بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع هام للغاية ، وكثيرًا ما تكون الأحكام فيه نابعة من الآراء الشخصية والتجارب الذاتية وليس من الواقع والتجربة العلمية.
وليس قولي هذا إلا واحدًا من الأحكام الشخصية لطالما لم نجد في دولنا إحصاءات صادقة ولا دراسات تم تفعيلها ..
ربما لا تكون المهور نفسها غالية بالقدر الذي يصوره البعض ، إنما هناك مشكلة في طبيعة الحياة الاقتصادية وتكاليفها .. تكاليف مواد البناء ، تكاليف السلع الاستهلاكية ، الغلاء ، انخفاض القيمة الشرائية للنقود وهذا يلقي بظلاله على القضية .
غلاء المهور -كما أحسب والله أعلم- هو ترجمة لمشكلتين لا ثالث لهما :
الأولى : الثقة ، فالآباء كثيرًا ما يسمعون عن تجارب لفتيات تنازلن عن الكثير من المهور ولكن كان تصرف الأزواج غير مسئول ، مما جعلهم ينتهزون تنازل المرأة ليفرضوا عليها ما يريدون هم دون خشية تبعات ذلك على الأقل التبعات الاقتصادية. فالآباء -كما أحسب والله أعلم- يرفعون المهور حتى تكون عنصرًا ضاغطًا على الفرد إذا ما حاول تسريح الفتاة بعد أن نال منها ما يريد ، وحينئذ -كما يظن أهل الفتاة- سيعرف الشاب أن عليه التزامات لن يفي بها ..مما يضطره إلى التراجع وفي أسوأ الأحوال إن طلق فهو (الأب ) ضامن حقوق ابنته المادية وهذا جعل عقد الزواج كعقود الإيجار ، تحسم بالشرط الجزائي .
الثانية : المسؤلية، فالسواد الأعظم من الشباب يريدون الزواج وهم لا يمتلكون المسؤلية الأخلاقية عن الاختيار أولاً فضلاً عن المسؤلية الاقتصادية. فلنتصور لو أن الله أنزل مدده على الشباب الذين هم على هذه الشاكلة (أصحاب القصات المختلفة ، المتشبهون بالغرب في أزيائهم،مدمنو الاغاني ، مدمنو البانجو ،المعتادون على الاستعراض بمهارات التهور في قيادة السيارات )وتزوجوا.. ترى ما ستكون النتيجة ؟
سينشأ جيل مدمّر لا يقدر على فعل شيء إلا الاستجداء وطلب المعونة من الأهل.
ونادرًا ما كان الشاب والشابة على استعداد للزواج تحت وطأة الظروف الصعبة ، وكثيرًا ما تراءى لبعضهم أنه قادر على إدارة دفة الحياة الزوجية رغم هذه الظروف لكنه ارتطم بصخرة الواقع مما نكّد الحياة على الأهل ، وجعل كل واحد يفكر ألف مرة حينما يتقدم شاب لابنته .
هل هناك شاب وشابة مستعدان للعيش في منزل لم ينته بعد من الأثاث ولكن أهل الطرفين رفضوا ؟ لا أظن (إلا نادرًا).
ولو نظرنا إلى أنماط التنشئة الاجتماعية السائدة في المجتمعات لوجدناها مسؤلة بدرجة كبيرة عن هذه المشاكل ..
وفي النهاية فإن اجتزاء المجتمع لمعنى الدين وقصره على العبادات فقط ، وبعد المجتمع عن القيم الإسلامية الروحية الحقة واتجاه المجتمعات إلى الأنظمة الاجتماعية الذاتوية والفردية كل ذلك من أسباب غلاء المهور باعتبار غلاء المهور واحدة من أخطر مشكلات العالم الإسلامي وإن كان يهون بجانب مشكلات أخرى أعظم وأطم .
النمط المتطور