كيف قتلت مروة-مراسل الأهالي المصرية

[البدوي الشارد]

القصة الحقيقية لمقتل السيدة مروة الشربيني: "شهيدة الحجاب" أم ضحية العنصرية والإسلاموفوبيا؟

نبيل يعقوب
الأثنين 13/7/2009

مرة أخرى تسقط ضحية أخرى بسبب العنصرية القاتلة في ألمانيا.. هذه المرة في مدينة درزدن لتنضم الضحية لقائمة تزيد علي المائة والخمسين منذ توحيد ألمانيا .. رجالا ونساء من مختلف الجنسيات وألوان البشرة. جميعهم قتلوا لأنهم ذوو مظهر مختلف أو فكر مختلف أو طريقة حياة مختلفة. وربما يسفك لأول مرة دم إنسان بسبب أنه من دين آخر.
هذه المرة كانت الضحية السيدة مروة الشربيني المواطنة المصرية التي عاشت في المدينة منذ نحو ثلاث سنوات مع زوجها علوي عكاظ المدرّس بجامعة المنوفية والحاصل علي منحة كباحث علمي في معهد" ماكس بلانك" أحد أشهر معاهد الأبحاث في ألمانيا. وفي مدينة شهدت بعد الوحدة الألمانية مئات الاعتداءات التي شنها النازيون الجدد والعنصريون الذين يسيرون في ركبهم ضد الأجانب، وأشهرها مقتل جوج جومونداي الشاب الأفريقي عام 1991 والذي جاء للدراسة حتى قذفت به عصابة من النازيين من الترام المتحرك واستمرت المدينة تحتفل بذكراه في شهر ابريل من كل عام.
لماذا مروة؟ لماذا هذه السيدة الفاضلة التي يحترمها جيرانها وكل من تعرف بها؟ تعرضت أم الطفل مصطفى (3 سنوات) لإهانة بالغة من مواطن ألماني عندما كانت مع طفلها في ملعب الصغار قرب مكان سكنها .. هاجمها الرجل بنزع حجابها صارخا "يا إسلامية" "يا إرهابية" .. وكان هذا الشخص كثير التعرض للسيدات المسلمات بعبارات جارحة حسب قول مصريين من درزدن. السيدة مروة تصرفت كشخصية واعية بحقوقها وبكرامتها ولم تبتلع الإهانة ورفعت على المعتدي قضية، التصرف الشجاع الذي يحجم الكثير من الأجانب عن سلوكه. وكسبت القضية ودين المعتدي وحكم عليه حسب القانون الألماني بغرامة مالية (ولم يصدر حكم أقصى كما نشرت الصحافة لأنه لم يكن من أصحاب السوابق).
ولكن النيابة العامة استأنفت الحكم لاعتبارها انه يستحق عقوبة أقسى، وكان ما أدلى به المتهم أثناء التحقيق يفضح العنصرية المتأصلة لديه، إذ قال للنيابة أن هؤلاء، قاصدا المسلمين، "لا يستحقون الحياة".
بعد إدلاء السيدة مروة بشهادتها في جلسة الاستئناف انقض عليها المجرم ليوجه لها خلال 32 ثانية 18 طعنة من سكين، كما طعن زوجها علوي عكاظ 3 طعنات إصابته في الرئة والكبد والجنب. هيئة المحكمة التي راقبت ما جري في ذهول وشلل والتي لم تتخذ اي إجراءات أمنية للاحتياط قرعت جرس الإنذار ليهرع شرطي مسلح إلى قاعة المحكمة لتكتمل المأساة عندما صوب الشرطي سلاحه ليس ضد المجرم المعتدي ولكن ضد الرجل ذي المظهر الأجنبي (زوج الضحية).
ماتت مروة في قاعة المحكمة رغم محاولات إسعافها وأصيب زوجها إصابات بالغة ومازال يعالج في المستشفي الجامعي. كل هذه المأساة جرت إمام الطفل مصطفى الذي قال لي خاله الذي جاء من مصر انه لا يتوقف عن وصف ما رآه. الصدمة تعم ليس المصريين المقيمين في المدينة فقط بل تعم أوساطا واسعة من الناس الذين ما زالوا يعبرون عن ذهولهم وقد فتحت أعينهم علي واقع لم يكن متصورا لديهم وهو أن العنصرية القاتلة تعيش وسط مدينتهم. وان الإرهاب الدموي ليس فقط ذلك الذي تصفه تقارير الإعلام عن بلاد بعيدة ويمارسه فقط "الآخرون" بل أن له منابعه موجودة أيضا هنا. عبر عن ذلك الأستاذ طارق الشربيني، شقيق المرحومة مروة، في حديث للأهالي وللتليفزيون الألماني قائلا: "هنا نرى من هو الإرهابي .. ليس المرأة المحجبة.. ليست المسلمة .. وإنما من جاء ليقتل بالسكين".

* من أين أتت الكارثة؟


كان التحريض العنصري ضد الأجانب ظاهرة واضحة أيضا في الانتخابات المحلية الأخيرة في مقاطعة ساكسن وعاصمتها درزدن والتي جرت مؤخرا. الحزب النازي واسمه "الحزب القومي الديمقراطي" واصل في ملصقاته ومنشوراته تقديم صورة سلبية للأجانب. وهو ينص في برنامجه علي عزمه علي ترحيل الأجانب من ألمانيا ويحرض بشكل خاص ضد المسلمين. ويري ممثلو المجتمع المدني والكثير من السياسيين وأساتذة الجامعات أن الحكومات في العديد من المقاطعات الألمانية ومنها ساكسن لا يولون هذا الظاهرة ما تستحقه من الاهتمام ولا يتخذون الإجراءات الكافية لمكافحتها. بل ان أحزاب المحافظين تحرص علي كسب أصوات اليمين المتطرف بمجاراته في تأكيد تحفظاتهم تجاه الأجانب. لا بد هنا من التذكير بالتصريحات الواضحة التي توجه بها مقرر الأمم المتحدة لشئون العنصرية والتمييز استاذ القانون الكيني جيتو مويجاي، الذي قام بجولة محادثات مع المسئولين في عدة مقاطعات ألمانية والتقى ممثلي المهاجرين في بداية شهر يونيو والتي طالب فيها السلطات الألمانية باتخاذ إجراءات حازمة للقضاء علي ظاهرة العنصرية والتمييز كما طالب بمنع الحزب النازي.

* ردود الفعل


تناول الإعلام بشكل واسع وقائع جريمة المحكمة وتكرر لوم السلطات القضائية لعدم اتخاذ إجراءات أمنية في قاعات المحاكم. خاصة أن الاعتداءات في المحاكم كلفت العديد حياتهم ومنهم قاض ألماني ومسئول في النيابة العامة. الإشكالية التي أشرت إليها في حديثي مع التليفزيون الألماني هو ضرورة صدور إدانة رسمية من حكومة المقاطعة وعمدة مدينة درزدن لكافة إشكال العنصرية والتطرف اليميني وإدانة هذه الجريمة بالذات بوصفها تعبيرا عن العنصرية وكراهية الإسلام. لا على أنها مجرد "عداء للأجانب". التعبير الغامض الذي لا يعبر عن واقع أن الأجانب مثل اليابانيين أو الأمريكان البيض لم يحدث أن هوجموا أو قتلوا وإنما اقتصر الأمر في الغالب على بنات وأبناء العالم الثالث.
مساء الأحد الماضي وقف تمام محكمة المقاطعة في مدينة درزدن عشرات من الناس معظمهم من الشباب من زملاء العمل مع علوي عكاظ، أتوا بزهور وشموع وضعوها أمام مدخل المحكمة الذي يحيط به من جانبيه تمثالان لـ"يوستيسيا" إلهة العدالة الرومانية .. وقفة صمت حزينة.
هذا الصمت أدى أيضًا لأن يبدأ الكثير من المهاجرين من العالم الثالث النظر إلى واقعهم بوضوح أكثر ويدركوا أن دخولهم حلبة الصراع السياسي من أجل حقوقهم الديمقراطية وضد مظاهر التمييز والعنصرية أصبح حاجة ملحة.


(مراسل "الأهالي" المصرية في ألمانيا)