العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة الفـكـــريـة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى مقال أضخم المخلوقات التي مشت على وجه الارض (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الاحتضار فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: الموضة الممرضة والقاتلة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: لعنة مومياء الثلج أوتزي الرجل الغامض (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة بمقال التحكم بالعقل أكثر مشاريع المخابرات الأمريكية سرية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث أشباح بلا أرواح (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد كتاب عظيم الأجر في قراءة القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في مقال الطاقة الروحية براهين من العالم الآخر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نقد بحث لغز مركبات الفيمانا (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 24-07-2014, 04:22 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الاحتراف السياسي: صناعة ناقصة عند أحزابنا


فيما تعنيه السياسة، فإنها فن لضبط توازنات القوى المحلية والإقليمية، وفن إدارة الصراعات الأيديولوجية، وفهم تحليل العلاقات الاجتماعية، وقدرة على حل الأزمات السياسية.

والسياسي هو ذلك اللاعب المؤثر في المجالات السابقة، ويختلف تأثير السياسيين من فرد لآخر كاختلاف أداء وأساليب لاعبي كرة القدم، أو تحضير الشواء، فكل تغيير في شيء صغير سيؤدي الى نتيجة مختلفة عن نموذجية الصيغة المتعارف عليها.

والاحتراف السياسي شأن أو شرط من شروط تكوين الأحزاب*1، وإن أُخِذ الاحتراف السياسي على محمل الفهم اللغوي، فإن شرطيته عند الأحزاب ستكون مثيرة للجدل والاستغراب. فالقاتل المحترف لا يجعل لعواطفه أو آراءه ومعتقداته أي دور، فهو يقتل وينجز مهمته بنجاح دون النظر لصوابية الهدف من عدمها، ولاعب كرة القدم المحترف هو يلعب مقابل أجر وربما يلعب ضد فريق بلده أو أقاربه، فهذا لا يعني له شيئاً. فكيف لنا هنا أن نواضع بين هذا المعنى وشرطية الاحتراف بالأحزاب؟

(1)

ما الذي يصنع الاحتراف السياسي؟
قد تضع قيادات التنظير في أحد الأحزاب مجموعة من المنطلقات النظرية التي تبشر بفكر طموح يخلص البلاد والعباد من واقعهم المرير، وتضع مجموعة من الضوابط (أنظمة ولوائح داخلية) تحدد صلاحيات الفرد المسئول أو غير المسئول، وهذا بدوره سيصنع أنماطاً من الذهنيات التي ترضى عنها القيادات وترفع شأن أصحابها بين حين وحين، وإضافة الى صنع تلك الأنماط فإن نماذج من السلوك الحزبي (الكلاسيكي) ستكون هي السائدة لدى العناصر المرشحة للترفيع وتسليم زمام القيادة مستقبلاً.

إن تقييد المنتسب للحزب بتلك المنهجية الحديدية، أشبه ما يكون بشخص يجلس (متربعاً) كما في (اليوغا) أمام شخص آخر أكبر منه سناً، ويجلس نفس جلسته مقابلا إياه وبينهما مسافة عدة أمتار، ويقوم الأكبر سناً بدحرجة كرة قدم بواسطة يديه لتلميذه الصغير، والآخر يعيدها لأستاذه، إن اعتقاد الأستاذ أن يصنع من التلميذ لاعبا لكرة القدم هو اعتقاد مريض وخاطئ بالتأكيد. لا بُد للاعب كرة القدم أن يلعب في المدارس والحارات والأزقة ويسقط على الأرض ويتعرض للسخرية، وتلك المخاضات هي التي تفرز اللاعبين الساقطين الذين لا يمكنهم تكملة المشوار، عن النجوم الذين تتنافس عليهم الأندية!

قد تتورم الأحزاب فيقفز عدد أعضائها من عشرات الى ملايين، وهذا يحدث بعد الانقلابات والتغييرات التي تُسمى في بلادنا (ثورات)، ويصبح فن البقاء داخل صفوف الحزب هو الضابط الذي يضبط حركات المحاباة والنفاق والكذب والخداع، فيموت الإبداع، وتكبر عقدة التعاظم لقادة الانقلاب بأنهم أصبحوا من القادة التاريخيين الملهمين، وتكثر التصرفات البوليسية لمراقبة المبدعين والذين سيصنفون ـ على الفور ـ بأنهم معارضة وجيوب خطيرة يجب تصفيتها.

إن صناعة السياسي المحترف، لها مسارات تتعلق بما يُسمى جدلية النمو السياسي لدى أعضاء الحزب، والتي ستصب بجدلية نمو الحالة السياسية في البلاد. وتلك المسألة لا تأتي إلا بانخراط أعضاء الحزب بالتجمعات الإدارية والإبداع فيها، إضافة الى استمرار البناء المعرفي والمعلوماتي المواكب لتطور الحياة لحظة بلحظة.

(2)

تُصنف الأحزاب، حالها حال المنتديات الفكرية بأنها تجمعات دعائية تتوسم من الشعب من خلال تجمعاته الإدارية أن تتبنى أفكارها بالاقتصاد والاجتماع والتعليم والثقافة والبيئة وغيرها من مناحي الحياة، لتخضعها في البرامج التطبيقية.

ويندرج تحت التجمعات الإدارية، البرلمان، والحكومة، والبلديات،والنقابات المهنية والحرفية وغرف التجارة والصناعة والزراعة والجمعيات التعاونية والخيرية وغيرها من منظمات المجتمع المدني.

وفي اليابان، مثلاً، لن يُسمح بالترشح للبرلمان إلا من مر بعدة تجارب تقع أهميتها دون أهمية البرلمان ـ كونه يقوم بعملية التشريع ومراقبة الحكومة ـ كالنقابات وغيرها، فعلى المرشح للبرلمان أن يُبرز ما يُثبت أنه كان عضواً في أربعٍ أو خمسٍ من المنظمات المدنية بشكل فاعل.

إن تنمية المهارات المتخصصة سياسياً في مجالات محددة، مثلاً عندما يكون المسئول الحزبي مسرحياً (كاتب، مخرج، ممثل مسرحي)، فعليه أن يربط بين الدور الذي يؤديه المسرح مع معتقداته الفكرية، ويكوِّن صداقاته وعلاقاته مع من يتفقون معه عقائدياً ومن يختلفون، فلو كون علاقاته مع من يتفقون معه فقط، لضمرت إمكاناته وتوقف نموه السياسي الإبداعي المتخصص. وكذلك يفعل الاقتصاديون والمهندسون والأطباء، وعندما تكون هناك قيادات واعية للحزب فإنها ستجمع الدراسات المختلفة من قطاعاتها ويبقى خطابها السياسي حيوياً يتطور مع تطور المتغيرات المحلية والعالمية.

(3)

إن المحترف السياسي، إن لم تضبطه مؤسسات حزبية تتنافس أخلاقياً مع مؤسسات حزبية أخرى داخل البلاد، فإنه سيصبح بيروقراطياً، يسكت عن دوام بقاء رئيس للبلاد مقابل إغلاقه لدائرة نفوذه وعدم فتحها إلا بشروط، وهذه بذور الفساد (مصر، سوريا أمثلة واضحة).

وقد يتحول المحترف السياسي الذي لم تضبطه قوانين ومؤسسات أخلاقية الى زعيم (مليشيا، أو شبيحة، أو قبضايات) كفتوة أيام زمان، ولكن الفرق بين تسميات أيام زمان والآن أن التسمية الحديثة تأخذ صيغاً مختلفة (أمن الدولة، المكتب الخاص المكتب الرابع الخ) وهي في الحقيقة لا تعدو عن أنها مليشيات تابعة لسياسيين محترفين أو احترفوا السياسة واكتشفوا أنها مجالا للتكسب.

لقد أشار (ماكس فيبر) الى نوعين من السياسيين المحترفين: النوع الأول: أولئك الذين يعيشون من (السياسة) والنوع الثاني: أولئك الذين يعيشون من أجل السياسة*2

وتشير المفكرة (فيللس بك كريتك)، عن ظاهرة خضوع الأطراف التي لا يحق لها أن تجلس على طاولة المفاوضات، بأنها سترضى بما يقرره الجالسون، وتبدأ تلك الأطراف غير المقررة (أي المتلقية) تتكيف بالشكل الذي تقبل أو ترضخ فيه لما يقرره الآخرون.*3

لكن أولئك السياسيون الذين يعيشون من أجل السياسة، ماذا يريدون؟ وما هي دوافعهم؟ تطرق الكثير من الفلاسفة وعلماء النفس لتلك المسألة فردّها فرويد للمحفزات ولكنه ـ مع الأسف ـ لم يكشف عنها بالتحديد. وردّها (برتراند رسل) الى حب السلطة، لتحقيق المجد، كما ردّها (مارسال) الى الرغبة في الألقاب والتشريفات وغيرها.. *4







هوامش
*1ـ في التنظيم والتربية الحزبية/ مجموعة مؤلفين/ بيروت: دار الطليعة ط5 1980 صفحة 22.
*2ـ العلم والسياسة بوصفهما حرفة/ ماكس فيبر/ ترجمة: جورج كتورة/ بيروت: المنظمة العربية للترجمة 2011 ص 261.
*3ـ التفاوض من موقعين غير متكافئين/ فيللس بك كريتك/ ترجمة: بشرى ملكة/ الرياض: مكتبة العبيكان 2011 صفحة 57
*4ـ مصطفى حجازي/ الجماهير والقائد في ضوء التحليل النفسي/ بيروت: مجلة الفكر العربي المعاصر، عدد11 نيسان/أبريل 1981 صفحات 57ـ73
__________________
ابن حوران

آخر تعديل بواسطة ابن حوران ، 24-07-2014 الساعة 04:35 PM.
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 31-07-2014, 01:54 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الالتزام والانضباط

الالتزام في اللغة من (لزم) وهو معروف، ، وفي التنزيل الكريم { قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما}*1، و{ ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما واجل مسمى}*2، ففي الآية الأولى يختتم المولى عز وجل سورة الفرقان بها، بعد أن عَدّد صفات عباد الرحمن المرضي عنهم، ومن يعصاه ستلازمه العقوبة ملازمة. والضبط في اللغة الملازمة الشديدة التي لا تدعو الى شك وأسد ضابط يضرب بيساره كما يضرب بيمينه، وامرأة ضبطاء كاللبوءة نزقة شديدة الحركة، والضابط الرجل القوي الذي يضبط عمله، والحزبي الملتزم المنضبط هو الذي تتلازم عقيدته مع فعله ولا يألو جهداً في تنفيذ ما وُكِّل إليه من مهام.

(1)

توضع في دساتير الأحزاب وأنظمتها الداخلية المئات بل الآلاف من القواعد التي ترسم مسار حياة الحزبي، في مختلف شؤون حياته وحياة المجتمع، سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم أخلاقية، وتجعله يُقِبل على شيء لتوافقه مع مبادئ حزبه، ويبتعد عن شيء لتناقضه معها.

ويتلقى الحزبي تفاصيل تلك الجزئيات من خلال المحاضرات والمواضيع الثقافية التي يناقشها داخل حلقته، وتصقل تلك السلوكيات من خلال ما يُسمى بالنقد والنقد الذاتي.

ويُراقب أعضاء الحزب الكوادر العُليا قبل الكوادر المتوسطة والدُنيا، ويحكمون على صلاحية الحزبي من عدمها، من خلال تطابق ما يعرفونه عن الحزب أو الحزبي من أقوال مع ما يسلكه فعلاً في حياته الحزبية والعامة.

عندما يردد الحزبي (كبيراً) كان أم (صغيراً)، شعار مثل (وحدة، حرية، اشتراكية)، أي أنه يؤمن بضرورة توحيد أقطار الوطن العربي جميعاً (هذا ما يردده)، ويراه البعض يشتم بأبناء مصر أو السعودية ويصفهم بأوصاف لا تليق بما يؤمن به، فإنه سيكون من الحزبيين الساقطين جماهيرياً، ويسقط في نظر الملتزمين فعلاً من أبناء حزبه. والطامة الكُبرى إذا عرف الناس أنه متخاصم مع أخوته من أمه وأبيه، على ميراث سنتيمترات قليلة، فأي وحدة يطالب بها أمثال هؤلاء.

وعندما يسرق مدير عام جهد العاملين تحت إمرته وينسب أبحاثهم وابتكاراتهم لنفسه، فأي اشتراكية (وعدالة اجتماعية يطالب بها)؟

وعندما يسمع صوت زوجته تطلب منه الحضور لاستلام الشاي من وراء الباب ليقدمه الى ضيوفه، وبعد أن يغادروا يعنفها ويشتمها أو يضربها، لأنها أسمعت صوتها لضيوفه! فأي حرية وأي حقوق للمرأة، أتلف أذان الناس وهو يرددها؟

(2)


يتربى الحزبيون على قواعد أخلاقية عالية، أو هكذا يفترض، مثل (الحزبي أول من يضحي وآخر من يستفيد)، وعندما تراهم العامة يتسنمون وظائف قيادية عالية في الدولة، وهناك الآلاف ممن هم أحق منهم في تسلم مثل تلك الوظائف مما يقدم للوطن والمواطنين الخير الأعم فيما لو تنحى هؤلاء الحزبيون عن طريقهم، فعندها سيكفر الشعب بالحزب وعناصره ويعتبرون خطابه خطاباً فارغاً لا يمت بأي صلة للشعب وأحلامه.

وقد يتفهم الكثير من الوصوليين تلك اللعبة، ويبدءون في التسلق في الدرجات الحزبية حتى يُنسّبوا لمثل تلك الوظائف التي تدر الخير لهم ولأسرهم. يعُمُّ عندها الفساد ليس داخل الحزب فحسب بل داخل الدولة التي يقودها ذلك الحزب.

(3)

في البلدان التي لم تتسلم فيها الأحزاب الحكم، فإن لوائح الانضباط تكون فيها من الغرابة بحيث تتشابه تلك التنظيمات بترهلها مع تنظيمات الأحزاب الحاكمة.

فهناك قواعد مثل ضرورة الانضباط بتنفيذ ما يُطلب من الحزبي، وأولها حضور الاجتماعات، ففي دولة مشرقية لا يزال يحكمها حزب، يذكر أحد الكوادر المطالبة بإصلاح الحزب مجموعة من الإحصائيات المذهلة، فيقول في فرقة حزبية فيها 300 عضو عامل مثبّت يحضر عشرون عضوا والباقي لا أحد يعلم عنهم شيئاً، أما الأنصار في فرقة أخرى فكان عددهم 400 نصير يحضر منهم عشرة أنصار والباقي لا أحد يعرف عنهم شيئاً*3

أما في الأقطار التي لا يحكم فيها حزب ما، ففي الأردن مثلاً، وعند توقيع اتفاقية (وادي عربة)، دعت أحزاب المعارضة الأردنية لمظاهرة ضد الاتفاقية، وعندما حضرت قوات مكافحة الشغب وكان عددها 2200 (دركي) مدجج بالأسلحة والهراوات، لم يتبق من الحزبيين سوى 9% في حين هرب البقية، وبقي أناسٌ لم يُعرف لهم انتماءٌ حزبي.

(4)

هناك مصطلحات تدلل على عملية الانضباط والالتزام تستخدمها الأحزاب التكاملية أي التي تعتمد الأيديولوجيا والتنظيم بعكس تلك التي تنتشر في أمريكا واليابان، ومنها في بلداننا العربية (البعث، والشيوعي، والأخوان). ومن هذه المصطلحات: التهويش والاتصالات الجانبية والنقد والنقد الذاتي وغيرها.

فالتهويش والاتصالات الجانبية، هي ذلك (اللغط) الذي يتم بين صفوف الحزبيين خارج التنظيم، يتم فيه تناول أخطاء القيادات العليا والمتوسطة والدنيا، ويحدث هذا الشيء نتيجة تجاهل المسئولين لملاحظات القواعد أو قمعها في وقت مبكر مما يدفع هؤلاء بالحديث خارج تنظيماتهم.

ونفذ ثم ناقش، حيث تأتي أوامر بالاصطفاف في الانتخابات مع مرشح غير مقنع أو اتخاذ خطوات سياسية معينة، وعدم الاستماع لملاحظات القواعد، مما يدفعهم للالتزام أو التحايل على الالتزام والتمرد عليه، وعندما يحين دور النقاش، فإن القيادات تميل الى التسويف أو القمع من جديد.

إن أحزاباً لا تمارس الديمقراطية بين صفوفها، لا يجدر بها أن تطالب الحكومات بالديمقراطية، وإن استلمت الحكم سيكون رفضها للديمقراطية أنكى من الحكومات التي اجتثتها، وإن أحزاباً لا تكن الود والاحترام لقواعدها أبعد مما تكون دَعيّة بحب الجماهير وتمثيل مصالحها.








هوامش
*1ـ القرآن الكريم سورة الفرقان آية 77
*2ـ القرآن الكريم سورة طه آية 129.
*3ـ عبد الرحمن التيشوري/ في مقالة في موقع (سيريا لايف) نُشرت في 14/1/2014 تحت عنوان (إعادة البناء التنظيمي.. يبدأ بتثبيت العضوية).
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 06-08-2014, 02:54 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

المكاتب المهنية الحزبية


تُعتبر المكاتب المهنية الحزبية، من أهم، بل أهم دليل كاشف على حيوية الحزب أو فشله، كما هي الحال عند زراعة نبات (عباد الشمس) في الحقول، ليتعرف المُزارع أن حقله بحاجة الى إرواء أم لا..

والمكاتب الحزبية تنتشر في كل أحزاب العالم، وقد تكتفي الأحزاب الليبرالية بها بدلاً عن التنظيم (الكلاسيكي) حيث في الأخير تحدث عمليات التثقيف والتربية الحزبية والإعداد والتقويم، في حين في الأحزاب الليبرالية (الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة)، يولد الطفل جمهورياً أو ديمقراطياً كما يولد المجوسي أو البوذي الخ.

(1)

كما هي (الحكومة) فيها تقسيمات وتوزيع أدوار، فهذه وزارة التربية وهذه الخارجية وتلك الصناعة الخ، فإن الأحزاب لها تقسيمات ومهام فهذه تتابع العمال وتلك تتابع الصحة والأخرى يتابع الصناعة الخ.

ويأخذ المكتب على عاتقه ضبط العلاقة الأيديولوجية، في سلوك من هم في نطاق عمله، مع جسم وأداء الحزب العام، مثلاً مكتب الطلاب يرتب الاهتمام بالانتخابات الطلابية (اتحادات الطلبة في المدارس والمعاهد والجامعات)، ويحشد للمظاهرات والمسيرات والاحتجاجات، سواء ما يخص قضايا الطلاب أو الوطن.

وكما للطلاب مكتب، فللعمال والفلاحين والأطباء والمحامين وغيرهم مكاتب، وتلك تعطي دلالة معينة محلياً وإقليمياً وحتى على المستوى العالمي لمن يراقب الحالة الحزبية، على أن هذا الحزب قوي أو ضعيف، فعندما تحصد مقاعد النقابات والأندية والبلديات لحزب ما، فإن هذا الحزب بالتأكيد له من الأنصار والمؤيدين جماهير لا يمكن الاستخفاف بها، من هنا تحرص بعض الأحزاب على التفنن فيما يُسمى بلعبة الصوت ولهذه المسألة حديث آخر.

(2)

تُخطئ الأحزاب عندما تأتي بمسئول مكتب مهني من خارج إطار المهنة نفسها، فمثلاً عندما يؤتى بمؤرخ أو خريج كليات العلوم السياسية أو الحقوق ليكون مسئولاً عن مكتب الممرضين أو الأطباء، فإنه سيقع في أخطاء مهنية قاتلة تعود على الحزب بالخسارة، قد يكون خيال هذا المسئول وثقافته تجعله مؤهلاً ليتكلم بشؤون الأطباء أو الممرضين، ولكن هذا الخيال والثقافة ستكون كما يقرأ أحدهم كتاباً (كيف تتعلم تنس الطاولة بدون معلم) ويحاول تطبيقه في منافسات هامة!

المفروض أن يُعد الطبيب أو المهندس إعداداً حزبياً جيداً (الثقافة، والعمل الجماهيري، وأساليب التنظيم الخ)، ثم تُناط به مسئولية المكتب المهني لمهنته، وليس العكس، أي أن يؤتى بحزبي جيد (كما في لوائح ودرجات ترقية الحزبيين) ولأنه كذلك، تناط به مسئولية مكتب مهني هو غريب عنه مهنياً، وهذه المسألة تحدث عندما يؤتى بمسئول حزبي من محافظة بعيدة ليكون أعلى رأس (حزبياً) في محافظة أخرى! إن فهم طبائع وعلاقات المجتمع المحلي مهمة جداً في أداء الحزبيين لأدوارهم، وإن الإتيان بمسئولين بعيدين عن طبيعة المهنة أو المكان هي خصلة سيئة مستلهمة من أجهزة الشرطة والمخابرات والحكومات بشكل عام.

عندما تنتظم أمور المكاتب المهنية الحزبية، فإن الإنتاج الفكري والعطاء الإجرائي (التنفيذي) على صعيد الوطن أو على صعيد نمو جماهيرية الحزب، سيكون مُرضياً جداً، ويضع عجلات عربة التقدم السياسي على قضبان المسار الطبيعي لذلك النمو السياسي وطنياً أيضاً.

تتجلى إمكانيات المكاتب الحزبية في الأحزاب البريطانية، حيث يُخصص لكل نائب بالبرلمان ما يزيد عن مائة مساعد، يقيمون في مكتب تزودهم الدولة به وتفتح أمامهم الملفات الإحصائية والمعلوماتية، فيذهب النائب بالبرلمان مُزوداً بذخيرة مُكثفة وضعت بعناية لتغطي مداخلة برلمانية مدتها دقيقة مثلاً، في حين في برلماناتنا العربية، يستأذن النائب المتكلم عدة مرات لإعطائه فرصة يوضح بها ما يريد، ولكنه يبقى فريسة (جق الحكي، أو الكلام الفارغ، أو الهدره الخاوية).

(3)

يتم التعرف على المسئولين الحزبيين الجيدين، من خلال المكاتب المهنية الحزبية، ويكتسب هؤلاء الحزبيون الجيدون من المؤيدين والأصدقاء داخل محيط مهنتهم أكثر مما يكتسبونه من داخل الحزب نفسه، وقد يحدث أن يكون هناك خصومة أو حتى صراع بين المكتب الحزبي والحزب نفسه، كما حدث أكثر من مرة بين النقابات العمالية وحزب العمال البريطاني، حيث أسقطت النقابات والمكاتب المهنية لحزب العمال حكومة حزب العمال نفسه!*1

إن الحزبي الجيد الذي يتم تمرينه بشكل جيد، في المكاتب المهنية، يكتسب خبرات سياسية هائلة، يستعيض من خلال تلك الخبرات الرجوع الى الحزب، أو مرجعيته، لأنه يعتبر ما قام به هو الذي يجب أن يُقام به، أو هو الذي يجب أن تتخذه قيادة الحزب، وعندما تكثر التباينات بين موقف الحزبي الجيد وقيادته، فإن هناك خللاً مؤكداً في بنيان الحزب وأدائه ( ليتمعن المراقب ما جرى بين الرئيس مرسي وقيادة حزبه، أو مرجعية المرشد).



هوامش
*1ـ موريس ديفرجيه/ الأحزاب السياسية/ترجمة: علي مقلد وعبد الحسن سعد/ بيروت: دار النهار للنشر الطبعة الرابعة 1983 صفحة 190وما بعدها.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 11-08-2014, 03:15 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الاجتماع الحزبي


الاجتماعات مسألة معروفة منذ القدم، وهي تتنوع من حيث أحجامها وأهدافها والمدعوين لها، فهي قد تكون متخصصة لشركة أو عشيرة أو حي أو نقابة أو حزب، وقد تكون أعداد المشاركين فيها بين بضعة أشخاص أو آلاف، وقد تكون للتبشير بخطة أو فكر أو التعرف على ردة فعل المعنيين بالاجتماع من أجل تصويب الخط الأولي الذي دُعي المجتمعون إليه، أو يكون هدفها تنويري أو تبشيري، أو لحشد وكسب مؤيدين لخط معين أو مرشح الخ.

(1)

والاجتماعات الحزبية هي لون متخصص من الاجتماعات، وتبدأ من اجتماعات دورية هدفها تربية وتثقيف الحزبيين، وتعويدهم الالتزام والانضباط وفن الحوار، وبناء الشخصية الممثلة لجديلة المنظومة العقائدية للحزب، وصناعة الكوادر التي تبني مؤسسات الحزب والمجتمع وحتى الدولة ضمن رؤية تتفق مع دستور وأهداف الحزب.

وبالقدر الذي ينجح المسئول الحزبي في إنجاز اجتماعاته بقدر ما يتدرج في الترقي بالمسئوليات داخل حزبه، ثم خارجها على الصعيد الوطني.

وحتى يكون المسئول ناجحاً في التقدم بالخلية الحزبية التي أُنيط به مسئوليتها عليه أن يلتزم بما يلي:
أ ـ التعرف على أعضاء خليته بشكل جيد، فمنهم العضو الخجول المتلعثم الذي لا يستطيع التعبير عما يجول في خاطره، ومهمة المسئول هو أن يشجعه دون الإضرار بحالته النفسية بين زملاءه أو رفاقه في الخلية، وتَفَقُدْ مدى تطوره أولا بأول. ومنهم من يحب المعارضة والمحاججة ليبين للآخرين مدى نباهته وتفوقه، فعلى المسئول أن يحيل خصلته هذه لزملائه في الحلقة لتقييم مدى صحة ما يقول، حتى لا يقتدي به الآخرون أولاً، وحتى يتخلص هو من تلك النرجسية والغرور ومقاطعة الآخرين، لأنه في النهاية سيتم تصديره للشارع والميادين المختلفة، ولن يكون هناك من يصوِّب أخطائه من رفاقه. وهناك من الأعضاء من يبقى خاملاً مكتفيا بابتسامة ساذجة وموافقة أزلية على كل ما يُقال في الاجتماع، وهؤلاء أخطر العناصر على الحزب والوطن لنفاقهم المبطن، فعلى المسئول أن يدفعه للمشاركة أولا بأول أو يطلب التخلص منه بالطرد.

ب ـ احترام قدسية الوقت والحضور من قبل المسئول قبل أعضاء الخلية، وأن لا يترك الاجتماع تحت رحمة الهذر واللغو غير المفيد، ويخصص الوقت لكل نقطة من برنامج الاجتماع الذي عادة ما يُقسم الى (التعليمات والوارد من القيادة؛ ثم مراجعة محضر الاجتماع السابق، ومتابعة ما تم تكليف الأعضاء به؛ ومن ثم الموضوع الثقافي؛ ومن ثم الأخبار والتعليق عليها؛ وباب الأسئلة والاستفسارات). وعلى المسئول أن يعطي بتركيز دقيق كل فقرة بوقتها الملائم، دون الإطالة فأنجح المدد التي تعطى للخلايا السُفلى هو ما يقل عن ساعة بقليل، والخلايا المتوسطة تعطى ربع ساعة إضافي، ويزداد الوقت بازدياد أهمية الحلقة فإن كانت حلقة قيادة محافظة أو لواء سيكون من بين النقاط تفقد الأحوال التنظيمية لكل حلقة أو منظمة إضافة الى أحوال النقابات الخ.

ج ـ أن يأتي المسئول الى الاجتماع هاشاً باشاً غير متكدر أو متثائب بين حين وآخر، ومحضراً للموضوع الثقافي كما يحضره الآخرون، وباحثاً عن أجوبة الأسئلة التي طرحت في الاجتماع السابق، وأن يطفئ جهاز هاتفه المتنقل كما يطلب من الآخرين ذلك.

(2)

هناك من الاجتماعات الكثيرة ما تتصف بالفاشلة، وهي تلك الاجتماعات التي يتبعها أسئلة من بعض الذين حضروا الاجتماع مثل: ماذا أضاف لي هذا الاجتماع؟ إن المعلومات التي وردت معروفة، أو موجودة في الكتب والصحف ووسائل الإعلام.. لا أرى مبرراً لعقد مثل هذا الاجتماع.. إن المكان الذي عُقد فيه الاجتماع سيء التهوية ومزدحم بأشخاص غير مفيدين.. إن المسئول كان غير حازماً وخالي الوفاض! إن من طلب عقد الاجتماع جاء ليملي علينا ما يريد وذهب دون الاستماع لرأي من أي كان!. كان تخصيص أماكن الصدارة ومقاعد الصفوة تُعطى لأناس لا يستحقونها..

إن تكرار مثل تلك الاجتماعات الفاشلة، سيؤدي الى عزوف كبير لحضور الاجتماعات، ومن ثم الندوات العامة، ومن ثم اللقاءات الجماهيرية، وبالتالي فإنه سيحرم الحزبي من تنمية مهاراته ومعارفه ويوقعه في أخطاء ستُحسب عليه وعلى حزبه في المستقبل.

قد يحضر أحد الحزبيين اجتماعا شعبياً، ويكون أحد المتكلمين فيه رجلٌ قد يبدو عادياً أو أمياً، لا يتقن مخارج اللغة ولا يحسن التعبير، وقد يعلق الحزبي تعليقاً متهكما على المتكلم بصوت منخفض، ولكنه لا يعلم علاقة من كان يجلس بقربه بالمتكلم فقد يكون أخاه أو قريبه أو أحد المتحالفين معه، وعندها فإنه سيفتح باباً واسعاً لمخاصمته من عينة من الجماهير! وهذا نتيجة عدم استكمال المراس اللازم في فنون الاجتماعات.

الاجتماع الحزبي المتدني إذن، هو ذلك الاجتماع الذي يلتقي فيه بضعة أنفار لا يعرفون ماذا يتداولون، وهو اجتماع شكلي لأشخاص يتشاغلون فيه بقضايا سوقية ويدخلون في تفصيلات شخصية ينقلون فيها علاقاتهم وأمراضهم وأمزجتهم من (البيت) و (الشارع) الى الاجتماع الحزبي.*1


(3)

بالقدر الذي تهتم فيه الأحزاب بالاجتماع الحزبي، وتراقبه من خلال الزائرين من القيادات الى الحلقات الأدنى، بالقدر الذي تُصنع فيه الكوادر القيادية التي تتحلى بأخلاق المجتمع المُثلى وتحلم بالارتفاع بالمجتمع ليكون راقياً نظيفاً خالياً من الفساد والتراكض على نهب خيرات الوطن.

ليس المهم أن تُرفع شعارات مليئة بالفضيلة والخُلق، فكل الأحزاب ترفع مثل تلك الشعارات، ولم يظهر حتى اليوم حزبٌ يقول بأنه يسعى لتفشي البطالة وقطع الكهرباء عن المواطنين وإشاعة الرذيلة وسيادة الفاسدين.

وحتى يتم التطابق بين النظرية والتطبيق، بين المُثُل والسلوك، فإن المصنع الرئيسي لمثل تلك القيادات وإنشائها هو الاجتماع الحزبي الأولي، فإذا تمت صيانته سيتم صيانة الاجتماعات الأكثر تقدماً (الوسطى والعليا)، فلن يعود هناك من يصفق لقائد يحفظ جدول ضرب (الثلاثة مثلاً) وكأنه مخترع!



هوامش
*مجلة الثورة العربية العدد المزدوج (4ـ5) السنة الرابعة 1953.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-08-2014, 12:26 PM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الحوار والنقاش والجدال


(1)


هناك منظومة من المفردات التي تتعلق بالنشاط اللغوي في العمل السياسي، يتوقف حُسن نمو الخاصية السياسية للسياسي على التوفيق في التعامل مع مثل تلك النشاطات المندرجة تحت تلك المنظومة.

فالحوار والجدال والحديث والمناقشة والمناظرة، قد تبدو لأول وهلة وكأنها تشي بنفس النشاط اللغوي، ولكنها تختلف اختلافاً قد يؤدي عدم فهمه الدقيق الى الوقوع في أخطاء قد تهوي بالسياسي من درجة عليا الى درجة سُفلى، حتى تخرجه بالتالي من دائرة النشاط السياسي في مجالاته المختلفة، إذ يكون في مسألة يُطلب فيها النقاش، يلجأ السياسي المتعثر الحظ الى المجادلة أو المناظرة!

الحوار من الجذر (حَارَ)، أي تاه ودار وعاد الى النقطة التي ابتدأ فيها مشواره، ومن هنا الحارات، والدارات مثل (دار القمر) أي الدائرة التي تحيط بالبدر المكتمل، وفي العراق لا زال الناس يستخدمون (الدارة، أو الداير) للتدليل على حي يعرف أصحابه بعضهم البعض، ويستخدم بعض الناس في كلامهم مثل تلك الإشارات فيقولون (يلف ويدور) لمن يعيد في الكلام أثناء حواره مع الآخر.

النقاش: بالأصل مأخوذة من نَقَش بمنقاش أي استخرج شوكة من قدمه أو قدم غيره، فتم الاستعاضة عنها في الكلام، لأولئك الذين يتسلسل أحدهم بالكلام ليستخرج (إقراراً) بحقيقةٍ معينة، يستخدمها ويستند عليها في إتمام كلامه.

والمناظرة: من الجذر (نظر)، فهي بالأصل المعاينة والإشراف، فيُقال: ناظِر المدرسة أو ناظر الحضرة الملكية الخ. ولكنها في الاستعمال الشائع اليوم تستخدم للمباراة في الكلام، فتتم المناظرات بين المرشحين للرئاسة أو البرلمان.

أما الجدل، والمجادلة، فهي لفظ لا يحمل عند العرب براءة المحاورة، بل ينطوي في ثناياه خِصال ماكرة. وفي الفلسفة يشير الى (الدياليكتيك) أو التطور الجدلي، حيث يطرح (أ) فكرة معينة، ويطرح (ب) نقيضها، ويتفقان في نهاية الحوار بعد أن يتنازل كل من (أ) و (ب) عن جزء مما طرح، فيتولد مولود اسمه (المركب)، فيحمله كل من (أ) و (ب) كأنه ذخيرة أو حصيلة ما اتفقا عليه، فيذهب أحدهم الى (ج) ويطرح المركب بصفته فكرة جديدة، فيطرح (ج) نقيضه، ثم يتوصل الطرفان الى مركب جديد، وهذه هي فكرة التطور في المجتمعات التي يحل الحوار والجدل البناء محل الموافقة الكاذبة أو النفاق.

وقد ورد الحوار والجدل في القرآن الكريم بأشكال مختلفة، فيكون بين الله ورسله، وبين الرسل والعباد وبين الناس وأعضائهم وبين الطير والناس الخ.. {ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}(الكهف 54)؛ {وقالوا أألهتنا خيرٌ أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون} (الزخرف54)؛ {وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا واعز نفرا} (الكهف34)؛ وقد ورد لفظ الجدل والحوار في آية واحدة {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير} (المجادلة1).

(2)

الأصل بالسياسي أنه يزعم أنه يحب وطنه ويحب شعبه، ومن يحب شعبه، لا يتمنى لهم إلا الخير، وأن يكون السياسي كالأم التي تنظف ولدها الرضيع دون تأفف، وأن لا ترمي به الى المزبلة كونه قذراً، فمن يتهكم على شعبه تسقط مزاعمه في أنه ينشد الخير لأبناء شعبه، حتى لو كانوا في نظره جهلة أو ماكرين، ومن يدري فلعلهم ينظرون إليه أنه جاهل وماكر!

مر على الدولة العربية والإسلامية قرنان من الزمن لم يكن المسلمون فيها إلا ما يقارب خُمس السكان، ومع ذلك فقد تفجرت طاقات الإبداع في كل المناحي، الاقتصادية والعلمية والفلسفية والفقهية، كان العدل يسود فيحس المواطن بالأمان وينصرف الى الإبداع، بل كانت الدولة تجذب المبدعين من خارجها ليظهروا إبداعاتهم وترجماتهم ويتعلموا العربية ويكتبوا ويؤلفوا بها، انظر الى الصابئة من أولاد موسى بن شاكر وثابت بن قرة، وانظر الى المسيحيين واليهود كيف كانوا يخلصوا في أعمالهم بالترجمات والبحوث وغيرها (أولاد حنين بن اسحق؛ وبختشوع) وغيرهم.

لن يكون عادلاً من لم يكن إنسانياً، فمن حابى ابن دينه أو ابن عِرْقه، أو ابن حزبه، على حساب الحق، فإنه ليس إنساناً عادلاً، ولا يؤمن بالله، ولا بأنبيائه، فكل الرسالات السماوية أوصت بالإنسان خيراً، وطالبت بالعدل والقسط، فلذلك جذبت دولة العرب والمسلمين المبدعين من كل أصقاع الأرض، عندما كان يسود فيها العدل، وهاجر أبناؤها من أرض المسلمين عندما ساد الظلم، وهذا ما جعل الإمام محمد عبده يقول قولته الشهيرة عن بلاد الأجانب وجدت فيهم إسلاماً ولم أجد مسلمين، كما لم نجد في بلادنا إسلاماً في حين أنها تمتلئ بالمسلمين.

(3)

يلجأ المحاور الرديء الى أساليب سيئة تنفر الناس من محاورته، ودلائل رداءة المحاور هي:
1ـ الحديث بصوت عالٍ.
2ـ الانتقال من موضوع لموضوع لتشتيت تركيز المحاور.
3ـ عدم الإصغاء للمحاور الآخر، وإن أصغى للحظات فهي لالتقاط الأنفاس، ويكون في أثناء تلك الوقفة يحظر لتوليفة سيئة جديدة.
4ـ الشتائم، ووصف المستشهد بهم بأوصاف غير مؤدبة، عميل، حمار، أخرق، مرتشي الخ، مما يؤذي المحاور الآخر أو يدفعه لتقليد هذا الأسلوب الرديء.
5ـ الضحك أثناء جولة المحاور الآخر والالتفات يمينا وشمالاً من باب السخرية.
6ـ استخدام الأسئلة الاستفزازية والتي تجلب التوريط، كأن يطرح سؤالاً بين لحظة وأخرى: هل أنت ضد سياسة رئيس الجمهورية؟ أو جلالة الملك؟
7ـ الابتعاد عن مناقشة ما يُطرح ودفع المحاور الى زوايا يتقنها المحاور الرديء، فإن أحس المحاور الرديء بجهل محاوره بالجغرافيا أو الدين أو التواريخ، دفع محاوره للوقوع بفخاخ إبراز جهله أو نقص معلوماته بها.
8ـ يحاول المحاور الرديء إشراك الحضور بإطرائهم ومدحهم في الأول ثم تأليبهم على محاوره، كأن يقول بين كل لحظة: اسأل هذا الرجل العظيم الذي يُجمع الناس على استقامته وأمانته وشجاعته، فهو إن لم يكسب هذا الشخص سيضمن (حياده) في المحاورة.

(4)

لا يبتذل المحاور الجيد احترام الآخرين ابتذالاً، بل ينطلق في احترامهم من خلال إيمانه بحق كل مواطن بإبداء رأيه في أمور وطنه، وقد يكون رأي هذا المواطن فيه من المنفعة ما يخدم الوطن، فلماذا يُقمع؟

وقد يكون رأي هذا المواطن مسموماً وكريهاً، فتخليص المواطن من آرائه الكريهة، كغسيل المعدة بعد التسمم بالغذاء، ولكن على المحاور الجيد تبيان رداءة الرأي الذي يحمله محاوره، بالحجة القوية والأسلوب المقبول، فلا يسفه رأي محاوره علناً، بل يوافقه عليه جملة وتفصيلاً، ثم يبدأ بتشريحه ب (لكن) (ماذا لو)، حتى يقر المحاور الآخر بضحالة فكرته ورداءتها.

على المحاور الجيد، أن يبقى على هدوءه ومحاوره يتكلم، ويساعده في التمكن في التعبير، ويقول له بين فترة وأخرى، نعم، أكمل من فضلك، ويسأله دون تجريح أو انتقاص: هل أنهيت حضرتك كلامك؟ ثم يتناول رده بطريقة علمية.

وقد لخص المولى عز وجل فكرة الحوار الجيد بقول الرجل المؤمن في سورة غافر {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا إن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وان يك كاذبا فعليه كذبه وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم} [غافر 28].
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-08-2014, 02:22 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

العمل الجماهيري


في كل مجال تدريسي نظري، يرافقه مجال عملي، دروس الفيزياء والكيمياء في قاعات المحاضرات، يتبعها أو يحاذيها دروس تطبيقية في المختبرات، وكذلك الهندسة والطب والزراعة الخ.

في السياسة، والعمل الحزبي، وكما أسلفنا، فإن كل الأحزاب تتطهر وتسوق نفسها كملائكة للرحمة، وقد اختبر المواطن العربي ذلك طيلة أكثر من قرن من الزمان. لم يعد المواطن يكترث للكلام النظري والشعارات، ولم يعد المواطن مدافعاً عن أي نظام حكم عربي، أو حتى حزب سياسي، استلم الحكم أم لم يستلم.

(1)

تسعى الأحزاب السياسية للوصول الى السلطة، من خلال تعريف (منحوت) للحزب بأنه جماعة دعائية مصطنعة دائمة تسعى لاستلام الحكم. في حين تكون المنظمات الجماهيرية، أو الشعبية، وأحياناً يُطلق عليها منظمات المجتمع المدني، وهو استخدام يحتاج الى مزيد من التفصيل ـ لسنا بصدده ـ، الى تنفيذ خطة معينة، قد تكون آتية من حزب بعينه، أو مجموعة أحزاب متفاهمة، أو أشخاص فُرادى ليس لهم علاقات حزبية، أو من حزبيين لم يأخذوا أوامر تحركهم من أحزابهم، لإتمام مسألة معينة في منطقة معينة.

وتتفاوت أهداف خطط ومشاريع العمل الجماهيري، من حيث مناسبتها، أو تصنيفها، فقد يتنادى أشخاص لتنظيف مدينة من القاذورات، وتنتهي حملتهم وتجمعهم بانتهاء الهدف، أو ينذر مجموعة من الأشخاص لمكافحة الأمية في قرية ما، أو يتنادى مجموعة من الشخصيات المحلية لمعالجة تسكع الشباب أمام مدارس البنات ومضايقتهن، بعد أن ينسقوا مع الجهات الأمنية المختلفة.

وأحياناً تأخذ مشاريع العمل الجماهيري طابعاً تنموياً، كأن يبادر أبناء تنظيمات حزبية ببناء قرى للعمال (مشاريع حدثت في أوائل السبعينات بالعراق). أو تقوم نقابة الأطباء مثلاً بفتح عيادات شعبية بأجور زهيدة جداً واعتبار التبرع بالقيام بهذا الواجب جزء من النضال الوطني.

وقد تبادر مجموعة معينة من اتحاد الشباب الوطني بالمشاركة بأعمال حصاد العدس والقمح، أو تنظيف منطقة أثرية، كما حدث في منظمة اتحاد شباب الأردن عندما شاركت في حصاد العدس في منطقة (عمراوة ـ شمال الأردن) وتنظيف منطقة آثار (أم قيس) وذلك في بداية التسعينات من القرن الماضي.

قد تستحسن القيادات الحزبية أعمالاً شعبية مثل تلك، وتدرجها في تقاريرها وكأنها إنجازات قامت بها هي، في حين تكون هي مبادرات منفصلة عن الإرادات الحزبية.

(2)


لا يُحب أكثر الناس العمل، ولا الحديث الطويل، ولا الرياضيات والبراهين والقوانين، وقد يكون طلبهم للعلم ليس حباً بالعلم بل هو رغبتهم بالابتعاد عن العمل، والكثير من الناس يجيب على سؤال لما تُعلِّم ابنك؟ فيقول: لا أريده أن يشقى مثلي في العمل، أي أريده أن يكون مُشرفاً ومديراً على أناس يعملون!

وقد فضحت السنوات الأخيرة تلك الخصلة أي كره العمل عند كل شعوب الأرض، ولم تشذ شعوبنا عن تلك القاعدة، فقد وقع الناس في الأردن وفي دول الخليج ضحايا لعمليات نصب واحتيال كبيرة وصلت قيمتها عدة مليارات الدولارات، بحجة الاستثمار بالبورصة والأسهم ذات المردود العالي! فباعت النساء مصاغها الذهبي، وباع الرجال بعض ممتلكاتهم أو معظمها وسلموا أثمانها لأشخاص ومكاتب وشركات وعدتهم بأرباح تصل الى 25% بالشهر! وصدَّقوا ذلك، ولم تزل قضايا عمليات النصب تلك مستمرة منذ ست أو سبع سنوات.

في السياسة قد تلجأ أحزابٌ وحكومات لمثل ذلك، مستلهمةً الخاصية البشرية في تسهيل الأمور والحصول على مكاسب سريعة دون عناء، فكانت بعض الأحزاب الشيوعية والقومية تلجأ لإرسال الطلاب للدراسة في الجامعات العربية أو الشيوعية، فيعلن الطلاب وحتى ذويهم إيمانهم المطلق! بالفكر الذي تلتزم به الدول صاحبة الجامعة! وما هي إلا سنوات قليلة حتى يتخرج هؤلاء الطلاب ويستنكفون من تلك الأحزاب أمام دوائر المخابرات العربية، أو أنهم ينخرطون في العمل المخابراتي أثناء دراستهم في تلك الجامعات، وربما قبل ذلك!

وتستغل هيئات حزبية أو مستقلة، تلك الخاصية في الانتخابات البلدية والبرلمانية وربما الرئاسية، في شراء ذمم الناخبين، كون تلك الجهات تعرف ضحالة الولاء والفهم السياسي لدى جمهور الناخبين، فهو لا يؤمن لا بالوحدة ولا بالحرية ولا بالعدل ولا بشيء أو أن تلك المسائل لا تؤرقه، ولكنه يؤمن بالمنفعة الآنية من عملية التصويت، فلذلك تنخفض نسب التصويت في كل مناطق العالم لعدم الاقتناع بكل العملية، ويذهب للاقتراع من يوالي حزباً أو طائفة أو عشيرة، ومن استلم ثمن صوته وهم يفوقوا الأصناف الأخرى!

(3)

وعندما تصدق النية في العمل الجماهيري، فإنه يؤدي دوراً ممتازاً في تحقيق العدالة ويُبعد الناس عن التفكير بالعنف والقتل والتفجير والتكفير وغيره، فقد تسقط حكومات وأنظمة، إذا تم ربط العمل الجماهيري بالعمل السياسي، كأن يتم الإضراب عند المعلمين والممرضين وعمال قطاع الكهرباء وإسالة المياه، ويبقى الإضراب قائماً حتى يتغير الدستور أو الحكومة أو يتنحى رئيس الجمهورية.

لكن هل يتنادى الناس هكذا للعصيان المدني؟ أم هل تكون وسائل التواصل الإلكتروني هي البديل عن التنظيمات الحزبية، وتؤدي دورها أم أدوارها؟ وهل هو مضمون هذا اللون من التواصل في العمل السياسي، أم أنه يصبح عرضة للسرقة؟

يعني, هل يستسلم العرب لفشل جهودهم بالتغيير المدني الحديث؟ أم أن التغيير المُسلح وما يرافقه من دماء وزهق أرواح وتخريب منشآت البلاد واقتصادها وتهديد السلم المدني هو الطريق البديل الناجح؟! أم أن هناك أسلوب لم نتدرب عليه جيداً، أو لم نستخدمه لحد الآن, أو أننا استخدمناه ولكن بطريقة مغلوطة؟ وما هو دور المسئول الحزبي في ذلك الأسلوب المُستتر؟
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 06-09-2014, 12:27 PM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

النقابات والعمل النقابي


رغم أن لفظ (نقيب) معروفٌ في تراثنا العربي الإسلامي، حيث ورد في القرآن الكريم بسورة المائدة { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا }، وتعني النقيب في اللغة الوجيه والقائد، وبالرغم من قِدم استعمال ذلك اللفظ، إلا أن مدلوله وما يعنيه قد دخل حديثاً الى الاستعمال، منذ قرن أو ما يزيد قليلا، وقد حل محل مصطلحات مثل (شيخ الكار) و (شيخ المهنة) وربما (المحتسب).

لقد عرفت حضارتنا العربية والإسلامية وشعوب منطقتنا مدلول هذا اللفظ منذ القدم، فقد نظم الفراعنة والسومريون مهنهم وأوردوها في تشريعاتهم كما وردت في شرائع حمورابي، ولو تمعنا في المادتين 229، و230 من شرائع حمورابي لأدركنا مدى ما كان من بلوغ تنظيم المهن (المادة 229: لو بنى معماري بيتاً لسيد، لكنه لم يجعله قوياً، وكانت النتيجة أن انهار البيت ومات صاحبه، يُقتل المعماري)؛ (المادة 230: لو تسبب في قتل ابن صاحب البيت يُقتل ابن المعماري)*1، كذلك توجد مواد تنظم عمل الأطباء والبيطريين وغيرهم.

(2)

إذا كان تعريف النقابة (Syndicate): جمعية تُشكل لأغراض المساومة الجماعية بشأن شروط الاستخدام ولرعاية مصالح أعضائها الاقتصادية والاجتماعية عن طريق الضغط على الحكومات والهيئات التشريعية، والالتجاء الى العمل السياسي في بعض حالات معينة*2, فإن الغايات الواردة في هذا التعريف، أو جزءا منها كانت قد وضعت نُصب أعين القائمين عليها منذ عهود غابرة (السومريين والفراعنة).

وفي العهود الإسلامية في القرون الأولى من الحكم الإسلامي، وجدت وظائف شبيهة بوظيفة النقيب في الوقت الحاضر، ولكنها لم تكن تحمل نفس الاسم، فقد وجد (المحتسب) الذي كان يراقب عمليات (الجودة) ومطابقة المواصفات وقد كان يرتبط بالوالي أو مدير الشرطة لضبط الجودة ومنع الغش، ومنهم من اعتبر تلك المهنة تطوعية وبلا أجر، بل أن صاحبها كان يحتسب أجره عند الله، ومن هنا جاء اسمه.

ويبدو أن تنظيم المدن والأسواق في العهود السابقة حتى قبل قرن من الزمان، كانت تسمح لأن يتم اختيار (كبير) لكل مهنة، ومن يتجول في أسواق الموصل وبغداد والقاهرة وفاس القديمة وغيرها من المدن العربية، سيجد (سوق الصفافير) أي المشتغلين في النحاسيات وسوق (الفراء) وأسواق متخصصة لكل حرفة وصنعة، وكانت المهن تُقسم لطوائف وأصناف, فكان كبير السوق يُطلق عليه ألقاباً تتماشى مع الدور الذي يقوم به، فيُقال (شيخ الكار) وشيخ المهنة و (شاهبندر التجار) الخ. وكان أعلى منصب هو شيخ مشايخ المهنة، يليه النقيب ثم (الشاويش) و(المعلم) و(الأسطة) والصانع والصبي الخ.*3


(3)


إذا كانت الحركة النقابية القديمة تعني بحقوق المهنة بما يخدم الصنعة والمواطن، فإن الحركة النقابية الحديثة قد دخل عليها عاملٌ مؤثر جديد، وهو مالك أدوات الإنتاج ومن ثم الممول بشكل عام، فلم يعد الخياط أو الحداد أو الخباز كما كان، يعمل في زاوية من زوايا بيته تطل على الشارع ولها مدخل على البيت، فتجلس ربة البيت مع زوجها تساعده وتسامره وتقدم له الشراب والطعام، فاقترن عمل البيت بالإنسانية والجودة، ولا يزال الناس يقولون (طعام بيت وليس طعام مطعم) و (شغل بيت) الخ، بل انتزع من مكانه وأجوائه ليوضع في جو جديد وغريب وبعيد عن الإنسانية.

كانت ساعات العمل الطويلة التي وصلت الى 16 ساعة في بعض الدول، وكان التحرش بالعاملات، وكان استخدام الأطفال، ولم يجد العامل في تلك الأجواء الجديدة التي سُحقت فيها إنسانيته إلا البحث عن طريقة ليتخلص فيها من معاناته وبؤسه، فكانت النقابات الحديثة التي جاءت بعد صراعات طويلة امتدت من بداية الثورة الصناعية الى منتصف القرن التاسع عشر حيث أسست أول النقابات بشكلها الأولي في بريطانيا عام (1720) تحت اسم (جمعيات)، ثم تطورت بعد ذلك، ولم يُعترف بها كنقابات إلا عام 1871، وقد شهدت الولايات المتحدة وأستراليا وغيرها الكثير من إضرابات العمال والتي كان أعنفها عام 1886 حيث أصبح الأول من أيار/مايو عيداً عالمياً للعمال.



وفي بلادنا العربية، في العصر الحديث كان إضراب عمال (لفافي السجائر) في مصر (وكان معظمهم من اليونانيين) أول إضراب في عام 1899، وكان لجمعية لفافي السجائر التي يرأسها اليوناني (دكتور كريازي).*4

وحاول القائمون على العمل النقابي التمييز بين النقابات المهنية والتي جعلوها للمحامين والمهندسين والأطباء والبيطريين والصحافيين وبين النقابات المعنية بالعمال والحرفيين.. ثم نشأت بعدها أشباه النقابات كغرف التجارة والصناعة وجمعيات رجال الأعمال الخ..

(4)

في الأحزاب العربية، تكون اتجاهان خاطئان للعمل الحزبي داخل النقابة: الأول ينظر للنقابة على أنها امتداد للتنظيم الحزبي، ويحاول بناء على ذلك فرض جميع مواقف الحزب على النقابة، والثاني: شعور المسئول الحزبي الذي يتمتع بشعبية من المستقلين داخل نقابته، أنه يُفضِّل على حزبه، وهؤلاء كثيراً ما يغترون وينشقون عن أحزابهم. وفي الحالتين فإن مرجعية الحزبيين داخل نقاباتهم تحبذ الرجوع للحزب بدل النقابة، وهذا ما ينفر المستقلين من النقابات وتدخل الأحزاب فيها. وإن القادة الحزبيين في النقابات والذين سيقومون بدور الوسيط بين إدارة الشركات والمؤسسات الحكومية، وبين العاملين أو أعضاء النقابة، سيكونون موضع كراهية وعزل من لدن الأعضاء وسيسقطون سياسياً.

الأساس في الأحزاب الثورية أنها أحزاب لطليعة الشعب وليس لجماهير الشعب، والحزبيون الذين يظنون أن الثورات هي من صُنع (النُخب) وأن الجماهير ليست إلا وقوداً في المعركة، ستُجهض ثوراتهم ولو بعد حين، فالشعب ليس كتلة هلامية عديمة الشكل متساوية الخصائص، بل جسم له رأس هو الطليعة الحزبية وجسم هو الجمهور، وبالقدر الذي تكسب فيه الأحزاب جماهيرها وتنظمها ضمن نقابات وهيئات مدنية وتترك لها حرية الإبداع في التعبير عن مطالبها، بالقدر الذي يصبح فيه الحزب ومسئوليه قادة جماهيريين سياسيين يلتف حولهم الناس..

قضايا الشعب ليست سبايا أُخذت من قبل الأنظمة، وإن كانت كذلك فإن محرريها من السبي لا يتصرفون معها كجواري تباع وتشترى، بل تُعاد إليها كرامتها بعودتها للشعب نفسه ليقول كلمته فيها.

ومن يتصفح ثورات العرب خلال قرن كامل من الزمان، يجد أن من يخلص الوطن من مستعمر أو حكم فاسد، يتصرف مع الوطن كسبية أعيدت ليس للشعب بل لمن حررها، يتصرف بها كيف يشاء.



هوامش
*1ـ شريعة حمورابي: دراسة قانونية مقارنة مع التشريعات الحديثة/عباس العبودي/ جامعة الموصل 1990 صفحة 269.
*2ـ موسوعة السياسة/ أسسها عبد الوهاب الكيالي/ بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ المجلد السادس ط1 1990 صفحة 604.
*3ـ تاريخ مدينة دمشق وعلماؤها خلال الحكم المصري/ خالد بني هاني/ دمشق: الأوائل 2005 صفحة52.
*4ـ النقابات المهنية: محاولة للفهم/إعداد: خالد علي عمر/ القاهرة: مركز هشام مبارك للقانون صفحة10
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .