قراءة لكتاب الآيات البينات في عدم سماع الأموات
قراءة لكتاب الآيات البينات في عدم سماع الأموات على مذهب الحنفية السادات
المؤلف نعمان بن محمود بن عبد الله، أبو البركات خير الدين الآلوسي والكتاب يدور حول مسائل متعددة وليس كما فى العنوان من اختصاصه بمسألة عدم سماع الأموات ومن ثم حديثنا هنا عن هذه المسألة وأما بقية المسائل كالحياة البرزخية ومنكر ونكير فلم نتحدث عنها لمخالفتها عنوان الكتاب وقد تحدث الألوسى فى مقدمته عن سبب تأليف الكتاب وهو تحريف بعضهم ما قاله فى أحد دروسه فقال:
"أما بعد فإني في شهر رمضان عام خمس وثلثمائة وألف من هجرة من أنزل عليه القرآن تفصيلا لكل شئ وتبيانا ذكرت في مجلس درسي العام ما قالته الأئمة الأحناف الأعلام في كتبهم الفقهية وأحكامهم الشرعية من عدم سماع الموتى كلام الأحياء وأن من خلف لا يكلم زيدا فكلمه وهو ميت لا يحنث وعليه فتوى العلماء فأشاع بعض من انتسب إلى العلم من غير إدراك لما حرروه ولا فهم أن هذا العزو غير صحيح وأنه قول منكر مغاير للشرع الرجيح وأنه لم يعتقد ذلك أحد من أصحاب الإمام أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد فاتبعه أتباع كل ناعق من أفراد الجهلة
والعوام والمرجفون في مدينة السلام فأحببت للنصيحة في الدين ولتبيان ما أتى في الكتاب المبين وتعليم إخواني المسلمين أن أجمع في هذه الرسالة أقوال أصحابنا الأحناف وما قاله غيرهم من الأئمة والفقهاء الأشراف وأن احرر ما قالوه وأنقل من كتبهم ما سطروه بعباراتهم المفصلة ونصوصهم المطولة وأدلتهم المحبرة وأجوبتهم المحررة ليتضح للعامة ما جهلوه ويظهر للمعاندين صواب ما أخطأوه ورتبتها على ثلاثة فصول وخاتمة جامعة إن شاء الله تعالى للمعقول والمنقول وللنزاع حاسمة وسميتها الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات والله سبحانه المسئول أن يوفقنا للصواب ويرزقنا استماع الحق واتباعه في المبدأ والمآب أمين"
فى مستهل الكتاب ذكر آراء علماء المذهب الحنفى فى مسألة عدم سماع الموتى وكعادة الفقهاء لا يذكرون آيات القرآن إلا نادرا وإذا عارضت كلامهم حاولوا تأويلها لتتوافق مع الأحاديث التى هى نفسها كما يتحدثون متناقضة فى المسألة
والآراء هى:
"في نقل كلام الأئمة الحنفية في ذلك:
قال العلامة الحصكفي الحنفي في كتابه الشهير بالدر المختار شرح تنوير الأبصار في باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك ما لفظه
ما شارك الميت فيه الحي يقع اليمين فيه على الحالتين الموت والحياة وما اختص بحالة الحياة وهو كل فعل يلذ ويؤلم ويغم ويسر كشتم وتقبيل تقيد بها ثم فرغ عليه فلو قال إن ضربتك أو كسوتك أو كلمتك أو دخلت عليك أو قبلتك تقيد كل منها بالحياة حتى لو علق بها طلاقا أو عتقا لم يحنث بفعلها في ميت بخلاف الغسل والحمل والمس وإلباس الثوب كحلفه لا يغسله أو لا يحمله لا تتقيد بالحياة انتهى"
ونقل بعد نقل هذا الكلام محشيه والمراد صاحب الحاشية التى تعلق على الكتاب فقال :
"وقال محشيه العلامة الطحطاوي ما لفظه قوله أو كلمتك إنما تقيد بالحياة لأن المقصود من الكلام الإفهام والموت ينافيه لأن الميت لا يسمع ولا يفهم وأورد أنه (ص)قال لأهل القليب قليب بدر هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فقال عمر يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم
وأجيب عنه بأنه غير ثابت يعني من جهة المعنى وإلا فهو في الصحيح وذلك أن عائشة رضي الله عنها ردته بقوله تعالى {وما أنت بمسمع من في القبور} {إنك لا تسمع الموتى} وقوله من جهة المعنى ينظر ما المراد به فإن ظاهره يقتضي ورود اللفظ عن الشارع صلى الله عليه وسلم وأن المعنى لا يستقيم وفيه ما فيه
وأجيب أيضا بأنه إنما قاله (ص) على وجه الموعظة للأحياء لا لإفهام الموتى كما روي عن علي أنه قال السلام عليكم دار قوم مؤمنين أما نساؤكم فنكحت وأما أموالكم فقسمت وأما دوركم فقد سكنت فهذا خبركم عندنا فما خبرنا عندكم
ويرده أن بعض الأموات رد عليه بقوله الجلود تمزقت والأحداق قد سالت ما قدمنا ما لقينا وما أكلنا ربحنا وما خلفنا خسرنا أو كلاما هذا كما في بعض شراح الجامع الصغير وأيضا ورد عنه (ص) إن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا كمال وفي النهر أحسن ما أجيب به أنه كان معجزة له صلى الله عليه وسلم "
والكلام كله هو أخذ ورد بين الأحاديث المتناقضة وكلام الحصكفى لا أدرى كيف فسره القوم بمسألة سماع الموتى لأنه يتحدث عن الحياة فى هذا الجزء وليس عن الموتى وأيضا الحاشية الثانية على الكتاب لابن عابدين نقل عنها كلامها فى مسألة سماع الموتى وهى غير مذ كورة فى كلام الحصطفى :
"وقال شيخ مشائخنا العلامة ابن عابدين في حاشيته على الكتاب المذكور ما لفظه
وأما الكلام فلأن المقصود منه الإفهام والموت ينافيه ولا يرد ما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم لأهل قليب بدر هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فقال عمر رضي الله عنه أتكلم الميت يا رسول الله فقال (ص)والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع منهم أو من هؤلاء فقد أجاب عنه المشايخ بأنه غير ثابت يعني من جهة المعنى وذلك لأن عائشة رضي الله تعالى عنها ردته بقوله تعالى {وما أنت بمسمع من في القبور} و {إنك لا تسمع الموتى} وأنه إنما قاله على وجه الموعظة للأحياء وبأنه مخصوص بأولئك تضعيفا للحسرة عليهم وبأنه خصوصية له (ص)معجزة لكن يشكل عليهم ما في مسلم إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا إلا أن يخصوا ذلك بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال جمعا بينه وبين الآيتين فإنه شبه فيهما الكفار بالموتى لإفادة بعد سماعهم وهو فرع عدم سماع الموتى هذا حاصل ما ذكره في الفتح هنا وفي الجنائز
ومعنى الجواب الأول أنه وإن صح سنده لكنه معلول من جهة المعنى بعلة تقتضي عدم ثبوته عنه (ص)وهي مخالفته للقرآن فافهم انتهى كلام ابن عابدين عليه الرحمة"
والكلام السابق نجد أن صاحب الحاشية ألأولى رغم نفيه لسماع الموتى إلا أنه اعتبر حادثة بدر معجزة خارجة عن ذلك وصاحب الحاشية الثانية نفى تماما سماع الموتى
وأما ابن الهمام فقد نقل عنه نفى سماع الموتى ومع هذا أثبت حادثة بدر كمعجزة وقد حاول ابن الهمام تأويل الأحاديث على غير ظاهرها فقال :
"ولنذكر كلام إمام الحنفية ابن الهمام في فتح القدير حاشية الهداية فإنه قال في باب الجنائز على قوله ولقن الشهادة لقوله (ص)لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله والمراد الذي قرب من الموت ما نصه
قوله والمراد الذي قرب من الموت مثل لفظ القتيل في قوله (ص)من قتل قتيلا فله سلبه وأما التلقين من بعد الموت وهو في القبر فقيل يفعل لحقيقة ما روينا ونسب لأهل السنة والجماعة وخلافه إلى المعتزلة وقيل لا يؤمر به ولا ينهى عنه ويقول يا فلان بن فلان اذكر دينك الذي كنت عليه في دار الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولا شك أن اللفظ لا يجوز إخراجه عن حقيقته إلا بدليل فيجب تعيينه وما في الكافي من أنه إن كان مات مسلما لم يحتج إليه من بعد الموت وإلا لم يفد يمكن جعله الصارف يعني أن المقصود منه التذكير في وقت تعرض الشيطان وهذا لا يفيد بعد الموت وقد يختار الشق الأول والاحتياج إليه في حق التذكير لتثبت الجنان للسؤال فنفي الفائدة مطلقا ممنوع نعم الفائدة الأصلية منتفية
وعندي أن مبنى ارتكاب هذا المجاز هنا عند أكثر مشايخنا هو أن الميت لا يسمع عندهم على ما صرحوا به في كتاب الإيمان في باب اليمين بالضرب لو حلف لا يكلمه فكلمه ميتا لا يحنث لأنها تنعقد على ما بحيث يفهم والميت ليس كذلك لعدم السماع وورد عليه قوله (ص) في أهل القليب ما أنتم بأسمع منهم
وأجابوا تارة بأنه مردود من عائشة قالت كيف يقول (ص)ذلك والله تعالى يقول وما أنت بمسمع من في القبور وإنك لا تسمع الموتى وتارة بأن تلك خصوصية له (ص) معجزة وزيادة حسرة على الكافرين وتارة بأنه من ضرب المثل كما قال علي رضي الله تعالى عنه
|