العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السيـاسية

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نظرات في مقال أمطار غريبة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 140 عام (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 10-12-2009, 12:47 PM   #41
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
Angry الحلقة السابعة

7
الليلة الثالثة... ليلة (الشيفون) بامتياز. استفقت من غيبوبتي لأجدني ملقى على قفاي كسلحفات رماها موج البحر في اليابسة وعجزت عن العودة.


أطرافي مخدرة بالكاد أحركها, تحسست أنفي النازف المتورم. نوبة سعال رهيب صارت تنتابني , أبصق بعدها بقع الدم القاني. وألم فضيع أحسه في حنجرتي وكأن شفرات حلاقة حادة علقت بها.

صرت أحمل هم السعال أكثر من هم الجلوس على المرحاض لقضاء حاجتي بعدما(فرشوني) بسحب رجلي اليمنى لأقصى اليمين واليسرى لأقصى الشمال خلال حفلة الليلة الفائتة. وكأن أسياخ حديد تخترق كامل بدني المثخن. ثياب نومي المبتلة بالكاد أصبحت تستر عورتي .

حاولت جهدي مقاومتهم كي لا ينزعوا سروالي الذي تمزق , ويا ليتني مافعلت . بعد محاولة المقاومة الفاشلة تلك لم تعد الأصفاد تفارق معصمي خلف ظهري بعد ما كنت على الأقل أقي بهما بعض لكماتهم النازلة على وجهي بعشوائية بالغة.

مبتلا من أخمص قدمي إلى شعر رأسي, اختلطت على أنفي الروائح, رائحة (الشيفون) العفن الكريهة, ورائحة البول العطنة. خمنت, ربما فعلها الكلب كابيلا صاحب الوجه البشع بشاعة المكان وأنا في غيبوبتي.

فقد كنت علمت من بعض إخوة المحنة أن إحدى هوايته المتعددة المفضلة عنده هي إفراغ متانته المملوءة جعة وخمرا على أجساد الضحايا ووجوههم خاصة.
أحمد الله على كل حال.


لم يفعلوها بي أمام عيون أفراد أسرتي وبحضورهم كما فعلوها بميمون البركاني في غرفة نومه حين احتج على ترهيب أبنائه ليلا والدخول على زوجه وهي بلباس النوم فقط . وطالب بإذن الوكيل العام لتفتيش البيت. المسكين ربما صدق كلام التلفزيون وبراحي { العهد الجديد} وحسب أن ذاك الزمن قد ولى ولن يعود كما يروجون. وأن زوار الفجر وخفافيش الظلام يعترفون بشيء اسمه القانون.

كلما التقيته في ساحة السجن خاطبته مازحا مذكرا إياه بالواقعة. {واقعة التبول عليه أمام أعين زوجته وأبنائه}
"هل تظن نفسك في السويد يا ميمون" فكان يبتسم بألم .

بل أكثر وأخطر من هذا ماحدثني به لحظة مداهمة بيته وبعد التبول عليه. أيقظوا شقيقه وشقيقته الصغار وهما من ذوي الإحتياجات الخاصة {الصنف المنغولي} كان المسكين يعيلهما فانهالوا عليهما ضربا بكل قوة. لم يسلم من شرهم أحد في هذه البلاد في هذه الحرب المستعرة بالوكالة. أقسموا له قائلين
" والله إن لم تدلنا على مكان تواجد صديقك فلان لنقتلنهما"

كانا يصرخان في هلع ورعب شديد. وتبولا من شدة الرعب حتى ابتلت ملابسهما بذلك. نزلت عليهما الأيدي والأرجل الخشنة بكل قوة ولم تكف حتى وافق على كشف مكان تواجد صاحبه الذي نال رفقته حكما بأربعين سنة قسموها بينهما سواسية .

زحفت على بطني بمساعدة يدي كدودة مبعوجة الذيل داستها قدم آدمية غير مكترثة صوب صنبور الماء. صدق الخبيث ووفى بما توعدني به بالأمس حين قال: " مازال ما شفت والو أوليدي سير ارتاح وفكر مزيان مع راسك. وتعاون معانا راه من مصلحتك..."
(إنك لم تر بعد شيئا يا ولدي . اذهب الآن لترتاح وفكر جيدا وكن متعاونا فإن ذلك من مصلحتك )

صدق الخبيث هذا مما لم أره وأذق طعمه من قبل . لكني أكيد قرأت أو سمعت عنه ممن زاروا المكان من قبل أو زاروا غيره من المراكز السرية والعلنية التي تنتشر على طول هذا الوطن أكثر من المستشفيات.

الليلة الثالثة... ليلة (الشيفون) بامتياز. وما أدراك ما الشيفون. أدخل قبري ولا أنساها. اللعنة ألف مرة على من اخترع هذه الوسيلة البشعة . لو عرفته لبصقت على قبره وربما تبولت عليه.

بعدما علقوني من رجلي ومعصمي وسط عمود حديدي أفقي على طريقة الديك المشوي, تدلى رأسي للخلف لتسهل العملية. شرعوا في الضغط على أنفي بملقط خاص لم أتبين شكله مما كان يضطرني لفتح فمي, حينها يدخلون خرقة الموت المبلولة بالسائل الغريب ويعصرونها في فمي. غلبت رائحة مادة {الكريزين} القوية على رائحتي الكلور ومياه المجاري وربما أشياء أخرى لم أعرفها.

وأنا صغير أذكر أنني كنت أفر من البيت حين تستعمل الوالدة {الكريزين} في تنظيف المرحاض هربا من رائحته الخانقة. وها أنا ذا أعبه عبا رغما عن أنفي. كنت أظنه قد انقرض من الأسواق وتوقف إنتاجه بعدما هزمته منتوجات التنظيف الجديدة زاهية الألوان والتعليب , ولم يصمد أمام وصلاتها الإشهارية المتنوعة التي لا تتوقف على التلفزيون.

من المؤكد أن القوم لا زالوا يحتفظون بمخزون هائل من هذا {الكريزين} من عهد يزعمون أنه ولى بلا رجعة. تبدلت بعض الوجوه والشعارات ولم تتبدل الوسائل. تبا لهم...وهذه الوسيلة بالذات أزهقت أرواح العديد من المواطنين في مخافر الشرطة والمعتقلات...

انذلق السطل فأمر أحدهم بملئه من جديد. تمنيت لو تطول مدة غيابه حتى أسترجع بعضا من أنفاسي . لكن الخبيث عاد في رمشة عين, وكأن الوصفة الرهيبة جاهزة ولا تحتاج كبير عناء لتحضيرها. لعلها بئر مملوءة أو خزانات ضخمة , هكذا خلتها حينئذ...

تمنيت الموت...عيني تجحضان حتى كنت أظنهما قد غادرتا محجريهما... السائل يخرج من أنفي ...رأسي تنفجر...حين يحسون باختناقي الشديد وقرب دنو أجلي كانوا يوقفون العملية للحظات...

كنت أغيب عن الوعي فتوقظني الصفعات القوية والمياه الباردة على وجهي...وربما جعة كابيلا ورفاقه المخزنة في مثانته ...
رفعت سبابته كما أمروني إذا رغبت في القول:
"ملي تبغي تكلم هز صبعك"

أوقفوا العملية "قووول ...قوووول ...بسرعة قوووول...."
"مهلا عليه أريحوه يا كلاب...أتركوه يسترجع أنفاسه...أنا أعرفه راجل ونصف" هكذا صاح فيهم أحد الممثلين. ثم توجه إلي يمسح الزبد الخارج من فمي وهو يردد " مالك على هاد التكرفيص أوليدي من الصباح قول لهم فين هو صاحبك خ وسير ارتاح مع راسك . ياك هو صاحبك من الروح للروح مايمكنش يغبر بلا ما يقول لك فين غادي؟؟؟!!! "

أخذت فرصة لأسترجع بعضا من أنفاسي. خلتهم فرحين يفركون أيديهم مبتسمين يتغامزون علي. ألحوا علي مرة أخرى فنهرهم الممثل الغبي متظاهرا بالتعاطف معي والإشفاق لحالي " دعوه يرتاح قليلا" قاطعته حينها " قتلوني وريحوني والله ماعارف شي حاجه عليه "

كنت طبعا كاذبا في قسمي لأني أعلم علم اليقين أن الأمر لن يتوقف عند معرفتهم أين ذهب سيكون اعترافي ذاك مجرد رأس الخيط وبداية السلسلة
حرف الألف يتبعه الباء ثم التاء ثم الثاء ...وهكذا. وإلا فلو كان الأمر يتوقف هنا لقلت لهم وأرحت نفسي . تبا لهم فلأصبر والله معي.

ازداد غيظهم وصراخهم وحنقهم بعد جوابي , فضاعفوا لي العذاب. آخر ما أذكره من كلامهم قبل أن أغيب عن الوعي هو :
" واش احنا قتاله باغينا نقتلوك واش احنا مجرمين أولد الق حيد لمه السروال...حيد لمه السروال..."

هل نحن قتلة مجرمون حتى تطلب منا قتلك يا ابن العاهرة انزع سرواله...
الليلة الثالثة : وما أدراك ما الليلة الثالثة...صوت جلبة وضوضاء تكسر سكون الممر. زحفت صوب البوابة الضخمة. غريب أمر المكان, كل الحواس تكاد أن تتعطل هناك وتتبلد ماعدا حاسة السمع من شدة الخوف يصبح المرء أسمع من فرس.

وضعت خدي على الأرض بمحادات أسفل البوابة السوداء حيث يتسرب خيط شعاعي ضوئي خافت, علي أسمع بعض ما يجري .

ضحية جديدة تساق نحو المسلخ, بالكاد يجر قدماه. تمتمت له بالدعاء.
عم الصمت الرهيب المكان لبعض الوقت, قبل أن يصلني صوت كبيرهم في لكنته الفاسية الركيكة..."قووول...قووول...قووول...
يجيبهم الضحية في إصرار غريب بصوت فيه حشرجة وبحة :
"والله ما نقول !!! والله مانقول!!! "

قووووول أولد الق.....قووووول أحسن لك...قووووووول......"
يجيبهم في تحد " والله مانقوووول....والق....هي أمك...أنت هو ولد الق..

وقف شعر رأسي وساد السكون الرهيب مرة أخرى. ربما يعدون العدة لكسر هذا التحدي الغريب الذي لا يقدم عليه هنا إلا مجنون فقد عقله أو إنسان من غير طينتنا .

بعد لحظات دوى صراخ المسكين. رجع صداه هز هدوء الليل . وكأن جلده يسلخ عن لحمه. كدت أخر هلعا, تقطعت النياط في قلبي ألما وحزنا وخوفا. في حياتي لم أسمع كتلك الصرخات التي لا تزال تدوي في أذني ليومي هذا مساهمة بدورها في كوابيسي التي لاتنتهي منذ غادرت المكان.
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 10-12-2009, 12:53 PM   #42
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

مرة أخرى. تمنيت الموت وراودتني فكرة الإنتحار الشيطانية.

قمة العذاب أن تسمع استغاثات المعذبين وصرخاتهم الرهيبة وأنت لا تملك لهم شيئا. قد تفوق هذه الوسيلة في التعذيب بالسماع,الطيارة والصعق والشيفون نفسه...أعتذر...لا...لا...إلا الشيفون...إلا الشيفون...

خلتهم ينزعون أظافره أو يقطعون جهازه التناسلي بشفرات حلاقة كما فعلوا مع بعض من سلمتهم لهم أمريكا من غير المغاربة لانتزاع اعترافات منهم بالوكالة عنها.

توالى صراخه وتعالى,وازداد إصراره العجيب على اللاقول ...وازداد قلبي خفقانا وجسدي ارتعاشا.

انفجرت في نوبة بكاء داخلي مرير. ترى أي قول يريدونه قوله؟؟؟
أهو شهادة على مكذوبة وسيناريو مصطنع على نفسه يريحه من عذاب مؤقت ويطوح به في غيابات الجب العميق حيث يفني زهرة عمره وشبابه. يصارع العذاب والموت البطيء.؟؟؟!!!

ترى لم كل هذا وأي بشر هؤلاء؟؟ ألهم أسر, وأطفال؟؟ هل يداعبونهم؟؟
أيعيشون بيننا ويأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق ويركبون الحافلات وينظرون في وجوه الناس كما نفعل ويفعل بنو البشر كلهم؟؟؟

آه...آه...آه...لو أني لي بهم قوة. تخيلتني أصفهم فأجز رؤوسهم واحدا واحدا... أو أرمي بهم من قمة جبل شاهق . أو أرمي بهم في قعر فرن ملتهب...

استعذت بالله من الشيطان الرجيم. بعد ما كنت أتردد كثيرا قبل قتل صرصار أو طرد قط ها أنذا قد سكنني شيطان الإنتقام والحقد. هم السبب,

ومن يمر من هناك ولا يسكنه شيطان الغل والحقد والإنتقام؟؟؟!!

إنه مصنع كبير لتفريخ وحضانة الضغينة بامتياز...!!!

لاأشك في أنهم سيجنون في يوم قريب, ما يستثمرونه هذه الأيام في هذه المصانع وما ينتجونه. حينها لن ينفعهم الندم.

أسائل نفسي باستمرار. كيف برأ من هذا بعض ضحايا الماضي ممن سمعناهم مرارا يرددون أنهم عفوا وصفحوا. بل أكثر من هذا صافحوا جلاديهم أمام العدسات المرتقبة لالتقاط حميمية اللحظة الصطنعة ربما.

أتستطيع حفنة مال أن تطمس فطرة خلقها الله فينا. أم هو كلام ضعيف عاجز انطبق عليه مثل القط الذي لم يتمكن من بلوغ قطعة لحم فقال أنها منتننه.

أجاهد نفسي ليومي هذا لأقتل الشيطان الكامن في داخلي فيأبى...أكاد أقضي عليه بالأمل واستحضار أحاديث وآيات الصفح. يترنح ثم يعود بعودة وجوههم التي لا تكاد تفارقني. تذر ملحا على جراحاتي التي تأبى الإندمال.

أيقظتني من تساؤلاتي صرخات المسكين مرة أخرى. رسمت له هو الآخر بورتريها سريعا في مخيلتي معتمدا في ذلك لكنته السوسية وصلابته وتحديه الناذر....نحيل ضعيف البنية الجسم. عيناه واسعتان غائرتان. قصير القامة فاحم الشعر...

خفتت الأصوات مرة أخرى فشحذت سمعي وأجهدت نفسي أكثر لسماع بعض ما يجري."سوريا...العراق...الموصل...أبو جابر...أبو ضحى...أبو فلان ...أبو علان...الإيميل...الباسبور...

فهمت الموضوع مما وصلني بصعوبة من كلماتهم المتقطعة . كلنا في الهوى سواء يا صاحبي السجن. ضحية أخرى ممن ابتلعهم أخدود الحرب بالوكالة, ودمغتهم مقولة وشعار هولاكو الزمان " معي أو مع الإرهاب"

جلبة وضوضاء تقترب مني هذه المرة في الممر. أعادوا المسكين محمولا أو مجرورا, رموه في زنزانته, سمعت جسده يتهاوى محدثا دويا وهو يرتطم بالأرض. أغلقوا الباب بقوة كالعادة, عادوا

يلهثون ...يسبون...ويلعنون... انغمست في حزني وآلامي وبكائي المرير. ما أبشع الإحساس بالضعف( والحقرة)

وكزني شيطان الإنتقام من جديد. فسرحت بخيالي بعيدا...قطعت رؤوسهم...سملت عيونهم...

لم أذق طعم النوم مذ ولجت المكان. لا أدري أهي الصدفة التي رمت بي في زنزانة تجاور غرفة التحقيق,أم هو سبق إصرار منهم وترصد. ارتفع صوت المكبرات.

رجع صدى المكان يزيد صوت المغني قوة. تكاد ترج الجدران, وسيلة تعذيب رهيبة من نوع خاص, شعارها , ممنوع النوم في هذا المكان. ليلة أخرى من ليالي السهر والعذاب. ربما يشربون نخب (النصر) في هذه اللحظة على الإيقاعات الصاخبة. رائحة الخمور لا تبارح أفواه (حجاج العهد الجديد) هي لحظات استراحة ربما. قبل أن تدور رحى العذاب من جديد...

حاولت جاهدا ربط أطراف الخيوط التي تركوها لي مشبكة في جلسات العذاب الأخيرة. لحد الساعة لم يطرحوا مسألة سفري. مجرد رموز وكلمات وألغاز توحي لي بذلك.

على العموم ليس لي ما أخسره. ما وقع قد وقع وقدر الله وما شاء فعل. ولن يصيبني إلا ما كتبه الله لي في اللوح المحفوظ.

صدق حدسي هذه المرة... هما ضحيتان...صغيرا السن...يسحان الدمع الغزير المصحوب بالترجي والإستغاثة : "الله يرحم الوالدين آلحاااج ..."

"قلت لك يا ولد الق...أنا ما عندي والدين...أنا ولد الحرام لقوني مرمي قدام جامع ...أنا أبو جهل...أنا أبو لهب...ههههه يقهقه بصوت جهوري.

يزيد بكاؤهما وخوفهما..." الله يخلي ليك لوليدات آلحاج...لوليدات آلحاج"

يصرخ فيهم أبوجهل اللقيط : " شكون فيكم الأمير...شكون الأمير...؟؟؟ "

يقسمان بأغلظ الأيمان أنهما لا يعرفان شيئا...أظن أن الطاحونة لم تدر بعد. أبدل بالغ الجهد لأسمع ما يدور.

" يا لاه اللي ماشي أمير يحيد سروال الأمير"
(من ليس بالأمير فلينزع سروال الأمير)... يصمتان... فتدوي اللطمات واللكمات والصفعات وأوامر اللقيط أبو لهب بصوته المرعب المدوي :
"حيد ليه السروال آولد القح... ( "انزع سرواله يا ابن العاهرة ")

يسحان الدمع غزيرا ويشرعان في نزع سروال بعضهما البعض على تشجيعات وسخرية المجرمين, للبراءة من الإمارة المزعومة...تتعالى عبارات التشجيع والإستهزاء والتشفي...

"هاذي هي دار الحق, من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " استعارة إبليسية خبيثة لآية عظيمة أضحت كاللازمة تردد على مسامع كل من ساقه القدر إلى المكان القذر.
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 10-12-2009, 12:55 PM   #43
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

دارت الرحى...تعالت الصرخات...اختلطت الأصوات...وامتزجت... صوت المغني يجلجل المكان...زيديني عشقا زيديني...
زيدوه ألما زيدوه. حتى يقر لأمه...

تحسست خصيتاي...ألم فظيع يسري فيهما. أفزعني المنظر حين كشفت,وكأن كتيبة نحل هاجمت المكان. جذبهما الخبيث بقوة. شعرت أن روحي ستزهق منهما, قال الخبيث: "من الآن فصاعدا ليس لك ما تفعله بهما. انتهت مدة صلاحيتهما ووظيفتهما. تعرف لماذا؟؟؟ صمتت ولم أجب,لأنك لن تر امرأة بعد اليوم . صل على نفسك صلاة الجنازة...سنرسلك حيث تغرس شجرة وتنتظر ثلاثين سنة لتستظل بظلها..
قهقهوا جميعهم غير مكترثين بصراخي وآلامي.

صورة والدتي الغالية ترتسم أمام ناظري ولا تكاد تفارقني. أكاد أجن حين أذكرها. بدلت جهدا كبيرا لإقناعها بالسفر صوب بلاد الرافدين , كنت كلما ظهر إصدار مرئي جديد للمجاهدين هناك دعوتها لغرفتي وعرضته أمامها للمشاهدة وكنت أعمل عمل المترجم والشارح .

بكت مرات عدة لصور الأطفال الممزقة بقذائف الطائرات وقصص النساء المغتصبات. لم أزل بها حتى نطقت يوما موافقة على سفري مبررة امتناعها السابق بسبب خوفها من الأسر ومعانات غوانتانامو وأبو غريب .

آه لو تعلمين أيتها الغالية عن (الشيفون)...وما أدراك ما الشيفون...تبا لتلك الخرقة العفنة ...تبا لها ولمن اخترعها...

لهم غونتاناموهاتهم وأبو غريباتهم... ولنا الحبس الأخضر بمدينة تمارة الصغيرة, حيث يعشعش الموت...ولنا الشيفون. مهما ابتكروا فلن يصلوا لمثل هذه الطريقة المغربية الصرفة. وإن وصلوا, فمن أين لهم بالخليط البشع؟؟؟ من أين لهم بسائل الكريزين العجيب ؟؟؟ إلا أن يستوردوه منا في إطار هذا التعاون والتحالف الدولي على محاربة الإرهاب.

قالت لي المسكينة أن أسمع بموتك أهون علي من أن أسمع أنهم قد اعتقلوك... كررتها علي مرارا. هكذا هي الأم دائما.

سرحت بخيالي بعيدا...بعيدا...بعيدا... سألت نفسي السؤال الملح الذي لم يفارقني. لماذا نتجشم المخاطر ونشد الرحال لآلاف الأميال لقتال الغزاة الصليبيين ونترك أذنابهم وحماتهم في عقر ديارنا يعيثون فسادا وإفسادا.

شعاع شمس يوم جديد يتسرب من كوة الزنزانة الكئيبة ...هدأت الطاحونة إلى حين...زئير أسد هرم يأتي من بعيد و كأني به يحتج على ما يجري بجواره في زمن لا بواكي لحمزة فيه...إنها تمارة...إنها البشاعة...زرت حديقة حيوناتها وأنا صغير في رحلة مدرسية...وها أنذا أزور حديقة حيواناتها الخلفية في عز شبابي...لكنها حيوانات من صنف آخر!!!

وقبل أن ينهار
زمجر الجدار
كم من أسد سجانه حمار
مع اعتذاري للحمير
.
.
.
يتبع بحول الله. .
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 12-12-2009, 11:11 AM   #44
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

والآن مع الحلقة الثامنة
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 12-12-2009, 12:43 PM   #45
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي الحلقة الثامنة

8
...هنا الموت...هنا الفظاعة ...هنا الحمق...هنا الجنون...لكم كنت سادجا وأنا أتابع بعض كلمات لضحايا الماضي المزعوم دفنه. ما أن حل (العهد الجديد) حتى ظهروا دفعة واحدة للشهادة والتكلم عن الماضي ومعاناتهم ومتمنياتهم بعدم تكرار ماجرى. في الوقت الذي كانت فيه جلود الشباب تسلخ وأجسادهم تشوى وأعراضهم تنتهك, فتحت لهم كل وسائل الإعلام وأبواق الدولة أبوابها فجأة في خطة مرسومة ومدروسة مسبقا.
كادت الحيلة تنطلي علي وكدت أصدق في لحظة ما بعضا من كلمات قادة الزفة المخزنية الجدد. من (مناضلي الأمس) القطع مع ممارسات الماضي,ضمانة عدم التكرار,نزاهة القضاء...وهلم شعارات وكلمات أجهدوا أنفسهم في اختيارها وتنميقها.
حين سقطت عرفت الفظاعة التي لازالت تنتجها سراديب أجمل بلد في العالم !!! هكذا سموه لجلب العشرة ملايين سائح زعموا !!!
"الله يلعن اللي ما يحشم" (لعن الله من لا يستحيي) هكذا يقول المثل العامي
شرعت الوساوس تأكلني من جديد.أحلم هذا أم حقيقة هي؟؟ أصفع خدي بيدي لأتأكد من يقظتي. ترى لماذا جيء بي هذه المرة؟؟ أكل هذا العذاب ليعرفوا أين اختفى خ مستحيل؟؟
مستحيل أن يكونوا قد علموا شيئا عن موضوع سفري. كنت أعرف أين أضع خطواتي بحذر شديد وأنا أستعد في أيامي الأخيرة. كان ع عند وعده.
وهو يحدثني كان يقرأ ما يدور في دواخلي من أسئلة واستفسارات فيطرح لها حلولا قبل أن أتفوه بها. ذكاؤه الشديد وصداقتنا التي امتدت منذ الطفولة علمته كيف يقرؤني .
"سأحاول الكتابة لك كل أسبوع أو كل أسبوعين حسب الظروف والإمكانيات,هذا ما دمت حيا أرزق بطبيعة الحال. أعرف أنك تحب التفاصيل وتغرق فيها لاعليك, أعدك بإطلاعك على كل صغيرة وكبيرة ماعليك سوى الدعاء لي بالتوفيق والثبات"
جن جنونهم حين اختفى وأذاقوا أسرته المر والعلقم. حرصت ألا يروه معي منذ خرجنا من السرداب في المرة الأولى. فكنت ألتقيه خلسة بعد ترتيب اللقاء لأيام وأيام. وكأننا نعد لانقلاب عسكري هكذا كان يقول مازحا. ناولني الشيفرة التي اتفقنا عليها في آخر لقاء لنا قائلا :
"اسمع لا تفرط فيها, واحذر, أقسم لو وجدوها معك فسيعيدون ختانك من جديد. ههههههه ضحكنا حتى دمعت عيوننا.لم يكن يكف عن المزاح, حتى في أحلك الظروف .حتى وهو يحكي عن أيام السرداب.
وصلتني أولى رسائله حملت الأمل وزادتني حماسا وتسريعا لاستعدادات السفر. كدت أطير حينها فرحا. حملتها كما اتفق وعدت مسرعا للبيت لأسهر ليلة كاملة في فك رموزها كباحث آثار هيروغليفية مستمتعا بذلك متعة لا توصف.
"أخي وصديقي العزيز: وصلنا بلاد العثمانيين . مرت الأمور في المطار على ما يرام كاد حينها قلبي يتوقف عن النبض لكن الله سلم. التقينا الشباب رفيق السفر دخل وأنا في انتظار دوري. أنتظر الدليل الجديد لأن الذي قبله قد رحل نسأل الله أن يتقبله.
لم أخرج من البيت مذ دخلته, هكذا تقرر. تحذوني رغبة جامحة لرؤية اسطنبول, مدينة الإسلام وعاصمة الخلافة المفقودة. تغريني مساجدها, جسورها, ومتاحفها بمعروضاتها الناذرة. خاصة سيف الرسول عليه الصلاة والسلام وسيوف الصحابة التي حطمت صنم الجاهلية. لكن كلمات المسؤول عنا هنا يتردد صداها في أذني كلما هممت بذلك :
" ... يا شباب نحن لم نترك ديارنا وأهلينا وأبنائنا وأموالنا ونجيء هنا للسياحة والترفيه...قال النبي صلى الله عليه وسلم : " سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله. ها أنتم ترون أخانا أبا الوليد المكي, جنى على نفسه وكاد يجني علينا لولا لطف الله سبحانه..."
هذا الأخ كان قد خرج من البيت للتسوق دون إذن. أوقفوه في حاجز تفتيش روتيني وبما أنه لم يكن يحمل معه جواز سفره ولم يدلهم على البيت الذي تركه فيه حتى لا ينكشف أمرنا. فقد رحلوه توا إلى بلده السعودية, والبقية تعرفها كما نعرفها . لهم (تماررتهم) أيضا هناك. لا يخلو بلد من السراديب.
أخبرنا بسرعة بعد الحادثة مرافقه التركي الذي نجا فغيرنا المكان بسرعة تحسبا واحتياطا. نحن الآن في ضيافة أسرة كردية كريمة, ننتظر الإشارة للعبور. لا تنسانا من دعائك الصالح .
آه لقد نسيت أن أخبرك أنني أصبحت أكنى أبو تاشفين تيمنا بهذا القائد المغربي المسلم . ومرافقي أصبح أبو روضة. لا مجال هنا للأسماء الحقيقية . انتهى دورها وعهدها ...سلامي للشباب جميعا "
ثم توالت رسائله تباعا. ترى هل علموا عنها شيئا؟؟؟ لا...لا...لو كانوا يعلمون لما أمهلوني. ومن أين لهم العلم بها. كنت أسلك مسالك معقدة لاستقبال الرسائل وأغير نوادي الأنترنت باستمرار. من أستقبل منه مرة لا أعود له أبدا.
وساوسي تكاد تفقدني توازني العقلي. ونفس السؤال يلح علي. لماذا جاؤوا بي هذه المرة؟؟؟ أحاول فك الرموز وجمع الخيوط المتشابكة. أستعيد كلماتهم وتلميحاتهم خلال الجلسات السابقة وأعطيها ألف تفسير وتفسير.
أحسني أقرب إلى الجنون, أحوم حوله أو يحوم حولي. على العموم لو لم يكن موضوع السفر فإنهم قادرون على اختراع وخلق ألف قضية وقضية من يسألهم عما يفعلون؟ ومن يجرؤ على ذلك ؟؟؟
لا أحد في هذا العالم المتواطئ !! وكأني بهم يتحدون الجميع. أخالهم يقهقهون وهم يقرؤون تقارير المنظمات الحقوقية المحتشمة, ويستعملونها أوراق حمام يمسح بها (كابيلا) القذر وبقية الزبانية نكاية فيمن كتبها وهم يرددون ثملين القافلة تسير والكلاب تنبح, قولوا ماشئتم أكتبوا ما بدا لكم... أدينوا...احتجوا...موتوا بغيظكم ...أمننا وأمن أصدقائنا وحلفائنا أولا...
ولتشربوا البحار إن شئتم...!!!
سمعتها منهم مرارا وتكرارا: "...هنا مكاين لا حقوق إنسان ولا...والله يا ولد الق...حتى ندفنو امك حي في الغابة..."
تخيلت مرارا أني أدفن حيا. ما أبشع ذلك... أوضع في حفرة...أصيح ...أصرخ...أستغيث...أترجاهم...أستنجد...يهيلون علي التراب...جسدي يختفي ويختفي تدريجيا...أحاول الصراخ فيخنقني الغبار...أسعل...أسعل...
وأسعل...لا...لا...أفضل طلقة في الرأس على هذا. تمنيت من قلبي لويفعلوا,يوم استشاط كبيرهم غضبا وغيظا ووضع فوهة مسدسه في ثقب أذني مهددا بإطلاق النار إن لم أتكلم. كان ثملا مترنحا. كنت أعلم أنهم لن يفعلوا ومع ذلك تمنيت لوت لعب الخمرة برأسه فيضغط الزناد ليريحني من عذاب تلك الليلة الموشومة في ذاكرتي المثقوبة وألقى الله شهيدا. ليلة العصا هكذا سميتها.
كتيبة نمل أسود صغير تحمل صرصارا بعد أن قطعته أجزاء بدقة بالغة. الأرجل, الجدع, الأجنحة...عزيمة هذا المخلوق الصغير تهد الصخر. تمنيتني حينها نملة تتسلل من الشق أسفل الباب وتسيح في أرض الله الواسعة. قد تطؤني قدم بغير شعور. لا يهم, خير لي من المكوث هنا.
وأنا أتابع مسير الكتيبة المنظم ساهيا مستغربا, أثارتني خربشات على الجدار. خطوط لعد الأيام. توجد على كل جدران الزنازن في العالم. قسمها صاحبها مجموعات, كل واحدة تضم سبعة خطوط عمودية , عدد أيام الأسبوع , عليها خط أفقي علامة على انقضائه. ربما خطها بأظافره التي طالت بطول مقامه هنا. شرعت أعد المجموعات مقربا عيني من الجدار (38 ) مجموعة, تعني(38 ) أسبوع. ياللهول أعدت العد مرات ومرات. كم أكره الرياضيات والحساب ومعادلاته السحرية التي كانت تبدو لي كطلاسم . لم يتجاوز معدلي فيه 5 نقاط على 20 في أحسن الحالات. قارب مكوث المسكين هنا السنة أو أكثر. لربما تعب العد وتوقف أوحول لزنزانة أو معتقل سري آخر. يستحيل...كيف قضى كل هذه المدة. وأين هو الآن؟؟
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 12-12-2009, 12:48 PM   #46
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

في الزيارة الأولى قضيت ثلاثة شهور وأيام خرجت بعدها إنسانا آخر, كأنني قضيت قرنا. خرجت محطم ومدمر النفسية والصحة.
زادت شكوكي ومخاوفي ومغص بطني. قد يبقوني هنا لشهور أو ربما لسنوات من يمنعهم من فعل ذلك؟؟؟
شاءت الأقدار أن ألتقي فيما بعد بمن مكث هنالك السنة وأكثر من السنة. منهم ب اعتقلوه على الحدود مع ( سوريا الأسد) زار (تمارتهم) التي يطلقون عليها فرع فلسطين . بناية ضخمة ذات طوابق تحت أرضية وسط العاصمة دمشق تنتصب كغول مرعب. يكفي ذكر اسم المكان أمام إخواننا في الهم والمعانات من أشقائنا السوريين لترتعد فرائصهم ويبللون سراويلهم رعبا وهلعا. يحكى أن أحد المساكين بلغته استدعاء للحضور إلى فرع فلسطين لأمر عاجل ما إن أمسك الإستدعاء وعرف مصدرها والمكان المطلوب منه أو المأمور بالتوجه صوبه حتى شهق شهقة خرجت روحه على إثرها هلعا ورعبا. سراديب الموت الشيطانية تنتشر كنبات فطر سام على طول هذا المعتقل الأمريكي الكبير الذي سموه الوطن العربي, من المحيط إلى الخليج. لم يتوحد بنو يعرب ولم (يبدعوا) إلا في هذا المجال يقتتلون...يتقاطعون...يتدابرون...يلعن بعضهم بعضا...وفي نفس الوقت يتبادلون الخبرات والطرق الجديدة وآخر ابتكاراتهم التي تجعل الإنسان يتكلم بما رآه في منامه وتمناه في صحوه قبل عشر سنين....
مكث صاحبي هناك ستة أشهر. استدعاني مرة للمبيت عنده في زنزانته وتناول وجبة العشاء برفقته ونحن بسجن الدار البيضاء. حدثني عن مساره,سمعت العجائب والغرائب. بكى حينها بكاء مرا وبكيت معه. وضحكنا أيضا حتى دمعت أعيننا لكثرة الهم الذي يضحك من كثرته. بدت لي مأساتي حينها لاشيء أمام هول ما حكاه لي. أذكر أن مما أضحكني وجعلني أستلقي على قفاي مقهقها. حكاية شاب من تونس المكلومة بدورها
كان نزيلا معهم بمعتقل أسد سوريا. جرت العادة والروتين في بداية كل تحقيق أن يسألوا عن كل شيء الإسم والأم والأب والعم والخال والجار والجد السابع...ثم سألوه سؤالا غريبا.هل أنت سني أم شيعي؟؟
ارتأى المسكين وهداه تفكيره لحيلة المراوغة عل التقارب السوري النصيري والإيراني الرافضي وشهر العسل الذي تمر به علاقاتهما يشفعان له. فأجابهم :" كنت سنيا وتشيعت"
فطنوا لكذبته فردوا عليه من السنة النبوية :"ألم تسمع قول النبي من بدل دينه فاقتلوه " فصلب بعدعا عار تماما على سرير حديد ثم ركز الصعق الكهربائي على خصيتيه حتى صارتا كخصيتي فيل أفريقي مريض.
تذكرت الشاب الذي أتوا به ولم تكن له أي علاقة بالإلتزام الديني بتاتا. كانوا يعذبونه ويسألونه أسئلة كبيرة, وحين يقسم لهم أنه حتى الصلاة لا يصليها يصرخون فيه :
"الذي لايصلي كافر. إذن فأنت كافر. لماذا لا تصلي ياكلب ياكافر...يا ... " فشرع يصلي في السرداب...
حدثني أنهم كانوا يحشرون المائة فرد وزيادة في غرفة لا تطيق أزيد من عشرين فردا من مختلف الجنسيات يأكل أجسامهم البق والقمل والجرب والحكة وعلل أخرى لم يعرفوها إلا في ذلك المكان الرهيب في ضيافة الأسد علينا وأمام اليهود نعامة. الله يلعن أبناء الكلب. مع اعتذاري للكلاب فهي أوفى منهم . اللعنة...
قتلة في الصباح و أخرى في المساء هذا هو البرنامج عندهم و أحيانا يزيدون مع كل هذا يحكى أنهم كانوا محظوظين مقارنة مع أبناء البلد و جيرانهم اللبنانيين و الفلسطينيين "كنا نراهم ونحن نقاذ إلى المرحاض لقضاء حاجتنا البيولوجية اللذين أو إلى غرف التحقيق . هياكل عظمية زرعت فيها الروح كسجناء معسكرات ستالين بأضلاع بارزة يرتدون أسمالا يبدون فيها كممثلي أفلام الرعب أو كخارجين من قبور. منهم من قضى السنوات الطوال دون محاكمة أو حتى تعلم أسرته شيئا. يموت الواحد منهم فيحمل في بطانية عفينة إلى وجهة مجهولة دون تغسيل أوكفن أو صلاة عليه . كان المساكين يرفعون أصبع السبابة حين تلتقي عيوننا أن أثبتوا .
اتفق الضيوف يوما – وهي التسمية التي يطلقونها على السجناء الأجانب – أن يصلوا على أحدهم صلاة الغائب . لم نبلغ التكبيرة الرابعة حتى هاجمونا كوحوش جائعة . ضربونا بالعصي و أعقاب البنادق ونحن قيام نصلي . بعدها منعونا من المرحاض و الماء ليومين متتاليين . كثرت خلالهما حالات الاختناق و الإغماء . ومن غرائب " تمارة الأسد " أن بها زنازن عائلية مخصصة للأسر يحتجزون أسر بعض المطلوبين نساء وأطفالا و عجائز و حتى الرضع كوسيلة ضغط على الهارب لتسليم نفسه . حدثني صديقي أ ن نواح النساء و بكاء الأطفال لا يكاد يهدأ هنالك ليل نهار و أنه لوحده كان عذابا شديد الوقع على السجناء...
"مهما أنسى. فلن تفارقني صورة ذاك الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة بعد أشقر بعينين زرقاوتين تنطقان بالبراءة والبؤس طالت مدة إقامته هناك رفقة أمه وإخوته الصغار . كان هو أكبرهم. أحدهم رضيع لم يكن يكف عن البكاء من الجوع و الحر الخانق في تلك الأقبية المقيتة ورائحة الرطوبة والعفونة والقيء والصديد... حين طالت مدة إقامة الأسرة المسكينة شرعوا يسمحون للطفل الأشقر بالخروج من زنزانة أسرته ليتدبر لشقيقه الأصغر حليبا مجففا من زنزانتنا. كانت هذه الحالة الإنسانية فرصة للخبثاء للمزيد من الإبتزاز. حتى ضاعفوا ثمن علبة الحليب خمس مرات عن ثمنها الأصلي حين نجمع المبلغ اكتتابا بيننا أو يتطوع بعض الإخوة الميسورين من أبناء الجزيرة العربية أو غيرهم لشرائها يبدأ الحارس المجرم في المساومة والتلكؤ حتى نرفع القيمة. فطن الخبثاء لنقطة ضعفنا فصاروا يتركون الطفل الأشقر يتجول في الممرات ويطلب منا ما تحتاجه أسرته. حليب, حفاظات الأطفال, أدوية طعام... لم يكن لنا من حل غير الإعتناء بهم...
في يوم ما. سأل أحدنا أحد الخبثاء الذي كان يظهر ويتصنع التأسف لحالنا طمعا في العملة الأجنبية لأنه لم يكن يقبل التعامل بالليرة السورية
عن سر وجود هذا الطفل هنا وأسرته فأجاب الخبيث بتشفي وحقد :
" أحسن لهم أن يكونوا هنا حتى لا يصيروا كوالدهم الذي تعبنا"
ومن يكون والدهم ؟؟؟
إنه أحد رؤوس الإرهابيين الشيشانيين "
بعد أن أمضى صاحبنا ما قسمه الله له و لم يستطع تدبير مبلغ 6000 أورو التي طلبها سمسار المحققين السوريين مقابل إطلاق سراحه وعدم ترحيله إلى بلده .
أركبوه و آخرين من أمثاله في طائرة باتجاه المغرب.
" كدت حينها يغمى علي من شدة الفرح و أنا في الطريق إلى بلدي أحسست وكأني خرجت من الجحيم دون أن أدري أن سقر في انتظاري حيث سأقضي ما يقارب السنة . أطلقوا بعدها سراحي. لم أنعم بنسيم الحرية سوى أيام حتى أعادوني مثقلا مرة أخرى . فكان نصيبي من الكعكة عشر سنوات نافدة » . صيرته الفترة التي قضاها هناك خبيرا و محللا سياسيا لا يشق له غبار. متخصصا في الشأن السوري . يضاهي و يتفوق على الكثير من معتوهي القنوات الفضائية من مدعي المعرفة و التحليل المأجورين.
مرة و نحن نناقش في باحة السجن الأزمة السياسية بين سوريا و الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت في أوجها . كان رأيه مخالفا للجميع . بل كان يقسم بالأيمان المغلظة و يجزم قاطعا أن أمريكا لن تهاجم النظام السوري و أن كل ما يجري لا يعدو أن يكون مجرد مسرحية مكتملة الأدوار و الفصول , كل طرف يلعب فيها دوره باحترافية و إتقان. انتهت بعد ذلك الأزمة و شاهدنا الأسد يصافح المبعوث الأمريكي إلى المنطقة في فرح و انشراح واضح. حينها خاطبت صاحبي صدق من قال : من رأى ليس كمن سمع . و أنت رأيت و سمعت و ذقت.
يتبع بأذن الله
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 20-12-2009, 08:27 PM   #47
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

الآن مع الحلقة التاسعة
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 20-12-2009, 08:40 PM   #48
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
Angry


9


مستلقيا على ظهري أنظر إلى السقف الذي تعشش في زواياه عناكب كثيرة نسجت خيوط بيوتها آمنة مطمئنة . صارت لي صديقة و جارة . أحيانا أصطاد لها الذباب , أمسكها من جناحها أقربها بحذر شديد من الخيوط . الفخ ما إن تعلق حتى تتقدم نحوها الحشرة الغريبة تلفها و تلفها بإتقان و براعة بخيوطها الدقيقة إلى أن تشل حركتها . تذكرت الحكاية التي قرأتها عن هذا المخلوق . لا أدري مدى صحتها و التي تقول أن الأنثى تظل كالأميرة بعد زواجها لا تفعل شيئا سوى التهام ما يصطاده الذكر. ينتفخ بطنها تضع الصغار ثم تطردهم من العش مباشرة بعد الوضع
و حين تغلظ و تسمن تلتهم بعلها المسكين. الذي يتوقف دوره وحياته معا نعم الإخلاص والوفاء والجميل. تسمرت طويلا خلال ليالي السهاد و الأرق أرقب الأعشاش علي أحظى بهذا المشهد الغريب .
سمرت نظري على الخيوط الدقيقة و سرحت بعيدا . أسترجع الذكريات الأثيرة بمرارتها . حين تركوني - مؤقتا - أول مرة . صارت المدينة بشوارعها و على اتساعها . تضيق علي ... تضيق ....حتى كنت أحسها أضيق من زنزانة السرداب السيء الذكر و الذكرى . تغيرت ملامح الأمكنة و كأنني غبت عنها قرنا من الزمن.
لن أنسى تلك اللحظة و ذاك الشعور الذي انتابني , حين نزعوا العصابة عن عيني و رموني في طريق متفرع عن" الأتوروت " الطريق السيار
بمدخل المدينة الصاخبة . أمروني أن أمشي و أن لا ألتفت خلفي و إلا أعادوني . لم ألتفت و مع ذلك عدت . من هول الصدمة , لم أعرف أول الأمر أين أنا , عاملات الحي الصناعي تسرعن الخطى بسحنات علتها علامات الإرهاق و البؤس , وجوه صفراء تعاني فقر دم تحالف على مصه أخطبوط الباطرونات من أصحاب البطون المنتفخة بعرق الناس. و سوء التغدية و غول العنوسة . أصابني الدوار كخارج من منجم أو راكب بحر لأول مرة (اللي داخ يشد الارض). طبقت المثل الشعبي فورا وحرفيا وضعت مؤخرتي على حجر ناتئ .أتفرس الوجوه كأبله ضائع أو قادم من كوكب آخر.
لا أدري تحديدا أي المشاعر تلك التي كنت أجد آنذاك. رغبات جامحة اجتاحتني دفعة واحدة. البكاء...الفرح...الصراخ...الركض!!!هذه الأخيرة - الرغبة في الركض – لا زلت أحسها ليومي هذا , لم أجد لها أي تفسير . سألني صاحب سجن و رفيق محنة يوما و نحن نحلم بيوم الفرج . و ما أكثر أحلامنا هنا . عن أول شيء سأفعله إن كتب لي الخروج حيا من المقبرة. أجبته دون تفكير أو تردد : سأجري!!!استغرب ردي و رغبتي تلك...نعم سأجري , أجري في غابة خالية أو شاطئ فسيح ...سأركض...سأركض إلى أن أسقط. يغمى علي أو يتوقف قلبي عن النبض. ساحة السجن الصغيرة لم تكبح هذه الرغبة المجنونة التي تتملكني و تسكنني رغم محاولاتي المتكررة . ساعة من العدو و هي أقصى مدة بلغتها خلال محاولاتي , أظل أدور فيها كحمار مغمض العينين يجر رحى عتيقة . لم تقمع هذا الشيء الغريب الذي أجده في داخلي. تخنقني الأسوار العالية و تجثم على صدري " كبوغطاط " الذي ألف زياراتي كل ليلة تقريبا . فظيع أن يلازمك هذا المارد في صحوك و نومك. قرأت يوما لا أذكر أين, أن العرب تسميه الجثامة. صدقوا ...أصارع الأرق و السهاد رغم حفنة العقاقير المختلفة الألوان التي لم يعد لها مفعول أو تأثير . و ما إن تأخذني سنة من نوم حتى يجثم الخبيث على صدري و عنقي , أحاول الصراخ و طلب النجدة دون جدوى ,,, أحاول تحريك أطرافي دون جدوى ...يشل حركتي . خمنت يوما أن "كابيلا" الشرير قد يكون أحد نسله الذي لا ينقطع ... خنقني يوما بيديه الضخمتين حتى انقطعت أنفاسي و غبت عن الوعي إلى أن أيقظتني صفعاته القوية و رجع صدى صوته المدوي.
استعدت بعض توازني ...آلمني نتوء الحجر تحتي ...ترجلت من جديد ...و كأن العالم قد وارى ذكورة التراب ... لو فعلها فلربما سيكون الوضع أفضل ََ!! ألقيت التحية على فتاتين لا أدري كيف انتقيتهما من بين هذا الخضم الزاخر من بنات حواء من مختلف الأعمار و الألوان...زادت خطواتهما سرعة بعد أن ردت علي أكثرهما جرأة و ذمامة: "الله يسهل أخويا...".
تمنيت لو تنشق الأرض حينها و تبتلعني. ألهذه الدرجة صار منظري بشعا يحاكي المتسولين الذين صاروا يزاحمون الناس في كل مكان؟؟ قصدت أقرب سيارة مركونة بباب شركة نسيج محاولا استعمال زجاج نافذتها الجانبية على يمين مقعد السائق كمرآة تعكسني عليها .لم أتبين شكلي كما رغبت . أهتز قلبي فجأة ,و تراجعت خوفا . قد يمسك أحدهم بتلابيبي ويتهمني بمحاولة سرقة محتويات السيارة, ثم أجد نفسي خلف القضبان مع قطاع الطرق و تجار المخدرات و مغتصبي براءة الطفولة. من يستمع إلي أو يصدق مبرراتي . الأفكار السوداء و الخوف صار يتملكني. أصبحت مذ ولجت القبو أعيش الرعب من المجهول , كالشاب البدوي من ضواحي مدينة خريبكة الذي جاورني يوما على حافلة قادمة من طنجة . قال لي و نحن نتحدث عن الوطن و الغربة كلاما لن أنساه بدالي حينها مبالغة . حدثني أنه منذ أن تطأ قدماه الوطن وهو خائف مرعوب و أن رهبته لا تزول حتى يصعد السفينة عائدا إلى ايطاليا حيث يقيم. ظننته يهرب المخدرات, فلخص أسباب خوفه في كلمات يتيمة : أخاف من الباطل !!!
في هذه البلاد ساهل باش يرميو عليك الباطل...
عشت تلك الشهور التي تركوني فيها في رعب ووسواس فظيع. أهم بفعل الشيء ثم أتراجع عنه فورا. أقصد المسجد للصلاة . ما أن أنزع نعلي حتى أنتعله وأعود للصلاة في البيت.أقرر زيارة أختي التي تلح علي في ذلك أشد الإلحاح بل وتستحلفني مرارا. أقطع نصف المسافة الموصلة إلى بيتها أو أكثر ثم أجدني قد نزلت من الحافلة عائدا من حيت أتيت. قد يصنعون لزوجها سيناريو يربطونه بي ويلقون به في القبو حيث كابيلا البشع والخرقة الرهيبة ( الشيفون) واطيارة وأشياء أخرى...ييتمون أبناءه وهو حي يرزق وأكون أنا السبب في ذلك. ألم يسألوني عنه وعن أسماء أبنائه وأعمارهم ومدارسهم؟؟؟هكذا يوحي لي ويحدثني شيء ما بداخلي وأنا في الطريق إليها فأعود فورا. ربما كنت محقا فحين ولجت السجن عرفت الكثيرين ممن لا ذنب ولا جريمة لهم سوى ( جريمة ) القرابة الدموية التي تجمعهم ببعض السجناء. أحدهم كان شابا جيء به من دولة أوربية لم يكن يكلم أحدا إلا ناذرا حاكموه بعشرين سنة لأنه فقط خرج من رحم واحدة مع شقيقه الذي اعتبروه عنصرا خطيرا فكانت النكاية فيه بهذه الوسيلة وغير هذا الكثير.الكثير...
كانت دبابيسهم تلاحقني منذ خرجت وتكاد تنغرز في خاصرتي, تزيد من خوفي ووساوسي. حتى شككت في كل من يحيط بي, في نفسي, وأهل بيتي ومعارفي, والعالم أجمع. قررت الإعتزال والإعتكاف في البيت منذ اليوم الذي هرب مني فيه ط كنت حينها أبحث عمن بقي من أصدقاء كغريق يلتمس حبل نجاة في ظلمة حالكة. لم يزرني أحد بعد الإفراج (المؤقت). ما أن لمحني قادما في اتجاهه حتى التف عبر أول زقاق عن يمينه مغيرا الشارع الذي جمعني به ومتظاهرا بعدم رؤيتي. عرفت حينها سبب ارتباك والدته التي قابلتني ببرود وارتباك غير معتاد صباح نفس اليوم الذي طرقت فيه الباب سائلا عنه. تلعثمت وهي تخبرني أنه لن يعود من سفره إلى البادية قبل شهر. وفي المساء لمحته!!! رغم ذلك حاولت أن ألتمس له ولأمه ولغيرهما الأعذار. الخوف والهلع أكل الأكباد هذه الأيام.لم يكن - ط - هو الأول ولا الأخير.-أ س- كان أكثر منه جرأة ووضوحا. أول ما زرته في محله التجاري. أحسست انزعاجه وتحرجه من تلك الزيارة الخاطفة.اضطرب وتغير لونه. قال لي وهو يحاول استجماع ما يمتلك من جرأة وشجاعة للتخلص مني بأدب:
" اسمع يا أخي سأكلمك بصراحة. سأتدبر لك مبلغا من المال تترك به وتزور طبيبا نفسيا, بلغني أنك تعاني, أعرف واحدا متخصصا في شارع ادريس الأول هذا عنوانه لا تتأخر في زيارته, سأرسل لك المبلغ إلى البيت مع الوالدة حين تمر علي للتسوق. أرجوك لا تخبر أحدا بهذا ولا تسيء بي الظن...فأنت تعلم الوقت خايبه, وأنت مراقب...وأنا غارق في الديون...و...و...وكلاما آخر لم أعد أذكره.
صرت كالمجذوم أو المكلوب, يفر منه الناس. ويعتبرون هروبهم منه هو صك برائتهم. زادت غربتي وتفاقمت...أشجعهم كان يسلم علي ويهنئني على العودة وهو يتلفت يمنة ويسرة كلص, ثم يذوب متظاهرا بكثرة المشاغل. أطفال الجيران وحدهم, ظلوا على وفائهم. ما أن أطل من رأس الزقاق حتى يركضون نحوي ببراءة طفولية غير مبالين بما يجري في هذا العالم الأحمق. أركل معهم الكرة. وأحكي لهم نكثة أو لغزا يناسب مستواهم وعقولهم. كانوا أذكى مما كنت أعتقد. بدورهم لاحظوا تغيري ولمسوه.
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 20-12-2009, 08:40 PM   #49
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

صدمني أذكاهم يوما بسؤال غريب:" هل صحيح أنهم حرقوا لسانك بالكهرباء في السجن؟
كانوا إذن يعرفون سبب اختفائي. أجبته ضاحكا بالنفي.
فقال" وعلاش وليتي تمتام؟؟!!" لم أدر حينها بم أرد.
حتى الصغار لاحظوا التأتأة اللاإرادية التي أصبحت تعرقل كلماتي. أجهدت نفسي طويلا للتخلص منها. أضغط الحروف عند الكلام...أرخي شفتي...أزمهما...تتشنج عظلات وجهي وتكسوه الحمرة الشديدة...
استصغر الطبيب الثرثار الأمر ولم يتوقف عنده كثيرا حين حدثته عنه. وطمأنني واعدا بتحسن خالتي بعد الخروج من الصدمة والإلتزام بالوصفة الطويلة والمكلفة.
أرشدني حارس معمل نسيج تحيط به صبيات قاصرات تبحثن عن مكان ما داخل المصنع إلى رقم ومحطة الحافلة التي تقربني من بيتنا بعد ما أكد لي أنني أتواجد بالحي الصناعي عين السبع. تراجعت عن ركوب الحافلة في آخر لحظة مفضلا دخول البيت ليلا تحت جنح الظلام لأتفادى نظرات الفضوليين وكلمات الشامتين وضحكاتهم الصفراء.هكذا قررت آنذاك. فيممت وجهي غربا. رائحة البحر بدأت تدريجيا تنتصر في أنفي على ما تنفثه المصانع في تحد لأنصار البيئة ومحامو طبقة الأوزون الذي يتسع خرقه يوما بعد آخر,
لاحت لي زرقة البحر الأطلسي,خلو المكان وشمس الصباح أغرياني بغمس جمسي , ففعلت. مرة أخرى أوحت لي وساوسي الغريبة بوجود أسماك قرش جائعة تحوم حولي.فقمعتها رغم إلحاحها الشديد ومحاولاتها المستميتة لإقناعي.أستعيذ من الشيطان الرجيم وأتلو آية الكرسي متسمرا مكاني تاركا الأمواج تلطم ظهري. شعرت بلذة غريبة وأنا أـمرغ مستلذا دفء الرمال.تذكرت جدي حين سألته وأنا صغير عن تمرغ حماره ومسارعته لفعل ذلك كلما نزع عن ظهره (البردعه) .حدثني جدي أن فعله ذاك ينسيه تعب وعناء اليوم.صدق جدي وصدق الحمار واصلت التمرغ...
استلقيت على ظهري متوسدا سروالي الوسخ ومراقبا السماء. حركة سحابة صغيرة تزحف ببطء على شكل دب قطبي ضخم, حجبت للحظات شمس الصباح التي افتقدتها طيلة مدة تغييبي. ترى كيف هي أمي الآن؟؟؟
كيف ستستقبلني ؟؟ كيف ستكون اللحظة تلك؟! لا...لا... لن أهاتفهم. سأترك لهم المفاجأة هكذا قررت وأنا في القبو قبل مغادرته...
دخلت الزقاق متسللا كلص خائف تحت جنح الظلام. طرقت الباب...قلبي يهتز ويدي ترتجف ...أحاول التحكم في أطرافي فلا أفلح...انفتح الباب ببطء دون السؤال المعتاد عمن يطرقه. فكرة مجنونة سوداء قفزت لذهني.ماذا أفعل إن وجدتها ماتت؟؟ ماذا لو وجدتهم قد أهالوا عليها التراب؟؟ سأنتقم هكذا قررت حين ذاك وبسرعة دون تردد.
تسمرت بنت أخي للحظات تنظر إلي مبتسمة في خوف وخجل طفولي. قبل أن أنحني لرفعها ارتمت علي وهي تصيح: " ماما...ماما...عمي جا...عمي جا...عمي جا...انقلب البيت رأسا على عقب...عيناي تدوران بحثا عنها لم أستطع السؤال خوفا من الإجابة المميتة...لكن بعد لحظات وصلتني صرخات المسكينة.كانت في سطح البيت:
" وليدي...وليدي...وليدي..." ثم دوت زغرودة قوية بصوت فيه حشرجة وألم وحزن...
صعدت الدرج المؤدي للسطح فالتقينا في منتصف الطريق. حين لمحتني ارتمت علي...صرخت صرخة قوية ثم أصيبت بالخرس للحظات. لم تصدق ما تراه أمامها, كنت حينها منهوكا شاحبا, فقدت ربع وزني. في ظرف شهور قلائل فقدت ربع وزني وتغيرت ملامح وجهي. وجدت الحبيبة أمي قد ازداد رأسها شيبا وجسمها ضمورا. صارت مجرد حفنة عظام هزيلة. خطت المحنة على وجهها السمح أخاديد عميقة.هكذا بدت لي
تذكرها وذكراها كانت ولاتزال تدمي قلبي.تقتلني في اليوم ألف مرة. لا أدري سبب كل هذا الشغف...الحب ...والشوق الذي أحسه كلما أوصدت في وجهي الأبواب الضخمة وأطبقت الجدران على صدري... لم تلج المدرسة يوما, ولم تمسك قلما قط. لكن عيناها كانتا تشعان ذكاء ونباهة ونبلا...
عانقتني...ضمتني إليها بقوة, وبقيت متشبثة بي كطفلة تخاف ضياع دميتها منها...دموعها الدافئة لم تتوقف, بللت وجنتاي فاختلطت بدموعي التي جاهدت طويلا حبسها. بصعوبة بالغة خلصوني منها وهم يحاولون تهدأتها. ارتمت فجأة على قدمي. نزعت نعالي وقذفت بها من النافذة خارج البيت. بقيت مشدوها. هل تمكن منها الخبل والجنون بسبب صدمة فقدي.
بعد أيام وحين استعادتي لبعض توازني النفسي والعقلي نبأتني شقيقتي بسر التخلص من النعل. كانت وصية إحدى جاراتنا التي زعمت أن التخلص من نعل الخارج من السجن فور ولوجه البيت وعدم الإحتفاظ بها داخله يكون سببا في عدم عودته مرة أخرى للسجن. عدت رغم وصفة الجارة التي بدورها لايكاد أبناؤها يغادرون السجون حتى يعودون لها من جديد.
أصرت المسكينة أن أبيت أيضا في حضنها على السرير امتثالا لتعليمات نفس الجارة الخبيرة حتى يذهب روعي ويطرد دفئها برودة عظامي زعمت... رغم حيائي الشديد الذي يطبع علاقتي بها منذ زمن طويل فقد وجدتني ممتثلا, مطيعا, منقاذا ببلاهة واستغراب عيون وإشارات أفراد الأسرة التي تحثني على تلبية رغباتها كطفلة مدللة أو مريضة كانوا يخشون غضبها. بدت لي من خلال تصرفاتها أنها في الطريق إلى الجنون.ضمتني في الفراش كرضيع مقمط.وشرعت تتحسس ساقي ورقبتي وظهري. تبحث عن آثار وعلامات تفنذ بها كذبي. تبكي بحرقة وتسألني بدقة وتفصيل عن ما فعلوه بي. فضحتني آثار الأصفاد الملعونة على معصمي. بكت وبللت يدي بالدموع وهي تقلبها وتعاتبني على كذبي وادعائي بأنني لم أتعرض لشيء من التعذيب.
هل صحيح أنهم صعقوكم بالكهرباء يا بني؟ حدثني فأنا أمك.لماذا تخفي عني. الناس والجرائد يذكرون هذا؟؟؟ أنفي ذلك...وأنفي...وأنفي...تحاصرني بكلماتها وتفضحني عيوني. كانت تقول لي ,أنا صغير: أعرف كذبك من عيونك.أنت لا تعرف كيف تكذب.
حدثتني طيلة الليلة عن ما كابدته في غيبتي. تألمت لذلك كثيرا.في كل مرة كانت تقطع حديثها لتسألني: "هل تشعر بالبرد يا بني؟؟ هل أضيف بطانية أخرى إلى غطائنا.؟؟؟
استعد, سترافقني صباح الغد للسوق لشراء خروف.سأقيم لك صدقة للوفاء بنذر قطعته على نفسي. تظاخرت بالتثاؤب والرغبة في النوم,علها تهدأ وترتاح. باتت متشبثة بي.لم أذق طعم النوم.عند الفجر أخذتهال سنة من نوم.دفنت وجهي في صدرها وبكيت.دون شعور بكيت.ماذا أبكاني حينها؟
لا أدري.ما أذكره هو أنني بكيت...بكيت...بحرقة وصمت بكيت...حاولت كبح شلال الدموع المفاجيء فلم أفلح. فاستسلمت له. بكيت من القهر. وكنت حريصا على أن لا تراني أبكي.
يتبع بحول الله
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 29-12-2009, 06:01 PM   #50
أوان النصر
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
الإقامة: عدن أبين
المشاركات: 397
إفتراضي

الآن مع الحلقة العاشرة وهي آخر حلقة تم نشرها,,,
__________________




أوان النصر غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .