العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة الفـكـــريـة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الميسر والقمار فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال لغز زانا الأم الوحشية لأبخازيا (آخر رد :رضا البطاوى)       :: Can queen of England? (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: المعية الإلهية فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد رسالة في جواب شريف بن الطاهر عن عصمة المعصوم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات فى مقال أسرار وخفايا رموز العالم القديم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال آثار غامضة ... هل هي أكاذيب أم بقايا حضارات منسية؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خرافة وهم سبق الرؤية .. ديجا فو (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال هستيريا (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 14-09-2013, 12:51 AM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

إشكالية سلطة المُدن الأزلية

لقد سبقت فكرة المدينة كدولة ـ مدينة فكرة الدولة بمفهومها المعروف، وكانت قضية بناء السلطة في المدن من القضايا العويصة التي كثر فيها إشغال العقل وما زال. وينطلق من تلك القضية ثلاثة محاور أساسية للتساؤل:
1ـ لمن تكون السلطة والسيادة في المجتمع؟
2ـ في خدمة مَن تكون السلطة وعلى أي أسس ومبادئ تقوم؟
3ـ ما هي مجالات السلطة وأهدافها وحدودها؟

بعيداً عن المجادلة في تركيز الغرب على مركزية جهده الحضاري في المجال السياسي، وبالذات فيما يخص الدولة ـ المدينة، فإننا نعترف أن الغرب قد نجح في تأطير تراثه الفكري والفلسفي، والتأسيس عليه في كتابة الأفكار وتطويرها كحلقات متسلسلة ترتبط الواحدة بالأخرى، في حين لم ينجح الصينيون والعرب في جعل تراثهم الذي سبق التراث الغربي، بل وحفظه في مراحل كان الغرب فيه جاهلاً، لم تنجح شعوب الشرق في أخذ مكانتها التاريخية لتزاحم وتفسر وتشرح ما يجري في العالم الراهن بمنظور(شرقي) يفسر التطورات العالمية المتلاحقة على كل الأصعدة.

في الفترة التي كانت فيها (المدن ـ الدول) اليونانية تعاني من حروب متواصلة في القرن الخامس قبل الميلاد، كادت أن تفتك بتلك المدن الدول. ظهر أفلاطون بفكره الذي لا يزال يحتل مكانة في نفس كل مشرع لدستور أو قانون أو حتى سياسي بشكل عام، كان فكر أفلاطون ليس كما يظن البعض مثالياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، بل جاء نتيجة معايشة ما يجري حوله، مثله مثل فكر ابن خلدون مؤسس علم (فلسفة التاريخ) شاهداً على تشرذم الدولة العربية والإسلامية والأندلسية.


لِمن تكون السلطة والسيادة في المجتمع؟


استطاع أفلاطون أن يعود الى أثينا، ويقيم في بستان لبطل اسمه (أكاديموس) ليؤسس مدرسة أخذت فيما بعد اسم (أكاديمية) وبقي الاسم الى يومنا هذا لكل مدرسة أو معهد متخصص في شأن ما. وكانت تلك المدرسة (الأكاديمية) والتي استمرت ألف عام، حتى ألغاها الإمبراطور المسيحي (جستنيان) باعتبارها مدرسة وثنية*1.

اصطنع أفلاطون محاورات افتراضية لتبيان معنى العدل في الحكم، وجاءت تعريفات العدل على ألسنة عدة أشخاص: فيقول أحدهم: العدل هو أن يسترد الفرد ماله؛ وقال الآخر: أن يعامل الشرير بشر، والخيّر بخير؛ وقال الثالث: إن العدالة هي ما يفرضه الأقوى!

نخلص باختصار لما أراده أفلاطون الى نتيجة أراد أن يمهد لها، فجعلها بكلام هو سماه (كذب) عندما قال: دعنا نكذب على الناس ونقول لهم أن كل الناس أخوان ولكن هناك منهم من قلبه من (ذهب) وهم المؤهلون ليحكموا غيرهم، وهناك من قلبه من (فضة) وهم أعوان الحاكم، وهناك من قلبهم من رصاص وهم المزارعون والصناع والعبيد، فلا يجوز أن يحكم إلا من كان قلبه من ذهب، لأنه إذا حكم من قلبه من فضة أو نحاس فسدت الدولة.

ويشرح أفلاطون الكيفية التي تصنع أولئك الذين قلبهم من ذهب، فيتم إبعادهم عن الفن الهابط والأدب الخسيس والصحبة الشريرة، ويتتلمذوا على أيدي رجال أفاضل علماء فلاسفة!

ولو تصفحنا آداب الشعوب، لرأينا أن تلك الخصلة التزم بها الخلفاء العباسيون حين كانوا يكلفوا أفضل الأدباء والعلماء لتربية أبنائهم، ثم أخذ هذا النهج طريقه الى يومنا هذا...

اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، هي الأكثر فهماً لمصالح الشعب، وهي تزعم أن باقي الشعب هم من الحثالة حسب تعبيرهم، وعبيد حسب تعبير أرسطو عندما قسم المجتمع الى أسياد وعبيد والعبد هو كالمقتنيات مثله مثل الأثاث أو الأنعام، فلا يجوز أن يتدخل في شؤون الدولة*3. فبغض النظر عن نظم الحكم في الوقت الحاضر، نجد نُخَباً تضع نفسها فوق المجتمع وتفكر عنه بالإنابة، حتى هذا يحدث في مجتمعات القرى والمدن الصغيرة، نجد فرعاً من عائلة بعينها يفترض لنفسه السيادة المطلقة على باقي المجتمع.

وهناك من يصنع لنفسه كاريزما دينية ويجعل نفسه (فئة أو مجموعة) المفوض الوحيد بنشر العدل، والعدل لا يأتي إلا عن طريقه. وقد جاوب ابن القيم الجوزية هؤلاء بقوله: (فإن الله أرسل رسله، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت بها السموات والأرض... والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه، وأدل وأظهر. بل بيّن بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل، فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها)*5

وقد انتبه الإصلاحيون العرب والمسلمون في العصر الحديث لمسألة العدل بشكلها الحديث فهذا رفاعة الطهطاوي (وما يسمونه الحرية (في فرنسا) ويرغبون فيه، هو عين ما يطلق عليه عندنا (العدل والإنصاف)، وذلك لأن معنى الحكم بالحرية هو إقامة التساوي في الأحكام والقوانين، بحيث لا يجور الحاكم على إنسان، بل القوانين هي المُحَكّمة والمعتبرة)*6

وهذا خير الدين التونسي (لا يتيسر التقدم في المعارف وأسباب العمران بدون إجراء تنظيمات سياسية تناسب التنظيمات التي نشاهدها عند غيرنا في التأسيس على دعامتين في العدل والحرية اللذان هما أصلان في شريعتنا، ولا يخفى أنهما ملاك القوة والاستقامة في جميع الممالك)*7

لكن إذا أحس الناس بغياب العدل، وسيادة الفساد، فكيف سيتصرفون؟ هل يثوروا لتحقيق العدل، أم يبحثوا عن ممرات فاسدة في الجو الفاسد ليضمنوا بقائهم؟



هوامش
*1ـ جمهورية أفلاطون/ أميرة حلمي مطر/ جامعة القاهرة 1994صفحة10
*2ـ المصدر السابق صفحة17.
*3ـ المصدر السابق صفحة 23
*4ـ مفهوم المدينة في كتاب السياسة لأرسطو/ حاتم النقاطي/ تونس: القيروان 1995
*5ـ ابن قيم الجوزية (توفي 751هـ)/ افتتح جمال البنا بتلك العبارة كتابه نظرية العدل في الفكر الأوروبي والفكر الإسلامي/ القاهرة: دار الفكر الإسلامي 1995.
*6ـ رفاعة الطهطاوي : تخليص الإبريز في تلخيص باريز ص80
*7ـ خير الدين التونسي/ أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك ص8ـ9
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-09-2013, 01:53 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الانتساب والموالاة للمدينة العربية


النَسب والانتساب هو التعريف بالأصل، والنَسَب يكون للأب، ويكون للمكان ويكون للمهنة ويكون للمشاركة، فيُقال فلان نسيب فلان لمشاركته له في قرابة المصاهرة، وفلان له نسبة كذا من رأس مال الشركة، والقضية التي يراد شرحها يبدأ شارحها بقوله بالنسبة الى القضية الفلانية. وهذا اللون من الملابس يُناسب كذا، والتقيت أحدهم بالمناسبة الفلانية الخ.

فنجد في المدن العربية أسماء لعائلات تنتهي بالانتساب لمدن خرجت منها: النابلسي؛ القدسي؛ الحلبي؛ البغدادي؛ التلمساني، كما نجدها في مكان آخر تنتسب لأقاليم أو أقطار، فعائلة الحجازي والنجدي واليماني والمصري والشامي والمغربي الخ.

أما الانتماء في اللغة، آتٍ من النمو والزيادة، فيقال خطة التنمية ووزارة التنمية وهي آتية من النبات ونموه أو الحيوان ونموه فيقال ناقة نامية أي ناقة سمينة، وهي قريبة من الانتساب في المعنى، لكنها تحمل في طياتها الطوعية بمحض إرادة المنتمي وهي أقرب للانتماء الصناعي منها للطبيعي، فيصبح المهندس مهندساً إذا أجيز في شهادة الهندسة، وكذلك من ينتمي لحزب يبقى يعد نفسه كذلك حتى يتركه أو يفصله الحزب، في حين لا يكون لابن عائلة أن يغير اسم عائلته متى أراد.

والولاء في اللغة هو مصدر للولي والوالي وهو الناصر وهو اسم من أسماء الله الحسنى، ومن هنا فهو ولي المؤمنين وناصرهم،لقوله تعالى {ذلك بان الله مولى الذين امنوا وان الكافرين لا مولى لهم}*1. والوالي في الإدارة هو المتحكم بشؤون ولايته (محافظته، إقليمه). وولي العروس (أو مولاها) هو المتحكم بأمر عقدة النكاح، وفي الحديث ((أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل))*2 ، واستولت الدولة على أملاك فلان إذا انتزعتها من تصرفه لتضعها تحت تصرفها، والموالون هم التابعون المناصرون لوليهم الخ.


بعض السمات التي تتسم بها بعض المدن

تشتهر بعض المدن العربية بصفة تنفرد فيها عن غيرها، أو تتميز بها على غيرها من مدن العالم، وقد تكون تلك الصفة ممثلة بصناعة ملابس ك (الداماس) القماش الدمشقي المعروف تاريخياً أو (الموسولين) قماش الموصل. أو تشتهر بلون من الغناء كالقدود الحلبية والمقامات العراقية، والطقطوقة والدور المصري. أو تشتهر بميزة في طرز البناء كشناشيل البصرة والمشربيات الإسكندرانية. أو معلم أثري كأهرامات الجيزة وحدائق بابل. أو لون تتخذه المدينة كطابع دائم لها كما اللون الأحمر الأرجواني الذي يطبع مدينة مراكش. أو لون من الأطعمة مثل كبة حلب وكبة الموصل وبسطيلة الدار البيضاء ومنسف الأردن والمسخن الفلسطيني الخ.


من الطبيعي أن نجد لكل مدينة في العالم ميزات تختلف فيها عن غيرها من المدن، وهذا يتوقف على موقعها الجغرافي فإذا كانت ساحلية ستختلف منتجاتها وتراثها عن المدينة الجبلية أو الصحراوية أو السهلية، لما للموقع الجغرافي أثر في مزاج وطبيعة التعامل مع الطقس من حيث شكل ومقومات بناء المنازل والشوارع وما يؤثر أيضا في المهن الملائمة لذلك الموقع الجغرافي، وحتى المفردات المستعملة في اللغة وعلاقات الإنتاج التي تؤثر في أساليب التعامل وسن القوانين اللازمة للاستقرار الاقتصادي الخ.

نجد أن أبناء المدينة (الأصليين) أي الذين يتفاخرون بانتمائهم لمدينتهم هم من يحرصون على تخليد صفات مدينتهم الأصلية فيصفو الأبنية والأطعمة والعادات والملابس، ويخرج من هؤلاء أدباء يكتبون قصصاً وروايات ومسرحيات وأشعار تذكر القارئ من أبناء المدينة أو العالم ممن يرغبون الاطلاع والثقافة والدراسات الاجتماعية والسياسية ونجد من السينمائيين من يحولوا تلك الأعمال لأفلام ومسلسلات ومسرحيات: مدن الملح، زقاق المدق، بين القصرين، باب الحارة، ليالي الصالحية الخ.

لكن حراسة تقاليد وتراث وقيم المدينة العربية بدأت تتآكل ويزول الاهتمام فيها إلا من قِبل متخصصين أكاديميين أو أدباء وإعلاميين، وقد يعود ذلك الى موجات المهاجرين الذين لا يحق لهم التفاخر في مدينة هم طارئون عليها، وقد تبقى ذاكرة بداية قدومهم للمدينة مليئة بآلام التعايش والقبول من قبل سكانها الأصليين، فهم لا يتفاخروا بانتمائهم لتلك المدينة ولا يريدون التفاخر بذلك.

قد يتزاور المهاجرون الجدد مع أمكنة قدومهم ويمثلوا أمام أبناء قراهم القديمة أنهم يفتخرون بانتمائهم للمدن التي رحلوا إليها، ولكنهم يعرفون أنهم غير صادقين كما يعرف أبناء قراهم ذلك. مثلهم في ذلك مثل المهاجر العربي الى فرنسا، لا يستطيع التفاخر بحضارة فرنسا أمام الفرنسيين، لأنه ليس ممن صنعها، وإن كانت مساهماته غير قليلة بعض الأحيان، ولكنه إن عاد الى موطنه في زيارة سيمثل لأقربائه دور الفرنسي المتحضر ويتعالى عليهم، حتى باقتراحاته لتطوير بلده المنشأ!

إعلان الولاء للمدينة والوطن



كثيراً ما نسمع في خطاب استقبال المسئولين الكبار أن أبناء المدينة الفلانية يعلنون ولائهم لقائد الوطن، وإن لم تكن هناك مناسبة فإن معلنين الولاء يبادرون للكتابة في الجرائد (وعلى حسابهم الشخصي) باستغلال مناسبة عيد ميلاد أو شفاء من مرض سعال، لإعلان ولائهم لقائد الوطن!

إنها إعلانات كاذبة مليئة بالنفاق، مثلها مثل تعليق صور الحكام على أبواب الدوائر والدواوين وأعمدة الإنارة. فهي لا تعطي مؤشراً حقيقياً للولاء والانتماء. وسهلٌ على المتتبع المتواضع أن يتعرف على شكل الانتماء والولاء الحقيقي من خلال استعراض نسب المشاركين في الانتخابات أو الاستفتاءات، وحتى أثناء مناخ (الربيع العربي!).

فالاستفتاء على دستور مصر لم يشارك فيه سوى ثلث المصريين. والانتخابات البلدية الأخيرة في الأردن (مثلاً) بلغت نسبتها في العاصمة التي يشكل سكانها أكثر من ثلث الأردن، بلغت دون 10%، وهي نسبة يشترك فيها السكان الأصليون لمدينة عمان ويُضاف لهم أتباع المرشحين، في حين نجد أنها قد تصل الى أكثر من 80% في القرى الصغيرة والبلدات التي تعتبر تلك العملية فرصة لتمارين توكيد الذات بين الأهالي، وليس لها علاقة بالانتماء أو الولاء.

إن الولاء هو التفاني الإرادي العملي المستمر، من قِبل فرد ما، تجاه قضية معينة. يعرف منها ما ينبغي أن يكون، وما ينبغي أن يقوم به من الأفعال. والولاء ضروري، لأنه يقضي على حالة التردد والحيرة الأخلاقية، ويحقق به الفرد الخير لنفسه... فالفرد لا يستمد خيره من الخارج، ولا يعرف واجبه منه، ودائما ما يلجأ الى الداخل، لاستشارة إرادته العاقلة*3


عندما يصل الشعور بالفرد الى اعتزال قومه، وذلك بسبب عدم ثقته بالنخب الحاكمة وكذلك عدم ثقته بالنخب المعارضة، أو تلك الوجوه التي تنبري للترشح في الانتخابات، فإن ذلك يعطي مؤشراً خطيراً على شعور الفرد بانعدام وزنه وتحوله الى ذرة غبار طائرة مع كثير من أمثاله، فلا يعود يحس بالانتماء لا للوطن ولا للمجتمع.






هوامش
*1ـ سورة محمد آية 11
*2ـ أخرجه البخاري: 5136؛ 6968؛6970. أورده كتاب المنهاج في صحيح مسلم تأليف الإمام النووي اعتنى به فريق من بيت الأفكار الدولية: الرياض صفحة 881. [هناك بعض الفقهاء كالشعبي والزهري قالوا: ليس الولي من أركان صحة النكاح بل من تمامه. وقال آخرون كالأوزاعي وأبو يوسف تتوقف صحة النكاح على إجازة الولي] والله أعلم.
*3ـ فلسفة الولاء/ جوزايا رويس/ ترجمة: أحمد الأنصاري؛ مراجعة حسن حنفي/ القاهرة: المشروع القومي للترجمة 2002
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-09-2013, 11:37 AM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

المهمشون في المدن العربية




قد يحضر أحدنا اجتماعاً عَرَضّيا غير متخصص لخمسين شخصاً اجتمعوا في مناسبة عادية جداً كالمباركة في مناسبة أو الاستماع لمرشح لانتخابات أو غيره، فإذا سُئل بعد أسبوع عمن حضر الاجتماع فإنه سيتذكر عشرة أشخاص وإذا سُئل بعد سنة عمن حضر الاجتماع سيتذكر اثنين أو ثلاثة... إنه سيتذكر الفاعلين في الاجتماع، أما الباقي منهم فسيتدرجون بقلة فاعليتهم لدرجة الهامشية..

وفي الاجتماعات التي تدعو لها الحاكمية الإدارية (محافظة، متصرفية) فإن من يوجه الدعوات لسكان مدينة تعدادها مائة ألف سيطلب معونة آخرين فيتذكرون مائة أو مائتين من المواطنين الأكثر فاعلية وحضوراً، وباقي سكان المدينة سيتدرجون بقلة فاعليتهم لدرجة الهامشية (هذا في نظر الإدارة الحكومية).

من هم المهمشون في المدن؟

لم يكن مصطلح (الهامشيون أو المهمشون) معروفاً بشكل محدد، بل كان يُطلق عليهم سابقاً (دون الطبقات) أو (المنزوعين طبقياً) أو (القطاع غير المُنظم) وقد أعطتهم الماركسية اسماً قاسياً (البروليتاريا الرثّة). ولم يكن لهم تعريفٌ واضح.

وقد يكون وصف بعض الكُتّاب العرب لهم أكثر دقة ((الشخص الهامشي: هو ذلك الفرد الذي ينتمي لثقافتين أو مجتمعين، دون أن يندمج في إحداهما اندماجا كلياً))*1، وربما شجع هذا التعريف بعض الدارسين على القول بأن هناك ارتباطاً بين الهامشية والشعور بالغربة والعزلة الاجتماعية. فالفرد الهامشي من الناحية السياسية، هو ذلك الشخص الذي لا يساهم في الحياة السياسية لمجتمعه المحلي ـ الوطني: سواء من حيث المساهمة في حزب وصنع القرار الانتخابي أو في أنماط أخرى من صنع القرار، أما من الناحية الاقتصادية فتتجلى الهامشية في انخفاض الإنتاجية والمهارة والتدريب وبدائية وسائل الإنتاج.

وينقسم علماء الاجتماع الى قسمين في إرجاع تلك الظاهرة الى أسبابها. هناك من يرجع تلك الظاهرة الى الرأسمالية العالمية التي أفسدت الشعوب وحقنتهم بثقافة الاستهلاك، من خلال الأفلام الغربية والأغاني والمسلسلات التي تعرض أنماطاً حياتية تستفز الحالم من الفقراء ليترك بيئته الريفية ويهاجر الى المدينة أو الى دولٍ غربية، فيبقى هامشياً أينما اتجه*2

كما أن محمود إسماعيل، يسخر من الرأسماليين وأتباعهم، بأنهم يرفعون شعارات نصرة المسحوقين، فيأخذون أصواتهم في الانتخابات، ويأخذون جهدهم الذي يبنون فيه البلاد ويحولونه الى قصور وأسباب الرفاهية، ويضيف أن عامل جمع القمامة أكثر فائدة ألف مرة للوطن من متلاعب بأسواق البورصة*3

أما من يحتقر (المهمشين) فهم من مؤسسي الفكر الليبرالي الغربي، فهذا مخترع الديمقراطية الحديثة (مونتسكيو) يقول: (( لا يفسد مبدأ الديمقراطية بضياع روح المساواة فقط، بل يفسد بالإفراط في انتحال مبدأ المساواة أيضاً وذلك لأن كل واحد يريد أن يساوي من اختاره ليتولي أمره ، وبما أن الشعب لا يُطيق بذلك ما يفوضه من السلطة فإنه يود أن يصنع كل شيء بنفسه وأن يتشاور عن أعضاء مجلس الشعب وأن يُنفذ عن الحكام وأن يُجرد جميع القضاة.)) ويضيف ((... يريد الشعب أن يقوم بوظائف الحُكام ، ويعود غير موقر لهم إذن ، وتعود مناقشات أعضاء مجلس الشعب غير ذات وزن ويعود أعضاء مجلس الشعب ومن ثم الشيوخ غير مُكرمين إذن ، وإذا ضاع احترام الشيوخ عاد الآباء غير محترمين ، وعاد الأزواج غير أهل للرعاية والسادة غير أهل للطاعة ، وجميع الناس ينتهون إلي حب الفجور ويُتعب عُسر القيادة كما يُتعب عُسر الإطاعة، ولا يخضع النساء والأولاد لأحد ، وتفقد بذلك الأخلاق وحب النظام ولا تبقي الفضيلة))*4

أما أوسكار لويس فهو أكثر شراسة في الهجوم على الفقراء والمهمشين بقوله ((إن ثقافة الفقر تُدعم وتُنقل من جيل الى آخر من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، كما أن فقر ثقافة الفقراء تجعلهم عقيمين لا أباليين لا أمل فيهم، عالة ...))*5

ملامح من آثار التهميش على المهمشين والمجتمع

وضعت دراسات كثيرة على المهمشين في كل من الرباط، وبيروت، والقاهرة، وكثير من المدن العربية، لا يمكن الإشارة لها كلها في هذا المقام، ومنها ما تناول المهمشين من حيث أسباب تواجدهم، كالتي وضعت على المهمشين في بيروت، بسبب الحرب الأهلية 1975ـ 1990، (90) ألف أسرة مهجرة عدد أفرادها 450ألف فرد، بسبب تدمير 36014 مسكن، كان من بين تلك الأسر 8376 تعيش في مساكن (بعد التهجير) لا تزيد مساحة المسكن عن 25م2، و10660 أسرة تعيش في مساكن بين 26 ـ50م2، وانتشرت بينهم البطالة وعدم الالتحاق بالمدارس وتفشي الأمراض الخ *6

وفي دراسة جريئة لمجتمع (القاع)*7 من الهامشيين في مدينة عمان، قامت بها الباحثة (سهير سلطي)، وجرأتها آتية من كون الباحثة أنثى في حين من يسيطر على نشاط الدعارة والمخدرات وغيرها هم من الذكور، وكان من لزوم الدراسة التخفي والاستعانة بحراس ثقة! من بين مجتمع المنحرفين، حيث كان يجب عليها أن تزور دور السينما والخرابات والمقابر ليلاً، والالتقاء مع أصحاب الانحرافات والجرائم الأخلاقية، دون أن تكشف نفسها، بل من خلال تلقين مرافقيها أسئلة يقومون باستدراج المستجوبين والمستجوبات بلغة (أهل الكار)، توصلت الى ما يلي:

1ـ إن انتشار دور الدعارة يأتي من الهجرات بعد الكوارث، واختارت حرب الخليج الثانية كنموذج، حيث وصل عدد بيوت الدعارة في عمان الى 500 بيت دعارة، غير فتيات الشوارع.
2 ـ ضيق المساكن وازدحام الساكنين فيه، حيث يتعرف الأبناء والبنات على التواصل الجنسي بين الوالد والوالدة، وتحتك الإناث بالذكور مما يخلق جواً يشجع على انحرافات محرمة بين الساكنين.
3ـ تدني المستوى التعليمي، فمن خلال مقابلاتها مع أقسام الشرطة ودور الرعاية الاجتماعية والسجون، وجدت من بين 1500 منحرفة 92.5% لم يكملن الدراسة الابتدائية وواحدة فقط تحمل البكالوريوس.
4ـ الفقر المدقع مما يدفع بالفتيان والفتيات للتسول ووقوعهم في أيدي المدبرين لعمليات الانحراف. في حين كان المنحرفون من الأغنياء يقعون في انحرافات الإدمان المصحوبة بغيرها من الانحرافات.
5ـ الحالة الدينية منخفضة جداً، رغم استخدام المنحرفات لكلمات (هيك الله بدو)؛ (نصيب)، (الله يخزي الشيطان)0
6ـ عدم ثقة المنحرفين والمنحرفات بمؤسسات الدولة والمجتمع، شرطة، تنمية اجتماعية الخ.

وتخلص الباحثة في بحثها الى القول: (هل كان لهذه الفئات أن تختار ما هي عليه، لو أنها عاشت في مجتمع أكثر عدالة وديمقراطية وأقل عرضة للهزات العنيفة التي تمثلت باقتلاع من أوطان وهجرات متكررة وهزائم متوالية وانهيارات قيمية وأخلاقية لا تقل قسوة؟).







هوامش
*1ـ ثروت اسحق عبد الملك: الهامشية الحضارية: دراسة عن جامعي القمامة بمدينة القاهرة ـ الكتاب السنوي لعلم الاجتماع [السابع] / القاهرة: دار المعارف 1988 صفحات 45ـ66.
*2ـ نادر فرجاني/ رُحَّل في أرض العرب/ بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية 1987 صفحات 105 وما بعدها. كما يمكن مراجعة: السيد الحسيني: دراسة في علم الاجتماع الحضري، ط2 القاهرة: دار المعارف 1981 صفحات 180ـ185.
*3ـ محمود إسماعيل/ المهمشون في التاريخ الأوروبي/ القاهرة: رؤية للنشر والتوزيع 2009 من المقدمة.
*4ـ شارل دي مونتسكيو/ روح الشرائع/ ترجمة عادل زعيتر/هيئة قصور الثقافة ص 17.
*5ـ أوردها إسماعيل قيره في: نحو رؤية جديدة لدراسة فقراء المدن/ دمشق: 1993، صفحة 15.
*6ـ هامشيون في المدن العربية/ كتاب العلوم الاجتماعية 1993، ص 274.
*7ـ سهير سلطي التل/ قاع المدينة: بحث ميداني حي في بعض نماذج الفئات الهامشية في الأردن/ نُشر في (جدل) 1993، صفحات من 168ـ199.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 13-10-2013, 02:10 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


المجتمع المدني في المدن العربية


بعد أن تضخم حجم المدن بالمساحة وعدد السكان، صار من ضرب الجنون أن تترك المدينة لرجل واحد أو جهاز واحد للمحافظة على الاستقرار الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي فيها، فكما هي أجهزة الجسم (الهضمي و العضلي والتنفسي والعصبي) لها أدوار مخصصة ولها أطباء مختصون، تكون أجهزة المدينة العمرانية والثقافية والبيئية وغيرها لها أقسام يختص بها مختصون، ومن هنا ظهرت فكرة المجتمع المدني.

وكما يبدو، فإن مصطلح (المجتمع المدني) لم يلقَ اهتماماً شعبياً واسعاً، فنظر إليه البعض نظرة فيها بعض الازدراء، كونه تقليد غربي لم يُستنبت في بلادنا ـ وهي نظرة بها من الخطأ ما فيها. كما أن عدم وضوح دور منظمات المجتمع المدني وارتباطها بأنظمة الحكم وضع عليها الكثير من التساؤلات.


فكرة المجتمع المدني قديمة وليست طارئة كما يظن البعض

ارتبطت فكرة المجتمع المدني في أيام اليونانيين القدماء بفكرة وحدة المجتمع والمصلحة العامة التي هي نقيض للمصلحة الخاصة، فهذا أفلاطون يشير في (جمهوريته) الى ذلك ((إن المصلحة الفردية لا يمكن أن توفر أبداً أساساً كافياً لحياةٍ سعيدة، وعادلة أو متمدنة، فالقوة الشرعية، والسلطة، والمعرفة توجد فقط لخدمة أولئك الذين تُمارس لأجلهم. تماما مثلما تكمن مهارة الطبيب في معالجة المرض، ومثلما يمارس القبطان سلطته نيابة عن طاقمه، فإنه لا يجوز لأي حاكم، بقدر ما يتصرف بصفته حاكماً، أن يتوخى أو يفرض ما يصب في مصلحته الخاصة، فكل ما يقوله ويفعله، سيُقال ويتحقق بموجب ما هو مفيد وملائم للرعية التي من أجلها يمارس مهنته))*1.

وأجدادنا الذين ترجموا الكتب اليونانية القديمة فحفظوها من الضياع، وأضافوا عليها (الفارابي، ابن سينا، ابن رشد، الماوردي، ابن الأزرق)الخ. كلهم ربطوا فكرة تقسيم المجتمع لإتقان كل جماعة مهنية أو دعوية (فكرية) للبحث في مجالها، لتكون محاذية للحاكم لتمده بالفكر والنصح، ولتجالسه في مجالس العلم والفكر لتفجير الإبداع وإخراجه من مكامنه، فيكون دور الفكر دوراً وظيفياً محاذياً لحركة المجتمع، كما هي إشارات المرور اليوم تكون منبهة للسائق قبل مائة متر تقريبا وليس الإشارات في شارع والمقصود في مكان آخر! وقد صدر كتاب في أوائل الثمانينات من القرن الماضي يتحدث فيه المؤلف عن المجتمع المدني في عهد دولة النبوة في المدينة، وكيف نسف الإسلام قواعد العلاقات الاجتماعية القائمة آنذاك ووضع قواعد جديدة لتضبط علاقات المجتمع وفق مركزية شرعية وأخلاق مستمدة من الفضاء الديني*2

محاولة تعريف للمجتمع المدني

هناك من يطلق عليه المجتمع الأهلي، (يشير مصطلح المجتمع المدني إلى المجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجودٌ في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية. ومن ثم يشير مصطلح منظمات المجتمع المدني إلى مجموعة عريضة من المنظمات، تضم: الجماعات المجتمعية المحلية، والمنظمات غير الحكومية ، والنقابات العمالية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية، ومؤسسات العمل الخيري(.

ويلاحظ من هذا التعريف الذي اعتمدته الأمم المتحدة، استبعاد الأحزاب السياسية من دائرة منظمات المجتمع المدني.. وقد انتبهت بعض الأحزاب لذلك فأنشأت منظمات (ظِل) تابعة لها لكي تستفيد من المعونات الهائلة التي تقدمها مؤسسات مالية عالمية لها..

ازدياد عدد منظمات المجتمع المدني وازدياد المعونات لها

رصد (توكفيل) أكثر من 18 ألف منظمة في الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف القرن التاسع عشر*3. أما مصادر الأمم المتحدة الحديثة فتقول أنه ارتفعت المنظمات المدنية من 6 آلاف منظمة عام 1990 لتصل الى أكثر من 50 ألف منظمة عام 2006. ووصلت معوناتها المالية الى 15 مليار دولار أمريكي [يمكن الرجوع الى موقع البنك الدولي ومنظمات المجتمع المدني].

وفي مصر وحدها، رصدت أستاذة العلوم السياسية (أماني قنديل) 42600 منظمة في مطلع عام 2013*4.

ومن الطبيعي أن يثير الدعم الخارجي لمنظمات المجتمع المدني العربية شكوك وهواجس الكثيرين. وقد لاحظنا كيف ترافقت موجات ما يسمى بالربيع العربي مع موجات من الظنون والتفسيرات التي تقلل من أهمية الأحداث وتعيدها الى عوامل خارجية!

البيئة التي ترافقت مع ظهور منظمات المجتمع المدني

يشير الدكتور أحمد الصبيحي في أطروحة الدكتوراه له عن الكيفية التي كانت تتعامل بها الأنظمة العربية مع المناخ الديمقراطي ويلخصها ب:

1ـ السيطرة على الحكومة والبرلمان والمجالس المنتخبة.
2ـإلغاء التعددية الحزبية إن وجدت.
3ـ العمل بقوانين الطوارئ والأحكام العرفية.
4ـ تفكيك النقابات والاتحادات والمنظمات وجعلها أجهزة مرتبطة بالدولة.
5ـ توسيع الأجهزة الأمنية وإطلاق يدها في المجتمع.
6ـ اعتماد النظم العربية آلية التعبئة الجماهيرية المساندة للسلطة*5







هوامش
*1ـ جون إهرنبرغ/ المجتمع المدني: التاريخ النقدي للفكرة/ المنظمة العربية للترجمة/ ترجمة: علي حاكم صالح ؛ وحسن ناظم 2008 صفحة 32ـ 38 [ قمت بتلخيص الكتاب وعرضه على حلقات في موقع الوحدة العربيةhttp://arab-unity.net/forums/showthread.php?t=4869

*2ـ أكرم ضياء العمري/ المجتمع المدني في عهد النبوة: خصائصه وتنظيماته الأولى[ رئيس المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة] 1983 صفحات 58 وما بعدها.

*3ـ أورد المعلومة جون إهرنبرغ في كتابه السابق

*4ـ أماني قنديل/ المجتمع المدني في الصراع المجتمعي/ مجلة الديمقراطية الصادرة عن دار الأهرام عدد 51 يوليو/ تموز 2013؛ صفحة 100.

*5ـ أحمد شكر الصبيحي/ مستقبل المجتمع المدني في الوطن العربي/ سلسلة أطروحات الدكتوراه؛ 37 (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية) سنة 2000
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 26-10-2013, 01:25 PM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

العولمة وأثرها على المدن العربية


بعد انهيار جدار برلين في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989، تدفقت عشرات المصطلحات الحديثة والطارئة، ترافقت مع الفرحة العارمة للرأسماليين والليبراليين في العالم بهزيمة عدوهم الأول ـ المشروع الاشتراكي الشيوعي ـ وظهرت مؤلفات تفلسف ضرورة الاستسلام لقدرية انتصار الرأسمالية العالمية (الإمبريالية) وعدم التأسف لزوال المشروع البغيض في نظرهم، والإقرار بعدم عودة ذلك المشروع، ومن أهم ما ظهر من كتب هو كتاب فوكوياما (نهاية التاريخ).

ومن بين المصطلحات التي ظهرت: مصطلح العولمة، واختلف العرب على ترجمته فمنهم من سماه (الكونية) ومنهم من سماه (الشوملة) ومنهم من سماه الكوكبة ترجمة للمسمى الإنجليزي (Globalization) المشتق من ( Globe) بمعنى الكرة أو الكوكب*1

ومن المصطلحات التي رافقت مصطلح العولمة في الظهور: ثورة المعلوماتية الكونية؛ ثورة الاتصالات والمواصلات الفائقة السرعة؛ أوتستراد المعلوماتية؛ الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات؛ العالم قرية واحدة الخ، الخ..

باختصار: ما هي العولمة؟ ومتى بدأت؟

من المؤكد أن فكرة العولمة لم تبدأ بانهيار جدار برلين، وإن كانت قد تجلت بعده. فالعولمة هي امتداد لفكرة الرأسمالية التي بدأت أسسها تتكون منذ القرن الخامس عشر، ومرت بعدة مراحل:

أولاً: المرحلة الأولى: وقد أطلق عليها المختصون الرأسمالية التجارية وهي التي كان يختص بها أصحاب السفن الذين يصلون الى أطراف الأرض ليحضروا الحرير والبخور والأخشاب وغيرها من السلع، وكانوا يؤسسون موانئ بالاتفاق مع حكام محليين وينصبوا عليها أمراء لا يخضعون للحكام الإقليميين (طبعا بالاتفاق مع الحكام الإقليميين وإعطاؤهم نصيبهم) وأطلقوا على تلك الموانئ أو المدن التي تكون محطات مفصلية اسم (المدن الحرة) ولا تزال التسمية سارية حتى اليوم.

وقد رافق تلك المرحلة نمط من التفكير والتبشير العقائدي يجعل من أوروبا وفكرها مركزا للعالم، ويسمى العالم غيرها بالأطراف، التي تستوجب الرحمة أو التصفية أو التحسن عليها بتمدينها! ومن المفكرين والعلماء والفلاسفة في تلك الحقبة: نيوتن وكوبرنيكس وجاليلو وروسو وديكارت وغيرهم.


ثانياً: الرأسمالية الصناعية، وهي الطور الذي رافق اختراع الآلة البخارية (جيمس وط) وما تلاها من اكتشافات أحدثت ثورة في النقل والمواصلات وسكك الحديد والزراعة والصناعات النسيجية الخ.

وقد أصبح التنافس التجاري في كسب الأسواق يعتمد على تخفيض أسعار المبيعات، فكان المتنافسون يقللوا الكلف بزيادة ساعات العمل للعاملين حتى كانت تصل الى 16 ساعة عمل يوميا واستخدام النساء والأطفال بأجور زهيدة جداً، الأمر الذي أدى لظهور فكر يقاوم تلك المظاهر فظهرت النقابات والفكر الاشتراكي، وظهر مقابله فكر يجيز زيادة الإنتاج بأي طريقة..

ومن الغريب أن الأفكار الرأسمالية أتت بعيداً عن المنطق الذي كان سائداً آنذاك ويجيز الإقطاع ونظام اللوردات والفرسان وغيره، وقد تحالف الرأسماليون مع المثقفين المعارضين لشكل الدولة القديم، حتى أصبحوا يطالبوا بتحييد الدولة في التدخل بالإنتاج والتجارة، وهو ما وصلوا إليه اليوم.

عشرات بل مئات المفكرين رافقوا تلك المرحلة من اشتراكيين أمثال ماركس وإنجلز ومعارضين لهم من مختلف أنحاء أوروبا وأمريكا.

ثالثاً: الإمبريالية: امتدت تلك الفترة من مؤتمر برلين 1884 الى مؤتمر فرساي 1919، حيث كانت (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال) تسيطر على كل قارة إفريقيا بالكامل وكانت الفلسفة القائمة أن هذه ليست أرض أحد إذ كان سكانها في نظرهم ليس من بني البشر![No men land]، وكانت الحرب العالمية الثانية على الأبواب، فأحست دول المحور (ألمانيا؛ إيطاليا؛ اليابان) بأنها ظُلمت في الحصص (بمؤتمر فرساي)، في حين الدول الأخرى أصبحت كما لو أنها إمبراطوريات (بريطانيا: الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس) وإمبراطور روسيا كان يلقب إمبراطور كل (الروسيات) روسيا الكبرى و روسيا الصغرى (أوكرانيا) و روسيا البيضاء. وهكذا بالنسبة للآخرين. أما الولايات المتحدة الناشئة في فترة متأخرة فأرادت استغلال انسحاب الإمبراطوريات القديمة لتحل محلها بشتى الطرق..



وقد تنبأ بمسار الإمبريالية مفكرون اشتراكيون ووضعوا حدوداً لنموها ومآلها فقد توقع (بوخارين) في كتابه (الإمبريالية والاقتصاد العالمي) أنه سيتوسع إنتاج الدول الرأسمالية وأسواقها لتصل الى زوايا الأرض الأربع، وكان (لينين) يتوقع أن تنتهي الرأسمالية عند حد الإمبريالية، وهو توقع خاطئ، لأن العولمة وليس الإمبريالية هي آخر تجليات الرأسمالية والإمبريالية وما بعد الإمبريالية.

رابعاً: العولمة بتعريف أنصارها تبدو وديعة لطيفة تنشد الخير والرفاهية لشعوب الأرض، فهي في نظر هؤلاء مأخوذة من (العالم) ليصبح العالم قرية واحدة يتمتع كل أبناؤه بخيراته وأمواله وعلومه وثقافاته الخ!

وهي في نظر أعدائها ومنهم بعض المفكرين العرب مثل (محمد عابد الجابري) عندما أطلق عليها (الأمركة) نسبة لفكر وإرادة أمريكا وفرضها نماذج الحياة والثقافة والإعلام الأمريكي، فمن يناصر هذا النموذج سيتم الموافقة على بقائه في دائرة الأضواء ومن سيعارضه أو يعيقه فإنه سيُدمر ويُزال من أمام هذا التيار. وكذلك يشرح المفكر (سمير أمين) بكتابه (التطور اللامتكافئ).

ويذهب البعض الى أن العولمة فكرة ماسونية بحتة، وضعت أيقونتها على (الدولار الأمريكي) إذ يمسك النسر بأحد مخلبيه غصن زيتون و المخلب الثاني يمسك 13 سهم، وهي رمز الحرب (أو عدد قيادة الجمعية النورانية التي اخترقت الماسونية نفسها وتلعب بالعالم اليوم).

وبعيداً عن لغة الكراهية والتمني بالفشل، فقد توافق أصحاب الرساميل في مختلف البلدان المتقدمة جداً على تأسيس حالة أكثر تقدماً من (الكارتل) و أكثر تقدماً من (الترست). ففي حالة (الكارتل) تتفق مجموعة من الشركات تنتج سلعة أو مجموعة سلعية واحدة على الالتزام بأسعار معينة أو على توزيع للأسواق الخ، وأحياناً تندمج شركتان أو أكثر لتكون هذا الشكل وهذا يُطلق عليه التكامل الأفقي. أما (الترست) والذي يُطلق عليه التكامل الرأسي فكان يعني الاشتغال بكل مراحل الإنتاج للسلعة من المادة الأولية وحتى بيع السلعة النهائية بقصد إلغاء الأرباح الوسيطة أو السيطرة عليها بما في ذلك شراء الشركات المغذية لصناعة مثل صناعة السيارات.

في حالة العولمة: اختفت أسماء الأشخاص من على الشركات مثل (فورد وروكفلر وغيرهما) وحل محلها أسماء متعدية (أو متعددة) الجنسية. واختفى المكان الذي تعمل به وإن بقي مقر الشركة في بلد ما. وتعددت الأنشطة فنجد شركة مثل (ميتسوبيشي) لها عدة نشاطات: ميتسوبيشي للسيارات، ميتسوبيشي للكهرباء، للصناعات الثقيلة، للكيمياويات، بنك ميتسوبيشي وهكذا. ولا يستبعد أن تكون تلك الشركات هي وراء اتفاقية الجات لتسهيل حركتها في العالم.

لقد توقعت بعض دور الإعلام أن عدد الشركات متعدية الجنسية يعد بالآلاف وقد ذكرت مجلة (فورشن) في عام 1996 خمسمائة من تلك الشركات بلغت أصولها 32 تريليون دولار، وإجمالي إيراداتها 11 تريليون، أما عمالها فكانوا 35 مليون عامل، وهو رقم ضئيل ومثير للغضب، عندما نعلم أن نشاطها يساوي 45% من النشاط الاقتصادي العالمي كاملاً.

لقد قدمت تلك الشركات نفسها على أنها المنقذ الوحيد للاقتصاد العالمي، فأصبح رؤساء أهم دول العالم وكأنهم مندوبي مبيعات لتلك الشركات، وكل رؤساء وحكومات العالم تنشد ود تلك الشركات لتستثمر في أراضيها، وهي تتدلل وهي في الحقيقة لا تستثمر إلا إذا ضمنت أرباحاً مبالغاً فيها، لانخفاض الأجور أو الأراضي أو المواد الخام أو القوانين المعفية لها الخ.

كيف أثرت العولمة على شخصية المدينة العربية؟

1ـ فقدان الثقة للحكومات العربية بتطور بلدانها ببرامج اقتصادية وطنية بعيداً عن تلك الشركات، مما ولد ما يلي:
أ ـ الشعور بانعدام الوزن من لدى المجتمعات العربية والمواطن العربي مقارنة بمن يقف وراء تلك الشركات والتسليم لهم بالقوة السحرية!
ب ـ الشعور بضآلة المناهج الثقافية الوطنية وعدم جدواها في الوقوف باستقلالية.
ج ـ ذوبان شخصية البناء والثقافة والفن من خلال الانبهار بتوابع الثقافة والعادات الاجتماعية لمجتمعات تلك الشركات.
د ـ الخضوع لأنماط الاستهلاك للسلع التي تنتجها تلك الشركات، من خلال توحيد الدعاية والإعلان واقتحام كل بيت عربي.

2ـ زيادة المديونية الوطنية وتدويرها بشكل دوري، مما يحكم سيطرة تلك الشركات على عقل المشرع والحاكم والمحكوم.

3ـ فقدان القدرة على اتخاذ أي قرار وطني بعيداً عن موافقة تلك الشركات ومن وراءها من حكومات تسير على هديها.

4ـ بيع الأصول الوطنية من معامل ومشافي وبنوك وجامعات ومصافي ومناجم وحتى طرقات مما يؤدي الى:
أ ـ زيادة البطالة.
ب ـ ارتفاع الأسعار لكل شيء تنتجه تلك الشركات أو تتحكم به.
ج ـ غياب الحرف اليدوية والدكاكين وتحويل البلاد لسلسلة من (المولات) وشبكات المطاعم وغيرها.
د ـ تفشي الأمية لابتعاد الحكومات عن مهمة التعليم شيئا فشيئا في الطريق الى خصخصته.
هـ ـ تفشي الأمراض من خلال إدخال طرق وأنواع من الطعام، وعدم قدرة الدولة على معالجتها..
و ـ توصيل المواطن لدرجة أنه يصبح يُطالب بالمزيد من تدخل تلك الشركات الى البلاد للتعجيل في خلاصه مما هو فيه أو التخليص عليه!








هوامش
*1ـ تبنى هذا المصطلح المفكر المصري (إسماعيل صبري عبدالله). بَشر به ودافع عن الترجمة للمصطلح في ندوة نظمتها مجلة الطريق في الذكرى العاشرة لاستشهاد مهدي عامل.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 14-11-2013, 01:07 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ترميم شخصية المدينة العربية .. هل فات الأوان عليه؟



اشترط ابن الربيع ستة شروط لاختيار مكان المدينة: سعة المياه المستعذبة؛ ودوام إمداد الميرة (المؤن وغيرها)؛ واعتدال المكان وجودة الهواء؛ والقرب من المرعى والاحتطاب؛ وتحصين منازلها من الأعداء و(الزعران)؛ وأن يحيط بها سور.

وذكر ابن الربيع ثمانية شروط أخرى يراعيها الحاكم عند تخطيط المدينة: أن يسوق إليها الماء العذب ليشرب أهلها ويسهل تناوله من غير تعسف؛ وأن يقدر طرقها وشوارعها حتى لا تضيق؛ وأن يبني جامعاً للصلاة في وسطها ليتعرف على جميع أهلها؛ وأن يقدر أسواقها بحسب كفايتها لينال سكانها حوائجهم عن قرب؛ وأن يميز بين قبائل ساكنيها فيجعل كل قبيلة في حي، دون جمع بين الأضداد من السكان الذين قد يتخاصموا؛ ويجعل خواصه محيطين به في مساكنهم من كل الجهات؛ وأن يحيط المدينة بسور له أبواب ليمنع المعتدين والدخلاء من اقتحامها؛ وأن ينقل إليها من أهل العلم والصنائع بقدر الحاجة لسكانها حتى يستغنوا عن الخروج لغيرها*1

وبعد ذلك بستة قرون جاء ابن الأزرق ليضع شروطاً إضافية لاختيار مواقع المدن والتخطيط لها في كتابه (بدائع السلك في طبائع الملك)*2. فقال: أن ما تجب مراعاته في أوضاع المدن أصلان مهمّان: دفع الأضرار وجلب المنافع. ثم يذكر أن الأضرار نوعان: أرضية (ودفعها بإدارة سياج الأسوار على المدينة، ووضعها في مكان ممتنع على هضبة وعرة من الجبل وإما باستدارة بحر أو نهر بها حتى لا يوصل إليها إلاّ بعد العبور على جسر أو قنطرة فيصعب منالها على العدو ويتضاعف تحصينها) والنوع الثاني من ا لأضرار سماوي ودفعه باختيار المواضع طيبة الهواء لأن ما خبث منه بركوده أو تعفن بمجاورته مياها فاسدة أو منافع متعفنة أو مروجا خبيثة يسرع المرض فيه للحيوان الكائن فيه لا محالة.

ويذكر ابن خلدون في مقدمته نماذج من تلك المدن، فقد وصف (قابس) في تونس بهذا الوصف.

أما المنافع التي تجلبها المدن لسكانها فهي كثيرة منها: الشعور بالأمن والأمان عندما تكون المدينة محصنة وفيها وحولها سكان كثيرون يستطيعون الدفاع عنها وقت الشدة، وحماية المظلوم من الظالم وإنصاف أصحاب الحقوق بتشريع وقضاء عادل وحاكم عادل نزيه لا يحابي الفاسدين بل يضرب على أيديهم بشدة، وتحصيل العلم والمعرفة والكسب الشريف وإفشاء المحبة والصداقة والسلام بين السكان من خلال إشاعة الآداب والفنون التي تلتزم بالأخلاق وهذا كله كانت تحميه عدالة الحكم الإسلامي في فترات طويلة، ويزول بزوال العدالة.

ومن الطبيعي أن تتقدم المعارف والعادات وطرائق البناء والملبس والمأكل الخ، وقد تطور معه فقه المدن. وقد ظهر في الدولة الحفصية فقيه في شؤون المدن كانت تستدعيه الدول المجاورة لوضع قوانين المدن وتنظيم الأسواق وفض الخصومات بين المتخاصمين، وكان يعتمد المذهب المالكي في إعطائه الرأي، وقد وضع كتاباً لا تزال البلديات والمحاكم المدنية تعتمد آراؤه وفتاويه حتى اليوم.

إنه ابن الرامي، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم اللخمي، صاحب كتاب (الإعلان بأحكام البنيان)، وهو كتاب فريد من نوعه أورد فيه ملاحظاته في خصوص القضايا التي تنشب بين الجيران أو المستأجرين وأصحاب البناء والعلاقات بين أصحاب الدكاكين والجوار والمشاكل التي تحدث بينهم، ووضع تلك الملاحظات في مصنف مرموق*3 لا يزال يحتفظ بقيمته رغم مرور سبعة قرون على تأليفه.

كان التنظيم الإسلامي للمدينة يحمي الخصوصية للفرد أولاً ومن ثم يراعي الشريعة ثانياً، فعندما كان يشكو المواطنون من علو المآذن وإمكانية كشف المؤذن عورات الجيران، مُنع من فتح نوافذ في المآذن وتم اختيار المؤذنين العميان ولا زال الكثير من المساجد العراقية تسير على هذا النهج. فكانت قاعدة لا ضرر ولا ضرار هي التي تسير في تنظيم المدن.

مما تقدم، نلحظ أن شخصية المدينة العربية كانت تنطلق من ثوابت مستمدة من الروح الإسلامية وخصوصية المجتمع العربي بمختلف أبعادها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية.

ماذا يمكن أن يفعله المجتمع الآن لاستعادة شخصية المدينة العربية؟

قد يكون السؤال غريباً، أو يكون قد قفز عن أسئلة أخرى تسبقه، مثل: هل فقدت المدينة العربية شخصيتها؟ أم أن السكان راضون بما هم فيه من سكن مختلط في عمارات عالية ذات شقق كثيرة يختلط فيها السكان في المصاعد والسلالم وغيرها، مما يصعب من خلاله المطالبة بالعودة لنموذج قد يستحيل إعادته! وسؤالٌ آخر قد يسبق السؤال الأول: هل يريد الناس فعلاً تمييز مدنهم العربية بمميزات معينة؟ وما هي تلك المميزات؟ وكيف يمكن تحقيقها؟

ما الذي يثير اهتمامنا في أس شخصية المدينة العربية؟

إن أكثر ما نهتم به في إثارة هذا الموضوع هو أنسنة (جعلها إنسانية) المدينة، وهذا تمييز عن الجانب الحيواني الذي تتركز فيه الشهوات والتقاتل لأخذ ما للغير واستحواذه. فإن كانت المتطلبات الفردية للإنسان المتمدن تتمثل في العمل والصحة والسكن والتعليم، فكل يوم تزيد عندنا نسب المتعطلين عن العمل وتزداد مشاكل السكن والصحة والتعليم. وإذا أخرجنا الإنسان من ذاتيته ليصبح مواطناً عموميا (Polis) فهذا يستدعي تحسين وتطوير الجوانب السياسية في التشاور مع المواطنين في شأنهم العام.*4

وقد تكون النشاطات الأيديولوجية عامة بشكلها المعروف، تبحث شؤون بلاد أو شعب، لكنها قفزت عن شؤون المدن التي هي أساس المجتمعات العامة، من هنا لو أصبح لكل مدينة برلمان يحشد ذوي الاختصاص لمناقشة واقع ومستقبل مدنهم، اجتماعيا وأخلاقيا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا، لكان ذلك يسهل على الحكومات وضع خططها العامة، وحتى لا يكون هذا البرلمان عبئاً إضافياً مادياً، ليُبلغ أعضاؤه بأنه لا أجور لهم!

فالحديث عن مدينة في مكان ما سيختلف بكل تأكيد عن مدينة أخرى في مكان آخر، ولا يفهم شؤون أي مدينة إلا أبناؤها..

انتهى






هوامش
*1ـ يعتبر من أوائل من كتب في موضوع المدن وتخطيطها، وهو من أبناء القرن الثالث الهجري. ذكره محمد عبد الستار عثمان في كتاب المدينة الإسلامية في صفحات كثيرة.. والكتاب صادر برقم 128 لسنة 1988.
*2ـ ابن الأزرق/ بدائع السلك في طبائع الملك/ الدار العربية للكتاب/ تحقيق: محمد عبد الكريم (1977) صفحة 765. ممكن الحصول على الكتاب إلكترونياً من موقع دار الوراق؛ أو مكتبة المصطفى الإلكترونية.
*3ـ ابن الرامي/ الإعلان بأحكام البنيان/ تحقيق ودراسة: فريد بن سليمان؛ تقديم: عبد العزيز الدولاتلي/ تونس: مركز النشر الجامعي
*4ـ يمكن الرجوع الى كتاب حاجات الإنسان الأساسية في الوطن العربي/ برنامج الأمم المتحدة للبيئة/ ترجمة عبد السلام رضوان/ الكويت: عالم المعرفة/ تسلسل 150 لسنة 1990.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .