العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: ابونا عميد عباد الرحمن (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة في مقال مخاطر من الفضاء قد تودي بالحضارة إلى الفناء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في كتاب من أحسن الحديث خطبة إبليس في النار (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث وعي النبات (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث أهل الحديث (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب إنسانيّة محمد(ص) (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الى هيئة الامم المتحدة للمرأة,اعتداء بالضرب على ماجدات العراق في البصرة (آخر رد :اقبـال)       :: المهندس ابراهيم فؤاد عبداللطيف (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: نظرات في مقال احترس من ذلك الصوت الغامض (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 14-10-2010, 08:52 PM   #1
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي الماضي في نداء الحاضر (قصيدة لوحة سيريالية والفنان مبتدئ)

بسم الله الرحمن الرحيم

قصيدة لوحة سيريالية والفنان مبتدئ للشاعر سيد يوسف أحمد
في ديوان أنا أيضًا لا أمنع فمي للشاعر المصري سيد يوسف أحمد يتحول الشاعر في إحدى قصائده محور العمل الأدبي إلى مخاطبة الواقع من خلال استرجاع النمط التقليدي الشائع في سرد حكايا الأبطال والشهداء استرجاعًا يحوي في ثناياه على قيمة الرؤية كمحرك للعمل الأدبي وصانع للرسالة التي ينشد إيصالها للمتلقي .
وهذا الاسترجاع بما يوظفه فيه من عناصر السرد ، كثرة الأفعال الماضية ،وقوة الإيقاع الصارخ العمودي لبحر المتقارب هو زفرة الفرس الذي يصهل بآخر كلماته قبل أن يودع الأرض مودِعًا على ظهرها لوحة الفداء العظيم.
فعلى صعيد عملية السرد نجد الشاعر العزيز قد عمد إلى الحكي بضمير الراوي العليم ،والذي يحكي قصة هذا الفدائي العظيم -والذي هو طفل- من خلال مخاطبته القارئ في استحثاث غير مباشر من أجل مشاركته مشاعره في هذه القضية .وترتكز البطولة في هذا العمل على الطفل البطل الذي يجد نفسه أمام هذه اللوحة السيريالية المسماة بالوطن تلك اللوحة التي تسببت ضبابات الأنظمة المختلفة السياسي منها والثقافي والتعليمي في حجب الرؤية عنه بشكل كامل ليكون كفاحه من أجل (الرسم) على صفحة هذا الوطن كفاحًا مضنيًا لا يمكن تصور أن طفلاً سيتعامل معه بحِرَفية وفن ، لطالما أن فن التضليل كان هو أداة رسم (اللوحات) المزيفة ، فليس أمام الطفل حينئذ إلا أن يحار من أجل إعادة صياغة هذه الصورة بشكل أوضح مرة أخرى .
وتبدأ عملية السرد فجائية بالفعل الماضي (تخلص) والتي تكرّس ثقافة (التكفير عن الخطايا) التي يتخذها الطفل الذي يتحدث الشاعر عن واقعه كأداة -نهائية- للتكيف مع هذا الرسم السيريالي الذي هو تزوير على كل مدارس الفنون في التاريخ ، ويتخذ الشاعر من القافية الساكنة لحرف انفجاري وهو حرف القاف أداة للتعبير عن عنف هذا الفعل الذي هو الملاذ الأخير لكل من يرجو الخلاص من واقع دولته المرير. وتبدأ هذه العملية (التخلصية) من نزع ثياب المادة ليعيش الشاعر مع الطفل في هذا العالم الروحي العظيم الذي خلا من سفاسف الدنيا وزخارفها ويبقى معه اسم الوطن هو الاسم الذي يدوم على مدى الدهور . وتتداخل الصور الحقيقي معها والفانتازي من أجل إظهار حقيقة المأزق الذي يعاني منه الطفل والذي أدى به انتهاء إلى التخلص.
وإذ يكون التخلص هو ثمرة هذه الصورة المشوشة ، فإن الشاعر يبدأ بها ليعبر عن موقفه الرافض لهذا التشويش وليجعل القائم بهذا العمل البطولي هو مستهّل العمل . ولا تتضح لنا من هذا الطفل العديد من الخصائص الإنسانية أو الجسدية لأنه -في النهاية- قد راح ضحية الانفجار العظيم الذي آثر أن يكون نقطة ابتدائه عن أن يمضيَ العمر كله حيران في هذه الصورة الضاببية والتي قد تتسع لتشمل كل ما حوله ، وهو ما يعكس كينونته (كيانًا من النور في النار شعا) وتنقشم القصيدة إلى خمسة مقاطع كل مقطع منها له قافيته الخاصة ولكنها كلها موزونة ومصرّعة أي أن قافية كل شطر منها مماثلة لقافية الشطر الآخر . وتصف كل منها مشهدًا لا يمكن فصل المشهد عنه والذي يبتدئه بتقنية الفلاش باك أو الاسترجاع من الخلف ، لتبدأ القصة من نهايتها محدثة تشوقًا للقارئ في إطار ترتبط فيه القصة بالقصيدة مع بعض فنون التصوير البصرية الأخرى كالسينيما .
وتبدأ القصيدة بسرد الحدث الأهم وهو التخلص وبعدها تبدأ في كشف ما حدث (خلف الكواليس) تلك التي لا تقود إلا إلى صناعة شخصيات استثنائية في التاريخ نسميها أبطالاً :
تخلص من جسمه فتألق
وحاز جناحي بُراق فصفق
تأمل ألوانه في انفعال ٍ
وفي ريشة من خيال تعلق
وطارد أفكاره فهربن
فسافر في إثرهن وحلق
وحط هنالك بين الشظايا
ليرسم صورة طفل ممزق
ونلاحظ أن هذه القافية المسكّنة من شأنها التعبير عن حالة كتمان الدفقة الشعورية بما يشبه حالة الكبت التي يستشعر القارئ معها عنف هذه المغامرة والتي تؤكد على موقف الشاعر من قضايا الوطن النضالية ، فعملية التخلص تبدأ والفاعل بها مجهول لأنه واحد من آلاف مؤلفة لا نهايةلها من أبناء هذا الوطن الفلسطيني العزيز الذي لا يجد له غذاء ولا شرابًا غير الشهادة ،وهذه العملية التي يصف أحداثها تلخص الموقف الدنيوي والأخروي إذ يكون الشهيد قد تخلص من جسمه وتبدو هنا حِرَفية في استخدام هذا التعبير الذي يُفلسَف الجسد بالنفايات التي حينما يُتخلص منها فإن الحياة تصبح أكثر زهاء ونقاء ، فكأنه يدخل القصيدة من بوابة متصوف زاهد في الدنيا عابرها سريعًا إلى بوابة الدار الآخرة والتي قد حاز فيها بالفعل-وهنا ننتبه إلى أهمية الحذر في التناول مع العبارات الخاصة بالشهادة- ليصفق بجناحيه سريعًا وقد حقق هدفه وهو التألق ، ثم ما أعده الله تعالى للشهداء في دار الكرامة ، وهذا لأن الأطفال غير مكلفين فُهم بإذن الله إذا ماتوا قبل البلوغ كانت الجنة لهم .
وتبدأ القصيدة من خيطها المباشر والمنطقي( الذي كسره الشاعر ليلفت انتباه القارئ إلى الحدث الأساسي )من البيت الثاني الذي يصف فيه الشاعر هذه العملية ، والتي تبدو فيها براعة الوصف وبراءة الموصوف إذ يتأمل الألوان التي عنده (ولابد للقا رئ من الوعي والفطنة إلى دلالة الألوان الرمزية) في انفعال ،ولأن الطفل مبتدئ لم لم تصقل الحياة تجاربه فإنه قد بدأ بالانفعال (ذلك الانفعال الناتج عن الحصار اليومي والذي يكاد يصل خياله) والذي استدعى منه الوصول إلى خيال آمن يمكّنه من تحقيق الأمل المنشود والذي يجد فيه تفوقًا على هذا الواقع ليكون الفن هو سلاح ذلك الطفل البرئ في مواجهة هذا الواقع المرير.ويبدأ المتلقي في التقاط أول الخيوط الخاصة بالرمز من خلال هذه الموازاة على الصعيد الحركي لفعل المطاردة الذي يتحول من كونه روتينًا يوميًا إلى عملية اختراق ومطاردة للأفكار ،ليكون الاحتلال عملية تستهدف الترويع النفسي لطائر الخيال الذي تمسك الطفل بريشة منه.والفعل طارد هو إشارة لهذا الذي يطارد الأفكار ، في إشارة هادئة إلى الاحتلال إذ لا يمكن أن يقوم الطفل بمطاردة أفكاره حتى العثور عليها!وإنما الفعل طارد قد اختزل الآخر في كونه عدوًا يضطر الأفكار إلى الهروب وينتقل الطفل وراءها لكي يستنقذ الخيال الذي تحصّل عليه بالقوة حتى لا يقع الخيال فريسة المطاردات .
وبعد أن تكاملت البيئة الخاصة بالحقول الدلالية ورموزها( البراق-صفق-حلق-خيال -جناح)يتجه الشاعر إلى الإفصاح عن الغاية المنشودة من وراء هذه الرموز في السطر الأخير وهي (الطفل الممزق)
إن هذا الرسام -وإلى الآن ليس هناك إشارة إلى أنه طفل لكنه مبتدئ فحسب- هو إنسان يختلف عن الناس التقليديين لأنه يرى الدنيا بمنظار غير الذي يراه الآخرون به ، فحيث الرسم هو أداة للتذوق الجمالي والحسي وحيث هو -في الغالب- ارتباط بدخائل الصورة الذهنية من ورود وزهور وزروع وطيور ، فإنه يغدو لدى الشاعر شيئًا آخر لأن فلسفة الحياة لديه أنها طفل ولكنه ليس طفلاً برئيًا يمرح بالطائرات الورقية ولا يلبس القبعة ولا يفثأ الفقاعات في غبطة ..إنه طفل ممزق.
إن الرسم والصورة والخيال كلها مشتقات مستمدة من البيئة ، وهذه البيئة هي التي حشدت كل طاقات الطفل ليبدع لوحة استثنائية وهي الطفل الممزق!
الله! ما أعصب الحال وأحزن الصورة عندما تتضافر كل هذه الصور والطاقات المكتسبة لتكون صورة الطفل الممزق هي الوعاء الذي فرغت فيه كل مكتسباتها الفكرية والثقافية والإنسانية!
وتشتمل هذه المقطوعة الأولى على أحد عشرفعلاً ماضيًا(تخلص،تألق،حاز، صفق،تأمل،تعلق،طارد،هربن ،سافر ،حلق، حط) مما يعبر عن هذا الحدث الذي تم في زمان ما ،ولكنه -في نظر الشاعر- لم يمض ولم ينته ولم يكن حادثًا عابرًا وإلا لما أعاره هذا الاهتمام وإنما هو يبكي هذا الرحيل الذي ينتظر من بعده بعث آخر ويبدو أنه لم يلُح له في الأفق حضور بعد مما يضطره إلى التسلي ببطولات هذا الراحل ووصف كل سكنة وحركة منه كما سيأتي فيما بعد . وكان البيت موضحًا للفعل وردة الفعل والتي تختزل كل الجهود التي قام بها على شاكلة التفصيل بعد الإجمال وهو غرض بلاغي يقصد به الشاعر ....
تخلص من جسمه فتألق
وحاز جناحي بُراق فصفق
فالفعل تخلص قابله النتيجة وهي التألُّق والإسراع (حاز جناحي براق) تقابله التصفيق
ليكون هذا المرسومة صورته كائنًا أسطوريًا يشبه طائر الفينيق الذي ينتظر بعثه بعد هذا الرحيل.
وكان في المقطع الأول فعل مضارع وحيد وهو (يرسم) ليضع المهمة وهي الرسم في ميزان التقييم ولتكون هي المهمة النهائية التي يرتكز العمل عليها وليجعل القارئ متتبعًا هذه النهاية هل رسم الصورة فعلاً أم لا ؟
واحتوى المقطع على العديد من الصور الفنية الباهرة مثل : تخلص من جسمه-ريشة من خيال-طارد أفكاره
تلك الصور التي جاءت كلقطات سينيمائية تبدأ بالاسترجاع وهي بدء القصة أو الحدث من نقطة المنتصف ثم بعدها يأتي التسلسل والمزج بين الفانتازيا والحقيقة من خلال التنقل من حال الرسام إلى صورة التحليق من أجل الوصول إلى الأفكار المطاردة في صورة خيالية تحتاج إلى تعليق نقاد السينيما عليها ، انتهاء بالصورة الأجمل وهي الطفل الممزق ، كأن الانتقال بالكاميرا استقر أمام الطفل وقد راح يتذكر صورة الطفل الممزق لتكون الرسالة التي ينشد إيصالها بالصورة أكثر تحريكًا للقارئ وتحفيزًا له لاتخاذ هذا الموقف الفكري من القضية.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 14-10-2010, 08:54 PM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

بعد ذلك نجد الشاعر قد انتقل إلى مشهد تفصيلي للوحة والمكونات التي دخلت في تكوينها ، فمن حيث انتهى الحديث عن الانفعال المتلبس لهذا الرسام ، بدأ الانتقال بكاميرته إلى صورة اللوحة..
تحير في البدء من أين يبدأ
فأوجس في نفسه وتجرأ
أيبدأ بالرأس لا رأس بالصدر
لا صدر ، فالجسم كلّ تجزأ
أخيرًا تقمص دورًا قديمًا
وغادر مكمنه فتوضأ
وصلى صلاة المودع بيتًا
لآخر في رحم الأرض يُنشأ

وتبدأ الموازاة مرة أخرى بين الصورة المرسومة والشهاد الحقيقية الممثلة في الجسم الممزق.إن الرسام هو إنسان يحيا بالأمل دومًا ، ولا تعرف مصطلحاته معنى الموت ، لكن عندما يباغت أفكاره موت مادي ، فإن التشوش يأخذ طريقه إلى كيفية التصوير والرسم ، لذا كانت الحيرة قد اتخذت طريقها إليه، ولكن كما أن الشهيد يكمل رحلة استشهاده ملقيًا أحزانه وتخوفاته كل ظهره ، فكذلك يفعل الرسام وهو يخلع عباءة الحيرة عنه ليرسم المشهد
الأليم.الرسام الذي سمع عن هذا الشهيد مازال يحاول رسم الصورة وقد أعياه هذا الشكل ، وهنا نجد الشاعر يستخدم فكرة الانتقال في المشهد والحديث كذلك ، وينتقل من حديثه عن الرسام إلى الحديث عن هذا الشهيد ولعل الشاعر يحاول التنقل بين هذه الصور والمشاهد حتى يجعل القارئ على صلة بما يحدث للرسام ، ويقرأ سيرورة وتصاعد المشاعر المكونة لسلوكه النهائي . كان في هذا المقطع انتقال وحيد عند البيت الثالث حيث ترك الصورة الخاصة بالرسام لينقلنا إلى صورة الشهيد ..
ويقل عدد الأفعال الماضية إلى المضارعة لتكون لتكون سبعة أفعال فقط(تحير-أوجس- تجرأ-تجزأ-تقمص-توضأ-صلى) وهذا الانخفاض في الأفعال الماضية يقابله زيادة في الأفعال المضارعة ليكون المضارع فعلين هما يبدأ-يُنشأ وهذا قد يعطي الانطباع أن الماضي آخذ في التلاشي من أجل حاضر جديد يومئ الشاعر إليه والملاحظ كذلك أن الأبيات كانت عادية ليس فيها صور فنية ، ولعل مرد ذلك إلى انشغاله بحركات هذا الفدائي بما يجعله مستحوذًا على الصورة كلها مهملاً كل الجوانب المحيطة به ، على العكس من المقطع السابق الذي شهد أكثر من عنصر فرعي داخل في تكوين المشهد الكلي كالريش والتحليق والرسم ، بينما نجد الصورة كلها منصبّة على شكل الوجه ويكون هذا مبررًا منطقيًا لقلة الأفعال الماضية .والقافية ها هنا قافية الهمزة المسكّنة وهو من الحروف الحلقية التي توحي بصعوبة ولكنها أقل بكثير من حرف القاف لأن صعوبة وقع الدمار والموت أقوى من صعوبة وقع الحيرة والتوجس بما يستدعي هذه القافية الأقل صعوبة.
إذًا قبل الخوض في باقي التفاصيل نجد أننا في المقطع الأول كنا أمام انتقال وحيد على صعيد الصورة والذي بدأ بعد البيت الأول ليكون الانتقال بطريقة الاسترجاع الخلفي لصورة الانفجار المتمثل في (تخلص من جسمه) إلى (تأمل ألوانه..)وكانت الصورة - من خلال الألفاظ- معبرة عن مشهد الشهادة كليًا ، بينما كان المقطع الثاني تفصيلاً لكيفية هذه العملية وابتدائها من خلال الموازاة بين التفكير وحركة الفدائي.وهذه الانتقالة في المقطع الثاني كانت مركّبة أي أنها احتوت على شكلين : الانتقال بالصورة من الإجمال إلى التفصيل من خلال الانتقال من مشهد الشهادة كلية إلى مشهد بدء التفكير ، ثم انتقالة ثانية وهي انتقالة سردية من الحديث عن الرسام إلى الحديث عن الفدائي.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 14-10-2010, 09:42 PM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

ويأتي المقطع الثالث مسترسلاً في وصف هذه العملية بشكل أكثر تفصيلاً ، هذا التفصيل والسرد كان الهدف من ورائهما إشعار القارئ بأهمية هذه العملية بما يستدعي أن يشغل الشاعر باله بكل تفصيل صغير وكبير فيها.
وتأتي (كاميرا) الشاعر لتلتقط هذه الصور والتي -في رأيي الشخصي- كان من الممكن للشاعر أن يختزلها وأن يستخدم تعبيرات أخرى أكثر تركيزًا في التعبير عنها:
خطا خطوتين ثلاثًا فسبعا
كيانًا من النور في النار شعّا
تداعى لأذنية شيء من الشدو
يبكي حياة إلى الموت تسعى
ويرتفع الشدو والطفل يدفعه
الموت نحو النهاية دفعا
توقف حيناً ، تمهل أصغى
وراح ليجتاز ربعًا فربعا
وإلى هنا تقريبًا لا جديد ،اللهم إلا التكلف في قافية العين بما يضطر الشاعر للعد ثلاثًا فسبعا ، ثم النور المشع في النار (كيانًا من النور في النار شعّا) وكثيرًا ما كان يستخدم التعبير النور في النار ، لكني لا أرى له معنى مفيد في هذه القصيدة ، وإذ تكون النار مادة مضيئة فماذا يغني النور عنها ؟ ولكن ربما يقصد الشاعر أن الإضاءة الحقيقية تكون للنور لا للنار ، بما يستدعي التحذير من غفوة تجعل البعض يفرح بهذه النار والتي تعبر عن الإضاءة الكاذبة لأنها محرقة فيستدعي بذلك النور ،وهنا يكون النور هو التحرير والفدائية بينما النار هي تلكم الأكاذيب التي يحيا الناس (مغفلوهم) في فلكها المسماة بالسلام وغيره.
ويستمر بعد ذلك الشاعر في وصف تقلبات هذا الفدائي-ونكتشف فيما بعد أنه طفل-من حيث خوفه من الموت وهذا الصوت هو صوت الغناء أو الشدو الذي تعزف الحياة فيه أغنية وجودها العدميّ ، إلا أن الفدائي قد قرر قرارًا لا تنازل ولا تراجع عنه ، وتأتي مرة أخرى قافية العين اضطرارية لإكمال القافية في الشطر الأخير(ربعًا فربعا) لأن هذا الوصف ينطبق على القرى والمدن الصغيرة وليس المستوطنات المرفهة الغنية البعيدة كل البعد عن مظاهر القرية وما يقع في دلالتها.
وتبدأ اللحظة الأهم والأكثر خطورة في هذه المشاهد عندما تنتقل العدسة ناقلة مشهد التفجير الذي يصفه الشاعر من خلال هذه الأبيات :
وقبل الوصول بشيء يسير
تخافت شدو ودوى هدير
وحلق في الأفق سرب من الطير
كشر عن شره المستطير
وما هي إلا ثوان ولفّ
المكانَ وما فيه صمت القبور
عدا آهة من فم الطفل ندّت
وأخرى بحلق البراقِ تدور
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 14-10-2010, 09:43 PM   #4
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

كل هذا ، والأبيات تصف مشهد التحرك نحو الاستشهاد ،
والطفل الرسام ما زال يتذكر هذا الموقف ،وبصعوبة -كما سنجد فيما بعد-يتفاعل معه تفاعلاً
أقرب إلى المتلجلج في حضرة المحبوبة ، قبل الوصول هذه اللحظة التي كان ينتظرها الطفل ،
أو ينتظرها الفدائي هي لحظة حاسمة بكل المعايير لكنثمة ما حدث تخافت شدو ودوى هدير ، لعله ها هنا
هدير الرصاص ،ذلك الصوت الذي أفقد المقاوم الفدائي أو الطفل التركيز ، وإذا كان هذا ما حدث
قبل الوصول بشيء يسير ، فليس لدينا ما يمكن من خلاله أن نعرف هل أنجزت المهمة أم لا ،
ولعل هذا يعد من المآخذ التي عمّقت دلالة السيريالية لا لتكون شكل اللوحة ، بل وأسلوب الشاعر نفسه في بعض جزئيات القصيدة .
بين تخافُت ِشدو ودوى هدير وبين التحليق في الأفق للطير مستطير الشريظهر لنا أن ثمة حدثًا تم هو الذي جعل المكان فيما بعد ملفوفًا بصمت القبور ، إلا أن دلالة سرب من الطير تحتمل هنا أن يكون المقصود بها
طائرات الهليكوبتر الصهيونية التي قد غلفت المكان بكل ما فيه بصمت القبور ، إلا أنه وسط هذا الركام
يطلق الطفل الصرخة الأخيرة ندت عن الوصول إلى حيز الوجود لتستقر في الذات ، وكأن أصداء هذه الصرخة غير المسموعة بشريًا إنما هي مسموعة في نقطة الوصول المنشودة وهي حائط البراق .
ينتقل الشاعر بنا بعد كل ذلك إلى الطفل الرسام الذي لم تصدق مخيلته الطفولية البريئة أو قُل لم تصدق إرادة
الحياة فيه أن تكون هذه هي صورة اللوحة التي ينشدها ولا يهنأ له بال بهذا الحال الأسيّ الذي هو في أحسن الأحوال فقد مجهول النتائج ، لا تصدق مخيلة الطفل ولا إرادته وأداتها الألوان
أن تنتهي عملية كتلك قبل بدايتها ، وأن يكون خاوي الوفاض ، فكانت هذه هي ردة فعله (التضامنية) مع المقاوم وهو طفل مثله في نفس سنه :
أتاه من الأرض صوت ارتطام
فعاد إلى الأرض محض حطام
تأمل ريشته في انفعال
ولوحاته ،والجدار الرخام
وقام إلى الأحمر الدموي ّ
فأفرغه في إناء الطعام
كسى وجهه ، والمدى والجدار
وكسر ريشته ثم نام
ما زالت أصداء هذه الصرخة حاضرة في ذهنه وهو عندما أوشك يرسم الصورة تخيل صوت الارتطام
والتفجر ،وكأنما هذا الانفجار دوى في ذاتهذا الرسام الذي عاد بخياله من السماء إلى الأرض وقد صار محض حطام يتأمل في ريشته الملتاعة المتلجلجة ، والجدار الرخام غير أني شخصيًا
أشعر أن تداخلاً لإكمال القافية ما كان له أن يتم بسبب الجدار الرخام ، فإذا كان الطفل رسامًا ، فعلى اللوحة
رسمه ، فماذا تفيد الرخام ؟ وهل الرسم على الرخام فن يقوم به الأطفال ؟ربما تأتي للرخام دلالة يقصد بها الشاعر منزل الرسام نفسه ، الأنيق المزخرف بعكس الدار التي خرج منها الطفل
الفدائي ، لكن هذا الاختلاف بينهما في الواقع الاجتماعي لم يحل بين اتحادهما نضاليًا ووطنيًا .
ومن هول المفاجأة يمسك الطفل بالوعاء الذي يحتوي على الألوان المختلفة (وليس إناء الطعام !) وقد تكون
لهذا الإناء دلالة على تشرب الدماء أي أنالطفل الرسام قرر الانتقام ، فصار حتى شربه وطعامه دمًا ، لكن حتى هذا الاحتمال لا يسعفني شخصيًا أن أجد له مسوغًا ، إذ أن الطفل بعد أن كسى وجهه بهذا الإناء كسر
ريشته ثم نام !إنها النهاية التي لا يجد الطفل فيها حلاً أمام تداخل هذه الصور ، والحقيقة الصادمة إلا أن يكسر الريشة ، لينام والنوم هنا تعبير عن حالة ترك المهمة.
إنها النهاية التي لا تجد فيها براء ةالطفل إلا أن تطلب الفرار من هذه الصور التي تنتهي بوفاة هذا الزميل
المقاوم ، ولتبقى الحياة بعمق معناها المجازي هي المطلب الذي ينشده الشاعر ، ولعل نومة هذا الطفل أتت لاستقبال هذا المقاوم في منامه لتنفتح أمامه آفاق أخرى من الصور علها لا تكون سيريالية هذه
المرة .
إن القصيدة تشير وبقوة إلى هذا الواقع الذي يعيشه الإنسان العربي المقاوم ، وتتخذ من الطفل رمزًا
لتساؤلات المستقبل الخفية ، والتي تظل مكبوتة في ذات أطفال صغار لم يتفتحوا بعد على بساتين الورود ، وإنما مخازن البارود ، وتظل صورة الشهادة والحياة وما يدور في فلكيهما هو المطلب النهائي لهم .
ميز هذه القصيدة -على ما فيها من أخطاء أشرت إليها-هذه الإيماءة إلى روح التمرد الطفولية والتي تتخذ
من التكسير أداة احتجاج لها ، والتي ترفض أشكال الموت ولولاها لما اتخذ الطفل الفنان هذا المشهد مادة لرسومه .كما أن العنوان تطابق بشكل كبير مع الرؤية ، فاللوحة سيريالية تختلط فيها الأوهام
بالأحلام والحقائق بالخرافات والبراءة بالجرأة ، كما أن الطفل المبتدئ يرمز إلى طفولة الأمل الداخلة إلى
أعماق الجمهور العربي والإسلامي ، وهذا الموقف الجديد هو ما كان داعيًا حقًا إلى الاستغراب من مدخلات هذه الصورة الأليمة .
إن الشاعر إذ يتحدث عن اللوحة السيريالية والفنان المبتدئ ، وإذ تكون اللوحة هذه هي الوطن وأقرب ما
تكون واصفة إياه الوطن الفلسطيني لأنه الأكثر شهرة بالعمليات الفدائية الناسفة ، وإذ تكون يكون الفنان المبتدئ هو أول خيوط الكفاح ، فإن الصدق في هذه الرؤية جاء من خلال التوازي بين أحداث
الرسم وبين العملية الفدائية ، وإن كان الشاعر قد انتحى منحى سيرياليًا في بعض تعبيراته التي نتجت -
ربما- عن عدم قدرته على إيصال الفكرة بشكل جيد في بعض جوانبها ، أو لوقوف الصورة الذهنية بشكلها الجامد حائلاً دون تطويعها للموقف الشعري .
وفي ظل هذا الواقع المأزوم والذي خفتت فيه نغمة العمليات الاستشهادية تكون هذه القصيدة هي النداء الذي
يستدعي فيه الشاعر هذه النغمة في الكفاح النضالي المسلح للشعوب الحرة والفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى ، ترى متى يتوجه السلاح الفلسطيني إلى مكانه الصحيح وتعود هذه الأوتار
العازفة لألحان الخلود مرة أخرى ؟ قل عسى أن يكون قريبًا .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 14-10-2010 الساعة 09:50 PM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .