نقد كتاب تحقيق الأمل في التحذير من الحيل
نقد كتاب تحقيق الأمل في التحذير من الحيل
المؤلف محمد بن عبدالله بن سليمان العزي وقد استهل الكتاب ببيان أن الله حرم الحيل فقال :
"اعلم أن الله سبحانه أغنانا بما شرعه لنا من الحنفية السمحة، وما يسره من الدين على لسان رسوله (ص)، وسهله للأمة عن الدخول في الآصار والأغلال، وعن ارتكاب طرق المكر والخداع والاحتيال، كما أغنانا عن كل باطل ومحرم وضار بما هو أنفع لنا، وذلك بما شرعه لنا من الحق والمباح النافع، ونحن نعلم علما لا شك فيه أن الحيل التي تتضمن تحليل ما حرمه الله تعالى وإسقاط ما أوجبه لو كانت جائزة لسنها الله سبحانه، وندب إليها لما فيها من التوسعة والفرج وقد قال (ص): ((ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به، ولا تركت من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به، تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)) فهلا ندب النبي (ص)إلى الحيل، وحض عليها كما حض على إصلاح ذات البين، بل لم يزل يحذر عن الخداع والمكر والنفاق، ومشاغبة أهل الكتاب باستحلال محارمه بأدنى الحيل، ولو كان مقصود الشارع إباحة تلك المحرمات التي رتب عليها أنواع الذم والعقوبات، وسد الذرائع الموصلة إليها لم يحرمها ابتداء، ولا رتب عليها العقوبة، ولا سد الذرائع إليها، ولكن ترك أبوابها مفتحة أسهل من المبالغة في غلقها وسدها، ثم يفتح لها أنواع الحيل، فهذا مما تصان عنه الشرائع فضلا عن أكملها شريعة"
وهذه المقدمة خاطئة فالله لم يحرم الحيل كلها ولم يحلل الحيل كلها ولا ذكر لكلمة الحيل فى القرآن وإنما الكلمة التى تدخل ضمنها الحيل هى حالة الاضطرار كما قال تعالى :
"إلا ما اضطررتم إليه"
وقد استهل الزى كتابه ببيان أقسام الحيل فقال:
"أقسام الحيل:
فالحيل أقسام:
أحدها: الطرق الخفية التي يتوصل بها إلى محرم في نفسه، فمتى كان المقصود بها محرما في نفسه فهي حرام باتفاق المسلمين، وصاحبها فاجر ظالم آثم، وذلك مثل احتيال المرأة على فسخ نكاح الزوج مع إمساكه بالمعروف، واحتيال البائع على فسخ البيع، واحتيال المشتري على الفسخ، والمؤجر والمستأجر، والراهن ونحو ذلك، فهو من كبائر الإثم، وأقبح المحرمات.
الثاني: ما هو مباح في نفسه، لكن يقصد الحرام صار حراما كالسفر ليقطع الطريق ونحو ذلك فهاهنا المقصود حرام، والوسيلة في نفسها غير محرمة، لكن لما توصل بها إلى الحرام صارت حراما.
الثالث: أن يقصد بالحيلة أخذ حق، أو دفع باطل لكن لا تكون الطريق إلى حصول ذلك محرمة مثل أن يكون له على رجل حق فيجحده فيقيم شاهدين لا يعرفان غريمه ولم يرياه يشهدان له بما ادعاه، فهذا محرم؛ لأن الشاهدين يشهدان بالزور، وقد حملهما على ذلك، وكذلك لو كان له عند رجل دين فجحده إياه وله عنده وديعة فجحد الوديعة وحلف أنه لم يودعه، أو كان له على رجل دين لا بينة له به، ودين آخر به بينة لكنه اقتضاه منه فيدعي هذا الدين ويقيم به بينة وينكر الاستيفاء، أو يكون قد اشترى منه شيئا فظهر به عيب تلف المبيع به فادعى بثمنه فأنكر أصل العقد وأنه لم يشتر منه شيئا أو تزوج امرأة فأنفق عليها مدة طويلة فادعت عليه أنه لم ينفق عليها شيئا فجحد نكاحها بالكلية فهو حرام؛ لأنه كذب ولا سيما إن حلف عليه ونحو ذلك.
الرابع: من الحيل أن يقصد حل ما حرمه الشارع أو سقوط ما أوجبه بأن يأتي بسبب نصبه الشارع سببا إلى أمر مباح مقصود فيجعله المحتال المخادع سببا إلى أمر محرم مقصود اجتنابه، وهذا حرام من جهتين من جهة غايته، ومن جهة سببه.
أما غايته فإن المقصود به إباحة ما حرم الله ورسوله (ص)وإسقاط ما أوجبه، وأما من جهة سببه فإنه اتخذ آيات الله هزوا، وقصد بالسبب ما لم يشرع لأجله، ولا قصده به الشارع، بل قصد ضده فقد صار الشارع في الغاية والحكمة والسبب جميعا، وقد يجعلون الحيل من الدين وأن الشارع جوز لهم ذلك التحيل بالطرق المتنوعة على إباحة ما حرم وإسقاط ما أوجبه، ثم إن هذا يتضمن نسبة الشارع إلى العبث، وشرع ما لا فائدة فيه إلا زيادة الكلفة والعناء، فإن حقيقة الأمر عند أرباب الحيل الباطلة أن تصير العقود الشرعية عبثا لا فائدة فيها فإنها لم يقصد بها المحتال مقاصدها التي شرعت لها، بل لا غرض له في مقاصدها وحقائقها البتة، وإنما غرضه التوصل بها إلى ما هو ممنوع منه فجعلها سترة وجنة يتستر بها من ارتكاب ما نهي عنه صرفا، ومن الاحتيال: الاحتيال لحل ما هو حرام في الحال كالحيل الربوية وحيلة التحليل.
القسم الخامس: الاحتيال على حل ما انعقد سبب تحريمه فهو صائر إلى التحريم كما إذا علق طلاقها بشرط محقق تعليقا يقع به أراد منع وقوع الطلاق عند الشرط فخالعها خلع الحيلة حتى بانت، ثم تزوجها بعد ذلك.
القسم السادس: الاحتيال على إسقاط ما هو واجب في الحال كالاحتيال على إسقاط الإنفاق الواجب عليه، وأداء الدين الواجب فيحتال حتى يمنع الوجوب كالاحتيال على إسقاط الزكاة بتمليكه ماله قبل مضي الحول لبعض أهله، ثم استرجاعه بعد ذلك، وكالاحتيال على إسقاط الشفعة التي شرعت دفعا للضرر عن الشريك قبل وجودها أو بعده، والاحتيال على أخذ حقه أو بعضه، أو بدله بخيانة، إما أن يجحده دينه كما جحده أو يخونه في وديعته كما خانه، أو أن يغشه في بيع كما غشه، أو يسرق ماله كما سرقه، أو أن يستعمله بأجرة دون أجرة مثله ظلما وعدوانا أو غررا وخداعا، أو عبثا..."
قطعا كل هذه الأقسام لا لزوم لها فالمحتال إما يريد أخذ المحرم أو تحريم المحلل هذا إن كان المحتال آثم وأما إذا كان غير آثم فإنه يريد الوصول للحق أو منع ضرر بسبب اتباعه للحق
وحاول تحريم الحيل كليا فقال :
[عبرة]
نعم، لو نفع أصحاب الحيل التحيل لما مسخ الله تعالى اليهود قردة وخنازير، ولم يعاقب الله تعالى أصحاب الجنة الذين عزموا على صرمها ليلا لئلا يحضرهم المساكين."
وما قعله القومين ليس احتيالا لأنهم فعلوه علنا والتحايل يكون فى الخفاء
وحاول العزى الرد على المبيحين فقال:
"شبهات وردود:
وأما تمسكهم بقول الله تعالى لأيوب(ًص)"وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث" فمن العجب أن يحتج بهذه الآية من يقول لأنه لو حلف ليضربنه عشرة أسواط فجمعها وضربه بها ضربة واحدة لم يبر في يمينه؛ لأن هذا إنما يجري في حق المريض كما ورد في الحديث بعثكال يسقط عنه الحد.
[قصة أيوب مع زوجته]
وأما قصة أيوب فإن امرأته كانت لشدة حرصها على عافيته وخلاصه من دائه تلتمس له الدواء بما تقدر عليه، فلما لقيها الشيطان وقال لها ما قال أخبرت أيوب بذلك فقال: إنه الشيطان، ثم حلف لئن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة سوط، فكانت معذورة محسنة في شأنه، ولم يكن في شرعهم كفارة فإنه لو كان في شرعهم كفارة لعدل إلى التكفير ولم يحتج إلى ضربها، فكانت اليمين موجبة عندهم كالحدود، وقد ثبت أن المحدود إذا كان معذورا خفف عنه بأن يجمع له مائة شمراخ أو مائة سوط فيضرب بها ضربة واحدة، وامرأة أيوب معذورة لم تعلم أن الذي خاطبها الشيطان، وإنما قصدت الإحسان فلم تكن تستحق العقوبة فأفتى الله نبيه أيوب أن يعاملها معاملة المعذور، هذا مع رفقها به وإحسانها إليه، فجمع الله له بين البر بيمنه والرفق بامرأته المحسنة المعذورة التي لا تستحق العقاب."
والقصة ليس فيها شيطان والمرأة أساسا لم ترتكب جريمة حتى تعاقب هذا العقاب بسبب حلف زوجها ومن ثم فالحيلة لم يكن سببها تحريم حلال ولا تحليل حرام وإنما هو تنفيذ ليمين الرجل حلفه مع عدم إضرار المرأة التى لم تذنب حتى تضرب ضرب المجرم
ومن ثم كان التنفيذ هو بر بيمين من لا يقدر على الكفارة ساعة مرضه وفقره بحيث لا يتم إيلام المرأة سوى مرة واحدة ألما هينا
وتناول روايات التحايل فقال:
[حديث شراء التمر]:
وأما حديث بلال في شراء التمر، وقول النبي (ص): ((بع التمر بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيبا)) فليس فيه دلالة على الاحتيال بالعقود التي ليست مقصودة لوجوه:
أحدها: أن النبي (ص)أمره أن يبيع سلعته الأولى ليبتاع بثمنها سلعة أخرى، ومعلوم أن ذلك إنما يقتضي البيع الصحيح ومتى وجد البيعان على الوجه الصحيح جاز ذلك بلا ريب، ونحن نقول: كل بيع صحيح يفيد الملك لكن الشأن في بيوع قد دلت السنة وأقوال الصحابة على أن ظاهرها وإن كان بيعا فإنها ربا، وهي بيع فاسد، ومعلوم أن مثل هذا لا يدخل في الحديث ولو اختلف رجلان في بيع مثل هذا هل هو صحيح أو فاسد، وأراد أحدهما إدخاله في هذا اللفظ لم يمكنه ذلك حتى يثبت أنه بيع صحيح لم يحتج إلى استدلال بهذا الحديث؛ فتبين أنه لا حجة فيه على صورة من صور النزاع البتة.
الوجه الثاني: إن الحديث ليس فيه عموم؛ لأنه قال: ((وابتع بالدراهم جنيبا)) والأمر بالحقيقة المطلقة ليس أمرا بشيء من قيودها؛ لأن الحقيقة مشتركة بين الأفراد والقدر المشترك ليس هو ما يميز كل واحد من الأفراد عن الآخر، ولا هو مستلزم له فلا يكون الأمر بالمشترك أمرا بالمميز بحال، نعم هو مستلزم لبعض تلك القيود لا بعينه فيكون عاما لها على سبيل البدل، لكن ذلك لا يقتضي العموم بالأفراد على سبيل الجمع وهو المطلوب، فقوله بع هذا الثوب لا يقتضي الأمر ببيعه من زيد أو عمرو ولا بكذا وكذا ولا بهذه السوق أو هذه، فإن اللفظ لا دلالة له على شيء من ذلك، لكن إذا أتى بالمسمى حصل ممثلا من جهة وجود تلك الحقيقة لا من جهة وجود تلك القيود، إذا تبين ذلك فليس في الحديث أنه أمره أن يبتاع من المشتري، ولا أمره أن يبتاع من غيره، ولا بنقد البلد ولا غيره، ولا بثمن حال أو مؤجل، فإن هذه القيود خارجة عن مفهوم اللفظ، ولو زعم زاعم أن اللفظ يعم هذا كله كان مبطلا، لكن اللفظ لا يمنع الأجزاء إذا أتى بها، واللفظ لا تعرض فيه للقيود بنفي، ولا إثبات، ومقصود الشارع (ص)إنما هو بيان الطريق التي يحصل بها شراء التمر الجيد لمن عنده رديء، وهو أن يبيع الرديء بثمن، ثم يبتاع بالثمن جيدا، أو لم يتعرض لشروط البيع وموانعه، فلا معنى للاحتجاج بهذا الحديث على نفي شرط مخصوص كما لا يحتج به على نفي سائر الشروط."
قطعا الرواية ليس فيها أى دليل على الاحتيال لأن الأوامر واضحة ثم قال:
|