نقد تنبيه الأنام على مسألة القيام
نقد تنبيه الأنام على مسألة القيام
صاحب البحث محمد ناصر الدين الألبانى وهو يدور حول موضوع واحد وهو :
أن من أحب أن يقف الناس عند حضوره أو عند جلوسه فى جهنم والمعنى مما لا شك فيه هو معنى صحيح لأن محب ذلك هو متكبر لا يريد رحمة من حوله باجلاسهم وإنما يريد إذلالهم بوقوفهم فى المكان المتواجد فيه
والألبانى اعتمد فى كتابه حديث واحد حاول فيه إثبات صحة الحديث فقال :
"قال رسول الله (ص): «من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار» .
أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (977) ، وأبو داود (5229) ، والترمذي (2/125) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (2/40) واللفظ له، وأحمد (4/93 100) والدولابي في «الكنى» (1/95) والمخلص في «الفوائد المنتقاة» (ق 196/2) وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (ق 51/2) والبغوي في «حديث علي بن الجعد» (7/69/2) وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (1/219) "
وبعد أن ذكر بعض الكتب التى خرجت الحديث تحدث عن طرق الحديث فقال :"من طرق عن حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز قال: دخل معاوية بيتا فيه عبدالله بن الزبير وعبدالله بن عامر فقام ابن عامر وثبت ابن الزبير وكان أدر بهما فقال معاوية: اجلس يا ابن عامر فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: (فذكره) . وقال الترمذي: «حديث حسن» .
قلت: بل هو حديث صحيح؛ رجال إسناده ثقات رجال الشيخين وأبو مجلز اسمه لاحق بن حميد وهو ثقة وحبيب بن الشهيد ثقة ثبت كما في «التقريب» فلا وجه للاقتصار على تحسينه وإن سكت عليه الحافظ في «الفتح» (11/42) لاسيما وله طريق أخرى فقال المخلص في «الفوائد» : حدثنا عبدالله نا داود: نا مروان نا مغيرة بن مسلم السراج عن عبدالله بن بريدة قال: «خرج معاوية فرآهم قياما لخروجه فقال لهم: اجلسوا فإن رسول الله (ص) قال: من سره أن يقوم له بنو آدم وجبت له النار» .
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير شيخ المخلص عبدالله وهو الحافظ أبو القاسم البغوي ومغيرة بن مسلم السراج وهما ثقتان بلا خلاف وداود هو ابن رشيد ومروان هو ابن معاوية الفزاري الكوفي الحافظ.
وقد تابعه شبابة بن سوار حدثني المغيرة بن مسلم به إلا أنه قال: «من أحب أن يستجم (2) له الرجال...» والباقي مثله.
أخرجه الطحاوي (2/38-39) والخطيب في «تاريخ بغداد» (13/193) ."
والرواية الأولى التى اعتمدها الألبانى وجعلها صحيحة لا يمكن أن تكون صحيحة المعنى فلا أحد يدخل نفسه النار بنفسه فى القيامة كما فى القول" فليتبوأ مقعده من النار"
يناقض الحديث أن الملائكة تسوق الكفار إلى جهنم والمقصود تدفعهم دفها لدخولهم كما قال تعالى :
" وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا"
وقال تعالى :
" ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا "
وأما رواية "من سره أن يقوم له بنو آدم وجبت له النار"فمعناها صحيح
لم يكتف الألبانى بذكر الروايات وإنما ذكر حكايات تاريخية كاذبة ألفها من ألفها كحكايات المأمون والمتوكل وعمر بن عبد العزيز التالية:
"وللحديث عنده (11/361) شاهد مرسل في قصة طريفة.
أخرجه من طريق عبدالرزاق بن سليمان بن علي بن الجعد قال: سمعت أبي يقول: «لما أحضر المأمون أصحاب الجوهر فناظرهم على متاع كان معهم ثم نهض المأمون لبعض حاجته ثم خرج فقام كل من كان في المجلس إلا ابن الجعد فإنه لم يقم قال: فنظر إليه المأمون كهيئة المغضب ثم استخلاه فقال له: يا شيخ ما منعك أن تقوم لي كما قام أصحابك؟ قال: أجللت أمير المؤمنين للحديث الذي نأثره عن النبي (ص) قال: وما هو؟ قال علي بن الجعد: سمعت المبارك بن فضالة يقول: سمعت الحسن يقول قال النبي (ص): (فذكره باللفظ الأول) قال: فأطرق المأمون متفكرا في الحديث ثم رفع رأسه فقال: لا يشترى إلا من هذا الشيخ قال: فاشترى منه في ذلك اليوم بقيمة ثلاثين ألف دينار» .
قلت: فصدق في علي بن الجعد (وهو ثقة ثبت) قول الله عز وجل: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) .
ونحو هذه القصة ما أخرج الدينوري في «المنتقى من المجالسة» (ق 8/1-نسخة حلب) : حدثنا أحمد بن علي البصري قال: «وجه المتوكل إلى أحمد بن المعذل وغيره من العلماء فجمعهم في داره ثم خرج عليهم فقام الناس كلهم إلا أحمد بن المعذل فقال المتوكل لعبيد الله: إن هذا الرجل لا يرى بيعتنا فقال له: بلى يا أمير المؤمنين ولكن في بصره سوء فقال أحمد بن المعذل: يا أمير المؤمنين ما في بصري من سوء ولكنني نزهتك من عذاب الله تعالى قال النبي (ص): «من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار» فجاء المتوكل فجلس إلى جنبه» .
وروى ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (19/170/2) بسنده عن الأوزاعي حدثني بعض حرس عمر بن عبدالعزيز قال: «خرج علينا عمر بن عبدالعزيز ونحن ننتظره يوم الجمعة فلما رأيناه قمنا فقال: إذا رأيتموني فلا تقوموا ولكن توسعوا» "
وحدثنا الألبانى عما يفهم من الحديث فقال :
"فقه الحديث:
دلنا هذا الحديث على أمرين:
الأول: تحريم حب الداخل على الناس القيام منهم له وهو صريح الدلالة بحيث أنه لا يحتاج إلى بيان.
الآخر: كراهة القيام من الجالسين للداخل ولو كان لا يحب القيام وذلك من باب التعاون على الخير وعدم فتح باب الشر وهذا معنى دقيق دلنا عليه راوي الحديث معاوية رضي الله عنه وذلك بإنكاره على عبدالله بن عامر قيامه له واحتج عليه بالحديث وذلك من فقهه في الدين وعلمه بقواعد الشريعة التي منها (سد الذرائع) ومعرفته بطبائع البشر وتأثرهم بأسباب الخير والشر فإنك إذا تصورت مجتمعا صالحا كمجتمع السلف الأول لم يعتادوا القيام بعضهم لبعض فمن النادر أن تجد فيهم من يحب هذا القيام الذي يرديه في النار وذلك لعدم وجود ما يذكره به وهو القيام نفسه وعلى العكس من ذلك إذا نظرت إلى مجتمع كمجتمعنا اليوم قد اعتادوا القيام المذكور فإن هذه العادة لاسيما مع الاستمرار عليها فإنها تذكره به ثم إن النفس تتوق إليه وتشتهيه حتى تحبه فإذا أحبه هلك فكان من باب التعاون على البر والتقوى أن يترك هذا القيام حتى لمن نظنه أنه لا يحبه خشية أن يجره قيامنا له إلى أن يحبه فنكون قد ساعدناه على إهلاك نفسه وذا لا يجوز.
ومن الأدلة الشاهدة على ذلك أنك ترى بعض أهل العلم الذين يظن فيهم حسن الخلق تتغير نفوسهم إذا ما وقع نظرهم على فرد لم يقم له هذا إذا لم يغضبوا عليه ولم ينسبوه إلى قلة الأدب ويبشروه بالحرمان من بركة العلم بسبب عدم احترامه لأهله بزعمهم. بل إن فيهم من يدعوهم إلى القيام ويخدعهم بمثل قوله: (أنتم لا تقومون لي كجسم من عظم ولحم وإنما تقومون للعلم الذي في صدري) !! كأن النبي (ص) عنده لم يكن لديه علم!! لأن الصحابة كانوا لا يقومون له أو أن الصحابة كانوا لا يعظمونه عليه السلام التعظيم اللائق به! فهل يقول بهذا أو ذاك مسلم؟!
ومن أجل هذا الحديث وغيره ذهب جماعة من أهل العلم إلى المنع من القيام للغير كما في «الفتح» (11/41) ثم قال: «ومحصل المنقول عن مالك إنكار القيام ما دام الذي يقام لأجله لم يجلس ولو كان في شغل نفسه فإنه سئل عن المرأة تبالغ في إكرام زوجها فتتلقاه وتنزع ثيابه وتقف حتى يجلس؟ فقال: أما التلقي فلا بأس به وأما القيام حتى يجلس فلا فإن هذا فعل الجبابرة وقد أنكره عمر بن عبدالعزيز» .
|