العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الاسلامي > الخيمة الاسلامية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 140 عام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى بحث مطر حسب الطلب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مثال متلازمة ستوكهولم حينما تعشق الضحية جلادها (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مستعمرات في الفضاء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال كيفية رؤية المخلوقات للعالم من حولها؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال حوار مع شيخ العرفاء الأكبر (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 17-11-2007, 08:07 PM   #1
RWIDA
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 226
إفتراضي سنة الابتلاء

المقال من مجلة التوحيد بقلم/متولي البراجيلي

سأل رجلٌ الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ: يا أبا عبد الله أيما أفضل للرجل أن يُمكَّن أو يبتلى؟ فقال الشافعي: لا يمكن حتى يبتلى، فإن الله ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فلما صبروا مكنهم، فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة. فالابتلاء سنة الله التي لا تتخلف. قال تعالى: {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا}. وقال تعالى: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا}. فالابتلاء أصل عظيم ينبغي للعاقل أن يعرفه، فأنت أينما تلفت رأيت مبتلى، كم من المصائب وكم من الصابرين، فلست وحدك المصاب، فهذا مريض ابتلي بمرضه العضال، وهذا حزين ابتلي بفقد أحبته، وهذا مكروب، وهذا مدين، وهذا ابتلي بابنه، وهذا ابتلي بزوجته، وهذه ابتليت بزوجها. قال تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في كبد}. وقال تعالى: {إنا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا}. فابتلى الله الرسل بأممهم والأمم برسلهم، وابتلى الحكام بشعوبهم، والمحكومين بحكامهم وابتلى القوي بالضعيف والضعيف بالقوي.. وهكذا في المجتمع الواحد تتنوع المستويات وتتعدد الابتلاءات تحقيقًا للحكمة التي أراد الله أن يخلقهم من أجلها. قال شيخ الإسلام في قوله تعالى: {الم حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}. فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين، إما أن يقول أحدهم آمنا، وإما أن لا يقول آمنا، بل يستمر على عمل السيئات، فمن قال أمنا امتحنه الرب عز وجل وابتلاه وألبسه الابتلاء والاختبار ليبين الصادق من الكاذب، ومن لم يقل آمنا فلا يحسب أنه يسبق الرب لتجربته، فإن أحدًا لن يعجز الله تعالى، هذه سنته تعالى، يرسل الرسل إلى الناس فيكذبهم الناس ويؤذونهم، قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا شياطين الإنس والجن}. وقال: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون}. وقال تعالى: {ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك}. ومن آمن بالرسل وأطاعهم عادوه وآذوه فابتلي بما يؤلمه، وإن لم يؤمن بهم عوقب، فحصل ما يؤلمه أعظم وأدوم. فلا بد من حصول الألم لكل نفس سواءً آمنت أم كفرت، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداءً ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، والكافر تحصل له النعمة ابتداءً ثم يصير في الألم. إن الإنسان مدني بالطبع، لا بد له أن يعيش مع الناس، والناس لهم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها وإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه، وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب تارة منهم وتارة من غيرهم، ومن اختبر أحواله وأحوال الناس وجد من هذا شيئًا كثيرًا، فالواجب ما في حديث عائشة الذي بعثت به إلى معاوية ويروى موقوفًا ومرفوعًا: «من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس». وفي لفظ: «رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئًا». الرسل أسوة حسنة قال تعالى: {أولئك الذين هدى الله، فبهداهم اقتده}، فأئمة الابتلاء هم رسل الله عليهم صلوات الله وسلامه، وأشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل. محمد صلى الله عليه وسلم خير من مشى على الأرض بقدميه، وهو أشد الناس ابتلاءً نشأ يتيمًا، كذبه قومه، وضع السلى على رأسه، وأدميت قدماه، وشجَّ وجهه، وحوصر في الشعب حتى أكل ورق الشجر، وأُخرج من بلده، وكسرت ثنيته، ورمى عرض زوجته الشريف، وقتل سبعون من أصحابه، وفقد ابنه، وأكثر بناته في حياته، وربط الحجر على بطنه من الجوع، واتهم بأنه شاعر، ساحر، كاهن، مجنون، كذاب، ـ صانه الله من ذلك، ـ وهذا بلاء لابد منه، وتمحيص لا أعظم منه. وابتُلي إبراهيم عليه الصلاة والسلام بإلقائه في النار كما ابتلي بذبح ابنه بيده. وابتُلي أيوب عليه السلام بالمرض الأليم، ومع ذلك صبر وما جزع، قال تعالى: {إنا وجدناه صابرا}. قتل زكريا عليه السلام، وذبح يحىى علىه السلام، وابتُلي سائر الأئمة على هذا الطريق، فضرج عمر بدمه، واغتيل عثمان، وطعن علي، وجلدت ظهور بعض الأئمة، وسجن الأخيار. أنواع الابتلاء الابتلاء يكون بالسراء والضراء، ولابد أن يبتلى الإنسان بما يسره وما يسوؤه. قال تعالى: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن}. وقال تعالى: {وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون}. وها هو سليمان عليه السلام، لما رأى عرش بلقيس عنده، قال: هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر. فالنعم ابتلاء من الله يظهر بها شكر الشكور وكفر الكفور، كما أن المحن ابتلاء منه سبحانه، فهو يبتلي بالنعم كما يبتلي بالمصائب. فالإنسان يتقلب في هذه الحياة الدنيا بين سراء وضراء، قال ابن القيم: السعادة بثلاث شكر النعمة، والصبر على البلاء، والتوبة من الذنب، فالعبد دائم التقلب بين هذه الأطباق الثلاث: 1 ـ نعم من الله تعالى تترادف عليه، فقيدها الشكر، وهو مبني على ثلاثة أركان: أ ـ الاعتراف بها باطنًا. ب ـ التحدث بها ظاهرًا. ج ـ تصريفها في مرضاة وليها ومسديها ومعطيها. فإذا فعل ذلك فقد شكرها مع تقصيره في شكرها. 2 ـ محن من الله تعالى يبتليه بها، ففرضه فيها الصبر والتسلي، والصبر حبس النفس عن التسخط بالمقدور، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن المعصية كاللطم وشق الثياب ونتف الشعر ونحوه. فمدار الصبر على هذه الأركان الثلاثة، فإذا قام به العبد كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه منحة. فإن الله سبحانه وتعالى لم يبتله ليهلكه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته، فإن لله تعالى على العبد عبودية الضراء، وله عبودية عليه فيما يكره، كما له عبودية فيما يحب، وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره، ففيه تفاوت مراتب العباد، وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى. نماذج من الابتلاء عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص وأعمى وأقرع بدا لله عز وجل أن يبتليهم فبعث إليهم ملكًا فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن، قد قذرني الناس، قال: فمسحه فذهب عنه، فأعطي لونًا حسنًا وجلدًا حسنًا. فقال وأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل أو قال البقر، هو شك في ذلك: أن الأبرص والأقرع قال أحدهما: الإبل، وقال الآخر: البقر، فأعطى ناقة عُشَرَاء، فقال: يبارك لك فيها، وأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال شعر حسن، ويذهب هذا عني، قد قذرني الناس. قال فمسحه فذهب، وأعطى شعرًا حسنًا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال البقر. قال: فأعطاه بقرة حاملا، وقال: يبارك لك فيها، وأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس، قال: فمسح فرد الله إليه بصره. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطاه شاة والدًا، فأنتج هذان وولَّد هذا فكان لهذا وادٍ من إبل، ولهذا واد من بقر، ولهذا واد من الغنم، ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين تقطعت به الحبال في سفره فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرًا أتبلغ عليه في سفري. فقال له: إن الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ فقيرًا فأعطاك الله؟ فقال: لقد ورثت لكابر عن كابر، فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت، وأتى الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا، فرد عليه مثل ما رد عليه هذا، فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت، وأتى الأعمى في صورته فقال: رجل مسكين وابن سبيل وتقطعت به الحبال في سفره فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبَّلغ بها في سفري، وقال له: قد كنت أعمى فرد الله بصري، وفقيرًا فقد أغناني، فخذ ما شئت فوالله لا أحمدك اليوم بشيء أخذته لله، فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك. [متفق عليه] فهذا ابتلاء بالنعم، أنعم الله عليهم، فما راعوا النعم وما قاموا بحقها، فاستلبت منهم وغضب الله عليهم، باستثناء ثالثهم الذي عرف فضل الله عليه، وأدى شكر نعمته فنال رضاه. وهذه امرأة بألف امرأة، ابتليت بالضراء فصبرت مقابل الجنة: عن عطاء: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ هذه المرأة السوداء، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إني أُصْرع، فادع الله لي، فقال إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة، وإن شئت دعوتُ الله أن يعافيكِ، فقالت أصبر. ثم قالت: يا رسول الله، إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها. [متفق عليه] فهذه المرأة التي اشترت سلعة الله الغالية (الجنة) بالصبر على لأواء الصرع وشدته، تستحي أن يتكشف بعض جسدها، رغم أنها لا تؤاخذ على ذلك لغياب عقلها ساعة الصرع، ولكن هكذا ينبغي أن يكون حياء المرأة المسلمة. وقارن بين ساكنة الجنة هذه، وبين أخريات يتكشفن برغبتهن وبكامل قواهن العقلية، رغم علمهن بحرمة ما يرتكبن، إلا أنهن لم يصبرن على ابتلاء الدنيا وزينتها وبعْنَ الآخرة بمتاع قليل.
RWIDA غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 17-11-2007, 08:12 PM   #2
RWIDA
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 226
إفتراضي

نافذة الابتلاء

إن مشكلة الإنسان أنه ينظر إلى الناس والكون من حوله من نافذة ابتلائه فقط، فإن كان مريضًا لم ير من الناس إلا الصحة، وإن كان فقيرًا لم ير إلا الغنى، وإن كان دميمًا لم ير إلا الحسن، إن فقد ولده نظر إلى من لم يفقد ولده، إن تيتم نظر إلى آباء الاخرين، إن ترملت المرأة نظرت إلى غير الأرامل..
وهكذا، فيستشعر المبتلى أنه وحده الذي يواجه الابتلاء في هذا الكون، ولا يشعر بنعم الله عليه فيزدريها، وفي الحديث: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله" {مسلم 2963}.
فيؤدي به هذا إلى عدم اتهام نفسه الظالمة الجاهلة التي هي منشأ كل شر يصيبه قال تعالى: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك {النساء:79}، ولقد ذكر الله تعالى عقوبات الأمم السابقة من آدم إلى آخر وقت، وفي كل ذلك يبين أنهم ظلموا أنفسهم فهم الظالمون لا المظلومون، وأول من اعترف بذلك أبواهم: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين {الأعراف:23}.
فالعارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة من الله عليه، ومطالعة عيب النفس والعمل، وهذا هو معنى حديث سيد الاستغفار، موضع الشاهد: أبوء لك بنعمتك علي (مشاهدة المنة) وأبوء بذنبي (مطالعة عيب النفس)، فمشاهدة المنة تورث الحب الكامل لله تعالى، ومطالعة عيب النفس تورث الذل التام لله، ومدار العبادة على هاتين القاعدتين: حب كامل، وذل تام.

الصحابة والابتلاء:

علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يصحو في الصباح الباكر فيبحث هو وفاطمة عن شيء من طعام فلا يجدانه، فيرتدي فروًا على جسمه من شدة البرد ويخرج، ويتلمَّس ويذهب في أطراف المدينة، ويتذكر يهوديًا عنده مزرعة، فيقتحم عليٌّ عليه باب المزرعة الضيق الصغير ويدخل، ويقول اليهودي: يا أعرابيُّ، تعال وأخرج كل غَرْبٍ بتمرة (والغرب هَو الدلو الكبير)، أي يخرجه من البئر معاونة للجمل، فيشتغل على رضي الله عنه معه برهة من الزمن حتى تَرِمَ يداه ويكلَّ جسمه، فيعطيه بعدد الغروب تمرات ويذهب بها ويمر برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعطيه منها، ويبقى هو وفاطمة يأكلان من هذا التمر القليل طيلة النهار.
عتبة بن غزوان رضي الله عنه، يستغرب وهو يخطب الناس الجمعة، كيف يكون في حالة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع سيد البشر يأكل معه ورق الشجر مجاهدًا في سبيل الله، في أرضى ساعات عمره وأحلى أيامه، ثم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون أميرًا على إقليم؟ إن الحياة التي تقبل بعد وفاة الرسول حياة رخيصة حقًا.
وكذلك سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يصيبه الذهول وهو يتولى إمرة الكوفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما لهذه الحياة وما لقصورها ودورها تقبل بعد إدبار الرسول صلى الله عليه وسلم "وللآخرة خيرٌ لك من الأولى".
فابتُلي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنوعي الابتلاء (السراء والضراء)، فما غرتهم النعم وما أسخطتهم النقم، وما تنكبوا الصراط المستقيم حتى لقوا رب العالمين ، رضي الله عنهم أجمعين.

نموذج فريد:

"أبو قلابة صاحب ابن عباس" كان من أعلم الناس بالقضاء وأشدهم منه فرارًا، وأشدهم منه فرقًا، قال أيوب السختياني عنه: ما أدركت بهذا المصر أعلم بالقضاء من أبي قلابة، ابتلاه الله بالضراء، فصبر واحتسب وتجمل، يروي حكايته ابن حبان (في الثقات) بسنده عن الأوزاعي، عن عبد الله بن محمد، قال: خرجت إلى ساحل البحر مرابطًا وكان رباطنا يومئذ عريش مصر. قال: فلما انتهيت إلى الساحل فإذا أنا بِبُطَيْحة، وفي البُطيْحة خيمة، فيها رجل قد ذهب يداه ورجلاه وثقل سمعه وبصره، وماله من جارحة تنفعه إلا لسانه، وهو يقول: "اللم أوزعني أن أحمدك حمدًا، أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها عليَّ، وفضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا".
قال الأوزاعي: قال عبد الله: قلت: والله لآتينَّ هذا الرجل، ولأسألنَّه أنَّى له هذا الكلام، فهمٌ أم علمٌ أم إلهامٌ أُلهمه؟ فأتيتُ الرجل فسلمت عليه، فقلت: سمعتك وأنت تقول: "اللهم..... تفضيلا" فأي نعمة من نعم الله عليك تحمده عليها، وأي فضيلة تفضل بها عليك تشكره عليها؟
قال: وما ترى ما صنع ربي؟ والله لو أرسل السماء على نارًا فأحرقتني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فأغرقتني، وأمر الأرض فبلعتني، ما ازددت لربي إلا شكرًا، لما أنعم علي من لساني هذا، ولكن يا عبد الله إذ أتيتني، لي إليك حاجة، قد تراني على أي حالة أنا، أنا لست أقدر لنفسي على ضُرٍّ ولا نفع، ولقد كان معي بنيٌّ لي يتعاهدني في وقت صلاتي، فيوضيني، وإذا جعت أطعمني، وإذا عطشت سقاني، ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام، فتحسَّسه لي رحمك الله.
فقلت: واللهِ ما مشى خَلْقٌ في حاجة خلقٍ، كان أعظم عند الله أجرًا ممن يمشي في حاجةِ مثلك. فمضيت في طلب الغلام، فما مضيتُ غير بعيد، حتى صرت بين كثبان من الرمل، فإذا أنا بالغلام قد افترسه سبع وأكل لحمه، فاسترجعت وقلت: أنى لي وجه رقيق آتي به الرجل؟ فبينما أنا مقبل نحوه، إذ خطر على قلبي ذكر أيوب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أتيته سلمت عليه، فرد علي السلام، فقال: ألست بصاحبي؟ قلت: بلى. قال: ما فعلت في حاجتي؟ فقلت: أنت أكرم على الله أم أيوب النبي؟ قال: بل أيوب النبي. قلت: هل علمت ما صنع به ربه؟ أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده؟ قال: بلى. قلت: فكيف وجده؟ قال: وجده صابرًا شاكرًا حامدًا. قلت: لم يرضَ منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبائه؟ قال: نعم. قلت: فكيف وجده ربُّه؟ قال: وجده صابرًا شاكرًا حامدًا. قلت: فلم يرض منه بذلك حتى صيَّره عَرَضًا لمار الطريق، هل علمتَ؟ قال: نعم. قلت: فكيف وجده ربه؟ قال: صابرًا شاكرًا حامدًا، أوجز رحمك الله. قلت له: إن الغلام الذي أرسلتني في طلبه وجدته بين كُثبان الرمل، وقد افترسه سبع فأكل لحمه، فأعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر. فقال المبتلى: الحمد لله الذي لم يخلق من ذريتي خلقًا يعصيه، فيعذبه بالنار. ثم استرجع، وشهق شهقة فمات، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، عظمت مصيبتي، رجل مثل هذا إن تركته أكلته السباع، وإن قعدتُ، لم أقدر على خير ولا نفع. فسجَّيته بشملةٍ كانت عليَّ، وقعدت عند رأسه باكيًا، فبينما أنا قاعد إذ تهجم علي أربعة رجال، فقالوا: يا عبد الله، ما حالك؟ وما قصتك؟ فقصصت عليهم قصتي وقصته، فقالوا لي: اكشف لنا عن وجهه، فعسى أن نعرفه. فكشفت عن وجهة، فانكبَّ القوم عليه، يقبلون عينيه مرة، ويديه أخرى، ويقول: بأبي عينٌ طالما غُضّت عن محارم الله، وبأبي جسم طالما كان ساجدًا والناس نيام. فقلتُ: من هذا يرحمكم الله؟ فقالوا: هذا أبو قلابة الجرمي، صاحب ابن عباس، لقد كان شديد الحب لله وللنبي صلى الله عليه وسلم .
فغسَّلناه وكفنَّاه بأثواب كانت معنا، وصلينا عليه ودفنَّاه. فانصرف القوم وانصرفتُ إلى رباط، فلما أن جَنَّ عليَّ الليل، وضعت رأسي، فرأيته فيما يرى النائم في روضة من رياض الجنة، وعليه حُلَّتانِ من حُلَلِ الجنة، وهو يتلو الوحي: "سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار"، فقلتُ: ألست بصاحبي؟ قال: بلى. قلت: أنى لك هذا؟ قال: "إن للهِ درجاتٍ لا تُنَال إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، مع خشية الله عز وجل في السرِّ والعلانية".

فقه الابتلاء

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثلُ فالأمثلُ" {صحيح الجامع}.
إلا أن الإنسان يحذر من جلب المحن أو الحرص عليها، فلا يتمنى البلاء بحال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا..." {البخاري}.
فلا ينبغي للمرء أن يذل نفسه، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم .
"لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: كيف يذل نفسه؟ قال: يتعرَّض من البلاء لما لا يطيق" {السلسلة الصحيحة}.
لكن إذا وقع البلاء فنحن مأمورون بالصبر اقتداءً بالأنبياء، قال تعالى:
فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم {الأحقاف:35}.
قال عمر رضي الله عنه: بالصبر أدركنا حسن العيش.
ولأهل السنة عند المصائب ثلاثة فنون:
1 الصبر 2 الدعاء 3 انتظار الفرج
سقيناهمو كأسا سقونا بمثلها
ولكننا كنا على الموت أصبرا
وفي الحديث: "من يتصبر يصبره الله..." {مسند أحمد}.
بل قد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأينا مبتلى أن نقول:
الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلقه تفضيلا، لم يصبه ذلك البلاء {الترمذي}.
وأخيرًا: فلنعلم أن حكمة الله تعالى اقتضت ابتلاء العباد في الدنيا، فإخفاء موعد الموت وساعته: ابتلاء، ليكون الإنسان دائم الحذر، فربما يستدعيه خالقه في أي لحظة لسؤاله عن الأمانة.
وعدم علم الغيب: ابتلاء، وعدم رؤية الجن: ابتلاء، وعدم رؤية الملائكة: ابتلاء، والله لا يُرى إلا في الآخرة تحقيقا للابتلاء.
فلو رأينا الجنة والنار، فلم إذن الرسل؟ ولم الشرائع، ولم الابتلاء، ولماذا إذن يكون المؤمنون بالغيب هم المفلحين.
والله أعلم.
RWIDA غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 22-11-2007, 05:51 PM   #3
الوافـــــي
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 30,397
إرسال رسالة عبر MSN إلى الوافـــــي
إفتراضي

رحم الله الإمام الشافعي
ففي سيرته العجب العجاب
وكل من قرأ عنه أو له لا يستطيع إلا أن يعجب به

وجزاك الله خيرا أختي الكريمة
__________________



للتواصل ( alwafi248@hotmail.com )
{ موضوعات أدرجها الوافـــــي}


الوافـــــي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 22-11-2007, 09:01 PM   #4
RWIDA
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 226
إفتراضي

...امين
وجزاك الله خيرا علي المرور وعلي الرد
RWIDA غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .