أسرار المحبين

[القعقاع بن عمرو]

فالمحبون لهم أسرار،
وبين كل حبيب وحبيبه أسرار،
والأسرار هي سر الحب..
سر دوامه،
وسر خطره.

ولكننا هنا نتكلم عن حب الله؛ الحب الأعظم في هذه الحياة. حب الله هو سر الحياة.. سر حياة القلوب.
ولذلك؛ في تعاملك مع ربك جل جلاله، يحب سبحانه أن يكون بينه وبين عباده سر في العبادة، لقوله سبحانه: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَاالْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ} البقرة- آية:271.
وبهذا السر، أيها الأحبة، أظل الله قوما تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله لأنهم كانوا أصحاب أسرار مع الله سبحانه وتعالى في هذه الدنيا.. غمرهم و سترهم و أظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله، سبحانه وتعالى جل جلاله في علاه.

ولذلك، تجد من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ رجلا ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، في السر، ذكر الله في السر، ففاضت عيناه في السر، فستره يوم القيامة في الظل..
..ورجلا تصدق بصدقة فأخفاها، فلم تعلم شماله ما أنفقت يمينه. فهي سر.. سر بينه وبين الله سبحانه وتعالى.

هكذا، بين العبد وربه سبحانه وتعالى أسرار، ولذلك قال النبي محمد (صلّ عليه) صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: "الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة" أخرجه ابن حجر العسقلاني في هداية الرواة ونتائج الأفكار وقال حديث حسن.
هذه الأسرار هي سر السعادة؛ أن يكون بينك وبين الله ودّ.. حب.. قرب، أن يكون بينك وبين الله معانٍ.. أسرار.
هذه الأسرار كثيرة ومتنوعة، وسر الأسرار: الإخلاص. (اللهم ارزقنا الإخلاص واجعلنا من أهله)

إخوتي،،،
يحكى أن رجلا من بني إسرائيل سمع عن شجرة تُعبد، فأصر على قطعها، فحمل فأسه ومضى ليقطعها، فلقيه الشيطان، قال: "إلى أين؟" قال: "أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله"، قال: "لا سبيل لك إليها"، أي "لا تقدر أن تقطعها"، قال: "سأقطعها"، قال: "لا سبيل لك إليها"، فاصطرعا، فصرع الرجلُ ـ الشيخُ التقيُّ الراهبُ ـ الشيطانَ، ومضى، فمضى الشيطان معه، ثم قال له: "ماذا سيعود عليك من قطع الشجرة؟! ماذا ستستفيد؟! أنت رجل مسكين وفقير، وتعول، ومن حولك من أتباعك يحتاجون إلى إعانة، فارجع وأضع كل يوم تحت وسادتك دينارين"، قال: "وتفعل؟" قال: "أفعل".
أي قال: "تعال فلنعقد اتفاقا، بدل أن تقطعها وتهيج الناس عليك، ماذا ستستفيد؟ ثم إن من حولك يحتاج إلى دعم، وأنا سأدعمك، ارجع و كـل يوم ستجد دينارين ذهبا تحت الوسادة، تجدهما من دون أن تتعب، وتستعملهما في الدعوة إلى الله وتفيد وتستفيد". فقال له: "موافق".
رجع هذا الراهب، وصار يجد تحت وسادته دينارين، وجدهما في اليوم الأول والثاني والثالث، والرابع.. وبعد أسبوع لم يجد الدينارين، فخرج وأخذ الفأس فقال له الشيطان: "إلى أين؟" قال: "لأقطع الشجرة"، قال: "لا سبيل لك إليها"، قال: "سأقطعها"، قال: "لن تستطيع"، فاصطرعا، فصرعه الشيطان، فلما قام من تحته، قال: "كيف صرعتني وأنا صرعتك المرة الأولى؟" قال: "في المرة الأولى كانت لله، أما اليوم فللدينارين".
إنه سر الإخلاص، فالإخلاص سر الأسرار، ويُصرَع الشيطان بالإخلاص.

"الشيخ: محمد حسين يعقوب"

[القعقاع بن عمرو]

سر الاسرار

الإخلاص سر، الإخلاص سر الحب.. سر الأسرار، الإخلاص سر التوفيق، الإخلاص سر الصبر، الإخلاص سر التضحية، الإخلاص سر الرضا، الإخلاص سر القبول، الإخلاص سر التواضع، الإخلاص سر العفاف، الإخلاص سر الكرم، الإخلاص سر الثبات، الإخلاص سر جبر الألم، الإخلاص سر الأدب، الإخلاص سر الشرف، الإخلاص سر التوبة، سر الاعتراف، سر الأسف، سر البصيرة، سر الغيرة، سر الصدق، سر نقاء السريرة، الإخلاص سر الهدى، سر التقى، سر الفقر، سر الغنى، الإخلاص سر الصفاء، سر النقاء، سر العز والعلا، سر الرقي، الإخلاص سر الدموع، سر الخشوع، سر الإنابة والرجوع، الإخلاص سر الفهم، سر الحِلم، سر العلم، سر العمل بالعلم.

حقا، إنه الإخلاص.. سر الأسرار.

وصدق ابن الجوزي عليه رحمة الله حين يقول: "إنما يتعثر من لم يخلص، وإنما يمتنع الإخلاص ممن لا يراد".

فهل عرفت يا محب؟
هل عرفت لماذا تتعثر؟
لماذا تنتكس؟
لماذا تقوم وتقع؟
لماذا تكتئب؟
لماذا تصر؟
لأنك غير مُراد.. نعم. (اللهم إنا نسألك أن تختارنا وتجعلنا من خيرة خلقك)

إخوتي،،،

ونحن في رمضان، لله في كل ليلة عتقاء من النار، كل ليلة.
على مدار الليال الثلاثين، لله عتقاء من النار.
في كل ليلة، هناك أناس منتقون.. أناس مستخلصون.. أناس.. منهم مخلِص ومخلَص وخالص.

المخلص: يجاهد في الإخلاص.
المخلَص: استخلصه الله وخلّصه.
أما الخالص: فهو عبد قد طُهِّر وصُفِّيَ، واستُخلص فصار خالصا لله تعالى.

هل أدركت الآن لماذا في رمضان الأعوام الماضية، كأنه لم تُعتق رقبتك؟
لأنك بعد كل رمضان تعود كما بدأت!

إنه جواب واحد على كل هذه الأسئلة، بدد به حيرتك في الطريق.
سرٌ واحد وراء كل هذه الفضائح.. هو أن أشنع وأبشع وأشأم وصف للعبد أن يكون اسمه عند الله مشركًا وهو لا يدري، أن يكون مرائيًا..

خف..! خف يا مسلم!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من راءى، راءى الله به، ومن سمّع، سمّع الله به" متفق عليه.

لله كل ليلة عتقاء من النار.
أتعرف ما معنى عتقاء من النار؟
أتعرف ما معنى أن يعتق ربنا رقبتك من النار؟
يعني لن ترى النار.

قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ، لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِيمَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ، لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} الأنبياء- آية: (101، 103).

هذا المقصود.. عندما تعتق من النار، لا تسمع بها يوم القيامة ولا تراها ولا تحس بها.
ستقول لي: "ولكن أين معنى قول الله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} مريم- آية:71 ؟"
وأقول: لا.. سيكون ذلك عبورًا سريعًا "طيران"، هناك من سيعبر النار كالبرق الخاطف، هل هذا رآها أو أحس بها أو سمع عنها؟! سبحان الملك!

أريد أن أبشرك إذن بأن لله في كل ليلة عتقاء من النار. (اللهم أعتق رقابنا من النار، ورقاب والدينا ومشائخنا وعلمائنا يا حي يا قيوم)

إخوتي،،،

الليلة، هناك عتقاء، يا ترى؟ هل أنت منهم؟

سر العتق الإخلاص..

وقد تسألني: "ما معنى الإخلاص يا عمي الشيخ؟"

وأقول: "هو حفظ القلب من خيانة الرب"أي أن لا يخون قلبُك.

إخوتي،،،

الصيام سر.
قال الله جل جلاله في الحديث القدسي: "الصوم لي وأنا أجزي به" متفق عليه.
"الصوم لي" الصوم له.. بينك وبين ربنا.. سر.
"وأنا أجزي به".. ثوابه سر.
"كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" رواه البخاري.

فالصوم سر، وثوابه سر، وسره الإخلاص بينك وبين ربنا سبحانه وتعالى؛ أن تعيش الإخلاص سرا.. استخفاءً.. اختفاءً.. اختباءً..

سبحان الله العظيم!

عامر بن قيس، ما رُئي متطوعًا في المسجد قط. "ششش".. سِرّ.
الربيع بن خثيم، كان إذا دخل عليه أحد وهو يقرأ في المصحف، غطى مصحفه. "ششش".. سِرّ.
الشافعي يقول: "وددت لو أن الخلق كلهم تعلموا هذا العلم، ثم لم ينسب إليّ منه شيء"، "ششش".. سِرّ.
زين العابدين علي بن الحسين، كان يرعى ويقوت فقراء المدينة، ولم يُعرف ذلك إلا بعد أن مات.. "ششش"سِرّ.
داود بن أبي هند صام أربعين سنة، وما عرفت زوجته التي تعيش معه في البيت، كان يأخذ إفطاره ثم يتصدق به، ويزعم أنه تغذى في السوق، ثم يرجع يتعشى وكأنه مفطر، أربعين سنة.. "ششش" سِرّ.
كان الرجل وزوجته رأساهما على وسادة واحدة، يبكي ولا تدري.. "ششش"سِرّ.

سِرّ يا مخلص..!

حتى الآن، لم نعرف كيف حرك الإخلاص الحجر.

[القعقاع بن عمرو]

سر الأسرار يحرك الاحجار

إخوتي في الله،،،

كيف حالكم مع الله؟ وكيف حال الإخلاص.. سر الأسرار؟ سر الأسرار الذي يحرك الحجر.

ألم تر إلى الثلاثة الذين نزلت عليهم صخرة فسدّت باب الغار؟
بم توسلوا؟

أما الأول فقال: "اللهم إن كنت فعلت هذا ابتغاء وجهك الكريم، ففرج عنا ما نحن فيه"، فانفرجت الصخرة.

سبحان الملك! سبحان الملك! جل جلال الله في علاه! الإخلاص يحرك الصخر.

لو قسا قلبك حتى صار كالحجر، فالإخلاص يحرك قلبك.. يحركه ولو كان صخرة صماء. (اللهم اهد قلوبنا، اللهم رطب بذكرك قلوبنا)

إخوتي،،،

الإخلاص؛ أن يكون بينك وبين ربك سر، أسرار المحبين في رمضان.

يقال إن شيخ الإسلام ابن تيمية كان يخرج إلى الصحراء ويتمثل بهذا البيت:



"وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا"


أسرار المحبين؛ أن يكون سر بينك وبين الله.. أن يكون بينك وبينه أسرار.. أسرار حقيقة لا يعلمها إلا الله.

كثيرا ما قلت إن هناك كثيرين في الغرب وغيره يربون كلابًا وقططا، فيُُسألون: "لماذا؟" فيقال: "هذا حامل الأسرار".
كلب! قطة! وليس إنسانا! سبحان الملك..!

أما المسلم.. الموحد.. الرباني، فله رب يبث إليه شكواه.

حين يعرف المسلم الله ويحبه، ويعرف أن ربه أقرب إليه من حبل الوريد، نعم.. يسمعه، يراه، قريب منه، فيبث همه، ويبث شجونه، ويبث أحزانه، ويبث أسراره لربه اللطيف، الخبير، الودود، القريب، المؤمن، المهيمن، السلام، الله، الله..
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حيي كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين" أخرجه الألباني في صحيح الترمذي وصحيح الجامع وصحيح الترغيب.

الـــلّــــه..! تذوب حُبًّا حين تسمع أن ربك يستحيي أن يرد يديك خائبتين إذا دعوته، الله يستحيي أن يرد يديك فارغتين. (اللهم إنا رفعنا إليك أكفنا فلا تردهما خائبتين، اللهم ضع في أيدينا خيرا، اللهم ضع في أيدينا بركة، اللهم لا تردهما صفرا خائبتين، اللهم إنا رفعنا إليك أكفنا ضارعينإليك، فلا تردهما فارغتين، ضع في أيدينا رحمة وخيرا وبركة من عندك يا رب)

يقول سفيان الثوري: "كان إبراهيم بن الأدهم يشبه إبراهيم الخليل، لو كان في الصحابة لكان رجلاً فاضلاً".
رحم الله إبراهيم،قال عنه عبد الله بن المبارك: "صاحب سرائر ما رأيته يظهر تسبيحاً، ولا شيئاً من الخير"، له أسرار؛ لا يحمل في يده سبحة يسبح بها، لم يكن يظهر شيئًا.. سر بينه وبين ربنا سبحانه وتعالى.
سفيان، هو الآخر، رائد في أسرار الإخلاص، قال سفيان: "كل شيء ظهر من عملي لا أعدّه، فقلوبنا أضعف من أن تخلص والناس ينظرون".

سبحان الله العظيم..!

يقول سفيان: "إن أقبح الرغبة أن تطلب الدنيا بعمل الآخرة"، يعني أن تعمل عمل الآخرة كصلاة أو ذكر أو قرآن أو علم أو دعوة وتطلب به الدنيا.
وقال أيضا: "ما رأيت للإنسان خيرا من أن يدخل جحرًا".

فالإخلاص.. سر الأسرار.

والسؤال:
كيف السبيل؟ كيف السبيل إلى هذا السر؟
كيف نستطيع أن تكون علاقتنا بالله جل جلاله على هذا المستوى الراقي من الأسرار العظيمة؟
كيف؟

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (*) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (*) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (*) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (*) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} المؤمنون- آية: (57،61).
هذه الآيات، ترسم معالِمَ لهؤلاء السابقين، معالمَ لهؤلاء المخلصين، معالمَ لهؤلاء المقربين، معالمَ لهؤلاء الأكابر الطيبين.. معالم.. معالم حقيقية..

كيف نحقق تلك المعالم؟
السبيل إلى هذا السر.. في الحلقة المقبلة إن شاء الله.