العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الاسلامي > الخيمة الاسلامية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نقد مقال بوابات الجحيم التي فتحت فوق سيبيريا عام 1908 لغز الانفجار الكبير (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الغرق فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال أمطار غريبة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 22-03-2008, 07:43 AM   #1
الانصار
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
المشاركات: 44
إفتراضي من هم الخوارج

بسم الله الرحمن الرحيم

من هم الخوارج

لفضيلة الشيخ:حامد العلي

فضيلة الشيخ ؛

كثر هذه الايام إطلاق لقب الخوارج على كل من يقاتل الكفار أو الامريكان ، ويلاحظ توظيف هذا المصطلح سياسيا بما يخدم الاهداف و الاطماع الامريكية .

كما ثار جدل واسع حول قضية المعاهدات ومتى تكون شرعية ومتى لاتكون كذلك ؟

فنرجو بيان الجواب الشافي ، احسن الله إليكم .
الجواب :

الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

وبعد :

المفارقة العجيبة هنا أن الذين يتهمون هذه الجماعات بأنها من الخوارج ، يتعامون عن أن الزعماء هم أحق بهذا الوصف ، فهؤلاء الزعماء السياسيون ـ أقول هذا من باب التسامــــح في عدم التقيد بالتعريف الفِرَقي ـ هم أحق بوصف الخوارج .

وكيف يُتعجب من هذا الأمر ، والحال أن الخوارج إن كانوا استحقوا هذا الوصف لانهم خرجوا عن السنة ، فالزعماء الذين عطلوا الشريعة خرجوا عن الشريعة كلها بل وحاربوها ، وليس عن السنة فقط .

وإذا كان الخوارج قد أخطأوا في فهم النصوص مع أنهم كانوا معظمين لها ، ولم يكونوا يعارضونها بغيرها بل هم يزعمون جهلا أنهم أحق بتطبيقها، فهؤلاء الزعماء الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وحكموا الجاهلية في بلاد الإسلام ، هم أحق بوصف الخروج قطعا .

وإذا كان الخوارج يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ، فليت شعري ، ألم يقتل هؤلاء الزعماء الظلمة الآلاف من المسلمين ، ألم يذبحوا المسلمين دفاعا عن الصهاينة ، ألم يحموا الصهاينة بسحق المجاهدين ، ألم يُقتل الآلاف في أفغانستان بإعانة الصليبيين على قتل المسلمين ، ألم يذبح الآلاف في قلعة جانجي ذبحا ، ألم يهلك خيار أهل الارض من المجاهدين في أفغانستان جوعا وعطشا في الحاويات الامريكية ، اليس في العراق كل يوم دم مهراق ،ألم يشهد الشاهدون ، أن وظيفة جيوش هذه الانظمة ـ التي طالما كانت عونا للكافر على الاسلام ـ الأهم هي سحق شعوبها , وليس قتال الكفار من أعداء الإسلام !!

وإذا كان الخوارج يذرون الكفار ، ويقتلون أهل الإسلام ، فهؤلاء الزعماء ، يوالون الكفار ويقاتلون معهم أهل الإسلام ، فأي الفريق أحق بوصف الخوارج إن كنتم تعلمون .

والعجب العجاب أنه حتى أمريكا التي تفرح كثيرا بإطلاق لقب الخوارج على الرافضين الغاضبين من الأوضاع الدولية بقيادتها ، أوالخارجين عن هيمنتها كما أطلقت مصطلح ( الدول المارقة ) ـ مع أن الذين تفرح بإطلاق اسم الخوارج عليهم اليوم ، لم يكونوا كذلك لما احتاجتهم أمريكا لتحارب الاتحاد السوفيتي ، بل كانت تسميهم (مناضلوا الحرية ) !! آنذاك ــ أقول العجب العجاب أنه حتى أمريكا نفسها هي في الحقيقة خارجة عما يسمى النظام الدولي ، حتى إنهـأ احتلت دولة جاثمة على ثاني اكبر احتياطي للنفط في العالم ، وهي العراق ، احتلتها أمريكا خروجا منها على النظام الدولي جهارا نهارا ، فهي إذاً أكبر خارجة ، وهي أصل كل خروج ومروق في العالم .

ذلك أنها عندما احتاجت أن تحتل العراق ولم يسعفها النظام الدولي ، خرجت عليه ، ضاربة به عرض الحائط ، وتبعها أولياؤها فخرجوا لخروجها ، فأعانوها سرا وجهرا ، فلو جاز لنا أن نعتد بالنظام الدولي ، فليس لاحد الحق أن يطلق على أي طائفة مقاتلة رافضة لقيادة أمريكا للنظام العالمي ، بعدما عبثت أمريكا بالنظام الدولي ، يطلق عليها أنها من الخوارج .

وأيضا فهؤلاء الزعماء خرجوا على حقوق شعوبهم ، وساموهم سوء العذاب ، وحرموهم حتى من العدل الذي هو أساس الحكم ، ولا يقوم العدل إلا بالحكم بالشريعة والشورى ، فكل ذلك عندهم مضروب به عرض الحائط ، فإذاً هؤلاء الحكام هم الخوارج حقا وصدقا ، الخوارج عن الحق والعدل .

هذا ولا ينقضي عجب المرء من تباكي هؤلاء الزعماء على دماء الأبرياء ، عندما تقع عمليات مثل التي وقعت الأسبوع الماضي ، بينما حالهم الذي لم يزل ، أن أيديهم ملطخة بدماء المظلومين ، وسجونهم مليئة بالمعذبين ، وسجلات دولهم مسودة بانتهاكات حقوق الإنسان ، ومازالت أمريكا ـ مع أنها أعظم منتهك لحقوق الإنسان ـ عندما تريد أن تزلزل عروشهم ، تهددهم بفضح سجلاتهم فيما فعلوه في الأبرياء من شعوبهم ، فيتضعضعون لها ، وترتعد فرائصهم ويخافون من انفضاح أمرهم ، وانكشاف جرائمهم في حق شعوبهم ، فيتنادون حينئذ لمنح الشعوب حقوقها كأنها منّة لهم على شعوبهم ، وليست حقا لها عليهم .

وإنه لمما يثير الأسى ، أن يتزاحم المتزاحمون أمام (كاميرات) الفضائيات هذه الأيام ، في حماسة بالغة ، ليطلقوا لقب الخوارج على من يشير إليهم الساسة بذلك ـ إذا خاف الساسة على أنظمتهم ، وليس على شعوبهم المسكينة الرازحة تحت ظلمهم ـ بينما كان أولئك العاشقون للكاميرات ، ولازالوا ، لا ينطقون ببنت شفة إزاء خروج أمريكا ومن والاها من الزعماء ، خروجهم جميعا عن الشرع والحق والعدل ، كانوا صامتين عن إنكار هذا الظلم المبين ، بدعوى أن من المصلحة الصمت عن إنكار الكفر والظلم والطغيان، فمابال المصلحة تخلفت هنا فسلطتم ألسنتكم على هذا الظلم الخاطف فحسب !!

ولعمري أين كان حماس هؤلاء عندما كان صولجان الظلم مسلطا على شعوب الأمة ، والبطش بهم ناموس الزعماء الأوحد ، وإهراق دماء الأبرياء دينهم ، وأكل أموال الشعوب بالباطل ديدنهم ، وإعانة الكفرة على غزو بلاد الإسلام نهجهم ، وتسليم أهل الإسلام للكفار ليحكموا فيهم بأحكام الطاغوت مذهبهم ، ترى أين كانت شجاعة وعاظنا !! ، ولماذا ظهرت فجأة اليوم؟!

الثالث من الأمور التي يجب أن تستصحب قبل الكلام على المعاهدات الدولية :
أن الحاكم إذا لم يكن حاله أنه يجعل الشريعة الإسلامية أصلا يرجع إليه ، ويتحاكم إليه تحاكما مطلقا فيما يعاهد عليه الكفار ، وإنما يأتي بعدما يبرم المعاهدات مع الكفار على أهواءهم التي يراعون فيها قوانينهم ، ويحققون أطماعهم ، ويريد بعد ذلك من علماء الشريعة ، أن يضعوا توقيع رب السموات والأرض رب العالمين ، على أحكام الجاهلية ، وأهواء الكفار ، فإنه لا يوافقه على هذه الجريمة ، إلا من هو من أعظم المعينين على الظلم والفساد في الأرض ، الساعين إلى تمكين الكفار من استعلاءهم بجاهليتهم ، ومن فعل ذلك فهو ممن يشتري بآيات الله ثمنا قليلا ، فليس له عند الله من خلاق .

الرابع :
أن السياسة العالمية اليوم ، قائمة ـ كما هو معلوم في علوم السياسة المعاصرة ـ على أن العلاقات الدولية أساسها مبدأ واحد هو الصديق والعدو ، غير أن تفسيرها لديهم ليس كما يظن الظان من ظاهر هاذين اللفظين .

بل هو كما جاء في كتاب مدخل إلى العلوم السياسية : ( الأصل لدى كل مجتمع سياسي أن إطاره الجغرافي يمثل بالنسبة لاصحابة ( دار السلام ) وأن ما وراءه ( دار حرب ) ومن ثم فإن الأصل في الأجنبي أنه عدو مالم تقتض مصلحة المجتمع الوطني مهادنته ، وانطلاقا من هذا تعتبر العلاقات الدولية علاقات قوى قوامها العداء والارتياب والتشكك .)) .

قلت : وقد تستغرب من أن تقول كتب السياسة المعاصرة هذا القول ، الذي يشبه إلى حد كبير قول الفقهاء بتقسيم الدور إلى دار الإسلام ودار الحرب ، وأن الأصل في الكفار أنهم أهل حرب ، ولكن الأمـر كذلك كما يذكر في كتب السياسة الدولية المعاصرة ، كما ذكرت ، وهو كذلك في واقع الحال ، من وراء ستار الشعارات الزائفة ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

ثم جاء في كتاب مدخل إلى العلوم السياسية ( وهكذا فإن ارتباط مفهوم (العدو) ، بالسياسة حقيقة ثابتة ، فلا سياسة دولية من غير ( عدو ) ـ إن العداء ـ في العلاقات بين الدول هو الأصل ، وما السلام إلا مجرد مهادنة يقتضيها العداء ذاته .

وهنا يتعيّن التنبيه إلى أن للعداء في السياسة معيارا ، ليس هو معيار ( العداء ) في الأخلاق أو في الاقتصاد ، ذلك أن لعالم السياسة معاييره الخاصة به ، فليس من الضروري أن يكون ( العدو السياسي ) شريرا أو قبيحا على وفق المعايير الأخلاقية أو الجمالية ، أو أن يكون منافسا على مقتضى المعايير الاقتصادية .

وإنما العدو في عالم العلاقات الدولية هو ( الغير ) ، وهو ( الأجنبي ) ، إنه كل من ليس منا ، ومن ثم نخاف على وجودنا الذاتي منه ، وهو خوف يستدعي صراعنا الدائم معه ، إنه عداء دائم بدوام حرصنا على استمرار كياننا الذاتي ، ومن هنا ترتبط ذاتية المجتمع السياسي بقدرته الفعلية على تقرير علاقاته الخارجية عداء ومهادنة ، فالمجتمع الذي تفرض عليه العداوة والمداهنة من خارجه ليس مجتمعا مستقلا ) .

ثم قال ( وهكذا فإن العلاقات الدولية هي ـ بالضرورة على طول تاريخها ـ علاقات بين الأعداء ، اللهم إلا ما يقتضيه العداء ذاته من مهادنة ليست البتة من طبيعة هذه العلاقات ، وما فكرة المجتمع البشري العالمي المتخلص من أسباب التصادم ، ومن ثَمّ الذي ينعم بالسلام العالمي ، إلا من نسج الخيال البحت ، إن السلام ـ كالمحبة ـ قيمة أخلاقية جمالية لامكان لها في الواقع الدولي ) [مدخل إلى العلوم السياسية 317ـ 318، المؤلفان أ.د. محمد طه بدوي ، وأ. د. ليلى أمين مرسي ، الناشر منشأة المعارف بالإسكندرية].
الانصار غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 22-03-2008, 07:44 AM   #2
الانصار
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
المشاركات: 44
إفتراضي

ولعمري إن هذا كله حق وصواب ، ولهذا أمر الله تعالى المؤمنين بإعداد القوة ، لبقاء التحفز للعدو ، ولهذا أيضا حذّر من عداوة الكفار للمسلمين ، وأخبـــر أنها مستمرة ، كما قال تعالى : ( إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون ) ، وأطلق على عداوتهم في مواضع كثيرة في القرآن أنها كيد ، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أنهم يسلكون سبلا خفية للمكر بهذا الدين ، وهو كما نرى هذه الأيام ، مزاعمهم عن السلام العالمي ، بينما هم يمكرون لهذا الدين . ولهذا امر الله تعالى بجهاد الطب ، وكان الذين أنكروه من المتفقهين المعاصرين جهلاء بواقع الامر في السياسة العالمية .

ولهذا أيضا صرح فقهاء الشريعة الإسلامية في باب الهدنة ، انه لا يصح للحاكم أن يهادن الكفار هدنة أبديّة ، وهذا حكم متفق عليه بين المذاهب ، لان الهدنة الأبدية تفضي إلى تعطيل الجهاد ، وأيضا فإنه حينئذ جهل بواقع السياسة الدولية ، لا يجوز أن يتصف به الحاكم المسلم .

والمقصود من هذا كله ، أنه إذا كان واقع السياسة الدولية ما ذكر، من أنه عداء مستمر في حقيقته وإن أظهر خلاف ذلك ، ومعلوم أن الدول الغربية المستعلية بجاهليتها في هذا العصر ، تريد تحقيق هدف الهيمنة على بلاد الإسلام ، وأنها تستغل المعاهدات ، ووجودها الفعلي بسبب هذه المعاهدات ، في بلاد الإسلام ، لتكون قريبة من أماكن أطماعها ، لتنفيذ مخططاتها الخبيثة .

إذا كان ذلك كذلك ، فيجب أن يعلم أن المعاهدات التي توقعها الدولة مع الكفار ، لن تكون شرعية بحال ، إن كانت الدولة الكافرة ، ماكرة بهذا الدين ،معادية لاهله ، مستغلة وجودها على أرض الدولة التي تعاهدها ، لخدمة مراكزها الاستخباراتيه ، جاعلة سفارتها ، ومؤسساتها التابعة لها ، وقواعدها في خدمة أنشطة التجسس التي تغذي استعلاءها بالقوة ، الذي هو استعلاء للكفار في الأرض ، وتمكين لهم من ظهور كفرهم واحكامهم الطاغوتية ، ومن يفتي بأن شريعة رب العالمين ، الآمرة بجهاد الكفار والمشركين ، لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى ، أن هذه الشريعة تقر هذا الكفر و الإفك المبين ، فذلك والله الذي لا إله إلا هو ، إعانة على هدم دين الإسلام من أصله .

إذا علم هذا ، فليعلم السائل أن الواقع السياسي للعالم الإسلامي اليوم ، إنما هــو بقية آثار من تداعيات سبقت في القرن الماضي، عندما كانت البلاد الإسلامية تحت الاحتلال الصليبي السابق ، وقد فرض قبل رحيله أوضاعا تخدم مستقبل مصالحه في المنطقة كلها ، ومن ذلك تنحية الشريعة الإسلامية عن أن تكون مهيمنة بأحكامها على الدول ، خوفا من أن تكون المعاهدات بين تلك الدول والعدو الصليبي ، لاتخدم أطماعه فيما لو كانت المعاهدات مبنية على أحكام الشريعة الإسلامية وشروطها الصارمة لاسيما في اشتراط النظر لصالح الاسلام والمسلمين باعتبارهم أمة واحدة في الارض كلها.

ومن هنا فقد وقعت هذه الاشكالات التي نراها اليوم ، وفيها هذا التناقض الهائل بين واقع تصرف الكفار في بلاد الإسلام ، مع ادعاء الدول التي توقع مع الكفار هذه المعاهدات : من أن تصرف الكفار ، هو وفق معاهدات يجب احترامها ، وبين ما هو في كتب الفقه الإسلامي من شروط شرعية تعدها الشريعة أساسا لصحة المعاهدات الدولية ، فإن خلت منها هذه المعاهدات كانت باطلة غير ملزمة .

وحينئذ فإنه من الظلم المبين أن تُُضفى على هذا الوضع المعوج ، القائم في اصله على غير الأحكام الإلهية الشرعية المستقاة من الوحي ، الذي جاء فيه ( وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين ) ، أن تُُضفى عليه الصبغة الشرعية ، من قبل من لاعلم له بواقع الحال، وإنما طلب منه أن يضع توقيع الشريعة على ما يجهله ، فبادر إلى ذلك راغبا أو راهبا ، فجنى على شريعة رب العالمين ، وسيحكم فيه رب العالمين ، ملك يوم الدين ، يوم يجمع العالمين .

فهذه مقدمة رأيت أنه من المناسب ذكرها .

ز-وأذكر فما يلي ، جوابين سابقين عن ضابط الحكم على الشخص بأنه من الخوارج ، وحكم المعاهدة مع الكفار وبهما يتم الجواب إن شاء الله :ز!-

ثمة فرق بين الخوارج ، والبغاة على الإمام الشرعي بغير تأويل ، والبغاة عليه بتأويل ، والخارجين على من لاإمامة له . فهذه أربعة أصناف :

الخوارج :
وهم فرقة عقدية ، لها اعتقادات ضالة ترجع إليها .

قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : ( وإذا عرف أصل البدع فأصل قول الخوارج أنهم يكفرون بالذنب , ويعتقدون ذنبا ما ليس بذنب , ويرون اتباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب - وإن كانت متواترة - ويكفرون من خالفهم ويستحلون منه لارتداده عندهم ما لا يستحلونه من الكافر الأصلي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم { يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان } ولهذا كفروا عثمان وعليا وشيعتهما ; وكفروا أهل صفين - الطائفتين - في نحو ذلك من المقالات الخبيثة ) انتهى .

فمن اعتقد ما يعتقدون كان خارجيا ، ومن كانت فيه شعبة من عقيدتهم ، يقال : وافقهم في بعض قولهم ، والناس مولعون هذه الأيام بنسبة المخالفين إلى الفرق الضالة ، إمعانا في التنفير منهم ، اتباعا لاهواء التحزبات والتعصبات للجماعات والشيوخ ، فكل طائفة تريد أن تظهر فضلها على غيرها ، فيحملها ذلك إلى البغي والعدوان والظلم على الطائفة الأخرى بنسبتها إلى الفرق الضالة بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .

القسم الثاني :
وهم البغاة بتأويل ، مثل ما حدث في صفين .

قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : ( وأما جمهور أهل العلم فيفرقون بين " الخوارج المارقين " وبين " أهل الجمل وصفين " وغير أهل الجمل وصفين . ممن يعد من البغاة المتأولين . وهذا هو المعروف عن الصحابة وعليه عامة أهل الحديث والفقهاء والمتكلمين وعليه نصوص أكثر الأئمة وأتباعهم : من أصحاب مالك وأحمد والشافعي وغيرهم . وذلك أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق } وهذا الحديث يتضمن ذكر الطوائف الثلاثة ويبين أن المارقين نوع ثالث ليسوا من جنس أولئك ; فإن طائفة علي أولى بالحق من طائفة معاوية ) . انتهى

ومعلوم أنه قد صح الحديث ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية ) رواه البخاري من حديث أبي سعيد ، وتلك كانت فئة معاوية رضي الله عنه وأرضاه ،ولكن قد مضى الإجماع على عدالة الصحابة رضي الله عنهم ، فإذن هو بغي بتأويل .

ومثل الذين يخرجون على الإمام الشرعي لشبه قامت لديهم ، ولهذا قال الفقهاء لا يجوز أن يقاتلهم الإمام إلا بعد أن يراسلهم فإن ذكروا شبهة أوضحها ، أو منكرا نقموه أزاله ، فإن أبوا الدخول في الطاعة قاتلهم.

كما قال الإمام ابن قدامه في المغني : ( الخارجون عن قبضة الإمام أصناف ، أحدها : قوم امتنعوا وخرجوا عن طاعته وخرجوا عن قبضته بغير تأويل فهؤلاء قطاع طريق ساعون في الأرض بالفساد يأتي حكمهم في باب مفرد ، ثم ذكر الخوارج وقال : الذين يكفرون بالذنب ويكفرون عثمان وعليا وطلحة والزبير وكثيرا من الصحابة ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج معهم ، ثم ذكر اختلاف الفقهاء هل هم كفار ويقاتلون قتال الكفار لهم أحكامهم ، أم يقاتلون قتال البغاة ولهم أحكام قتال البغاة ، ثم ذكر نوعا آخر ، فقال : قوم من أهل الحق يخرجون عن قبضة الإمام ويرومون خلعه لتأويل سائغ وفيهم منعة يحتاج في كفهم إلى جمع الجيوش فهؤلاء الذين نذكر في هذا الباب حكمهم ثم ذكر جملة أحكامهم وقال : ولا يجوز قتالهم حتى يبعث إليهم من يسألهم ويكشف لهم الصواب ، إلا أن يخاف كلبهم - يعني عدوانهم - فلايمكن ذلك في حقهم ، فأما إن أمكن تعريفهم عرفهم ذلك ، وأزال ما يذكرونه من المظالم وأزال حججهم ، فإن لجّوا قاتلهم حينئذ لان الله تعالى بدأ بالأمر بالإصلاح قبل القتال ) انتهى .
ثم ذكر اتفاق العلماء على انهم لا يتبع لهم مدبر ، ولا يجهز على جريح ، ولا يقتل لهم أسير ، ولا يغنم لهم مال ، ولا تسبى لهم ذرية ، وأن من قتل منهم غسل وكفن وصلي عليه ، وذكر شيخ الإسلام أن عدالتهم لاتسقط إن كان بغيهم بتأويل .

والمقصود أن الفرق بين الخوارج والبغاة على الإمام الواجب الطاعة ، فرق كبير جدا ، وإن كان يخلط بينهما من يخلط لجهله أو طمعا في موافقة السلطان في هواه بالظلم والطغيان والخروج على أحكام الشرعية نسأل الله تعالى أن يعافينا من الأهواء .

والقسم الثالث البغاة بغير تأويل .

أما القسم الرابع :
فهم الذين يخرجون على من لا إمامة له لظهور الكفر البواح منه ، فهؤلاء قد يصيبون من جهة اجتهادهم في القدرة والوقت المناسب لإزاحة من لا تحل إمامته على المسلمين ، فينصرون ، ويكون لهم بذلك أجر عظيم ، إذ كانت إزالة الكفر البواح من أعظم الجهاد ، ومن إنكار المنكر ، وقمع الفساد في الأرض .

وقد يخطئون فيحبس عنهم النصر وتدور الدائرة عليهم ، فإن أخطأوا فهم من جنس من يخطئ من المجاهدين ، إن علم الله منهم اتباع الهوى ، وطلب الملك ، والجنوح إلى الانتقام لأنفسهم ، فعليهم من الله تعالى ما يستحقه أمثالهم ممن يطلب الدنيا بالدين من أهل الأهواء .

وإن علم الله منهم أنهم اجتهدوا يبتغون وجه الله ، فالله تعالى يغفر لهم خطأهم، ويثيب على حسن قصدهم ، وما بذلوه في نصر الدين ، والله يعلم المفسد من المصلح .

أما من يقاتل الكفار ، ثم قد يتجاوز حدود الشريعة ، أو يعتدي في القتل ، أو يصيب من لا يحل قتله ، فهذا من جنس العدوان في القتال ، كما قال تعالى { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير } ، وكما حصل لخالد بن الوليد رضي الله عنه ، فقد أصاب دماء محرمة في فتح مكة ، وتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فعله ، مع أنه سماه سيفا من سيوف الله تعالى . وبسبب أن القتال الذي يحدوه الغضب ، ويجلله العنف البالغ، هو مظنة الوقوع في العدوان ، قال تعالى { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } .

والواجب على المجاهد ، أن يغلّب النظر الشرعي على غضبه ، ويراعي حدود الشريعة في قتاله ، وينضبط بدلالة النصوص ، ولا يحمله حنقه على عدوه ، ورغبته في الانتقام منه ، في التساهل في اختيار مواضع القتال المشروع ، وتميزها عن غيرها .

وإلاّ يفعل ذلك فقد تقع فتنة وفساد ، وقد يرتد عليه ضرر القتال ، أو على المسلمين ، أكثر مما ينكى في عدوه ، ومعلوم أن كثيرا من خيار المجاهدين في تاريخ الإسلام ، خسروا في معارك كثيرة ، وأصاب المسلمين من ذلك شر ، بسبب سوء تقديرهم للمواقف ، أو استعجالهم الورود بالجند في مواضع لا تصلح ، أو إلى عدو لاطاقة لهم به ونحو ذلك والله أعلم .

وهذه هي الفتوى الثانية :

الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
الانصار غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 22-03-2008, 07:45 AM   #3
الانصار
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
المشاركات: 44
إفتراضي

وبعد :

قال الإمام ابن قدامة في المغني : ( إذا ثبت هذا فإنه لاتجوز المهادنة مطلقا من غير تقدير مدة ، لانه يفضي إلى ترك الجهاد بالكلية ) [8/469] .

وقال : ( لانه قد يكون بالمسلمين ضعف فيهادنهم حتى يقوى المسلمون ، ولا يجوز ذلك إلا للنظر للمسلمين ، إما أن يكون بهم ضعف عن قتالهم ، وإما أن يطمع في إسلامهم بهدنتهم ، أو في أدائهم الجزية والتزامهم أحكام الملة أو غير ذلك من المصالح ) [المصدر نفسه] .

وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز مهادنة الكفار أبدا ، أي وضع القتال معهم أبدا ، لان ذلك يقتضي تعطيل الجهاد ، وهو ذروة سنام الإسلام ، وفي تعطيله إعانة على هدم الدين ، وإذلال المسلمين .

كما اتفقوا على أن العهد المعتبر شرعا هو الذي يكون مبنيا على النظر للمسلمين ، أما إن كان مبنيا على النظر للكافرين ، أو تحقيق أطماعهم وأهدافهم ، فلا يصح ولا يعتبر ، وهو باطل شرعا ، إذ كيف تكون أحكام الشريعة منوطة بتحقيق أهداف الكفار في بلاد المسلمين ، وهي في الحقيقة أهداف الطاغوت الذي أمرنا بالكفر به ومجاهدته ، سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم .

وينبغي أن يعلم أن العهد مع الكفار إنما يعتبر شرعا إن وافق أحكام الشريعة وانطلق منها ، ولم يتضمن شروطا تبطل العقد ، وقد قسم العلماء شروط عقد الهدنة إلى قسمين : صحيح مثل أن يشترط عليهم مالا ، أو معونة المسلمين عند الحاجة إليهم ، والثاني شرط فاسد قال ابن قدامة : (مثل أن يشترط رد سلاحهم أو إعطائهم شيئا من سلاحنا ، أو من آلات الحرب ، أو يشترط لهم مالا في موضع لا يجوز بذله ) .

وبهذا يعلم أن العهد إن كان مبنيا على غير أحكام الشريعة ، أولم ينظر فيه إلى مصالح المسلمين ، بل وضعه الكفار بحيث يحقق أطماعهم ، وتضمن اشتراط الكفار إعانة المسلمين لهم على قتال مسلمين ، أو تمكينهم في أرض المسلمين ، أو حماية أعداء الإسلام من بأس المسلمين ، أو تعطيل الجهاد ، أو ملاحقة وقتل المجاهدين ، أو إقرار الولاء للكافرين ، أو السماح للكافرين أن يفعلوا ما شاءوا في بلاد المسلمين ، ظاهرين بأمرهم ، ينتهكون ما حرم الله ، ويجاهرون بالكفر والمنكرات، أنه لايفتي باعتبار هذا العهد ـ حتى لو كان الذي عقده مع الكفار عقده على أساس الشريعة فكيف لو لم يكن مقرا بوجوب التحاكم إليها في كل شيء أصلا ـ ألا من هو جاهل بشريعة الله القائل { وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله ... الآية } ، والقائل سبحانه { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } .



الخوارج :
وهم فرقة عقدية ، لها اعتقادات ضالة ترجع إليها .

قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : ( وإذا عرف أصل البدع فأصل قول الخوارج أنهم يكفرون بالذنب , ويعتقدون ذنبا ما ليس بذنب , ويرون اتباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب - وإن كانت متواترة - ويكفرون من خالفهم ويستحلون منه لارتداده عندهم ما لا يستحلونه من الكافر الأصلي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم { يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان } ولهذا كفروا عثمان وعليا وشيعتهما ; وكفروا أهل صفين - الطائفتين - في نحو ذلك من المقالات الخبيثة ) انتهى .

فمن اعتقد ما يعتقدون كان خارجيا ، ومن كانت فيه شعبة من عقيدتهم ، يقال : وافقهم في بعض قولهم ، والناس مولعون هذه الأيام بنسبة المخالفين إلى الفرق الضالة ، إمعانا في التنفير منهم ، اتباعا لاهواء التحزبات والتعصبات للجماعات والشيوخ ، فكل طائفة تريد أن تظهر فضلها على غيرها ، فيحملها ذلك إلى البغي والعدوان والظلم على الطائفة الأخرى بنسبتها إلى الفرق الضالة بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .

القسم الثاني :
وهم البغاة بتأويل ، مثل ما حدث في صفين .

قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : ( وأما جمهور أهل العلم فيفرقون بين " الخوارج المارقين " وبين " أهل الجمل وصفين " وغير أهل الجمل وصفين . ممن يعد من البغاة المتأولين . وهذا هو المعروف عن الصحابة وعليه عامة أهل الحديث والفقهاء والمتكلمين وعليه نصوص أكثر الأئمة وأتباعهم : من أصحاب مالك وأحمد والشافعي وغيرهم . وذلك أنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق } وهذا الحديث يتضمن ذكر الطوائف الثلاثة ويبين أن المارقين نوع ثالث ليسوا من جنس أولئك ; فإن طائفة علي أولى بالحق من طائفة معاوية ) . انتهى

ومعلوم أنه قد صح الحديث ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية ) رواه البخاري من حديث أبي سعيد ، وتلك كانت فئة معاوية رضي الله عنه وأرضاه ،ولكن قد مضى الإجماع على عدالة الصحابة رضي الله عنهم ، فإذن هو بغي بتأويل .

ومثل الذين يخرجون على الإمام الشرعي لشبه قامت لديهم ، ولهذا قال الفقهاء لا يجوز أن يقاتلهم الإمام إلا بعد أن يراسلهم فإن ذكروا شبهة أوضحها ، أو منكرا نقموه أزاله ، فإن أبوا الدخول في الطاعة قاتلهم.

كما قال الإمام ابن قدامه في المغني : ( الخارجون عن قبضة الإمام أصناف ، أحدها : قوم امتنعوا وخرجوا عن طاعته وخرجوا عن قبضته بغير تأويل فهؤلاء قطاع طريق ساعون في الأرض بالفساد يأتي حكمهم في باب مفرد ، ثم ذكر الخوارج وقال : الذين يكفرون بالذنب ويكفرون عثمان وعليا وطلحة والزبير وكثيرا من الصحابة ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج معهم ، ثم ذكر اختلاف الفقهاء هل هم كفار ويقاتلون قتال الكفار لهم أحكامهم ، أم يقاتلون قتال البغاة ولهم أحكام قتال البغاة ، ثم ذكر نوعا آخر ، فقال : قوم من أهل الحق يخرجون عن قبضة الإمام ويرومون خلعه لتأويل سائغ وفيهم منعة يحتاج في كفهم إلى جمع الجيوش فهؤلاء الذين نذكر في هذا الباب حكمهم ثم ذكر جملة أحكامهم وقال : ولا يجوز قتالهم حتى يبعث إليهم من يسألهم ويكشف لهم الصواب ، إلا أن يخاف كلبهم - يعني عدوانهم - فلايمكن ذلك في حقهم ، فأما إن أمكن تعريفهم عرفهم ذلك ، وأزال ما يذكرونه من المظالم وأزال حججهم ، فإن لجّوا قاتلهم حينئذ لان الله تعالى بدأ بالأمر بالإصلاح قبل القتال ) انتهى .
ثم ذكر اتفاق العلماء على انهم لا يتبع لهم مدبر ، ولا يجهز على جريح ، ولا يقتل لهم أسير ، ولا يغنم لهم مال ، ولا تسبى لهم ذرية ، وأن من قتل منهم غسل وكفن وصلي عليه ، وذكر شيخ الإسلام أن عدالتهم لاتسقط إن كان بغيهم بتأويل .

والمقصود أن الفرق بين الخوارج والبغاة على الإمام الواجب الطاعة ، فرق كبير جدا ، وإن كان يخلط بينهما من يخلط لجهله أو طمعا في موافقة السلطان في هواه بالظلم والطغيان والخروج على أحكام الشرعية نسأل الله تعالى أن يعافينا من الأهواء .

والقسم الثالث البغاة بغير تأويل .

أما القسم الرابع :
فهم الذين يخرجون على من لا إمامة له لظهور الكفر البواح منه ، فهؤلاء قد يصيبون من جهة اجتهادهم في القدرة والوقت المناسب لإزاحة من لا تحل إمامته على المسلمين ، فينصرون ، ويكون لهم بذلك أجر عظيم ، إذ كانت إزالة الكفر البواح من أعظم الجهاد ، ومن إنكار المنكر ، وقمع الفساد في الأرض .

وقد يخطئون فيحبس عنهم النصر وتدور الدائرة عليهم ، فإن أخطأوا فهم من جنس من يخطئ من المجاهدين ، إن علم الله منهم اتباع الهوى ، وطلب الملك ، والجنوح إلى الانتقام لأنفسهم ، فعليهم من الله تعالى ما يستحقه أمثالهم ممن يطلب الدنيا بالدين من أهل الأهواء .

وإن علم الله منهم أنهم اجتهدوا يبتغون وجه الله ، فالله تعالى يغفر لهم خطأهم، ويثيب على حسن قصدهم ، وما بذلوه في نصر الدين ، والله يعلم المفسد من المصلح .

أما من يقاتل الكفار ، ثم قد يتجاوز حدود الشريعة ، أو يعتدي في القتل ، أو يصيب من لا يحل قتله ، فهذا من جنس العدوان في القتال ، كما قال تعالى { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير } ، وكما حصل لخالد بن الوليد رضي الله عنه ، فقد أصاب دماء محرمة في فتح مكة ، وتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فعله ، مع أنه سماه سيفا من سيوف الله تعالى . وبسبب أن القتال الذي يحدوه الغضب ، ويجلله العنف البالغ، هو مظنة الوقوع في العدوان ، قال تعالى { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } .

والواجب على المجاهد ، أن يغلّب النظر الشرعي على غضبه ، ويراعي حدود الشريعة في قتاله ، وينضبط بدلالة النصوص ، ولا يحمله حنقه على عدوه ، ورغبته في الانتقام منه ، في التساهل في اختيار مواضع القتال المشروع ، وتميزها عن غيرها .

وإلاّ يفعل ذلك فقد تقع فتنة وفساد ، وقد يرتد عليه ضرر القتال ، أو على المسلمين ، أكثر مما ينكى في عدوه ، ومعلوم أن كثيرا من خيار المجاهدين في تاريخ الإسلام ، خسروا في معارك كثيرة ، وأصاب المسلمين من ذلك شر ، بسبب سوء تقديرهم للمواقف ، أو استعجالهم الورود بالجند في مواضع لا تصلح ، أو إلى عدو لاطاقة لهم به ونحو ذلك والله أعلم .

وهذه هي الفتوى الثانية :

الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
وبعد :

قال الإمام ابن قدامة في المغني : ( إذا ثبت هذا فإنه لاتجوز المهادنة مطلقا من غير تقدير مدة ، لانه يفضي إلى ترك الجهاد بالكلية ) [8/469] .

وقال : ( لانه قد يكون بالمسلمين ضعف فيهادنهم حتى يقوى المسلمون ، ولا يجوز ذلك إلا للنظر للمسلمين ، إما أن يكون بهم ضعف عن قتالهم ، وإما أن يطمع في إسلامهم بهدنتهم ، أو في أدائهم الجزية والتزامهم أحكام الملة أو غير ذلك من المصالح ) [المصدر نفسه] .

وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز مهادنة الكفار أبدا ، أي وضع القتال معهم أبدا ، لان ذلك يقتضي تعطيل الجهاد ، وهو ذروة سنام الإسلام ، وفي تعطيله إعانة على هدم الدين ، وإذلال المسلمين .

كما اتفقوا على أن العهد المعتبر شرعا هو الذي يكون مبنيا على النظر للمسلمين ، أما إن كان مبنيا على النظر للكافرين ، أو تحقيق أطماعهم وأهدافهم ، فلا يصح ولا يعتبر ، وهو باطل شرعا ، إذ كيف تكون أحكام الشريعة منوطة بتحقيق أهداف الكفار في بلاد المسلمين ، وهي في الحقيقة أهداف الطاغوت الذي أمرنا بالكفر به ومجاهدته ، سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم .

وينبغي أن يعلم أن العهد مع الكفار إنما يعتبر شرعا إن وافق أحكام الشريعة وانطلق منها ، ولم يتضمن شروطا تبطل العقد ، وقد قسم العلماء شروط عقد الهدنة إلى قسمين : صحيح مثل أن يشترط عليهم مالا ، أو معونة المسلمين عند الحاجة إليهم ، والثاني شرط فاسد قال ابن قدامة : (مثل أن يشترط رد سلاحهم أو إعطائهم شيئا من سلاحنا ، أو من آلات الحرب ، أو يشترط لهم مالا في موضع لا يجوز بذله ) .

وبهذا يعلم أن العهد إن كان مبنيا على غير أحكام الشريعة ، أولم ينظر فيه إلى مصالح المسلمين ، بل وضعه الكفار بحيث يحقق أطماعهم ، وتضمن اشتراط الكفار إعانة المسلمين لهم على قتال مسلمين ، أو تمكينهم في أرض المسلمين ، أو حماية أعداء الإسلام من بأس المسلمين ، أو تعطيل الجهاد ، أو ملاحقة وقتل المجاهدين ، أو إقرار الولاء للكافرين ، أو السماح للكافرين أن يفعلوا ما شاءوا في بلاد المسلمين ، ظاهرين بأمرهم ، ينتهكون ما حرم الله ، ويجاهرون بالكفر والمنكرات، أنه لايفتي باعتبار هذا العهد ـ حتى لو كان الذي عقده مع الكفار عقده على أساس الشريعة فكيف لو لم يكن مقرا بوجوب التحاكم إليها في كل شيء أصلا ـ ألا من هو جاهل بشريعة الله القائل { وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله ... الآية } ، والقائل سبحانه { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } .
الانصار غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .