المشهد البحريني: ما جرى من مماحكات هو تكريس لمنطق الانشطار

[البدوي الشارد]

المشهد البحريني: ما جرى من مماحكات هو تكريس لمنطق الانشطار
عدنان الموسوي

17/06/2009

مرة أخرى تختلط الأوراق في ثنايا المشهد البحريني ويتدهور الخطاب السياسي من أعلى قمة الجبل إلى سطح السفح .... فبعد أن كان المناخ السياسي تخيم عليه أجواء التبريد والارتياح السياسي والأمني والتسليم بلغة الحوار انقلبت الأمور رأساً على عقب فالدعوة إلى الحوار التي شاعت أجواءها من قمة الهرم السياسي إلى قاعدة في مستهل نشرات الأخبار التلفزيونية والإذاعية التي كنا نسمعها ونشاهدها على دورات صارت وراء ظهر الجميع والزجل الصحافي والإعلامي الذي كنا نقرأه على صدر الصفحات الأولى وفي مساحات الأعمدة الصحافية لما تعرف بالصحف المستقلة وشبه الرسمية والرسمية انتهت حفلته وتوقف بصورة تكاد تكون إجبارية فلم نعد نقرأ ونسمع عن الحوار العتيد ما كان يعلن ويناقش في وسائل الأعلام قبل عدة أسابيع. وانسجاماً مع حرارة الصيف التي ارتفعت مبكراً هذا العام منذ شهر ايار (مايو) الماضي فقد ارتفعت حدة التصريحات المناكفة ليس بين من هو مكلف بإدارة ملف الحوار الوطني 'يرحمه الله' وبين المعارضة ولكن حتى بين أبناء الموقف الواحد الذين لم يختلفوا في السياسية بقدر ما اختلفوا على الأولويات وارتضوا إن يحل محل الحوار حول موافقة نواب الوفاق على حق النواب في الراتب التقاعدي التراشق الإعلامي من المنابر الصحافية بدلاً من مناقشة بروية في الكواليس السياسية والذي اعتمدت فيه وللأسف لغة تفتقد إلى احترام الآخر وحق الاختلاف على القضايا الجزئية والكلية حتى ولو حاول البعض التقليل منها واعتبارها 'خلافات جزئية لا تفسد للود قضية' لأن الخلاف بين جمعيتي الوفاق وأمل قد تعدى كل حدود الخلاف السياسي وضرب في العظم وحينما تصل الأمور إلى مستوى تكسير العظام السياسية والثقافية لا يمكن القبول بالتبرير على أنها خلافات الجزئية وتصغيرها إلى درجة التسطيح بينما الكل يجمع على أن الحروب السياسية والعسكرية تنشب من أصغر الشرر. وقد يقول قائل: أن مثل هذا الخلاف بين المعارضة ليس جديداً وأن البحرين يمكن أن تستهلك هذا الحدث كما استهلكت أحداثا جساما على مدى تاريخها السياسي والاجتماعي ولهذا النفر نقول إن البحرين ربما تستهلك هذه الأحداث وهذه سنة الحياة والشعوب الحية لكن علينا قبل أن نروج لمثل ذلك أن نقف أمام حقيقة لا خلاف عليها وهي: أن المعارضة أو 'الأخوان المختلف معهم على القضايا السياسية' بحاجة الآن .... الآن وليس غداً أن تتحدث بصوت واحد وان عليها إن تعلن دون مواربة أنها إذا أحبت تحب بعنف وإذا خاصمت تخاصم بعنف ولا وسطية لديها في الخصومة والحب.... فالحصان الأصيل يعرف في آخر السباق وان خلاف الأجنحة في المعارضة ليس خلاف جزئي وإنما مفصلي وهو ليس وليد اللحظة وإنما هو في الرأي العام تراكمي وان ما ظهر منه هو إفراز ما فاض من الكأس... وهنا لا بد من القول أن الرغبة الملكية التي نقلها وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن حمد آل خليفة أثناء لقائه فضيلة الشيخ علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق بضرورة أن يتم التوافق بين جمعية الوفاق وجمعية العمل الإسلامي 'أمل' لما يخدم رغبة البحرين وأهلها فيه الكثير مما يجب أن يفهم وأن يقال ولعل من أهمه أن ما يحدث وما يراد له أن يحدث من حوار سياسي وأمني يجب أن يكون على شكل 'سلة متكاملة' وليس حسب التسويق الإعلامي أو البحث الانتقائي لهذا الموضوع الأمني أو ذاك الشكل السياسي ولقد تجسد مثل هذا المعنى تحديداً في الفترة التي جاءت في سياق الخبر المنشور في الصحافة المحلية يوم الجمعة 12 حزيران/يونيو الجاري والتي جاء في نصها 'كما أكد الوزير طبعاً وزير الديوان الملكي 'أن الشيخ علي سلمان وجميع أعضاء السلطة التشريعية ملتزمون بقوانين البحرين ومتمسكون بها في كل الأحوال وهم العين الراعية لتطبيقها' وهو ما دفع الوفاق إلى إصدار بيان عاجل أهم ما جاء فيه 'أن الاختلاف في جزئية لا يفسد للود قضية' في إشارة إلى الأزمة المتمادية بين الحلفاء 'أمل / الوفاق'.
أن الرد بشأن قضية موقوفي قريتي كرزكان والمعامير كما ورد في الخبر الرسمي فيه الكثير من القسوة السياسية بشأن المتوازنات الحقيقية في المملكة ويحمل في طياته أبعادا تحمل عناوين عريضة وهي: أن الحوار الذي دعا إليه عاهل المملكة لكي يتم تحت قبة البرلمان هو المبتدأ والمنتهى لمناقشة أي قضية أمنية وسياسية وان موافقة المعارضة على الحوار وعدم موافقتها على مكان الحوار ليس مقبولاً وأنكم أيها الوفاق إذا أردتم الحوار فعليكم أولاً الاتفاق والانسجام مع أنفسكم وحلفائكم وانه من غير المقبول أن نتحدث معكم وانتم كمعارضة لا تتحدثون بصوت واحد معنا ... و ... و ... وهذه العناوين كلها مقروءة لديكم وانه قبل التلطي وراء المطالبات الإنسانية والحقوقية عليكم أجتراح كيفية التعامل مع القضايا وليس إثارتها فقط وموقفنا هذا غير جديد !!
وبعيداً عن هذا وذاك فأن ما جرى ويجرى من مماحكات في هذا الموضع وذاك هو تكريس لمنطق الانشطار وليس لمنطق جعل المشروع الإصلاحي عابراً للمراحل ولا يمكن أن يكون أي مشروع عابراً للمراحل إلا بأبعاد مراكز القوى التي تطبق على عنق الإصلاح السياسي بطبائع الاستبداد في البحرين منذ أمد مديد وهذا ما يؤكده العلماء الغربيون المتخصصون في علوم إعادة هيكلة النظم حيث يرون أن ما نسبته 82' من المحاولات الإصلاحية تكون عرضة للفشل لا بسبب رداءة الفكر ولا قصور الأدوات بل بسبب مقاومة الإصلاح 'التغيير' والميل إلى السكون وهو ما يصطلح عليه The resistance to change ولذلك ومن أجل ماضي وحاضر ومستقبل البحرين أنساناً ووطناً لابد من استثمار اللحظة السياسية من قبل الطبقة السياسية لقطع الأيدي التي تريد أبقاء البحرين على هذا الوضع لكي تجعل منا أشبه بالذئاب الجائعة التي تريد أن تنهش بعضها بعضاً بشكل غرائزي.
كاتب صحافي بحريني