الله، وكان عمار أحد أفراد هذه القافلة الصغيرة من رجال الإسلام.
ورمق الركب ـ وهو يجد سيره حثيثاً ليبعد عن واقع الظالمين ـ أحد أعوان الزمرة والطاغية، فذهب وأشاع النبأ لدى القوم، وهم في فناء البيت.
أتعلمون أن ركباً من أصحاب محمد قد غادر أبواب مكة وسوف يهرب ويفلت من بين أيدينا، وحاول البعض أن يقوم بما يلزم من عرقلة سفر هذه الصفوة، ولكن هيهات فقد سلم الركب بنفسه من أن يقع فريسة لدى الأعداء.
وفي مساء رائع ـ رائع بعبير التضحيات ـ ودع عمار البقية الباقية من أهل بيته، بعد أن قُتل أبواه في ساحة التعذيب وترك المدينة.
ترك المدينة برهة من الزمن، ولكن ذكرى إنسانية محمد لم تبارح مخيلته، وآيات الله البينات تمور في أجواء نفسه وتنطوي الأيام عجلى، وانطوت معها صفحة من الذكريات ولكنها عادت حية منشورة بعد زمان، زمان قليل، بعد أن عاد أصحاب الرسول من الحبشة إلى يثرب، مدينة الرسول.
عادوا وأكاليل الغار تتوج حياتهم، وأعلام النصر تركزت في ربوعهم.
وعمار... ذلك الرجل الذي استمر طيلة حياته يدافع وينافح عن الإسلام، ويذب عن كيانه بجهاد متواصل، ينتظر، وهو على موعد.
ينتظر اللحظة الحاسمة ـ التي خلدت وجوده ـ من حياته وهو يردد دائماً قول الرسول:
(يا عمار آخر شراب لك من الدنيا ضياح من اللبن).
وترتبط حياة الصحابي الجليل بعلي بن أبي طالب ارتباطاً وثيقاً فقد كانت كلمات الرسول الأعظم خالدة في ابن عمه ورفيق دعوته، وهي تنفذ إلى أعماق الإنسان كنور الفجر وسحر المطر... (يا علي لا يعرف الله إلا أنا وأنت، ولا يعرفني إلا الله وأنت، ولا يعرفك إلا الله وأنا).
وترف هذه الكلمات الزاهرة ندية في أذنيه، ويستوعب تفكيره النير هذا القول: (ولا يعرفك إلا الله وأنا).
ولماذا لا يكون من علي بمنزلة العطر للورد، والشروق للأمل.. وهو الذي تقول عنه عائشة: (ما من أحد من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أشاءُ أن أقول فيه إلا قلت، إلا عمار بن ياسر، فإني سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: مُلئ عمار إيماناً إلى أخمص قدميه).

__________________








فرحة مسلمة غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 29-08-2009, 12:00 PM   #50
فرحة مسلمة
''خــــــادمة كــــــتاب الله''
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2008
المشاركات: 2,952
إفتراضي

(تابع)
ولم تكن هذه الصلة بالحديثة بعد رسول الله، كلا، فعمار كان مع رسول الله في كل حروبه، وفي كل أيامه، وكان يسمع عندما يقول كلمة عن علي فيحفظها، وعندما يشهد علياً وهو يخوض غمار الموت في سبيل الدعوة بإيمان وعقيدة فتنساب الشهادة من الرسول في حقه، فيلقفها عمار وساماً لا يعلوه وسام.
وعليّ لم يكن أقل معرفة بعمار من غيره.. فقد ملئ هذا الرجل المجاهد الصابر الممتحن قلبه وإعجابه.. وليس بالغريب أن يصبح أبو اليقظان من أصحابه أكثر قرباً، وأشد التصاقاً لعلي، وصي رسول الله، وإمام المسلمين..
واقتطعت السنون من أيامها حلوها ومرها، خيرها وشرها وعمار في خضمها صلداً لا تهزه الأحداث، ولم يجرفه الإغراء وإذا مرت به أيام محمد (صلّى الله عليه وآله) صعبة المراس لاقى في سبيل الدعوة كل أنواع التعذيب والأذى، حتى ذكر أنه (كان يعذب حتى لا يدري ما يقول).. فإن أيام علي (عليه السلام) لم تكن أقل منها محنة. من يوم أن غمضتا فيه عينا الرسول، حتى يوم استشهد في ساحة صفين.. وكان مع هذا كله يمثل الإنسان المجرب والفكر الوقاد، والشخصية الفذة لا تأخذه في الله لومة لائم.. وقد وقف فيها إلى جانب إمامه يفتح في نفسه أفقاً رائعاً لأبعاده الكريمة، ومن فكره رأياً صائباً لما تقتضيه مصلحة الإسلام..
إنه امتحان عسير تمر به الصفوة الطيبة من هؤلاء الأفذاذ الذين اتخذوا من عليّ ـ بعد الرسول الأعظم ـ مدرسة تنير لهم الطريق، وتبدد لهم حلكة المسيرة..
وإذا زهد علي في هذه الدنيا، بحيث لم يعطها من نفسه قلامة ظفره، فقد كان عمار على هذا الخط. عندما ولي الكوفة في عهد عمر بن الخطاب، سار فيها سيراً لن تجده إلا عند أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من العدل، وإحقاق الحق، ومكافحة الباطل وعدم الاهتمام بمظهر الدنيا، حتى يقول الراوي، وهو من أهل الكوفة: (رأيت عمار بن ياسر، وهو أمير الكوفة يشتري من قثائها، ثم يربطها بحبل ويحملها فوق ظهره ويمضي بها إلى داره)!!!
ولم يكن عسير على عمار أن يتجبر ويتكبر، ويمشي خلفه الخدم والحشم في الكوفة وهو والي الكوفة، وأمير الجيش ومقرب الخلفاء، لكن لم يكن هذا أبداً.. فهو من مدرسة ذلك الإمام الذي يقول للدنيا: غري غيري، أما هو ففي ذات الله خشن.. ويعمل ويأكل من عمل يده، ولا تطمع نفسه إلى بيضاء وصفراء..
وطلعت شمس، وغربت شمس، وعلى الشفاه أكثر من سؤال؟ متى تتحقق نبوءة الصادق الأمين، وهو (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى) - النجم: 4-: (ويح ابن سمية، تقتله الفئة الباغية).
وتبقى هذه الكلمة الخالدة في آذان المسلمين حية تنتظر اللحظة الحاسمة.. وعمار قد ذرف على التسعين من عمره، أو تجاوزها بقليل. والأيام حافلة بالحوادث، وكل يوم له فيه حساب.
ولكنه يوم ولا كالأيام، يزخر بالأحداث ويمطر بالمآسي.. فمعاوية بن أبي سفيان قد دفعته الغيرة المفتعلة للأخذ بثار عثمان ولم تكن الحقيقة، إنما هو التضليل للسذج من الناس.
ولم يكن الواقع إلا ما قاله أبوه بالأمس، حينما تولى الخلافة عثمان والتف حوله من الأمويين، يخضمون مال الله خضم الإبل فيلتفت أبو سفيان، وقد أرهقته السنون وأتعبه الحقد، يقول للمجتمعين حول الخليفة: فوالذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار، تلاقفوها يا بني أمية.
ومعاوية على هذا الأساس خطط وفي هذا الضوء سار.. واليوم قد حان فيه الانقضاض، وعلي بيده الخلافة، وهو يعلم أن ابن أبي طالب صعب المراس لم يخضع للعاطفة، ولا ينقاد للمقتضيات، والناس لا يسعدهم هذا اللون من المسيرة، فليقتطف المناسبة، ويستغل الفرصة، ووقتها حان.
وليرفع شعار (يا لثأر عثمان) وليكن من قميصه المدمى ما يعلن الحرب ويلهب الفتنة، ويثيرها عجاجة تأكل الأخضر واليابس.
وفعلاً كان ما أراد..
وعمار، وأمثال عمار لم يكونوا بالسذج والمغفلين، فقد عرفوا الحقيقة الكامنة وراء ثورة طاغية الأمويين، فالحقد الدفين بين الهاشميين والأمويين لم تخمده الأيام فهي جذوة تأكل قلوب الحاقدين، وتمتص رؤاه.
وإذا كانت (صفين) بعد حفنة من الأيام، مرت ثقيلة السيرة مكدودة الضوء، فقد تفتحت الجراح شموخاً، وتعملق الجهاد عنفاً.. وليس غير السيف بين هذين المعسكرين حكماً.
ويقف عمار وهو الرجل الذي واكب الأحداث، وعرف مقاصدها بكل روية وسط قومه خاطباً، وموجهاً:
(انهضوا معي عباد الله إلى قوم يزعمون أنهم يطلبون بدم ظالم، إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم، ولو درس هذا الدين: لم قتلتموه؟ فقلنا: لإحداثه، فقالوا: أنه يحدث شيئاً، وذلك لأنه مكّنهم من الدنيا، فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو انصدمت الجبال.
والله ما أظنهم يطلبون بدم، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحلوها، واستمرءوها. إن القوم لم يكن لهم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة والولاية، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل إمامنا مظلوماً، ليكونوا بذلك جبابرة وملوكاً، تلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولاها ما بايعهم من الناس رجل..
اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت، وإن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا لعبادك العذاب الأليم...
ثم سكت برهة، ودنا من عمرو بن العاص، فقال: يا عمرو بعت دينك بمصر، فتباً لك! وطالما بغيت للإسلام عوجاً..
ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت..
اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك أن أضع ظبة سيفي في بطني، ثم أنحني عليه حتى يخرج من ظهري لفعلت..
اللهم إني أعلم مما علمتني أني لا أعمل عملاً صالحاً هذا اليوم هو أرضى من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك منه لفعلته..
ثم صفّ جيشه، ورفع رايته، وهو يرسل نظراته في جيش الشام، والقوم حوله منصتون، ويهز رايته، ويصيح ـ وكريمته البيضاء تزيد في هيبته ـ:
(والذي نفسي بيده.. لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وها أنذا أقاتل بها اليوم...
والذي نفسي بيده.. لو ضربونا بأسيافهم، حتى يبلغونا سعفات هجر، لعلمنا أنّا على حق، وإنهم على باطل)..
وزحف إلى الحرب، يرف برايته، وهو يجول وسط المعارك، ويقول: إن يومي لقريب..
ولملمت الشمس أبرادها على صورة عنيفة من الجهاد بين الحق والباطل في صفين، ويسقط عمار مضرجاً بدمائه، متوّجاً بجراحه، وهو يطلب الماء، وقدم إليه ضياح من لبن..
فصاح عمار، وهو في غمرة الفرحة ـ وإن كان يصارع الموت ـ:
(صدق حبيبي رسول الله: آخر شرابي من الدنيا ضياح من لبن، ما أسعدني، وأنا أموت على الحق، وعدوي على الباطل).
وتقف أنفاس البطل المجاهد في ساحة الجهاد. ويختم الجندي الباسل حياته بين يدي العقيدة، ربط حاضرها بماضيها وطرز سلسلتها الزمنية بكل ما يشرفها..
بالأمس بدأ الكفاح بين يدي محمد (صلّى الله عليه وآله)، ويختم اليوم البطولة بين يدي علي (عليه السلام).. وهكذا تلتقي السلسلة، وهي وحدة تمثل رائع البطولة، وصدق الفداء.
وتبقى ذكراه الغالية في البطولة والتضحية نور يستضيء به السائرون في ركب الكفاح عن العقيدة.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران: 142) صدق الله العلي العظيم.
__________________








فرحة مسلمة غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .