ثمن الفضفضة
ثمن الفضفضة
يسأله: ما بك يا أخي؟ فيجيبه: لا شيء. يلح بالسؤال عليه: كيف تقول لي لا شيء، ووجهك يشير أنك ممتلئ بالهموم، وممتلئ هنا تعني التشبع بالهم كتشبع (الخرقة) بسوائل التنظيف، أو تشبع الحفر بالمياه غير الصالحة للشرب (!)، وقد يكون بتشبيهه هذا غير مبالغ، فالهموم هي تجميع لتوافه الدهر بالجسم، إن زادت عن حدها تصبح مبعثا للتسمم!
كانت دعوة صاحبه له أن ينضح تلك الهموم ويرميها بعيدا، كي يتخلص من ضيقه ونكده. لكن كيف؟. طلب منه أن يفضفض ما بداخله، عسى ولعل أن يساعده في حل مشكلته أو مشاكله، أو على الأقل يتخلص من تلك السموم التي في داخله.
بدا له أنها دعوى غير مكلفة، فلماذا لا يبادر ويطبق نصيحة صاحبه، فهي إن لم تنفع لا تضر. تفحص ملفات الهموم في داخله، ليعد خطابا مؤثرا يبين فيه مدى الضيق الذي في داخله، وكأنه محام يعد مذكرة مرافعة، أو كاتب يتقدم لامتحان في جريدة مغمورة ليكتب في زاوية اجتماعية غير مهمة.
وما أن بدأ في الحديث، حتى فغر صاحبه فاه، وأخذ يهز برأسه، وكأنه يهز بجسم صاحبه حتى تخرج محتوياته من داخله كما تخرج محتويات (كيس) من السكر طالت الرطوبة ما بداخله.
اطمأن لاهتمام صاحبه بحديثه، فاسترسل، وصاحبه يرسم على وجهه علامات كانت تبدو أنها تتوافق مع كلام صاحبه.
لم يخطر بباله أن صاحبه، كان يحضر لفضفضة ما بداخله هو، فما أن يصمت مكلمه للحظة يستعيد فيها ذاكرته، أو يشعل فيها لفافة تبغ، حتى تأخذ نوبة الفضفضة كيان صاحبه، فيضطر لسماعه كثمن لتلك الفضفضة، ولكن استماعه له كاستماع صاحبه له، لا ليحل مشكلته، بل ليعد هو بدوره ما عنده من مادة للفضفضة.
كانا كالزجالين، أحدهما يرد على الآخر، لكن الزجالان يتفوقان على حالتهما بأنهما يتابعا ما يقول أحدهما بعناية ليربط زجله بزجل صاحبه. أما في حالتهما فليس هناك من متابعة معنية في حديث كل منهما.
الثمن الذي ممكن أن يدفعه من يفضفض في مثل تلك الحالات، هو أن يكون فهم صاحبه لحالته منقوصا أو مقلوبا، فيفشي صاحبه ما قال على ضوء ما فهم ويكون ثمن ذلك إما طلاق زوجة أو فض شراكة أو سجن لقدح مقامات.
__________________
ابن حوران
|