العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة في مقال ثلث البشر سيعيشون قريبا في عالم البعد الخامس (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد مقال بوابات الجحيم التي فتحت فوق سيبيريا عام 1908 لغز الانفجار الكبير (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الغرق فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال أمطار غريبة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 27-01-2009, 02:53 PM   #11
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(7)

لم يتذكر الشيخ مطيع بأنه ساهم خلال أكثر من سنة في أي حديث جاد، ولم يتذكر أنه تقدم بأي مقترح، ولكنه اكتفى بدور أنه سحب أوراق القرعة في الاجتماع الأول، وأصبح هذا الحدث أو الإنجاز لا يبعث له الشعور بالراحة، كان يحس ببعض الرضا عندما يبادر الجميع بتخصيص تحية رقيقة له كونه أكبر الأعضاء عمرا، ولكن هذا التخصيص أصبح موضع مضايقة نفسية له، فبعد أن يجيب عن الأسئلة المرافقة لتحيات الملاطفة عن أولاده وأحفاده وأولادهم، يتمتم ببعض كلمات الشكر المتزاحمة دون ترتيب، ثم يعدل من جلسته ويوازن موضع عقال رأسه، ويبلع ريقه، فهو لا يدخن، ولا يتحدث ويخجل أن يخرج (مسبحته) ليسبح بحمد الله في حضور الآخرين.

وإذا ما سأله رئيس المجلس عن رأيه، يوافق على رأي الذين سبقوه في إبداء رأي ما، وكان لا يعرف حتى إعادة تفاصيل ما تحدث به من سبقه، أو حتى أحيانا لا يستطيع التعبير عن الموضوع بإيجاز، فيقول: مثل ما تفضل (أبو فلان) ولم يخطر بباله أن أبا فلان لم يتحدث مطلقا، فعندما يصحح له أحدهم اسم ابن آخر من تحدث، يزداد حرجا وتحمر وجنتاه، ويتمنى ساعتها أنه لم يتقدم لمثل هذا المنصب الذي يسبب له الحرج.

(8)

استخرج رئيس اللجنة النقابية العمالية ورقة من جيبه، وطلب من رئيس المجلس أن يبدأ بطرح محتويات مقترحه والذي تم تثبيته بجدول الأعمال لتلك الجلسة، كان الموضوع يخص الاحتفال بعيد العمال العالمي والذي بقي عنه خمسة شهور، وتم تقديم المشروع ليكون هناك متسعا من الوقت للاستعداد اللائق لمثل ذلك الاحتفال.

كان المشتركون بالمشروع أربعة من أعضاء المجلس البلدي، فالغاية الأساسية منه هي نقل المعلومات التقنية الى المواطنين بصورة احتفالية، فاختاروا أول أيار/مايو ليكون موعدا لذلك.

تم الاتفاق على التحضير لتسمية العمال المبدعين من عمال البناء وعمال النظافة والنجارين المهرة والحدادين وتم تسمية أكثر من عشرين مسمى لهؤلاء المبدعين، مثل أفضل مربي للنحل، أفضل مزارع زيتون أوائل الطلبة، أفضل شاعر أفضل امرأة عاملة الخ.

كان على اللجنة أن تتصل بالبنوك والشركات التجارية للمساهمة في تخصيص جوائز قيمة للمكرمين، وكان على اللجنة أن تتصل بجامعتين حكوميتين وغرفة التجارة والنقابات المهنية للمشاركة في إنجاح هذا الاحتفال. وكان على اللجنة أن تتصل بفرق الفنون الشعبية لتأخذ وصلات بين الفقرات. وكان المكان الذي تم اقتراحه هو الملعب البلدي حيث يتسع لعشرات الآلاف من المواطنين.

كان رئيس المجلس البلدي يهز رأسه موافقا على ذلك، وكان الشيخ مطيع لا يخفي فرحه أن ينتسب لمثل ذلك الفريق.

استخرج المحامي ورقة من جيبه، وهي دراسة حالة المتسربين من المدارس، وكيفية التعاون مع مديرية التربية ومجالس الآباء والأمهات لمعالجة تلك الظاهرة الخطيرة.

اعتذر رئيس المجلس عن دراسة تلك الورقة ورحلها الى اجتماع قادم.

(9)

لاحظ بعض أعضاء المجلس البلدي أن هناك قطع (لوحات إعلانية) تخص شركة (كوكا كولا) وهي شركة مدرجة ضمن قوائم الشركات الواجب الالتزام بمقاطعتها من الجامعة العربية. قد انتصبت فوق بعض المحلات التجارية، فطلب من رئيس المجلس البلدي أن يضع تلك النقطة على جدول الأعمال.

عندما انعقدت الجلسة، بادر المحامي بالحديث عن وجود تلك اللوحات وخطوة ذلك، وكون المجلس البلدي يمثل القيادة الأدبية للمدينة، فلم تكلف جهة ما نفسها حتى بتبليغ المجلس البلدي بالسماح لتلك الشركة المشمولة بالمقاطعة العربية.

تجهم رئيس البلدية، وقال: ألا تعلمون من سمح لتلك الشركة بذلك؟ كان الجميع يعلم تفاصيل إعطاء بعض الرجال المهمين نسبة معينة، ولكن بعضهم أصر أنه لا يعرف ولا يريد أن يعرف، وطرح اقتراحا بإغلاق المحلات التجارية التي تتعامل مع تلك الشركة أو تضع لوحاتها الإعلانية.

تم طرح المشروع للتصويت، فلم يصوت لصالح إغلاق المحلات إلا اثنان، فسقط المشروع.

استطاع المحامي الالتفاف على القضية، بأن استخرج مادة تلزم الشركة المنتجة بدفع عشر دولارات عن كل متر مربع من اللوحات الإعلانية، وبعد موافقة المجلس على الاقتراح الجديد تم مخاطبة الشركة، فأرسلت (شيكا) بمبلغ 15 ألف دولار بدل لوحات الإعلانات للبلدية.

وبعدها بأسبوعين تم حل المجالس البلدية كافة دون حجة قوية

انتهى الجزء الثاني



__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-02-2009, 04:44 PM   #12
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

انتخابات نقابة مهنية

تختلف النقابات المهنية عن النقابات العمالية أو الحرفية، بأن النقابات المهنية تضم في صفوفها أصنافا من المهن الطبية (أطباء وأطباء أسنان) والهندسية والجيولوجية والممرضين والبياطرة والزراعيين والمحامين وأحيانا في بعض الدول العربية تشمل الصحافيين ومهن أخرى. في حين لا تشمل في مسماها عمال البناء والسكك وعمال الكهرباء والحلاقين وعمال المطاعم الخ.

النقابة بشكل عام مخترع لم يُستنبت في بيئتنا، بل نشأ مع بدايات النهضة الصناعية في أوروبا، وقد جاء لرفع جور أصحاب العمل عن العمال ولتكون النقابة ممثلا لجمهور العمال الذين يريدون رفع أجورهم أو يريدون تقليص ساعات العمل، أو أي مطلب آخر.

هناك من يقول أن النقابة مخترع عربي، ظهر في العصر العباسي، عندما كان لكل حرفة شيخ يرجع إليه المختلفون ليحكم بينهم، فهذا شيخ للوراقين، وهذا شيخ للتجار، يضع ما يشبه القوانين لإبطال صفقة بين اثنين، الخ. وهناك من يقول أن (القرامطة) هم من ابتكر فكرة تنظيم أصحاب المهنة، فقد ابتدءوا بساسة الخيول من (الزنج ) ليحرضونهم على الدولة العباسية!

على أي حال، لقد دخلت فكرة النقابات الحديثة على بلادنا، كما دخلت معها أشكال من المفاهيم المهجنة فهذه قومية وهذه اشتراكية وهذه حزبية، لقد دخلت الى منطقتنا دون ربط ماضيها بحاضرها ودون تهيئتها لتكون خادمة لتحقيق المستقبل الذي يحلم به أبناء الأمة، فكانت كاستيراد أبقار (الفريزيان والهولشتاين) تعطي حليبا في هولندا وألمانيا ثلاثة أضعاف ما تعطيه في بلادنا، علاوة على أنها حلت محل أصناف محلية عاشت مع شعوبنا منذ الأزل!

(1)

كان (قمر الدين) ابن الخمسين عاما، خريج الجامعات التركية، وصاحب شركة هندسية تهتم في تزويد المنشئات بنظم الري الحديثة، كان شخصا أنيقا يعرف كيف ينتقي ملابسه الفاخرة وعطوره الملائمة التي كأن من ابتكرها وضع أمامه ربطات عنق (قمر الدين) وأخذ يجرب أي العطور أكثر ملائمة لتلك الربطات.

استطاع قمر الدين أن يجمع أرقام هواتف مجموعة من المهندسين الذين يتوسم بهم أن يكونوا مؤثرين في مناطقهم، وكان عندما يرفع سماعة الهاتف ليتصل بأحدهم، يبادر بصوته الدافئ القريب من القلب ليشعر المستمع أن حدثا مهما سيظهر من تلك المكالمة، فبعد أن يشعره بافتقاده الطويل، ويسأل عن صحته وشأن معين تدرب على معرفة تفاصيله، يستنهض همته في موضوع الانتخابات المقبلة، ولا بد أن يذكر له مسألة يكره الذي على الطرف الآخر من أنها ستتحقق إذا لم يبادر للوثوب والاصطفاف من أجل منع تحقيقها.

بعد يومين من مكالمة قمر الدين بالأسماء التي أدرجها في قائمته، يقوم أصحاب تلك الأسماء بالاتصال ببعضهم البعض، فتكون حركتهم كحركة الدوامة في ماء نهر تلتف لتعود الى مركزها. والغريب أن أحدا من هؤلاء لم يستنكف عن الاستجابة لنداء (قمر الدين)، ليس لأنه قائد فذ، وليس لأنه ابن مبادئ وابن نضال، وليس لأنه ودودٌ مع رفاقه، فلم يكن لديه واحدة مما ذكر. بل لأن هؤلاء الأفراد لا يريدون تفويت فرصة يؤكدون فيها ذاتهم. فأحدهم يفرح عندما يُنسب عنه قول يعاتبه فيه آخر، ويفرح أكثر عندما (يقبل) أحد المرشحين رأسه طالبا منه المساعدة.

يتفق الجميع على حضور اجتماع موسع لأنصارهم في قاعة النقابة المركزية، ويحددون موعدا لذلك.

(2)

كان (عصام) ابن تنظيم إسلامي سياسي، وهو يقف على رأس جماعة تنافس الجماعة التي فيها (قمر الدين). كانت جماعته تتقن لعبة الصوت بطريقة أفضل من الطريقة التي تتبعها الجماعة الأخرى. فالجماعة الأخرى تعتمد أسلوب التحالف بين مكونات المعارضة الكلاسيكية، فهذا يمثل حزب كذا، وهذا يمثل حزب كذا، وهذا من الجبهة الفلانية، وهذا من المستقلين القوميين وذلك من اليساريين المنشقين وهكذا، في حين كان عصام وجماعته يطرحون أنفسهم كفصيل نقي خال من أي عنصر خارج عنه.

كان عصام شابا ذكيا ابن ثمانية وثلاثون عاما، له علاقات واسعة مع الكثير من المهندسين، وفوق ذلك، كان ابن تنظيم سياسي خبر لعبة الصوت بإتقان، كان يخابر بعض المهندسين الذين يتمتعون بسمعة جيدة وسلوك قويم، وقد تنقلوا في سنوات عملهم بأكثر من أربعة أو خمسة شركات كبرى، وكونهم كذلك فإنهم ولا بد قد تعرفوا أثناء خدمتهم على المئات من المهندسين، خصوصا عندما ينتقلون من مدينة لمدينة لعرض سلعهم وخدماتهم.

كانت تلك الجماعة، تبحث عن وجوه (نجيحة : أي قابلة للنجاح في الانتخابات)، وكانت صيغة المخاطبة لهؤلاء المهندسين، أن الجماعة قد وقع اختيارها عليك لأن تكون أحد أعضاء الكتلة الانتخابية للنقابة، كان من يُعرَض عليه هذا الأمر، يشعر بدفقة من الاعتزاز بالنفس، أن الجماعة الفلانية قد زكته على أنه رجل مستقيم ومحبوب، وهذه فرصة لأن يصبح أحد أعضاء مجلس النقابة وبالتالي فإن باب الأحلام سيفتح أمامه ليكون مستقبلا شخصية عامة يُنسب عنها أنها قالت كذا وقد يُنسب عنها أنها حاولت فعل كذا.

كانت الجماعة تكتفي بواحد أو اثنين من أعضاء المجلس من الملتزمين تنظيميا، وتختار بقية أعضاء المجلس من الوجوه القابلة للنجاح، وهي بفعلها هذا، تضمن كسب أصوات هؤلاء المرشحين غير المنظمين، وتهيئ هؤلاء المرشحين لينخرطوا تنظيميا في صفوفها المنضبطة.

كان كل مرشح من المستقلين الذين خاطبتهم جماعة عصام يعتقد أنه الوحيد الذي أضيف للكتلة من خارج التنظيم، فكان يحرص على موافقة رئيس الكتلة الذي ينقل توجهات تنظيمه. ولم يحدث أن اعترض أي من هؤلاء المستقلين على توجه الجماعة، لشعوره بأنه مدين لتلك الجماعة بمنحه (حظوة) أن يكون محسوبا عليها.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 02-03-2009, 11:19 PM   #13
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(3)

حرص (رشيد) أن يصل الى بيت (قمر الدين) قبل غيره من المدعوين الأربعين، كان رشيد قد تخرج من الجامعة التركية التي تخرج منها قمر الدين، وبنفس السنة، لكنه اختار العمل في القطاع الحكومي، عكس زميله وصاحبه (قمر الدين).

كان كلاهما قد انتسبا الى حزب قومي أثناء وجودهما بالجامعة، ولكنهما انقطعا عن التنظيم منذ عشرين عاما، أي فور تخرجهما، ولم يعرف أحد إن كان ابتعادهما عن التنظيم تم بإرادتهما أم بفعل خارجي. كانا يتمتعان بنفس الصفات تقريبا، وهي الحرص على إيهام الآخرين أنهما لا زالا بالتنظيم، أما عن علاقاتهما مع الدوائر الأمنية، فلم يكن عليها أي شائبة، لأنهما بكل بساطة يعلمان أن الدوائر الأمنية تعلم عن عدم ارتباطهما بأي تنظيم!

حاول رشيد في حضوره المبكر لبيت صاحبه قمر الدين، أن يقنعه بضرورة ترشيح وكيل وزارة ـ لا زال على رأس عمله ـ وهو من نفس صنفهما أي ممن كان له ماضٍ سياسي بعيد، وحجة رشيد بذلك، هي أن وكيل الوزارة أقدر على كسب الأصوات بفعل موقعه بالوزارة، وما لذلك دور في التفاف العاملين بالوزارة من المهندسين حوله، وبالتالي فنجاحه مضمون، وتبقى مكانة قمر الدين ورشيد وأصحابهم محفوظة، واحتمالية ترقية قسم منهم ليكونوا مدراء عامين في الوزارة ستكون واردة.

لم يرتح قمر الدين لطرح صديقه رشيد، ولم يوافقه عليه بشكل فوري، ولكن دعاه لينتظر ما سيسفر عنه الاجتماع الذي كانت دعوة الإفطار في رمضان من أجله.

(4)

انقطع الحديث الثنائي بين الصديقين، بسبب توارد المدعوين الأربعين، فانشغل قمر الدين كونه صاحب الدعوة، باستقبال المدعوين ومصاحبتهم لمقاعدهم. ثم تحيتهم وسؤالهم عن أحوالهم، وتفقد حرارة استجابتهم للدعوة رغم بعد المسافة بين العاصمة ومدن أولئك المدعوين، والذين يُفترض أن تكون استجابتهم لمثل تلك الدعوات وفي شهر رمضان على وجه الخصوص.

كان من بين المدعوين أشخاص يلتزمون في هيكلية التنظيم، وكانوا يعرفون على وجه الدقة مَنْ مِن هؤلاء الحضور معهم بالتنظيم، ومن منهم خارج التنظيم، ولكن هؤلاء لم يريدوا طرح مثل تلك المسألة، بل بالعكس، فإنهم يقبلون بادعاء الذين خارج التنظيم أنهم داخله.

حضر أربعة وثلاثون رجلا من أصل أربعين، وكان أربعة منهم من المسيحيين، ومع ذلك ساد المكان جوُ من الأريحية والود كون هؤلاء الحضور يرتبطون وجدانيا بأكثر من رابط، إما اشتراكهم في الدراسة، أو اشتراكهم في التوجه السياسي، فكان كل واحد منهم يجد أكثر من موضوع (سؤال) يطرحه لمن ينتقيه من بين الحضور.

أحضر أحد الخدم، ماعونا به من التمر، كما أحضر آنية بها من اللبن، ووضع أكوابا، وأخذ يملأها من اللبن (المخيض)، ويوزعها على أركان مختلفة من الموائد المنضدة.

(5)

كان الحضور يتوقفون عن الكلام قليلا، علهم يسمعون صوت (مدفع الإفطار) أو صوت المؤذن ليعلن نهاية صيام ذلك اليوم.

بعد أن تيقن الجميع أنه حان وقت الإفطار، بادروا لتناول قليلا من اللبن والتمر الذي أمامهم، ثم اقترح أحدهم الذهاب لأداء صلاة المغرب، في مسجد قريب بجوار (بيت: فيلا) صاحب الدعوة، لكن صاحب الدعوة بادر للقول: من أراد الصلاة فليتفضل، وكان قد أعد إحدى صالات بيته لمثل ذلك الموقف، فانتقل قرابة ثلاثين شخص لأداء صلاة المغرب وراء (قمر الدين) الذي زكاه الحضور ليؤم بهم كونه صاحب البيت!

كان صوت قمر الدين واضحا وغير مهزوز في تلاوة الفاتحة والسورة القصيرة، لكنه كان يتلو القرآن كمن يتلو نشرة أخبار أو كبيان سياسي.

كان الأربعة من المسيحيين، يشعرون بالحرج من هذا الموقف، لكن وجود اثنين من المسلمين الذين لم يشاركا في أداء صلاة المغرب، قلل من حرجهما.

وبعد الانتهاء من الصلاة، حاول واحد من الاثنين الذين تخلفا عن أداة الصلاة أن يمازح صاحب الدعوة بالقول: هل أنتم متأكدون أننا لسنا في حضرة جماعة سلفية؟ لم يشأ المسيحيون أن يبدوا مشاركته بالابتسام، كما لم يعلق على ملاحظته أحد!

تناول الجميع إفطارهم، أو عشاءهم (للبعض القليل)، ثم تناولوا حلوياتهم التي أحضرت من مطعم مشهور، ليكمل قمر الدين واجب الضيافة.

(6)

لم يكن سعدون ليتوقع أن يقدمه الآخرون لافتتاح الاجتماع الذي عقب الدعوة، وعندما تطوع قمر الدين لتسميته لاستهلال الاجتماع، لم يعترض أحد من الحضور على تسميته. كان سعدون شخصا يلف نفسه بهالة من الغموض، فقد كان مجرد ذكر اسمه بين المهندسين، حتى يتصوروا أنه يملك جهازا وشبكة قادرة على جعل أي مرشح طامحا يخفق في الانتخابات يخفق في مهمته إن لم يباركه ذلك (السعدون). ولكن تلك القدرة غير كافية بالتأكيد على أن يجعل من يطمح يحقق نجاحا بشكل مضمون.

كان سعدون رجل تنظيم بارع، فهو يتابع أدق التفاصيل، وقد فهم رغبة قمر الدين، في ترشيح نفسه لمركز النقيب، ووافق على إعطاءه مثل تلك الفرصة، بعد التشاور مع تنظيمه، ولكنه لم يشأ أن يفصح عن رغبته تلك، في ذلك الاجتماع، لترك انطباع بين الحضور بأن مسألة الترشيح تأتي بالتشاور والتوافق مع كل القوى التي تحسب على ذلك التكتل.

كان نبرات صوت سعدون منخفضة، وكلماته غير متراصة، لكن كان لها عذوبة كعذوبة ابتسامة ثغر يكشف عن أسنان متباعدة قليلا. حاول سعدون ترتيب أفكاره ليجعل من الهدف المراد سببا وجيها للتعبئة في تلك الحملة، كان يتحاشى ذكر الولاء للدولة كسبب محفز لتلك الحملة، هو يعرف كيف يصور الآخر على أنه خصم جدير بهذا التكتل أن يهزمه، لكن كان يبتعد عن التفصيلات الدقيقة، خصوصا، عندما كانت تعليقات الحضور تفصح عن استعدادهم الكامل لخوض تلك المعركة الانتخابية.

كان يعرف ما يقول، فافترض أن من ينجح يحتاج الى خمسة آلاف صوت على الأقل، وبذلك يكون على كل واحد من الحاضرين أن يقنع عشرة من المهندسين ويعبئهم، وحتى لا يكون واحد أو أكثر من هؤلاء العشرة يشتركون في اهتمام أي من الآخرين، بادر لتشكيل أمانة عامة مكونة من عشرة أشخاص للتنسيق في إدراج جداول المهندسين الذين يتم التحرك عليهم.

وعندما يصبح العدد 340 يطلب من كل واحد أن يتحرك على خمسة من المهندسين، وبعدها يتم الطلب من هؤلاء التحرك على ثلاثة. ثم متابعة شؤون هؤلاء الناخبين، من تسديد اشتراكاتهم وترتيب نقلهم الخ.

قسم سعدون خطة العمل بما يتناسب مع الزمن، لتكون النتيجة واضحة للعيان بفوز المرشحين قبل أسبوعين أو ثلاثة قبل الموعد الرسمي للانتخابات.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-03-2009, 01:10 AM   #14
ياسر الهلالي
عضو نشيط
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2008
المشاركات: 186
إفتراضي

ممرت سريعا من هنا
ايه الكاتب القدير ابن حوران تقبل مروري
ولي عودة اكيدة بأذن الله

اشكرك على هذه المؤازة بهذا القلم المعطاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
__________________
اذا شئت ان تحيا سليما من الاذى
ودينك موفور وعرضك صيّن
لسانك لا تذكر به عورة امرئ
فكلك عورات و للناس السن
و عينك ان ابدت لك معايبا
فصنها و قل:يا عين للناس اعين
و عاشر بمعروف وسامح من اعتدى
ودافع ولكن بالتي هي احسن
ياسر الهلالي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-03-2009, 03:24 PM   #15
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أشكركم أخي على تفضلكم بالمرور الكريم
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-03-2009, 03:25 PM   #16
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(7)

كانت قاعة الاجتماعات التي حجزها أصحاب هذا التوجه، قاعة واسعة يستطيع القائمون على تنظيم الاجتماعات فيها أن يجعلوها تستوعب ألفان من المجتمعين، كما أنه بالإمكان جعلها أن تكون قاعة كقاعة مؤتمرات رفيعة. فلم تثبت بأرضيتها مقاعد الجلوس، بل كانت تترك لتقدير المنظمين لمثل تلك الاجتماعات.

تم رص العديد من المناضد بجانب بعضها، لتكون مستطيلا أضلاعه من المناضد، ووضعت مقاعد متحركة من الجهة الخارجية للمناضد، تستوعب مائتين من المجتمعين، في حين كانت الأضلاع الداخلية بلا مقاعد، ليكون المستطيل الداخلي فارغا من المقاعد والحركة. ووضعت ملاءات بيضاء على المناضد لتبدو وكأنها منضدة واحدة عملاقة.

كان هناك مجموعة من المنظمين، يلمحون دخول الحضور فيرافقوا الأشخاص ليوصلوهم الى مقاعدهم التي تم الاتفاق عليها مسبقا، بحكم التجربة وبحكم مكانة وأهمية الأشخاص.

وزعت دوارق المياه وأكوابها، والحواكي (مايكروفونات الصوت) على المناضد بعناية، كما تم توزيع كراسات بيضاء فارغة مع أقلام حبر جافة.

وما هي إلا عشرة دقائق أو تزيد قليلا، حتى امتلأت المقاعد بالجالسين، وقد ازداد عدد الحضور عن عدد المقاعد المتحركة التابعة للمنضدة العملاقة، فطلب المنظمون إضافة مقاعد تبعد عن المنضدة العملاقة بخمسة أمتار تقريبا، لتستوعب الحضور الإضافيين.

كان من بين الحضور، وزيران سابقان وستة وكلاء وزارة، منهم واحد لا يزال على رأس عمله، وكان أكثر من عشرين مديرا عاما، لا يزال قسم منهم على رأس عمله.

كما كان من بين الحضور سبعة فصائل سياسية، تُحسب على هذا الخط، قسم من تلك الفصائل ليس له من أعضاء النقابة إلا خمسة أعضاء.

كان رقم (1) في تسلسل أعضاء النقابة حاضرا، كما كان من بين الحضور من كان رقمه أكثر من عشرة آلاف.

(8)

جاء سلمان متأخرا بضعة دقائق، فلم يحظَ بمقعد من تلك التي تؤطر المنضدة العملاقة، فجلس في مكان يستطيع من خلاله رؤية من على المنضدة كاملين.

ساوره الشك في تعريف تلك الخلطة العجيبة من المجتمعين، فهي في نظره ليست حزب ففيها من المتشددين حزبيا وفيها من أنصار الدولة التي لا تتفق مع هؤلاء المتشددين.

وليست جماعة (جبهوية) تلتقي على محور من المطالب الرئيسية وتختلف في نقاط ثانوية، آثرت تنحيتها من أجل الهدف الجبهوي.

وليست جماعة نقابية، فكل نقابة لها طرفان: طرف يمثل أرباب العمل وطرف يمثل العاملين، وفي هذا الاجتماع يلتقي الوزراء ووكلائهم مع العاملين.

وليست جماعة جهوية، فهناك أعضاء من مختلف أقاليم البلاد، فلا يمكن تقديم مصلحة جهة على جهة.

وليست جماعة دينية، ففيها من كل الطوائف والأديان، وفيها من يواظب على صلواته الخمس في المسجد، وفيها من لم يصم يوما واحدا.

حاول سلمان أن يقوم بتسلية نفسه، في اختراع أشكال مماثلة لهذا التحرك، فقارنها مع العشائر ووجد أوجه شبه كثيرة، وقارنها مع الدول العربية في مؤتمراتها فوجد أوجه شبه كثيرة، فيجلس ما يسمى بمعسكر الممانعة مع ما يسمى بمعسكر الاعتدال.

قطع تفكير سلمان نقرات أصابع أحدهم على (الحاكي)

(9)

كان المتحدث، رقم (1) في النقابة، وكان اختياره مخرجا مرضيا لجميع الأطراف، وهو نهج دأبت عليه مثل تلك الاجتماعات.

ذهب المتحدث بعيدا، في حديثه عن نشأة النقابة قبل قرابة ثلاثة عقود، وكم كان عدد الأعضاء وكم أصبح الآن، وعن الإنجازات التي تحققت، وعن الراتب التقاعدي، وصندوق التكافل، وما الى ذلك من مواضيع حيادية لا تمت الى حرارة التعبئة العامة للمعركة الانتخابية بصلة.

كان الحضور يستمعون إليه، كاستماع أُمِيٍ لإذاعة (قبرص)، كانوا يعتبرون كلامه طقسا من طقوس الاجتماعات الواجبة، ولكنه كنوبة لا بد من احترامها.

(10)

أخذ الحديث، آخر نقيب للنقابة من هذا التوجه، وكان وكيلا للوزارة. كان يعلم كم هو اجتماعهم مشاعا، فلم يحب أن يُنسب عنه أنه تطرق بسوء لأي شخص أو جهة حاضرة كانت أم غائبة، حتى لو كانت تلك الجهة (ساحل العاج). كان كلامه كمواضيع المسلسلات التي تنتج في دول الخليج، يطمع منتجوها أن توزع في كل البلدان العربية، فيحرصون أن لا تمس بأذى أي دولة أو شعب.

قاطعه أحد الحاضرين بقوله: كلنا يعلم أنه ليس من الممكن لأبناء هذا التكتل أن يغير مكانه وينتقل للتكتل الآخر، فلماذا تلك التورية بالحديث ولماذا تلك الإطالة؟ نحن أتينا من مدن بعيدة، وكنا نتوقع أن تكون أسماء المرشحين جاهزة، فإن كانت كذلك فأطلعونا عليها، وإلا دعونا نبحث في ذلك مباشرة.

ضحك (قمر الدين) وهو يعلم أن أسماء المرشحين لا تناقش في مثل تلك الاجتماعات الموسعة، بل تناقش في اجتماعات ضيقة ويتم الاتفاق عليها من خلف الكواليس. ولكنه حاول أن يعرض نفسه كبريء ويتعاطف مع ذلك المعترض. فقال: (يا جماعة أنا مع هذا الرأي، من أراد ترشيح نفسه فليتقدم الى هذا الاجتماع بطلب لترشيح نفسه، دعونا ننتهي من تلك المسألة)

حاول أحد أصدقاء (قمر الدين) التعديل على الاقتراح، فطلب تشكيل لجنة من الحضور لاستقبال الطلبات وتنقيحها بالاتفاق عليها ثم عرضها على اجتماع لاحق. وتم ذلك.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 30-03-2009, 01:29 PM   #17
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(11)

هناك من يعول على الليلة الأخيرة التي تسبق يوم الانتخابات في تغيير النتائج، فإن حدث بها اتفاق جديد يؤثر على سير الانتخابات والتحالفات، فإن الوقت لن يسعف من سيتأثر جراء ذلك التغيير، والانتخابات كمباريات كرة القدم، قد يتم تسجيل هدفٍ فيها في الدقائق الأخيرة من المباراة، ويكون ذلك الهدف هو من يقرر من فاز ومن خسر، وسيترك المدرب واللاعبين في حسرتهم.

وهناك من يعول على الجو الذي يسود يوم الانتخابات، فإن كان القائمون على إدارة الحملة الانتخابية على قدرة في ترك انطباع عام لدى جمهور الناخبين أن مرشحيهم في وضع أفضل، فإنهم يستطيعون بذلك اجتذاب أصوات لم تكن لتحسم أمرها بعد فيمن ستنتخب من المرشحين.

(12)

بدأ وصول الحافلات التي تقل الناخبين من مختلف المحافظات، كما بدأت سيارات الناخبين الذين اعتادوا على التصويت بشكل يعتقدون فيه أنهم خارج تأثير القوى الدعائية، وكان بانتظارهم أطقم الاستقبال من الكتلتين، وفوجئ البعض بأن هناك مرشح مستقل لمركز النقيب، كان المرشح هو (رشيد) صاحب (قمر الدين) ورفيق عمره.

كان هناك فتيات بعمر لا يوحي أنهن من النقابة، بل كن من بنات المرشحين أو من يلتف حولهم من المؤيدين، كن يتوشحن بأوشحة ملونة منقوش عليها اسم الكتلة المرشحة التي ينتمين إليها، كن يقفن عند المدخل الرئيسي، يناولن الداخل زهرة من القرنفل و(مطوية) تحتوي أسماء المرشحين وصورهم ونبذة قصيرة عن كل واحد منهم، وبرنامج عمل الكتلة.

في زاوية أخرى، كان يجلس طاقم إداري من النقابة، يقوم بتثبيت اسم الناخب أو الناخبة، ويناول كل من يشطب اسمه، بطاقة تحدد القاعة والصندوق، كما تناوله (بونات) لوجبات (الفطور والغداء والعشاء) وشرائح ورقية تسمح له بتناول المشروبات الساخنة المتوفرة كلما أراد.

(13)

انشغل الحضور في مسائل عدة، فهذا يعانق زميلا له لم يره منذ عدة سنوات، وذلك يسلم آخر بطاقة مثبتا بها أرقام هواتفه، وذلك يتمتم بعدم الرضا عن تلك التشكيلة الانتخابية، وإن كان سيلتزم بها.

كما كان هناك الكثيرون مَن يجلسون على المقاعد يستمعون للتقارير الكلاسيكية المًعَدة تذكر إنجازات النقابة خلال الدورة الانتخابية السابقة، ومن تلك التقارير ما يتعلق بمطالب الأعضاء، ومنها ما كان يكون بشكل توصيات، ومع ذلك فإن المنصتين لتلك التقارير ليسوا بوضع يسمح لهم أن يناقشوا تلك التقارير بأريحية وإسهاب، فكان من يعترض يذهب صوته ضائعا بين تحريك المقاعد وضحكات الذين اشتاقوا لبعض لمدة طويلة، وكانت إدارة الاجتماع الكبير تعلم أن من حضروا جاءوا ليصوتوا للمرشحين، فكانت إدارة الاجتماع تطرح ما قيل للتصويت، فترتفع الأيدي موافقة، ومعظم من يرفعون أيديهم لا يعلمون على وجه الدقة ما هو موضوع ما وافقوا عليه، ومن باب التغني بالديمقراطية تطلب إدارة الاجتماع من المعارضين أن يرفعوا أيديهم، فيرفع القليل من الحضور أيديهم، فيبادر رئيس الاجتماع بقفل الموضوع.

(14)

انطلق الحضور لتناول الغداء، فامتلأت القاعات والردهات والممرات والحدائق وما جانب المسابح الخاصة بالنقابات، بأعضاء يحملون وجبات غدائهم معهم، يأكلون ويتحدثون ويضحكون، وكأنهم في رحلة سياحية.

وبعد أن انتهى الكل من تناول وجباتهم، نادى صوت (الحاكي) الحضور للاستعداد للتوجه الى صناديق الاقتراع، ليقوموا بالخطوة الحاسمة التي جاءوا من أجلها.

كان من لم ير صاحبه أو زميله من بين هذا الحشد الضخم، يستطيع التحري عنه عند المناداة على الأسماء، وكان من يريد أن يتعرف على أسماء كان يسمع بها بنشرات الأخبار، أو يقرأ عنها بالصحف، أو يستمع إليها بأحاديث الزملاء، كان بإمكانه أن يشخص بصره على ممرات السائرين الى التصويت.

(15)

كان البعض عندما يقوم بالتصويت، يغادر الى بيته، وهم أولئك الذين لا يهمهم أن يعرفوا من فاز ومن أخفق على وجه السرعة، فكانوا يمنون أنفسهم بأن الأخبار ستعلن غدا.

بقي بضع مئات من المهندسين الذين أدلوا بأصواتهم، وأصروا أن يعرفوا النتائج النهائية بتفاصيلها الدقيقة.

انتصف الليل، وامتلأت الأجواء بدخان التبغ المنفوث عصبية ومراقبة، وبعض المحللين الذين لا يتوقفون عن شرح النتائج أولا بأول، كالمعلقين على المباريات أو كالمراسلين الصحفيين. فهذا يذكر أن قمر الدين في المقدمة وكتلته تتفوق على كتلة عصام، وعندما تستمع إليه وتراقب النتائج التي تظهر فرز الأصوات على اللوحة (الصبورة)، تدرك أن هذا المعلق هو من أنصار قمر الدين حتى العظم.

لم يمض وقت طويل بعد منتصف الليل حتى ظهرت النتائج النهائية، كان عصام في المقدمة ومعه كل أعضاء كتلته عدا اثنين أخفقا في النجاح. كان الفرق بين الأصوات التي حصل عليها عصام وقمر الدين 14 صوتا، فقد حصل عصام على 3778 صوتا و حصل قمر الدين على 3764 صوتا في حين حصل رشيد على 78 صوت.

خرج أنصار قمر الدين صامتين، وهم يعرفون أن الطعنة أتت من داخلهم من طرف (رشيد). ركبوا سياراتهم دون أن يعلقوا على شيء!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 21-04-2009, 02:01 PM   #18
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

انتخابات غرفة تجارة

في كل الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، تلجأ بعض الحكومات في العالم الى تشجيع تكوين بعض المؤسسات التي يبنيها المواطنون المعنيون لتكون ممثلة لهم أمام الأجهزة الحكومية، ولتساعد المشرعين على سن قوانين يرضاها المواطنون المعنيون، فتكون متكاملة غير منقوصة، تؤمن حاجة الدولة (بجانبها الحكومي) لمراقبة ورصد حركات المجتمع، ولتحول دون انتشار الفوضى وإثارة المشاكل بين الأفراد أو المؤسسات.

هذا النمط من النشاط ينتمي لما يُسمى (المجتمع المدني). وقد يرتقي هذا النمط من النشاط في الدول المتقدمة الى أن يصبح التشكيل المدني شريكا معترفا فيه، يراقب الخلل وبوادر الفساد، ويترافق جهده مع جهد مؤسسة البرلمان التي تستجوب الجهاز الحكومي التنفيذي بمسائلة ترشد أجهزة الدولة بطرفيها الحكومي والشعبي على الكيفية التي تعيد فيه مسار الحركات لوضعه الصحيح.

في دولنا العربية، يقف الهاجس الأمني حائلا دون اكتمال نمو مثل تلك المؤسسات، فتؤسس مؤسسات للمجتمع المدني، لكن بشروط يصنعها الهاجس الأمني، فلا تدقق بكفاءة المرشحين لتبوء مقاعد إدارة مثل تلك المؤسسات، لا بل تمهد الطريق أمام أشخاص غير أكفاء ليحتلوا تلك المقاعد.

ومن بين تلك المؤسسات، غرف التجارة، وقد كانت غرفة تجارة دمشق أول غرفة تجارة في المدن العربية، حيث أسست عام 1840، ووضعت لنفسها أهدافا لخدمة الاقتصاد الوطني وحماية منتسبيها. ثم نشأت غرف تجارية في معظم المدن العربية، وتطورت خدماتها فأصبحت تنظم العقود التجارية، وتمنح الرخص التجارية والسجل التجاري الخ.

ومع ذلك، بقيت غرف التجارة قاصرة في أداءها من حيث أنها لم تستطع ربط نقل التقنيات مع العقود التجارية فبقي التاجر العربي مسوقا لبضائع غيره، في حين كان بإمكان غرف التجارة أن تربط تلك الخدمة مع نقل التقنيات و نقل التصنيع الى المنطقة العربية، وقد جاء إنشاء غرف الصناعة متأخرا ليقوم بدور مثل ذلك. وقد يكون لطبيعة انتخابات إدارات تلك الغرف أثر في تواضع أداءها لنرى.

(1)

دعا محمود خمسين تاجرا من أكبر تجار المدينة، وبالغ في دعوته حيث كانت أصناف الطعام الفاخر، والحلويات الفاخرة، والكلام المعسول، والتنقل بين مقاعد المدعوين بابتسامة ثابتة وكأنه قد ثبت خديه مبتسمين بملقطي غسيل غير مرئيين.

لم يكن لديه خطاب واضحا، فهو يعرف أن الخطاب المتعارف عليه هو أنه (مشتهي ليكون رئيسا للغرفة)، وحتى يكون خطاب الشهوة مؤثرا، لا بد أن يكون له قدرة على المقارنة، فكان قد بحث بحسه الفطري عن تاريخ كل تاجر من الحضور، ومعرفة من هم خصومه ومن هم منافسيه ومن هم الذين كادوا أن يخرجوه من السوق عندما طالبوه في دين كان لا يملك منه شيئا، ومن الذي أنقذه من مأزقه. فتكون حملة التعبئة العامة هي إحياء عداوات قديمة تتعلق بمن يفكر أن يكون منافسا لمحمود.

وبعد أن تمتلئ البطون، ويتجشأ الجميع، ويمسحوا (دلاغيمهم) من أثر الحلوى والشراب، تكون المرحلة الأولى قد اكتملت، فهم غير مطالبين بشيء غير أن يعلنوا عن تأييدهم لمحمود في حملته. أما ضمان الناخبين وتسديد رسوم تسجيلهم ونقلهم من أماكنهم الى موقع الاقتراع فهي مهمة محمود، وهنا يبرز المثل ( من يريد أن يصبح جَمَالاً عليه أن يُعلي باب داره).

(2)

كان (جاسر) كالكثير من أصحاب الدكاكين، الذين يفتتحون دكانا ببعض النقود، يضعون فيه حاجيات الجيران من مواد تنظيف وحلوى للأطفال وبعض المواد التموينية كالرز والسكر والزيوت، وهؤلاء قد لا يطيلوا مدة افتتاحهم لدكاكينهم فقد تنقل زوجاتهم محتويات الدكان الى البيت، فيضطرون لإغلاقها بسبب عدم النجاح بالمشروع. وكونهم كذلك، فلا خبرة لديهم بالإجراءات الواجب إتباعها لاكتمال شروط فتحهم للدكان، فلم يكونوا قد راجعوا البلدية أو غرفة التجارة، ولو علموا بالرسوم التي تترتب عليهم لما فكروا بفتح مثل تلك الدكاكين، ولكون دكاكينهم تقع في أطراف الأحياء، فإنهم لن يكونوا عرضة لمداهمة أجهزة الرقابة بسرعة، وقد يطول غياب تلك الأجهزة لسنتين أو ثلاثة أحيانا.

فوجئ (جاسر) بموظفين اثنين من البلدية والصحة، يحملون معهما دفاتر للإنذار وتحرير المخالفات، يسألان عن (الرخصة) وأوراق أخرى تتعلق بدكان (جاسر). لم يعرف جاسر ما سيقول لهما، ولكنه تذرع أنه لم يمر على فتحه للدكان سوى أيام قليلة، وهو في صدد التوجه لاكتمال أوراق الترخيص. كان يعلم أن أحد الموظفين كان قد اشترى من دكانه قبل عام بعض الخضراوات، فابتسم ذلك الموظف، وأعطاه إنذارا لتصويب وضعه خلال أسبوع.

كانت تلك الحركات، توجه من خلال (لوبيات) الكتلتين المتنافستين على انتخابات غرفة التجارة. فهم يعلمون أن أصحاب الدكاكين هؤلاء سيكونون مادة سهلة أمام من يسبق إليهم ويتبرع بتسديد ما عليهم من مستحقات للبلدية وغيرها من الدوائر.

(3)

في المساء، حضر (محمود) ومعه مجموعة من أصحاب الملابس المكوية جيدا، وأوقفوا سياراتهم الفارهة أمام بيت (جاسر)، فتفاجأ بهم وبهيبتهم، ولم يكن لأمثال هؤلاء أن يطرحوا على مثله السلام، فما الذي جاء بهم؟

شاغلهم قليلا، بعدما توجه بأكثر من نصف وجهه الى داخل المنزل، ليخبر زوجته بضرورة تهيئة مكان لاستقبال استثنائي. ثم طلب منهم الدخول.

لم يكن ضيوفه مهتمين بالمكان الذي سيجلسون فيه، ولم يكن واجب الضيافة الذي سيقوم به (جاسر) هو ما يهمهم. كانوا مهتمين بمسألة واحدة، هي أن يأخذوا وعدا صادقا منه على التصويت لهم.

كان (جاسر) يتوقع أن يتعرض الى زجر من هؤلاء على رداءة تهوية غرفته، فكان يهم بالاعتذار في كل لحظة، وكان يتحرك قياما وقعودا ليجعل من جسمه المتحرك عاملا لتشتيت تركيز هؤلاء على تواضع أثاثه، أو أنهم سيلحظون الرقعة على أحد (الوسائد).

طلب منه محمود، أن يجلس ويتوقف عن حركته، ففعل، وهم محمود بالكلام عن هدف الزيارة، فقاطعه (جاسر) بالسؤال: شاي أم قهوة؟ فهب به الجميع: أنهم لا يريدون شيئا، وطلبوا منه الاستماع. فانصاع لطلبهم وتحدث محمود عن هدفه بالترشيح، وعرض على جاسر أن يسدد ما عليه من رسوم للبلدية ويصوب وضع دكانه.

كان بؤبؤ عين (جاسر) اليمين لا يستطيع التناغم مع البؤبؤ اليسار، فكانا يدوران بحركات غير إرادية، لا يعلمان أين سيستقران من هول المفاجأة، فهؤلاء جاءوا لينقذونه مما هو فيه من حرج أمام البلدية.

قبل أن يكمل محمود شرحه، كان رأس جاسر يتحرك بالموافقة، وشفتاه يتحركان دون أن يخرج منهما حرف، كان موافقا على اقتراح محمود، فهجم عليه وقال ( احنا زلمك : نحن رجالك).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-05-2009, 02:21 PM   #19
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(4)

في الأيام الماطرة، نادرا ما يتوجه أحد لغسل سيارته في مغسلة أبو عارف، فلا فائدة من الغسيل، طالما أن الجو ينذر بمزيد من الأمطار، وحتى لو لم ينزل المطر، فإن ارتطام عجلات السيارات بالأحواض المنخفضة التي تتكون نتيجة رداءة تنفيذ الطرق، سينثر الماء الموحل ويوزعه على السيارات فيلوثها من جديد.

لكن غالب الذي يأمره عمه بفتح المغسلة في وقت مبكر، حتى في مثل تلك الأجواء، لم يتوان عن فتح المغسلة في ذلك اليوم البارد، ولم يستطع عمل الشاي لنفسه ليتغلب على برودة الجو، فعمه (أبو عارف) يعد أكياس الشاي الصغيرة التي يخصص كل كيس لكوب، وكل كوب يخصص لمن يغسل سيارته، فيحاسب ابن أخيه على الغسيل من خلال عدد ما نفذ من أكياس، فإن نقصت أعداد أكياس الشاي عشرة، فعلى غالب أن يناول عمه (صاحب المغسلة) عشرين دينارا.

لم تساوره نفسه قط، أن يعمل كوبا من الشاي، ويعوض عمه بدينارين عنه، ولم يكن يرغب أن يأتيه زبون أو أكثر ليعمل (إبريقا) من الشاي، يقدم لنفسه كوبا، من بين المجموع، فسهل عليه أن يضع ثلاثة أكياس ويقدم من خلالها أربعة أكواب من الشاي. لكن هؤلاء إن أتوا فإنه سيقوم بغسل سياراتهم أولا، وهذا ينذر بأن جسمه سيطوله بعض رشقات من الماء البارد.

(5)

اصطفت ثلاثة سيارات، بساحة المغسلة، وقام أكثرهم وجاهة بالسؤال عن صاحب المغسلة (أبو عارف)، فأجابه غالب بأنه لم يأت بعد، ولكنه قد يأتي في أي لحظة، وطلب من الجميع التفضل بالجلوس في المكتب، وكان لا يفتحه إلا لأبي عارف، ففتحه لهم، بعد أن علم أنهم جاءوا خصيصا لأبي عارف من أجل انتخابات غرفة التجارة.

كانت فرصة لغالب أن يشعل المدفئة الكهربائية التي يشعلها عمه لنفسه فقط، وفرصة أيضا ليصنع لهم إبريقا من الشاي، قد يحظى ببعضه، وقد أعد سيناريو يبرر ما عمله فيما لو سأله عمه عنه.

كان (سعد) من بين الوفد الانتخابي، وكان زميلا لغالب في المدرسة، وكان معروفا بتدني مستواه العلمي وحتى العقلي، حيث كان يستعين بغالب في كل واجباته المدرسية. لكن (سعد) أكمل دراسته الثانوية، في حين ترك (غالب) المدرسة عندما توفى أبوه، وطلب منه عمه أن يساعده في المغسلة.

كان الوفد الانتخابي، يحاول التسابق مع الفريق الآخر من المرشحين للوصول لكل أعضاء غرفة التجارة، ليأخذوا منهم وعدا بالمؤازرة، فكانوا لا يسألون عن الوقت ولا عن حسن الضيافة، بقدر ما كان يهمهم الحصول على وعد صادق بالتصويت، ولديهم معرفة بالطريقة التي يحسبون فيها من معهم حقا ومن ليس معهم، ومن يحتاج لمزيد من التأثير حتى يضمنوا صوته.


لم يكن غالب من المؤهلين للتصويت، فالمغسلة باسم عمه وعضوية غرفة التجارة لعمه. لكنه لم يكن يعرف الكثير عن غرفة التجارة ودورها، ولماذا يتسابق هؤلاء للفوز بها. فبالأمس كان وفد آخر قد زار عمه، وضحك عمه بوجوههم، فهل يا ترى سيضحك بوجوه هؤلاء؟

(6)

دخل أبو عارف بوجهه النحاسي الحليق، وصوت مبحوح مشوش بفعل (النرجيلة)، وملابس لا يمكن أن تجدها في المحلات الراقية، ولا في محلات الملابس المستعملة، فكان دائما يحضر ملابسه من ألمانيا، كما يقول، ولكن لو فتش أحد عنها في ألمانيا، فلن يجدها، كانت بلون لا هو بالأصفر ولا بالبني، ذات زغب خفيف، كانت على مر السنين تبدو متشابهة ولكنها ليست نفسها.

كان أبو عارف محترفا لطرق التعامل مع تلك الوفود والجماعات، فلم يقل لأحد بأنه ليس معه في الانتخابات، ولم يقل له أنه معه في نفس الوقت، لكن دائما ما تحسب الكتل المتصارعة على الانتخابات أن (أبا عارف) معها، كان كلاعب البوكر لا أحد يخمن ما بيده من أوراق.

أما هو، فكان ذا حضور (وجاهي) في كل المناسبات، فباستمرار تضعه الدوائر الحكومية من بين المدعوين للقاء بمسئول، ويدعى لكل الولائم، ولكل اجتماعات فض الخصومة بين أفراد وجماعات المجتمع المحلي. وأي نشاط انتخابي حتى لو كان لانتخاب هيئة لنبش قبور العباد ستجده حاضرا.

أما لماذا لم يكن قاسيا وواضحا وحادا في إجاباته، فيقول عن ذلك لبعض أصدقاءه المقربين، أنه لا يهمه من ينجح ومن يرسب في الانتخابات، أي كانت تلك الانتخابات، إن ما يهمه أن تبقى علاقاته طيبة مع كل الناس فهم بالنسبة له زبائن، يشترون من محلات السجاد والحلويات والمغسلة وقطع غيار السيارات، وهو متواجد في كل الساحات ليذكر الناس بأنه يراهم ويحب أن يراهم كثيرا!

رحب أبو عارف بالحضور، وسأل ابن أخيه: هل قمت بالواجب؟ فانشرحت أسارير غالب، حيث لم يعد مضطرا لخلق تبريرات ما فعل، وبعد أن تكلم الجميع، وأبو عارف يمثل دور المفتون بما يسمع، خاطبهم لماذا تضيعون وقتكم عند (ربعكم) توكلوا على الله وابحثوا عن عوامل نجاحكم في أمكنة أخرى!
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 20-05-2009, 01:05 PM   #20
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(7)

كان (دعاس) ابن الخامسة والخمسين عاما، متقاعدا من (الدفاع المدني) وقد افتتح محلا لتصوير الوثائق وبيع (إكسسوارات) التطريز، ويضع أمام محله منصبا يثبت عليه الجرائد اليومية، وأحيانا يلبي طلبات من يبحث عن أوراق جرائد قديمة، حتى لو كانت كميتها بالأطنان.

كان عندما يقبل، يبدو بمشيته كمن يتهيأ لركل (ضربة جزاء)، رغم ظهور كرشه بشكل بسيط من بين سترته التي لا تطبق تماما على وسطه، وربما يكون لقدمها وعدم كيها، فكانت بلونها الذي هو بين الأخضر القاتم والبني القاتم، تعطيه طابعا خاصا به.

لم ينشغل كثيرا بالتجارة، وتلبية طلبات الزبائن القلائل يقوم بها شابٌ رقيق الجسم بشرته فاتحة، كأنه لم يعرضها لأشعة الشمس إلا دقائق قليلة. كان هذا الوضع يتيح لدعاس أن يشارك جيرانه من أصحاب المحلات في حفلات شرب الشاي الطارئة، أو حفلات (اغتياب) الآخرين من قبل أمثاله الذين يمارسون البيع بفترات متباعدة تسمح لهم بإكمال ما بدءوا الحديث به دون مقاطعة زبون فجائي.

كان لدعاس مجموعة من الأقارب الذين يمتهنون تجارة الأدوات المنزلية والسجاد الصناعي والستائر، وكان لمن يريد أن يشكل كتلة لانتخابات غرفة التجارة أن يختار أحد هؤلاء التجار ليضمن أصواتهم.

(8)

عندما فاتح (محمود) (دعاس) بأمر انضمامه للكتلة، لم يجبه بشكل فوري، لا نفيا ولا قبولا، فقد خشي إن سمع أقاربه بانضمامه للكتلة دون استشارتهم أن يخذلوه، ولا يعلنون مؤازرتهم له. كما أراد أن يستمع لمحمود أكثر من أن يناقشه، فهو لا يملك سيارة خاصة، ولا يستطيع إقامة الولائم، ولا يستطيع أن يسهم ماديا بحملة الانتخابات.

أراد محمود أن يريح دعاس مما يفكر فيه، فالوقت لا يسمح كثيرا في الانتظار، وقد يأتي (مسعود) رئيس الكتلة الأخرى لمفاتحة دعاس أو أقاربه. فطمأنه أنه لن يترتب على انضمامه للكتلة أي عبء مالي، وفيما يخص موافقة أقاربه، دعاه محمود للقيام بالتوجه فورا الى أكثر أقارب دعاس من التجار تأثيرا، ومفاتحتهم بالاشتراك بالكتلة، كلا على حده.

نظر دعاس بربع ابتسامة الى محمود، إعجابا بقدرته على قراءة ما كان بنفسه، ووافقه على التحرك الى أقاربه الذين تم انتقاء أسماءهم من قبل محمود أولا. وفعلا كان مجرد حضور دعاس مع محمود يجعل من يُفاتح أن يزكي (دعاس) لتلك المهمة.

وهكذا أصبح دعاس أحد أعضاء كتلة محمود وأصبح يتجول مع محمود في سيارته الخاصة، ويشاركه معظم جولاته.

(9)

في الجانب الآخر، استطاع (مسعود) بخبراته التي لا تقل عن خبرات محمود بتشكيل كتلته المشكلة من ثمانية مرشحين، وقد كان منهم ثلاثة على صلة قربى من ثلاثة مرشحين في كتلة محمود.

كان (مسعود) قد فاتح أحد المرشحين من كتلته ليكون نائبا له بحالة فوز كتلتهم، وكان هذا المرشح يسمى (خلف)، في حين كان أكثر من مرشح يطمح لأن يكون نائبا لمسعود بحالة النجاح.

لم يكن لكتلة مسعود، أي برنامج انتخابي، وهذا الحال ينسحب على كتلة محمود، فأعضاء الكتلتين ينشغلون في حشد الأنصار والمؤيدين وتعبئتهم من أجل النجاح فقط، ولا يشغلهم كما لا يشغل جمهور الناخبين أي برنامج انتخابي.

(10)

انتهى التصويت والفرز، ونجح محمود مع ثلاثة من كتلته من بينهم (دعاس)، كما نجح مسعود مع ثلاثة من كتلته من بينهم (خلف).

أعطى الحاكم الإداري للناجحين فرصة أسبوعين ليختاروا من بينهم واحدا ليكون رئيسا للغرفة التجارية، كما عليهم أن يختاروا واحدا آخرا ليكون نائبا للرئيس.

كان على كل من محمود ومسعود، محاولة سرقة أحد الناجحين من الكتلة المنافسة ليكسبوه لصفهم من أجل اكتمال النصاب (نصف + 1) حسب اللوائح الداخلية المحددة لأصول تلك الانتخابات.

كان المشهد الليلي، بعد الساعة الواحدة من بعد منتصف الليل أن تملأ سماء بيت محمود المفرقعات الاحتفالية، ويشاع في الصباح أن الاختيار وقع على محمود، وفي طريقهم الى مقر الحاكم الإداري، ينسحب أحد الخمسة الذين صوتوا لصالح محمود، فيعود الجميع أدراجهم الى بيوتهم لتتكرر الجولة.

وبعد منتصف الليل، تملأ المفرقعات سماء بيت مسعود ليعلن صباح اليوم التالي، عن أن الاختيار وقع على مسعود، وفي طريقهم الى مقر الحاكم الإداري ينسحب أحد الأعضاء لتعاد المحاولات مرة أخرى.

كان كل عضو من الناجحين الثمانية يرفع شعارا (لأجل أمواتك سأحرم أمواتي الصدقة)، فقد سال لعاب كل واحد من الثمانية ليكون رئيسا لغرفة التجارة، أو على الأقل نائبا للرئيس.

في اليوم الرابع عشر توجه الثمانية الى مقر الحاكم الإداري، وجرى التصويت سريا عند الحاكم الإداري، فكان الرئيس (دعاس) ونائبه (خلف)!

انتهت انتخابات غرفة التجارة
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .