بين ويكي ليكس وهانز بليكس!
أخيرا نطق دجـّال الأمم المتحدة هانز بليكس بالصدق _ بعد خراب كلّ شيء _ عنـدما صـرَّح بأنّ العـراق لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل أصلا ، وأنَّ المجرميـْن الإرهابييـْن العالمييـْن بوش ، وبلير ، كانا يريدان تدمير العراق بكلّ حال ، ولايريدان سماع أي معارضة لهذه الحرب.
وهكذا وبدم بارد تم الكشف عما وراء جريمة القـرن إلتى أدّت إلى مقتل مليون عراقي ، وترميـل ، وتيْتيـم ، وتهجير الملايين ، ونهب وتدميـر خيرات العـراق بما لايمكـن لأحـدٍ أن يحصيـه إلاّ الله تعالى _ والغريـب أنـَّه لازال بعض مشايـخ ( الدروشة ) يصدّقون بالمواثيق السياسية الدولية ، وبالأمم المتحدة ، ومجلس الأمن ، وكذبة المجتمع الدولي ، والأسرة الدولية ..إلخ _ كما أدّت هذه الجريمة التاريخية إلـى زعزعة الإستقرار بالإخلال بالتوازن لصالح الأطماع الإيرانية ، فقاد ذلك إلى شـبح حرب تدميرية جديدة تحـوم في آفـاق المنطقة ، ربمـا تحرق الأخضـر ، واليابـس ، وإلى معاناة البشرية من إنتكاسة قياسية في الإقتصاد العالمي ، وأضرار بالغة السوء لايعلم مداها إلاَّ الله تعالـى !
،
ولكن على أية حال.. لقد نطـق أخيـراً وكشف الحقيقة
،
وفي نفس الأيام التي صـرّح فيها بليكس بهذا الإعتراف ، فجـَّر موقع ويكي ليكس الذي يقوم عليه مجموعة غربية حيـّة الضميـر ، والمختص بفضح إجرام عصابة الإرهاب الدولي الذي تقودها أمريكـا _ تحت كذبة الحرب على الإرهاب _ فجـّر فضيحة الوثائق التي تؤكّـد الإجرام الأميركي في المدنييـّن الأفغـان ، والباكسـتان ، مع سبق الإصـرار ، والترصُّـد ، والتخطـيط ، والتعمّـد .
وهذه الوثائق تُعـدُّ كنـزاً هائلاً غيـر مسبوق من المعلومات الموثّقـة عن جرائم الحرب التي لو أحيلـت على جهة مستقلـّة _ ليس فيها الأهبـل أوكامبـو _ لحكمتْ على قادة حلف الناتو المجـرم بما يكون الكرسي الكهربائي حكْمـاً مخففـاً جداً بالنسبة إليه .
ومما يقتلني حيـرة عندما نسمع هذه الأخـبار هـو كيف أنَّ ضباط من الجيش الأمريكي تحـرّك فيهم الضمير الإنساني بالنفس اللوامّـة ، فلم يستطيعوا العيش مع ما يرونه من جرائم ، فحملهم ذلك إلى تعريض أنفسهم للخطـر بفضح وثائق في غاية السريـّة تعرض الجيش الأمريكي لما لم يسبق له مثيـل من إنكشـاف أسراره ، بينما لم نسمع قـط عن مثل هذا الضمير في بلادنا ممن يشـرفون على معتقـلات المعارضة السياسية ، وسجناء الرأي ، وغيرهـم من المشتبه بهم ، يشرفون على القتل ، والتعذيب ، ودفن الأحياء ، وحقن إبـر الجنون ، وتغييب البشر في عالم المجهـول ، وطحن العظام ، وهتك الأعراض ..إلخ
نحن نعلم أنَّ الساسة في بلادنا العربية مخلوقات بلا ضمير أصلا ، لكن ما تفسير أن مـن تحتهم من عشرات الآلاف من العناصـر المسخّرة لهذه الطواغيت تعمل لتثبيت طغيانها بغير كلل ، ولا ملل ، لم يستفق منهم ضميـرٌ قـطّ ، فيرسـل إلى الويكي ليكس ولو قصاصة صغيـرة ؟!!
ومن غيـر شـكّ أنَّ فكرة الويكي ليكس تحوّلـت إلى قفـزة ثوريـة في عالم الإعـلام ، ولو قيـل أنـها أكثر الأفكار إبـداعا من جهـة التحدّي ، منـذ ثورة المعلومات حتى الآن ، لم يكن في ذلك أيَّ مبالغـة .
وقد سمعت أنَّ القائمين عليه قدّمـوا تضحيات كبيرة ، وتحمّلوا ملاحقات قضائية أكبـر من طاقتهـم ، لكيْ ينجح مشروعُهم العملاق ، وقـد نجـح بشكل باهـر ، وهـاهو يفـوق قدرة جماعات الضغـط على إنتـزاع القرارات ، أو وقفـها ، أو أحداث تغييرات مهمة في المعادلات السياسيـة .
ومما يقتُلنـي حيرةً تارة أخرى ، أنـّه كيف خرجت هذه الفكرة من الغـرب ، رغـم تضحياتها الكبيرة ، وقبول القائمين عليها التحدّي الخطِـر جـداً ، بإصـرار لايعرف الشـكّ والتردّد ، وبعنـادٍ لايعتـرف باللّيـن ؟!
بينمـا يكاد يخيـّم على عالمنا العربـي الصمـت المطبـق ، وترى المثقّفيـن ، والمفكّـرين ، والكتـّاب ، والعلماء ، وكثيـراً من شيوخ الديـن ، يمـرُّون على أسوار المعتقـلات البائسة المليئة بالظلم ، والطغيـان ، في طريقهـم إلى جامعاتهـم التي يعلّمـون فيها الحريـة والتنويـر ! يمـرُّون عليها وكأنَّ على رؤوسهم الطيـر ، ما تحسُّ منهـم من أحـدٍ ، ولا تسمـع لهـم ركـزا !
أما دجاجلة الليبرالية المزعومة عندنـا _ لاسيما في الخليج _ الذين لايعرفون من الحرية إلاّ حرية الخنـا ، والعهر ، والاختلاط في حمامات السباحة ! فإذا فتشت عن حالهم ، وجدتهـم هم سـدى هؤلاء الطغاة ، ولحمـة طغياهـم !
ودعنا نذكر مثالا آخر يزيد من الحيـرة وهـو أنّ عامـّة الأنظمة العربية لم تكـن تريد إغـلاق معتقـل غوانتنامو ، ولا كان الحديث عن إنتهاكاته في مثقفينا ، سواء الإسلاميون وغيـرهم ، يحتـلّ حيـّزا مهمّـا ، وإنما تـمّ هذا بسبب ضغوط هائلة من منظمات حقوق الإنسان في الغـرب نفسـه ، وأكثـرها في أمريكـا !
وأنّ أمريكا نفسها قـد أطلـقت من سجن غوانتنامو من كان يقاتلها ، ثـم آثـر هؤلاء بقاءَهـم في المعتقـل ، لأنهم إذا رُدُّوا إلى أوطانهـم سيُقتلون هناك في أقبيـة السجـون !!