كريم يجمع بين زوجين
كريم يجمَع بين زوجين
قال إبراهيم بن ميمون: حججتُ في أيام الرشيد، فبينا أنا بمكة أجول في سككها إذا أنا بامرأةٍ ساهية، فأنكرتُ حالها، ووقفت أنظر إليها، فمكثتُ كذلك ساعةً ثم قالت:
أعمرو عـــــــــــــــــلامَ تجنبتني ....... أخذتَ فؤادي فعذبتني!
فلو كنتَ يا عمرو خيرتني....... أخذت حذاري فما نلتني
فدنوت منها، فقلت: يا هذه، مَن عمرو؟ فارتاعت من قولي، وقالت: زوجي. فقلت: وما شأنه؟ قالت: أخبرني أنه يهواني وما زال يدس إلي، ويعلق بي في كل طريق، ويشكو شدة وجده حتى تزوجني، فلبث معي قليلاً، وكان له عندي من الحب مثل الذي كان لي عنده، ثم مضى الى جدّة، وتركني. قلت: صفيه لي، فقالت: أحسنُ من تراه، وهو أسمر حلو ظريف.
قلت: فخبّريني، أتحبين أن أجمع بينكما؟ قالت: فكيف لي بذلك؟ وظَنَنتني أهزل بها.
فركبت راحلتي، وصرتُ الى جدّة، فوقفت في المرفأ أتبصرُ من يعمل في السفن، وأصوّت يا عمرو! يا عمرو! فإذا به خارجٌ من سفينة وعلى عنقه سلّة، فعرفته بالصفة.
فقلت: (أعمرو، علام تجنبتني!) فقال: هيه! هيه! رأيتها، وسمعته منها! ثم أطرق هنيهة، واندفع يُغنّيه، فقلت: ألا ترجع! فقال: بأبي أنت! ومَن لي بذلك؟ ذلك والله أحب الأشياء إليّ، ولكن منع منه طلب المعاش. قلت: كم يكفيك كلّ سنة؟ قال: ثلاثمائة درهم، فأعطيته ثلاثة آلاف درهم، وقلت: هذه لعشر سنين، ورددته إليها، وقلت له: إذا فنيت أو قاربت الفناء قدِمت عليّ وأعطيتك، وإلا وجهت إليك.
وكان ذلك أحبُّ إليّ من حَجّي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
• من مصارع العشاق صفحة 159
__________________
ابن حوران
|