العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الغرق فى القرآن (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال أمطار غريبة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 02-04-2009, 09:00 AM   #31
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

واقتربت ساعة الصفر



كانت ليلة عصيبة قضاها السلطان ساهرا قلقا .. لم يكن يشغل تفكيره سوى أمر واحد .. فمعركة الغد لن تحدد مصير أمة واحدة فحسب ، بل هى معركة لا تعنى الهزيمة فيها سوى شىء واحد .. نهاية الإسلام .. ترى كيف كانت أحاسيسه فى هذه الليلة ..

تأمل .. تحفز .. ترقب .. قلق .. ثقة ..

فى الصباح .. تقدمت جحافل العدو الضخمة لتجد الميدان شبه خالى .. من بين صفوف العدو أمير مسلم تم أسره وإجباره على التعاون وإلا فالموت ينتظره .. وها هو الآن على يمين قائد جيش العدو مترقبا أوامر الطاغية ولا يفتأ يرمقه بنظرة حاقدة تخفيها ملامح وجهه المخادعة ..

لم يكن الميدان خاليا كما يبدو .. فلم تكن هذه الصفوف القليلة سوى طليعة جيش المسلمين فحسب .. وقد أعطى السلطان إشارة البدء لهذه الطليعة بالتحرك ..

وبدأت القوات الإسلامية تنساب من فوق التل إلى داخل السهل .. لم تنزل صفوف الجيش دفعة واحدة، إنما نزلت على مراحل، وفي صورة عجيبة.. عندها .. بدت ملامح القلق والترقب على وجه طاغية الحرب وقائد جيش العدو .. وهنا إستدعى الأمير المسلم يشرح له تفصيلا ما يدور .. ونترك الحديث لهذا الأمير المسلم .. يقول ..

فلما طلعت الشمس ظهرت عساكر الإسلام، وكان أول سنجق أحمر وأبيض، وكانوا لابسين العدد المليحة ..

موقف في غاية الروعة ..

لقد نزلت الكتيبة الإسلامية الأولى وهي تلبس ملابس أنيقة أحمر في أبيض .. للفرقة كلها زي واحد، وكانوا يلبسون العدد المليحة، بمعنى أن الدروع والسيوف والرماح والخيول كانت في هيئة مليحة جميلة.. لقد نزلوا بخطوات ثابتة، وبنظام بديع ..

الجنود الإسلاميون ينزلون إلى ساحة المعركة في غاية الأناقة والبهاء .. وكأنهم في عرض عسكري.. لهم هيبة.. وعليهم جلال.. ويوقعون في قلب من يراهم الرهبة..

وهذه هي الكتيبة الأولى..

هنا يقول هذا الأمير المسلم "فبهت الطاغية وبهت كل من معه من الجنرالات والقادة" ..

هذه أول مرة يرى فيها جيش المسلمين على هذه الصورة، لقد كان معتاداً أن يراهم وراء الحصون والقلاع يرتجفون ويرتعبون، أو يراهم وهم يتسارعون إلى الهروب فزعاً من جيشه ، أو يراهم وهم يسلمون رقابهم للذبح الذليل !!.. كان معتادا على رؤية المسلمين في إحدى هذه الصور المهينة، أما أن يراهم في هذه الهيئة المهيبة العزيزة فهذا ما لم يحسب له حساباً أبداً ..

فسأل الطاغية هذا الأمير المسلم والفزع يبدو على ملامحه : رُنك من هذا !

"ورنك" كلمة فارسية تعني "لون"، وهو يقصد كتيبة من هذه؟ إنها كتيبة مرعبة ..

وكانت فرق المسلمين فى هذا الجيش تتميز عن بعضها البعض بلون خاص.. فهذه الفرقة مثلاً لونها الأحمر في الأبيض، فكانت تلبس الأحمر والأبيض، ولها رايات بنفس اللون، وتضع على خيولها وجمالها وأسلحتها نفس الألوان، وتضع على خيامها نفس الألوان، وكذلك على بيوتها فى مصر، وعلى مخازنها وغير ذلك.. فكانت هذه بمثابة الشارة التي تميز هذه الفرقة أو الكتيبة..

وكثيرون لا يعلمون أن الجيوش القديمة كانت تميزها عن بعضها شارات على الذراع أو هيئة ملابس متقاربة ولم يكن الزى الموحد معروفا فى هذه العصور الأولى ..

سأل الطاغية في فزع: رنك من هذا؟

فقال الأمير : رنك "فلان" أحد أمراء المسلمين..

ومهما كانت عظمة الكتيبة المسلمة وبهاؤها فإننا لا نستطيع أن نفهم رعب القائد السفاح المهول من هذه الكتيبة الصغيرة جداً بالقياس إلى جيشه الضخم إ

نعود إلى السفاح وهو يراقب نزول الكتائب الإسلامية من فوق التلال ..
فبعد نزول الكتيبة الأولى نزلت كتيبة أخرى تلبس الملابس الصفراء عليها من البهاء والجمال ما لا يوصف ..

تزلزل الطاغية وقال للأمير : هذا رنك من؟

قال الأمير : هذا رنك "فلان"أحد أمراء جيش المسلمين ..

ثم تتابعت الكتائب الإسلامية بألوانها الرائعة المختلفة، وكلما نزلت كتيبة سأل السفاح: رنك من هذا؟

فيقول الأمير المسلم : فصرت أي شيء يطلع على لساني قلته.. يعني بدأ يقول أسماء مخترعة لا أصل لها، لأنه لا يعرف هذه الكتائب، ولكنه يريد أن يرعب هذا السفاح بكثرة الفرق الإسلامية ..

وكل هذه الفرق هي مقدمة جيش المسلمين فقط، وهي أقل بكثير من جيش السفاح المرعب الرهيب؛ فقد احتفظ السلطان بقواته الرئيسية خلف التلال، وقد قرر ألا تشترك في المعركة إلا بعد أن تُنهَك قوات العدو ..

وبعد أن نزلت مقدمة المسلمين بدأت فرقة الموسيقى العسكرية الإسلامية تظهر على الساحة .. وانطلقت في قوة تدق طبولها وتنفخ في أبواقها وتضرب صنوجها النحاسية.. لقد كانت الكتائب تتلقى الأوامر عن طريق هذه الدقات التي لا يعرفها الأعداء.. فكانت هناك ضربات معينة للميمنة وضربات معينة للميسرة وضربات معينة للقلب .. وكانت هناك ضربات للتقدم وضربات للانسحاب، وكانت هناك ضربات خاصة لكل خطة عسكرية .. وبذلك يستطيع السلطان أن يقود المعركة عن بعد، وعلى مساحة شاسعة من الأرض من خلال دقات هذه الآلات الضخمة .. هذا فوق الرهبة التي كانت تقع في قلوب الأعداء من جراء سماع هذه الأصوات المزلزلة ، بينما كانت هذه الدقات تثبت المسلمين، وتشعرهم بمعية القائد لهم في كل تحرك من تحركاتهم ..


واقتربت جداً ساعة الصفر ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 02-04-2009, 09:00 AM   #32
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

الحلم الأكبر



كان الحلم الأكبر لدى جنرالات الحرب منذ قديم الأزل .. هو بناء جندى مقاتل لا يشق له غبار .. جندى على أعلى درجة من الكفاءة والقوة والمهارة .. وعلى أعلى درجة من الإنضباط .. والأهم من كل هؤلاء .. الولاء اللامحدود ..

وتدافعت المدارس العسكرية والأكاديميات إلى صناعة هذا الجندى الفريد ..

كثيرون حاولوا وكانت النتيجة هى الفشل .. حين تطغى القوة فدائما تصحبها نزعة من الشر والتمرد .. وفى عملية البناء هذه تنكسر الكثير من الأشياء فى روح هذا الطفل الصغير الذى يتم إعداده ليكون جندى الغد .. تنكسر مشاعر مثل الرحمة والعطف والحب .. فيصبح أشبه بآلة للقتل منه إلى جندى متفوق يحمل صفات الفارس النبيل .. وحتى حين نجح البعض كان نجاحهم هذا محدودا .. وظل هذا الحلم يراود العسكريين إلى يومنا هذا ..

وتحقق الحلم مرة واحدة .. حين افاق العالم مذهولا على خطر لم تشهد البشرية له مثيلا من قبل .. وكان الإمتحان الصعب والمثالى .. وكان لهذا الحلم أن يتحقق رأى عين فى هذه اللحظة أو أن يتلاشى إلى الأبد .. أمام قوة لم تقهر من قبل .. أمام طاقات لا محدودة .. وأمام أرقام هائلة تزحف كالجراد .. وتمتلك مع هذا كله براعة تخطيطية ومهارة قتالية ..

هل سيغدو الحلم واقعا لا خيالا ..

لهذا الحلم إسم وهو .. المماليك .. وقصة هذه الدولة أشبه بقصص الخيال التى تجسدها شاشات السينما .. المغول .. أمة تجبرت فى الأرض وبلغت من الطغيان منتهاه .. تصدت لها دولة عرفت بالخوارزميين وكانت الحرب بينهم سجالا .. وفى إحدى المعارك يقع إبن جنكيز خان أسيرا ويقتله جلال الدين ملك الخوارزميين .. فيقسم جنكيز خان أن ينال من كل العائلة الملكية لدولة خوارزم شاه .. وينجح فى قسمه هذا .. من هذه العائلة الملكية ومن بين هذه المأساة يهرب طفل صغير هو آخر الناجين من المذبحة الملكية .. ويشب هذا الصغير ليكون سيف الخلاص من هذه القوة الغاشمة .. ولكن لم تنتهى القصة بعد .. فمفاجآت أخرى فى الإنتظار .. لم يكن هذا الأمير الصغير هو الناجى الوحيد فقد نجت فى الوقت ذاته إبنة الملك .. وهى أيضا فتاة أحلام هذا الامير الصغير وحبه الأول والأخير .. إنهما يفترقان ويمضى كل منهما فى حياة طويلة تحفها المغامرات وهما أخيرا يلتقيان ليتحقق حلما طال إنتظاره .. ولم تطل سعادتهما طويلا .. فقد كان كلاهما على موعد مع وعد قطعاه منذ أمد بعيد .. كلاهما يحيا لهذا الوعد وهذه الأمنية .. وكأن يد القدر ترتب وتعد فى الخفاء كل الأوراق فيصبح هذا الأمير ملكا ، حين كان يجب أن يكون .. وها هو القدر المحتوم يسعى بهذه القوة الغاشمة تحت قدميه لتلقى مصرعها على يديه جثة هامدة .. تحقق الوعد .. وباتت حياة الملك الشاب بعدها لا معنى لها .. فى أتون المعركة الخالدة يتعرض هذا الملك لموقف خطير يكاد يودى بحياته .. وإذا بفارس ملثم يمنحه حياته فى لحظة حاسمة .. لم يكن هذا الفارس الملثم سوى زوجته التى لم يغب وجه حبيبها عن عينيها لحظة واحدة وها هى تمنحه حياة جديدة لقاء حياتها هى .. ولكن أى حياة هذه فى كون لا تشرق فيه عيناها .. كان الصديق الأول لهذا الملك وذراعه اليمنى مقاتل بارع وصديق وفىّ لكنه اتصف بالتسرع دوما .. تشتبك خيوط كثيرة أمام هذا الصديق ليتأكد من حدسه أن الملك ينوى قتله ولا شك فيبادر هو متسرعا إلى قتله .. وفى اللحظات الأخيرة لهذا الملك يوصى بالملك من بعده لهذا الصديق الذى ما زال خنجره يرقد بين اضلاعه .. بقى أن نقول أن حقيقة هذا الملك بقيت غامضة لا يعرفها أحد من حوله سوى شيخه وأستاذه .. فارس كفرسان الاساطير لا يسعى لمجد أو ملك فها هو ذا يخفى حقيقة اصوله الملكية عن الشعب وعن صديقه وحتى عن عيون التاريخ .. ولكن التاريخ يأبى إلا أن يضعه حيث يستحق .. ذات يوم .. يعبث الصديق بأوراق الملك القديمة فيجد رسالة من شيخه يعرف منها حقيقة هذا الملك البسيط .. تدمع عيونه إشتياقا لصديقه وتوأم روحه ..

تكاد تكون هذه القصة اشبه بأسطورة منها إلى واقع ملموس ..

لم تكن دولة المماليك بالدولة العابرة فى فى ساحة التاريخ .. أو ومضة من نور فى صباح جديد .. بل كانت دولة عريقة الأركان صنعت لها مجدا فريدا وأطاحت بأكبر خطرين عرفهما المشرق الإسلامى فى وقت واحد .. المغول والصليبيين .. وظلت مزهرة قرابة أكثر من قرنين ونصف .. لا أحد يعرف تحديدا ما كان سيكون من أحداث التاريخ إذا سقطت هذه القوة الأخيرة .. لا نبالغ إن قلنا أن المماليك كان الأمل الأخير لهذا العالم فى التصدى لهذا الخطر المدمر ..

يقولون أن أفضل الطرق لتتعرف على قوة ما تكون بالنظر إلى خصم هذه القوة .. ولكى نتعرف على المماليك كان لزاما علينا أن نتعرف المغول أولا .. من يكون هؤلاء .. ماذا يريدون .. لماذا إجتاحت جحافلهم نصف العالم الشرقى بسرعة مذهلة .. ومن هذه القوة العجيبة التى تصدت لها وكسرت شوكتها .. وهل شخص واحد باستطاعته أن يغير مجرى التاريخ ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-04-2009, 06:43 AM   #33
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

رعبٌ وأهوالٌ



يُطلق اسم التتار ـ وكذلك المغول ـ على الأقوام الذين نشئوا في شمال الصين في صحراء "جوبي"، وإن كان التتار هم أصل القبائل بهذه المنطقة.. ومن التتار جاءت قبائل أخرى مثل قبيلة "المغول"، وقبائل "الترك" و"السلاجقة" وغيرها، وعندما سيطر "المغول" - الذين منهم جنكيزخان - على هذه المنطقة أطلق اسم "المغول" على هذه القبائل كلها .


جنكيز خان

والتتار شعب همجىّ وكانوا يرددون مقولتهم الشهيرة :"لقد خلقنا الله من غضبه" لذا فهم فى معتقدهم الوثنى قوة الله الغاضبة ويده التى يبطش بها وهم لا يرحمون طفلا أو شيخا أو إمرأة ويتحركون بمبدأ الإبادة الجماعية وكأن قصدهم إفناء النوع، وإبادة العالم . لم يكن جلّ أطماعهم فى الثروة أو الأرض بل للحق لم تكن لهم اطماع أبدا سوى فى إهلاك الحرث والنسل وإعلاء الدمار ولهم حقد رهيب إزاء كل ما يمت للحضارة بصلة .

ولكن ما الذى أطلق الوحش من مكمنه ؟

ذهبت مجموعة من تجار المغول إلى مدينة "أوترار" الإسلامية في مملكة خوارزم شاه.. ولما رآهم حاكم المدينة المسلم، أمسك بهم وقتلهم ووسط مطالب جنكيز خان بتسليم قتلة التجار، أبى الحاكم المسلم العام "خوارزم شاه" بالطبع باعتباره تدخل خارجى غير مقبول ولم يكتف بالرفض بل قام بقتل المبعوثين الدبلوماسيين الذين ارسلهم جنكيز خان ..

لكننا لا نعلم على اليقين إن كانت حادثة قتل التجار أمرا مدبرا ام حادثا عرضيا .. فربما كانت متعمدة بقصد التضييق والحصار الإقتصادى خاصة أن قوة المغول وقتها كانت آخذة فى النمو .. وأيضا لن تكون حادثة التجار وحدها هى السبب الرئيسى لهذا الغزو المدمر بل يبدو أن هذه الأطماع كانت تراود خيال جنكيزخان وكانت حادثة التجار هى القشة التى قصمت ظهر البعير ..

إنطلق الوحش الهائج من مكمنه وصار يهدد العالم أجمع .. لم يعرف التاريخ رعبا أكثر من هذا الخطر المغولى .. رعب لم يسبق له مثيل يسكن قلب الكبير قبل الصغير .. والشجاع قبل الضعيف .. وكان يقينا مؤكدا لدى من عاصر هذه المحنة من المسلمين أن هذه نهاية الإسلام ولا شك .. بل لقد أحجم المؤرخون المعاصرون عن الكتابة عنها من هول الرعب والدمار وفيها يقول ابن الأثير :

" "فيا ليت أمي لم تلدني، وياليتني مت قبل حدوثها وكنت نسيا منسيا" .

ويقول أيضا: " فلو قال قائل إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى أدم وإلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها"

وهي عنده أعظم من فـتنة الدجال، بل لقد اقسم أن من سيجئ بعدها سينكرها وحق له ذلك: " وتالله لا شك أن من يجئ بعدنا إذا بعد العهد ويرى هذه الحادثة مسطورة ينكرها ويستبعدها والحق بيده ..

هذا الوصف كله من ابن الأثير وهو لم يشهد فاجعتهم الكبرى بسقوط بغداد سنة (656هـ) وقتل الخليفة العباسي وسفك دماء المسلمين، وهي فاجعة تضاهي ما سبقها بل تـزيد .

كان الرعب والهلع بين الناس اعظم ما يكون .. هذا الذى يصل بالمرء إلى درجة التجمد والذهول فى مواجهة الأحداث مستسلما لها دون أدنى مقاومة ..

ويكفي شاهدا على ذلك ما سطره المؤرخون المعاصرون للحدث وغيرهم؛ فقد نقل ابن الأثير رحمه الله أن رجلا من التتـر دخل دربا فيه مائة رجل، فما زال يقتلهم واحدا واحدا حتى أفناهم ولم يمد أحد يده إليه بسوء. وأن آخر من التتـر أخذ رجلا ولم يكن مع التتري ما يقتله به فقال له: ضع رأسك على الأرض ولا تبرح، فوضع رأسه على الأرض حتى ذهب التتري وعاد بسيف وقتله به .

وقال: وحكى لي رجل قال: كنت أنا ومعي سبعة عشر رجلا في طريق، فجاءنا فارس من التتـر، وقال لنا: حتى يكتف بعضنا بعضا فشرع أصحابي يفعلون ما أمرهم فقلت لهم: هذا واحد فلم لا نقتله ونهرب ؟ فقالوا: نخاف، فقلت: هذا يريد قتلكم الساعة فنحن نقتله فلعل الله يخلصنا، فوالله ما جسر أحد أن يفعل فأخذت سكينا وقتلته وهربنا فنجونا .

إرتكب المغول من البشاعة والوحشية ما يعجز عنه الوصف .. فقد كانت العادة فى كل مدينة يقتحمونها هى إبادة جماعية لكل من يسكنها .. قد نشير كمثال إلى مدينة "مرو" التى قتلوا فيها قرابة 700 الف .. وهكذا كان دأبهم فى كل مدينة تطأها اقدامهم .. إبادة جماعية ، ودمار شامل .. وكانت المذبحة الكبرى فى عاصمة الخلافة العباسية حين قتلوا فى بغداد - وعلى مدار 40 يوما - "مليونا" من المسلمين .. هذا على أقل تقدير فى كل المراجع التاريخية فالعدد يصل إلى 2 مليون كما فى بعض المصادر ..
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-04-2009, 06:44 AM   #34
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

براعة عسكرية


وبالرغم من هذه الوحشية والبربرية والهمجية .. فقد كانوا على أعلى قدر من التنظيم العسكرى وعلى دراية كاملة بإستراتيجيات الحرب .. وتكفى الإشارة إلى خطة إجتياح بغداد .. وهى نموذج للهجوم على الخصم من محاور عدة ..

الجهة الأولى : هولاكو وجيشه من الشرق

الجهة الثانية : كتبغا من الجنوب

الجهة الثالثة : بيجو نزولا من شمال أوربا .

إن هذا الإعداد المتقن وعدم الإستخفاف بالخصم وإن أكدت كل التقارير الإستخباراتية وعلى رأسها الوزير الخائن "ابن العلقمى" أن جيش الخلافة لا يتجاوز بضعة آلاف وهو بالفعل كذلك .. لكن براعة هؤلاء العسكرية تحفزهم دائما على عدم الإستخفاف ابدا بالخصوم ..

ولكن ما سر هذا الإنتشار السريع والإكتساح المرعب والمقاومة المعدومة ؟

لقد كانت دولة خوارزم شاه دولة قوية لها الكثير وعليها من المآخذ أكثر .. لقد فتكت هذه الدولة فى أواخر ايامها بممالك كثيرة فى آسيا وحين سقطت لم يكن هنالك من يتصدى لهؤلاء .. فكان إنتشار كالوباء وتم هذا كله فى عام واحد فقط ..

ولم تكن للخلافة العباسية وهى راية المسلمين فى المشرق من قوة بل لم تملك الخلافة العباسية من مملكتها العريقة سوى عاصمتها فحسب .. بغداد .. وكبرى المهازل أن يكون وزير هذه الخلافة السنية العريقة "شيعيا" حاقدا لا يخفى على أحد تشيعه وكرهه للإسلام وأهله .. إنه الوزير الخائن "ابن العلقمى" .. الذى قوض عامدا كل أركان الدولة فاصبحت لقمة مستساغة فى ظل حكم خليفة عابث لاهى لا يكترث سوى لروحه البئيسة ..

وتتوالى المهازل المبكية حتى الضحك والمضحكة حد البكاء .. فقد ذكر ابن كثيـر – في أحداث سنة 658هـ - أن سلطان دمشق وحلب (الملك الناصر بن العزيز)، وملك الكرك والشوبـك (الملك المغيث بن العادل) قد عزموا على قتال المصريين وأخذ مصر منهم . كما انشغلت الدولة الخوارزمية بقتال المسلمين عن قتال المغول فى الوقت الذى كان فيه هذا الخطر الأعظم يجتاحها بكل شراسة ..

فكيـف إذا أضفنا إلى كل ذلك طبيعـة هؤلاء التتـر وكثرة عددهم – إذ هـم يخرجون عن الإحصاء – وقوة بأسهم، وشده صبرهم على القتـال؛ فهم لا يعرفون هزيمة، وعدم حاجتهم إلى غيرهم؛ فهم يعملون ما يحتاجـون إليه من السـلاح بأيديهم، ولا يحتاجـون إلى ميـرة ومـدد يأتيهم؛ فمعهم الأغنـام والبقـر والخيـل وغير ذلك من الدواب؛ يأكلون لحومها لا غيـر، وأمـا دوابهم التـي يركبـون فإنهـا تحفـر الأرض بحوافـرها وتأكل عـروق النبـات ولا تعرف الشعير.. فهم إذا نزلوا منزلا ، لا يحتاجـون إلى شيء من الخارج .

الموقف الآن كالتالى .. إتسعت رقعة المغول لتشمل كل آسيا بالكامل بالإضافة إلى نصف أوربا الشرقى .. وجيش المغول الرئيسى يقبع الآن على حدود آخر قوة تقف امامهم .. وبسقوطها تسقط كل إفريقية وأوربا وليتغير وجه التاريخ إلى الأبد ..


إن إضطرابات فى عاصمة المغول (قوراقورم) دعت هولاكو إلى الإنسحاب بسرعة إلى هناك ليضمن مكانه الشرعى أخيرا فى تاج الإمبراطورية بعد وصول خبر وفاة الخاقان الأعظم للمغول "منكوخان", و تم استدعاء أولاد وأحفاد "جنكيز خان" إلى مجلس الشورى المغولي لانتخاب الخان الأعظم.. وها هو يترك لذراعه الايمن واشهر قادة المغول هذه المهمة السهلة .. كتبغا .. لم يكن كتبغا بأقل دهاء من سيده فقد كان جنرالا متمرسا وله خبرة وباع طويلين فى فنون الحرب ..

وفى "عين جالوت" يصطف الفريقان لمعركة أخيرة حاسمة .. وفى هذه اللحظة تحديدا تأمل كتبغا هذا الجيش المميز أقصى درجات التميز عن أى جيش شاهدته عيناه فى كل تاريخه الطويل .. ولا شك أنه قد تردد فى طوايا نفسه هذا التساؤل الذى لا يكاد يفكر فى سواه ..

من يكون هؤلاء ؟

ولكن الإجابة على هذا التساؤل تسافر بنا إلى الوراء أعواما طويلة ..

__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .