هل يستقيل الوطن؟
هل يستقيل الوطن؟
في حالات تشبه تلك التي يتناول فيها المرء وجبة ثقيلة غير معروفة المكونات بشكل دقيق، تأخذه عندها دفعات من الغفوة متتالية، ولكنه لا يصنف فيها أنه مع النائمين أو مع المستيقظين. عندها تخيم عليه صورٌ غير مترابطة بين الحلم والحقيقة، فإن أراد أن يعيد صياغتها بعد استفاقته، سيظهر معه سيناريوهات متعددة في أكثر من صياغة في تربيط أجزاء ما خيم عليه من صور.
تراءى له أن الوطن قدم استقالته، ودار بين الوطن وجهة غير معروفة إن كانت قد تجسدت بفرد واحد أو أفراد أو جماعات، لكن كان صوت الحوار مسموعا، أو هكذا تهيأ له.
لا لن تستقيل، قال الصوت الغامض للوطن، فأنت معروف بأنك حنون ولا تستنكف عن خدمة أبناءك واحتضانهم، فلذلك سنأخذ طلب استقالتك على محمل المزاح والعتاب.
لا بل سأستقيل، فكل شريف عندما يحس أنه فشل بوظيفته يقدم استقالته تاركا المجال للآخرين أن يحلوا محله عسى أن يرمموا ما قد خربه في مدة خدمته.
خرج صوت يختلف عن صوت المحاور الأول، يستهزئ بما قاله الوطن، فقال: وهل للوطن وظيفة حتى يستقيل منها؟ فمتى كان للجمادات وظائف؟
تضايق الوطن من نبرة المتحدث الأخير، فأجاب: قد تكون للجمادات وظائف أجل وأرفع قدرا من وظائف أمثالك أيها المتبجح الناكر للجميل، فالبيت جماد ولكنه يكون حيا بحيوية ساكنيه، فهم يتفقدون الشقوق بجدرانه وهم من يصونون حديقته وهم من يجددوا صبغه، فيبدو حيا وحيويا بحيوية ساكنيه، وإن أهملوا صيانته وتقاتلوا بعد موت مالكه الأصلي على تقاسم الإرث، بدا البيت قلقا مهددا بسقوط جدرانه وجفاف حديقته. أرأيت وظيفة البيت؟ وهكذا هي هوية الوطن!
عاد الصوت الأول للحديث بلهجة مصالحة: لكنك أيها الوطن الجميل رغم جلال وظيفتك، لن تستطيع التخلي عنها فهي ملتصقة بك، وكونك مكانا فلا مجال لاستقالتك.
ابتسم الوطن من حماقة محدثه وقال: إنني لن أرحل، ولكنكم أنتم من سترحلون إذا ما استمر تقاعسكم في صيانة حدودي وحفظ كياني، وعندها ستنتفي عني وظيفة الوطن المقترنة بوجود مواطنين صالحين جديرين بمواطنتهم. ألم ترَ يوما خنفساء قد هجرت وكرها لمشاركة عنكبوت لها نفس المكان؟
__________________
ابن حوران
|