نقد كتاب استحالة النجاسات
نقد كتاب استحالة النجاسات وعلاقة أحكامها باستعمال المحرم والنجس في الغذاء والدواء
المؤلف هو محمد الهواري وقبل الدخول فى الحديث عما جاء بالكتاب نوضح التالى :
مصطلح النجاسات هو مصطلح بشرى والفقهاء يطلقونه على مجموعة من الأشياء كفضلات الإنسان من بول وبراز ومنى ودم الحيض والنفاس وبعض الأطعمة والمشروبات كالخمر والدم ومن ثم لم نجد فى الكتاب استشهاد واحد بكتاب الله ولا بروايات الحديث
النجس فى كتاب الله شىء واحد وهو المشركون أى الكفار وفى هذا قال تعالى :
"إنما المشركون نجس "
فى أول الكتاب تحدث الهوارى عن تعريف الاستحالة لغة واصطلاحا كما فى كل الأبحاث التى تدور حول شىء فى الإسلام وهو أمر غريب فاللغة لا تعرفنا معنى كلام الله لأن المعانى الموجودة فيها قد تكون مخالفة تماما لما فى كتاب الله وقال الهوارى فى تعريفه:
"1 - الإستحالة في اللغة والاصطلاح:
جاء في معنى حال: " كل شئ تغير عن الإستواء إلى العوج فقد حال في معنى واستحال وهو المستحيل" وأحال الشئ: تحول من حال إلى حال.
ومعنى الإستحالة في الاصطلاح:" انقلاب حقيقة إلى حقيقة أخرى "
وفي المصطلح العلمي الشائع: ينظر إلى كل تفاعل كيميائي يحول المادة إلى مركب آخر، على أنه ضرب من استحالة العين إلى عين أخرى، كتحويل الزيوت والشحوم على اختلاف مصادرها إلى صابون"
الاستحالة إذا هى تغير طبيعة الشىء لطبيعة أخرى فالبراز مثلا يتحول إلى تراب نتيجة تجفيف أشعة الشمس والرياح له وتحدث الهوارى مبينا أقوال القوم فى تغير النجاسات فقال:
"2 - حكم استحالة النجس إلى حقيقة أخرى:
اختلف أهل العلم في استحالة النجاسة إلى حقيقة أخرى بالحرق أو بغيره؛ هل تكسب الطهارة أم لا؟ قولان:
القول الأول: الاستحالة تكسب الطهارة.
ذهب بعض العلماء 'لى القول بالطهارة وممن قال بذلك أبو حنيفة ومحمد وأكثر الحنفية والمالكية ولم يفرقوا ما بين ما هو نجس لعينه وما هو نجس لمعنى.
أما الشافعية فوافقوا هذا الرأي في النجس لمعنى كجلد الميتة.
ومن الحنابلة من يقول بالطهارة وهو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وهو كذلك ما ذهب إليه أهل الظاهرية.
أدلة هذا الرأي:
أ) جاء في البحر الرائق: من الأمور التي يكون بها التطهير انقلاب العين- ومضى إلى أن قال -: وإن كان في غيره -أي الخمر- كالخنزير والميتة تقع في المملحة فتصير ملحا يؤكل، والسرجين والعذرة تحترق فتصير رمادا تطهر عند محمد .
وقال أيضا: وضم إلى محمد ابا حنيفة في المحيط وكثيرا من المشائخ اختاروا قول محمد، لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة، وتنتفي تلك الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها فكيف بالكل فإن الملح غير العظم واللحم، فإذا صار ملحا ترتب حكم الملح، ونظيره في الشرع النطفة نجسة وتصير علقة وهي نجسة، وتصير مضغة فتطهر وفي الخلاصة وعليه الفتوى، وفي الفتح القدير أنه المختار .
وفي شرح فتح القدير: العصير طاهر فيصير خمرا فينجس، ويصير خلا فيطهر، فعرفنا أن استحالة العين تستبع زوال الوصف المرتب عليها. وعلى قول محمد فرعوا الحكم بطهارة صابون صنع من زيت نجس .
وذهب الأحناف إلى الاتفاق فيما بينهم على طهارة انقلاب الخمر إلى خل
وجاء في الفتاوى الهندية .
- السرقين: إذا أحرق حتى صار رمادا فعند محمد يحكم بطهارته وعليه الفتوى هكذا في الخلاصة وكذا العذرة هكذا في البحر الرائق.
- إذا أحرق رأس الشاة ملطخا بالدم، وزال عنه الدم، يحكم بطهارته.
- الطين النجس إذا جعل منه الكوز أو القدر فطبخ فيكون طاهرا، هكذا في المحيط.
- وكذلك اللبن، إذا لبن بالماء النجس واحرق، كذا في فتاوى الغرائب.
- إذا سعرت المرأة التنور ثم مسحته بخرقة مبتلة نجسة، ثم خبزت فيه فإن كانت حرارة التنور أكلت بلة الماء قبل إلصاق الخبز بالتنور لا يتنجس الخبز كذا في المحيط.
- تخلل الخمر في خابية جديدة طهرت بالاتفاق، كذا في القنية.
- الخبز الذي عجن بالخمر لا يطهر بالغسل، ولو صب فيه الخل وذهب أثرها يطهر، كذا في الظهيرية.
- الرغيف إذا ألقي في الخمر ثم صار خلا فالصحيح أنه طاهر إذا لم تبق رائحة الخمر وكذا البصل إذا ألقي في الخمر ثم تخلل لأن ما فيه من أجزاء الخمر صار خلا، هكذا في فتاوى قاضيخان.
- الخمر إذا وقعت في الماء أو الماء في الخمر ثم صارت خلا طهر كذا في الخلاصة.
- وإذا صب الخمر في المرقة، ثم الخل، إن صارت المرقة كالخل في الحموضة طهرت هكذا في الظهيرية.
- الحمار أو الخنزير إذا وقع في المملحة فصار ملحا أو بئر البلوعة إذا صار طينا يطهر عندهما، خلافا لأبي يوسف رحمة الله، كذا في المحيط السرى.
- دن العصير إذا غلى واشتد وقذف بالزبد وسكن عن الغليان وانتقص ثم صار خلا، إن ترك الخل فيه حتى طال مكثه وارتفع بخار الخل إلى رأس الدن يصير طاهرا، وكذا الثوب الذي أصابه الخمر إذا غسل بالخل، كذا في فتاوى قاضيخان.
- جعل الدهن النجس في الصابون يفتى بطهارته لأنه تغير، كذا في الزاهدي
ب) وذهب المالكية إلى أن ما استحال إلى صلاح فهو طاهر وأن استحال إلى فساد فهو نجس جاء في الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه: من الطاهر لبن الأدمي ولو كافرا لاستحالته إلى الصلاح ثم جاء في موضع اخر: إذا تغير القئ وهو الخارج من الطعام بعد استقراره في المعدة كان نجسا وعلة نجاسته الاستحالة إلى فساد، فإن لم يتغير كان طاهرا وعليه فإن انقلاب العين النجسة إلى عين أخرى كأن احترقت فصارت رمادا أو دخانا فهي طاهرة، قياسا على طهارة الخمر بتخللها، وسواء في ذلك انقلبت بنفسها أو بفعل فاعل، وعلى هذا فأي نجاسة عينية إذا تحولت إلى عين أخرى بخصائص تركيبية مخالفة فإنها تعتبر طاهرة، كانتقال عظام الميتة بعد حرقها إلى أعيان جديدة من دخان ورماد.
ج) وذهب الظاهرية إلى أنه إذا استحالت صفات عين النجس أو الحرام فبطل عنه الاسم الذي به ذلك الحكم فيه وانتقل إلى اسم آخر وارد على حلال طاهر فليس هو ذلك النجس ولا حرام، بل قد صار شيئا آخر ذا حكم آخر وكذلك الحال في استحالة صفات العين الحلال إلى نجس أو حرام.
فالخمر إلى خل والماء إلى بول، والعذرة توهن بها الارض فتعود ثمارا وكوقوع نقطة خمر في ماء أو نقطة ماء في خمر، فلا يظهر لشئ من ذلك أثر، وهكذا كل شئ والأحكام للأسماء والاسماء تابعة للصفات وإذا أحرقت العذرة او الميتة أو تغيرت فصار رمادا أو ترابا فكل ذلك طاهر، ويتيمم بذلك التراب، برهان ذلك أن الاحكام إنما هي على ما حكم الله بها فيها مما يقع عليه ذلك الاسم الذي به خاطبنا الله تعالى فيه والعذرة غير التراب وغير الرماد، وكذلك الخمرة غير الخل والانسان غير الدم الذي خلق منه والميتة غير التراب .
د) وجاء في المغني لابن قدامة: ظاهر المذهب أنه لا يطهر من النجاسات بالاستحالة إلا الخمر إذا انقلبت بنفسها خلا وما عداها لا يطهر كالنجاسات إذا احرقت وصارت رمادا، والخنزير إذا وقع في الملاحة وصار ملحا والدخان المرتقي من وقود النجاسة، والبخار المتصاعد من الماء النجس إذا اجتمعت منه نداوة على جسم صقيل ثم قطر فهو نجس.
ثم قال: ويتخرج أن تطهر النجاسات كلها بالاستحالة قياسا على الخمرة إذا انقلبت وجلود الميتة إذا دبغت والجلالة إذا حبست .
هـ) وافق ابن تيمية ما ذهب إليه كل من المالكية والاحناف فقال: وهذا هو الصواب المقطوع به فإن هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم، لا لفظا ولا معنى فليست محرمة ولا في معنى التحريم فلا وجه لتحريمها بل تتناولها نصوص الحل فإنها من الطيبات وأيضا في معنى ما اتفق على حله فالنص والقياس يقتضي تحليلها وعلى هذا استحالة الدم أو الميتة أو لحم الخنزير، وكل عين نجسة استحالت إلى عين ثانية.
ورد ابن تيمية على من فرق بين الخمر وغيرها من النجاسات فقال هذا الفرق ضعيف فإن جميع النجاسات نجسة بالاستحالة فإن الدم مستحيل عن أعيان طاهرة وكذلك العذرة والبول والحيوان النجس مستحيل عن مادة طاهرة مخلوقة، وأيضا فإن الله تعالى حرم الخبائث لما قام بها من وصف الخبث كما أنه أباح الطيبات لما قام من وصف الطيب وهذه الأعيان المتنازع فيها ليس فيها شئ من وصف الخبث وإنما فيها وصف الطيبات.
ويذكر ابن تيمية ما مفاده: أن الخمر إذا انقلبت بنفسها حلت باتفاق المسلمين فغيرها من النجاسات أولى أن تطهر بالانقلاب واذا قدر أن قطرة خمر وقعت في خل مسلم بغير اختيار منه فاستحالت كانت أولى بالطهارة وقال: تدل على أن الدباغ كالذكاة .
إن جميع النجاسات نجست بالاستحالة فإن الانسان يأكل الطعام ويشرب الشراب، وهي طاهرة ثم تستحيل دما وبولا وغائطا فتنجس وكذلك الحيوان يكون طاهرا فإذا مات احتبست فيه الفضلات وصار حاله بعد الموت خلاف حاله في الحياة فتنجس ولهذا يطهر الجلد بعد الدباغ عند الجمهور وقيل إن الدباغ كالحياة أو انه كالذكاة فإن في ذلك قولين مشهورين للعلماء والسنة وإذا وقعت النجاسة كالدم أو الميتة أو لحم الخنزير في الماء أو غيره واستهلكت ولم يبقى هناك دم ولا لحم خنزير أصلا كما أن الخمر إذا استحالت بنفسها وصارت خلا كانت طاهرة باتفاق العلماء، وهذا عند من يقول إن النجاسة إذا استحالت طهرت، أقوى كما هو مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد فإن انقلاب النجاسة ملحا أو ترابا أو ماء أو هواء ونحو ذلك، والله تعالى قد أباح لنا الطيبات.
و) وحكم الاستحالة عند ابن القيم مبني على مبدأ التغير، تغير الوصف الملازم للشئ إذ يقول:"وعلى هذا الأصل فطهارة الخمر بالاستحالة على وفق القياس فإنها نجسة لوصف الخبث فإن زال الموجب زال الموجب وهذا أصل الشريعة في مصادرها ومواردها بل وأصل الثواب والعقاب وعلى هذا فالقياس صحيح تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت."
ثم قال:"وقد أخبر الله سبحانه عن اللبن أنه يخرج من بين فرث ودم وقد اجمع المسلمون على أن الدابة إذا علفت بالنجاسة ثم حبست وعلفت بالطاهرات حل لبنها ولحمها وكذلك الزرع والثمار إذا سقيت بالماء النجس ثم سقيت بالطاهر حلت لاستحالة وصف الخبث وتبدله بالطيب.
|