فعلي إنما عارض سهيل عمرو، ورفض طلبه بالمحو فبادر النبي (ص) إلى الطلب من علي أن يضع يده على الكلمة، وذلك من أجل أن يحفظ لعلي شخصيته وعنفوانه أمام العدو
وحتى لو كان (ص) قد طلب من علي محو اسمه الشريف، فهذا الطلب إنما جاء في صورة احتدام الجدال بين علي وبين سهيل بن عمرو وهو يفيد في ظروف كهذه ولا سيما بعد أن راقب النبي ما جرى من حدة وجدال وتصلب حول هذا الأمر إلى درجة التهديد بعدم إتمام الصلح ـ إنه يفيد ـ أنه (ص) قد رفع الإلزام بهذا الأمر بهدف أن يمضي الشرط، ويتم الصلح ولم يرد أن يوجب محو اسمه ليلزم من ذلك العصيان لأمره الإلزامي
ومما يدل على أنه لم يكن ثمة ما يوجب الطعن على علي (ص) في هذا الأمر: أن أعدى أعدائه (عليه السلام) يروون هذه القضية ولا يشيرون إلى أي طعن عليه فيها"
وذكر العاملىروايات
ومهما يكن من أمر فإن الروايات لهذه القضية قد جاءت على طوائف نذكرها ـ باستثناء الطائفة التي ذكرناها في مطلع هذا البحث ـ فيما يلي من مطالب
1 ـ النصوص الساكتة:
هناك نصوص ذكرت هذه القضية، ولم تشر إلى رفض علي إطاعة أمر النبي بمحو شئ وقد روى بعضها أعداء علي وشانئوه وذلك يقرب أن يكون علي قد رفض طلب سهيل بن عمرو بعد مشادة كلامية حصلت بينهما
بل إن مروان والمسور بن مخرمة لم يدعهما حقدهما على علي أن يذكرا اسمه في روايتهما، فلو كان ثمة ما يأخذانه عليه لم يتركا التصريح باسمه، والتشنيع عليه به
ونذكر من هذه النصوص:
1 ـ أن ابن حبان وغيره يذكرون اعتراض سهيل بن عمرو على كتابة البسملة،ثم على كتابة كلمة (رسول الله) ثم يقولون:
(فقال رسول الله (ص): اكتب محمد بن عبد الله، وسهيل بن عمرو
فكتب: محمد بن عبد الله: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو)
وقريب من ذلك روي عن الإمام الصادق أيضا
وحسب نص اليعقوبي عن علي: (فقال سهيل: لو علمنا: إنك رسول الله ما قاتلناك فمحا رسول الله اسمه بيده، وأمرني فكتبت: من محمد بن عبد الله وقال: إن اسمي واسم أبي لا يذهبان بنبوتي)
2 ـ وفي نص الزهري: أنه لما اعترض سهيل على كتابة الاسم قال (ص): اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو الخ
3 ـ وهناك ما قاله ابن عباس للحرورية، حيث (قالوا: لو نعلم إنك رسول الله ما قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال: اللهم انك تعلم إني رسولك ثم أخذ الصحيفة فمحاها بيده، ثم قال: يا علي اكتب: هذا ما صالح عليه الخ)
4 ـ وكذا ما روي عن أنس بن مالك في حكايته لهذه القضية، فإنه أيضا لم يشر إلى أي تمنع من علي عليه السلام
5 ـ وهناك أيضا رواية مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة ـ وهما من أعداء علي عليه السلام، ولذا لم يصرحا باسم علي كاتب الصحيفة ـ فانهما أيضا لم ينسبا إلى على ما يشير إلى امتناعه عن تلبية طلب النبي (ص) بالمحو بل لقد أشار إلى أن المسلمين هم الذين عارضوا، فقد قالا: (فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا: بسم الله الرحمان الرحيم)
6 ـ ويروي المعتزلي عن علي عليه السلام، أنه (ص) قال له: (يا علي، إني لرسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، ولن يمحو عني الرسالة كتابي لهم: من محمد بن عبد الله، فاكتبها، وامح ما أراد محوه أما إن لك مثلها ستعطيها وأنت مضطهد)
7 ـ ويذكر نص آخر: أن سهيل بن عمرو أمسك بيد رسول الله (ص)، وقال: لقد ظلمناك إن كنت رسوله، اكتب في قضيتنا ما نعرف
فقال: اكتب: هذا ما صالح محمد بن عبدالله
فبينما نحن كذلك، إذ خرج علينا ثلاثون شابا الخ
2 ـ المسلمون يمنعون عليا من المحو:
وهذه طائفة من النصوص أوردها المؤرخون، والمحدثون الأثبات تورد تفصيل هذه القضية، بصورة لا تدع مجالا للشك في أن عليا عليه السلام، كان يمتثل ما يأمره به النبي (ص)، ولم يبد أي اعتراض على الإطلاق والمسلمون هم الذين كانوا يعترضون ويأخذون بيد علي عليه السلام، ويمنعونه من الكتابة
ونذكر من هذه النصوص ما يلي:
ألف: يقول الواقدي: (فأمر النبي (ص) عليا يكتب فقال رسول الله (ص): اكتب بسم الله الرحمان الرحيم
فقال سهيل: لا أعرف الرحمان اكتب كما نكتب: باسمك اللهم
فضاق المسلمون من ذلك، فقالوا:هو الرحمان وقالوا لا تكتب إلا الرحمان
قال سهيل: إذا لا أقاضيه على شئ
فقال رسول الله (ص): اكتب باسمك اللهم،هذا ما اصطلح عليه رسول الله
فقال سهيل: لو أعلم أنك رسول الله ما خالفتك، واتبعتك أفترغب عن اسمك، واسم أبيك: محمد بن عبد الله؟!
فضج المسلمون منها ضجة هي أشد من الأولى،حتى ارتفعت الأصوات وقام من أصحاب رسول الله (ص) يقولون: لا نكتب إلا محمد رسول الله
فحدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله، عن أبي فروة، عن واقد بن عمرو، قال: حدثني من نظر إلى أسيد بن حضير، وسعد بن عبادة أخذا بيد الكاتب فأمساكاها، وقالا: لا نكتب إلا محمد رسول الله، وإلا فالسيف بيننا، علام نعطي هذه الدنية في ديننا؟!
فجعل رسول الله (ص) يخفضهم، ويومئ بيده إليهم: اسكتوا وجعل حويطب يتعجب مما يصنعون، ويقبل على مكرز بن حفص ويقول: ما رأيت قوما أحوط لدينهم من هؤلاء القوم!!
فقال رسول الله (ص): اكتب باسمك اللهم فنزلت هذه الآية في سهيل، حين أبى أن يقربا الرحمان: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}
فقال رسول الله (ص): أنا محمد بن عبد الله، فاكتب
فكتب باسمك اللهم، هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبدالله، وسهيل بن عمرو الخ
ب - وقال البعض، بعد ذكره لاعتراض سهيل على كتابة البسملة، وكتابة: رسول الله:
قال لعلي: اكتب ما يريدون فهم المؤمنين أن يأبوا ذلك، ويبطشوا بهم، فأنزل الله السكينة عليهم، فتوقروا، وحلموا مع أن أصل الصلح لم يكن عندهم بمحل من القبول أول الأمر
ج ـ قال المؤرخ الثبت ابن واضح اليعقوبي: (تنازعوا بالكتاب لما كتب: (بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله) حتى كادوا أن يخرجوا إلى الحرب وقال سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك
وقال المسلمون: لا تمحها
فأمر رسول الله أن يكفوا، وأمر عليا فكتب: باسمك اللهم، من محمد بن عبد الله وقال: اسمي واسم أبي لايذهبان بنبوتي)
د ـ وفي رواية مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة: أن المسلمين هم الذين رفضوا كتابة باسمك اللهم
هـ ـ وعن عمر بن الخطاب: إن رسول الله (ص) كان يكتب بينه وبين أهل مكة فقال: اكتب بسم الله الرحمان الرحيم
فقالوا: لو نرى ذلك صدقناولكن اكتب كما كنت تكتب: باسمك اللهم
قال: فرضي رسول الله (ص)، وأبيت، حتى قال:يا عمر، تراني قد رضيت، وتأبى؟!
قال: فرضيت
قال الهيثمي: قلت: حديث عمر في الصحيح بغير هذا السياق رواه البزار ورجاله رجال الصحيح"
وهذه الأحاديث تنفى حادثة اعتراض على على النبى(ص) وفى أحاديث أخرى أن الاعتراض كان على سهيل بن عمرو كما قال فى الفقرات التالية:
"3 ـ بين علي وسهيل بن عمرو:
وقد صرحت بعض النصوص بأن عليا إنما رفض طلب سهيل بن عمرو بالمحو وكانت بينهما مشادة كلامية انتهت بمبادرة رسول الله (ص) إلى محو اسمه الشريف وذلك من أجل حفظ موقع علي أمام ذلك العدو اللجوج، ولكي يبر قسمه
فقد روى النسائي عن علي أنه قال: (قالوا: لو نعلم أنه رسول الله ما قاتلناه أمحها
قلت: هو والله رسول، وإن رغم أنفك ولا والله، لا أمحوها
فقال لي رسول الله (ص): أرنيه فأريته، فمحاها وقال: أما إن لك مثلها وستأتيها وأنت مضطر) ومما يؤيد أن المشادة بين سهيل بن عمرو وعلي، النصوص الآتية:
|