قراءة فى بحث الخصومة وفن المصالحة
قراءة فى بحث الخصومة وفن المصالحة
صاحب البحث عبد القادر أحمد عبد القادر والبحث يدور حول الخصومة وكيفية التصالح وقد استهل الرجل البحث بأن الخصومة معركة نفسية قد تتحول إلى معركة حربية فقال :
"إن الخصومة معركة معنوية، وقد تتحول إلى قتال... وبداية أقول: إن الخصومة أمر وارد، ويتكرر كلما دعت الأسباب: كمنافسة، أو حسد، أو صراع على غنيمة، أو منصب... إلخ، فكيف تُدار الخصومة؟ وكيف تدار عملية الإصلاح؟ "
والباحث فى البحث يبدو أنه يتحدث عن الخصومة بين المسلمين فقط مع أن الخصومة الأساسية هى بينهم وبين غيرهم وهى التى قال الله فيها:
" هذان خصمان اختصموا فى ربهم"
الخصومة إذا هى بين المسلمين والكفار وهى خصومة فى وحى الله هل هو الحق أم الباطل
وحدثنا الباحث عن تطور الخصومة إذا لم تحل بين المسلمين فقال:
"للخصومة مواضع ومواضيع، بعضها تجب معالجته تواً، أو في وقت لا يزيد عن ثلاث ليال أو ثلاثة أيام، وبعضها قد يطول، ولكن خير الخصمين هو الذي يبدأ بالسلام.
وإن لم ينته سبب الخصام، فإنه يجب ألا تتدهور الخصومة إلى خصومة أشد؛ فإن أنواعاً من الاقتتال الدائر الآن على بعض الساحات كانت بدايته خصومة فردية، ثم اتسعت فصارت جماعية؛ لأنها لم تعالَجْ موضعاً وموضوعاً.
اتصل بي أخ فاضل وقال لي: أرجوك أن تتحرك أنت والأخ (...) لتصلحا بيني وبين الأخ (....)!! فاستحسنت هذا الموقف النادر، في زمن يتعامل فيه الخصوم بمبدأ (يضرب رأسه في الحائط)! وقد تحركت حركة خفيفة (بالهاتف) وتحرك المرشح الثاني لإجراء الصلح... وتم الصلح بفضل الله."
هذا الكلام عن العلاج السريع للخصومة غير مفيد وكثيرا ما يؤدى لتجذر الخصومة فيجب أولا أن تهدأ النفوس بتركهم عدة أيام وإن كان من حق كل واحد أن يبين وجهة نظره لغير الخصم حتى يكون هو المصلح مع من سمعوا وجهة النظر
إن سرعة الحل فى حالة الغضب تؤدى إلى عدم الحل حيث يتمسك كل واحد بوجهة نظره فى المشكلة ويبدو أن مدة الهجر وضعت للعودة إلى الهدوء والتفكير لأن الغضب يؤدى فى الغالب إلى الخطأ والاستمرار فيه
وتحدق الباحث عن أنواع الخصومة فقال :
"الخصومات أنواع:
تتراوح الخصومات بين شؤون فردية، أو شؤون جماعية... فمن الخصومات الفردية مثلاً:
خصومة بين اثنين (صديقين أو زوجين أو أخوين أو أختين) أو نحو ذلك.
ومن الخصومات الجماعية مثلاً:
خصومة بين قبيلتين أو حزبين أو جماعتين، وقد تكون بين شعبين أو دولتين.
وتندرج تحت كل قسم من الأقسام السابقة أنواع، وسوف نذكر أهم الأنواع في موضعها بتوفيق الله.
خصومة شخصين، أو خصومات الأفراد:
وهي كثيرة كثرة الأفراد، وندر مَنْ لا يُخاصِم أو يُخاصَم، وسببها تعارض المصالح، أو تصادم الأهواء؛ فإذا تعارضت المصالح أمكن التوفيق بينها بطريقة أو بأخرى، أما خصومات تصادم الأهواء، أو تصادم الهوى مع الحق، فتقلّ فيها احتمالات العلاج، إلا بالرجوع إلى الحق، والتخلص من الهوى.
إن أهواء الأفراد متعددة متنوعة، وهي مطامع الدنيا في الأموال، والمناصب والشهوات كالمذكورة في قوله ـ تعالى ـ: ((زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ))"
وهذا التقسيم ينظر إلى العدد والمشكلات الجماعية أصلها فردى ولكن التعصب والطمع يحولها إلى جماعية
وقد نقل الباحث لنا درس من القرآن فى خصومة ابنى آدم(ص) فقال :
" درس من القرآن:
((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ))
إنه عرض لدرس في الخصومة الفردية التي تصاعدت حتى وصلت إلى أن يقتل الأخ أخاه في بيت البشرية الأول، في بيت النبوة!!
دبّت الخصومة بين قابيل وهابيل بشأن مسألة زواج، أيّهما يتزوج الجميلة؟ وأيهما يتزوج الدميمة؟ فاتفقا على أن يقدم كل منهما قرباناً، فأكلت النار قربان هابيل، وتلك علامة القبول، فتمادى الطرف الشرير الخبيث في خصومته، ونقلها من الإطار المعنوي إلى الإطار الحسي المادي ((قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ))... وعيد مؤكد بمؤكديْن هما: (اللام)، ونون التوكيد الثقيلة... يقول صاحب الظلال: (وهكذا يبدو هذا القول بهذا التأكيد المنبئ عن الإصرار نابياً مثيراً للاستنكار؛ لأنه ينبعث من غير موجب، اللهم إلا ذلك الشعور الخبيث المنكر، شعور الحسد الأعمى الذي لا يعمر نفساً طيبةً)."
ومشكلة ابنا آدم(ص) لا يوجد دليل من الوحى على أنها كانت تتعلق بزواج فهذا الكلام منقول من أديان أخرى والقصة فى القرآن تدل على أن المشكلة كانت قبول قربان أحدهم وعدم قبول قربان ألآخر
وأكمل فقال :
"فماذا كان حال الطرف الثاني؟
الوداعة والطيبة، طيبة الظاهر، وطيبة السريرة، يقول سيد قطب ـ رحمه الله ـ: (هكذا في براءة يُرد الأمر إلى وضعه وأصله، وفي إيمان يدرك أسباب القبول، وفي توجيه رفيق للمعتدي أن يتقي الله، وهداية له إلى الطريق الذي يؤدي إلى القبول، وتعريض لطيف به، لا يُصرّح بما يخدشه أو يثيره! ثم يمضي الأخ المؤمن التقي الوديع المسالم يكسر من شرّة الشر الهائج في نفس أخيه الشرير، فيقول له: ((لَئِن بَسَطتَ إلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ)) وهكذا يرتسم نموذج الوداعة والسلام والتقوى، أمام موقف الشراسة والعدوان والفجور.
لقد كان في هذا القول الليِّن ـ قول الابن الصالح ـ ما يهدئ الحسد، ويسكّن الشر، ويمسح على الأعصاب المهتاجة... لقد كان في ذلك كفاية، ولكن الأخ الصالح يضيف إلى ما سبق النذير والتحذير: ((إنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإثْمِي وَإثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ))
إذا أنت مددت يدك لتقتلني، فليس من شأني،
|