الثبات على الدين
أسأل الله أن يثبتنا وإياكم على طاعته ودينه وألا يزغ قلوبنا بعد إذ هداها ؛ فقد أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم أن :" قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أن يقيمه أقامه , وإن شاء أن يزيغه أزاغه " وفي رواية " مثل القلب مثل الريشة تقلبها الريح بفلاة "
فاللهم " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك انت الوهاب " ونعوذ بالله من الحور بعد الكور ومن الغواية بعد الهداية .
وكيف لا يوجل المرء ويخاف أن يسلب إيمانه أو ينحرف فؤاده أو تسوء خاتمته والنبي يقول عليه الصلاة والسلام :" لا تعجبوا بعمل عامل حتى تنظر بم يختم له ".
قال ابن أبي جمرة في شأن خاتمة الإنسان :" هذه التي قطعت أعناق الرجال مع ما هم فيه من حسن الحال لأنهم لا يدرون بماذا يختم لهم " .
لذا قال صلوات الله وسلامه عليه :" وإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قبل موته , , قالوا يا رسول الله وكيف يستعمله ؟ قال يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه "
لقد كثرت الفتن , واشتدت المحن وظهر للمعوقين صيتهم وللمرجفين رؤوسهم وتنادت الأقلام المأجورة تنفث خبثها وتبسط رداءها فتستفز تارة وتخذل تارة أخرى يستغلون المناسبات وينتهزون الفرص فينخدع بهم ضعاف النفوس ويصدق إرجافهم .
وينميه ويشيعه من لا خلاق لهم حتى عظم بهم البلاء وتفاقمت على المسلمين بهم الرزية فكثر المتساقطون على الطريق والمتنكبون للسبيل وتراجع من كان له في الخير شأن خوفا وحذراً وتنازل البعض عن شيء من شرائع دينه وسنن نبيه صلى الله عليه وسلم هروبا من الفتنة زعموا !!
إبقاءً على الرزق والمعاش ظنوا !
وصدق الله حيث يقول .(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) .
وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن فتن تجيء آخر الزمان كقطع الليل المظلم يمسي الرجل فيها مؤمنا ويصبح كافرا ويصبح مؤمنا ويمسي كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل .
وقد حذرنا الله عز في علاه شأن أقوام قال عنهم
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) .
إن من سنة الله في عباده أنه يبتليهم بالخير والشر ويقلبهم في السراء والضراء . (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) .
{الـم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) .
( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) .
(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) .
ولكن السعيد من ثبته الله وربط على قلبه وسدد لسانه ومكن الإيمان في فؤاده فتعرض على قلبه الفتن فلا يشربها . لا تزعزعه الأقاويل والأراجيف ولا تعصف به الأهواء والشهوات ولا تستنزل قدمه الشبهات والأباطيل فإن مرة كبى أو هفا فلا يلبث أن يؤوب ويتوب ويستغفر ويعود .
(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) .
ولقد كان للأنبياء عليهم الصلاة والسلام في هذا الميدان قصب السبق وهم له أهل:
فآدم يعاني المحن إلى أن خرج من الدنيا دار الكدر ، ونوح يلقى من قومه كل استهزاء وصد طول العمر ، وإبراهيم يكابد النار وذبح الولد , ويعقوب يبكي حتى ذهب البصر ، وأيوب يتجلد على طول مرضه بعظيم الرضا والصبر ، ويوسف يلقى غياهب الجب والسجن وتحيط به المغريات ودواعي الفحشاء فثبت واصطبر ، وموسى يقاسي كيد فرعون وما جاء به من السحر وامتن الله على قومه بكل نعمة فما أغنت فيهم النذر ، وعيسى المبعوث في بني إسرائيل فمنهم من آمن ومنهم من كفر .