العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نظرات في مقال أمطار غريبة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث النسبية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: حديث عن المخدرات الرقمية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال الكايميرا اثنين في واحد (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى كتاب علو الله على خلقه (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب رؤية الله تعالى يوم القيامة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى توهم فريجولي .. الواحد يساوي الجميع (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 140 عام (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 25-01-2009, 07:05 AM   #21
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

على ربــا حطيــن



إن ما يصيب العضو الواحد في الأسرة العربية لا بد أن يصيب الأسرة بكاملها..وهذه معركة دمياط كانت معركة الأمة العربية كلها…وكان النصر فيها نصرا للأمة العربية بأسرها…

وهذه العظات كلها ليست نصائح أدبية مجردة، نجدها مسرودة في كتب الأخلاق والسياسة، ولكنها حقائق خالدة، ماثلة أمامنا، في ساحات الحرب وويلات الحصار، وحرائق المدن، وأكوام الجثث والضحايا، وهلاك الزرع والضرع… وكلها حلقات آخذ بعضها برقاب بعض… وما علينا إلا أن نسير مع التاريخ بعض خطوات، نرى الحقائق ناصعة ساطعة.

لقد سقطت أولا أنطاكية، وهي باب الوطن العربي، تخاذل عنها الملوك والرؤساء، فسقطت من بعدها ديار الشام، ثغرا بعد ثغر، وقلعة بعد قلعة.

ثم سقطت بيت المقدس، وتقاعس الخلفاء والأمراء، وتهاوت المناطق الأخرى في فلسطين من الناقورة شمالا حتى رفح جنوبا.

ثم زحف الإفرنج على مصر، من سيناء حتى الصعيد، في خمس حملات تهدد أمن مصر وسلامتها، بل تهدد وجودها .

وهنا أخذ الفلك يدور دورته، وأخذت الصورة تتبدل، وبدأت الهزيمة تنحسر شيئا فشيئا، أمام النصر يتقدم رويدا رويدا…وجاءت المعركة الفاصلة في دمياط لتوقع بالإفرنج هزيمة ساحقة ماحقة.

ودخل صلاح الدين الأيوبي إلى القاهرة دخول الفاتحين، في استقبال شعبي رائع، وتجاوبت نداءات التهليل والتكبير من على المآذن، مع زغاريد النساء وصيحات الرجال والأطفال في الشوارع، فكانت حفاوة بالغة صادقة، هو جدير بها، وهي جديرة به….. وحاشا الله أن يكون لها شبيه في احتفالات هذه الأيام التي يقيمها ملوكنا ورؤساؤنا لأنفسهم "احتفاء" بهزائمهم المتعاقبة، الواحدة بعد الأخرى!!

وصلاح الدين كان يعيش مع هذه الاحتفالات بجسده وخياله، فقد كانت روحه محلقة في سماء بيت المقدس، وكانت جوارحه في رحاب المسجد الأقصى تتطلع إلى يوم التحرير.

وعلى الطرف الآخر من مصر، عبر سيناء، كان الإفرنج يساورهم الخوف على مصير بيت المقدس بعد معركة دمياط.

وكان الإفرنج على حق في مخاوفهم…فقد كان تقدير الموقف العسكري، في تعبير هذه الأيام، يزيدهم خوفا، فقد أصبح صلاح الدين الأيوبي، هذا الكردي المسلم، القادم من قلعة تكريت في العراق، سيد مصر والشام واصبح الإفرنج بين فكي الكماشة , كما هي إسرائيل اليوم، ولكن مع أقزام صلاح الدين، هذا إذا أفلحوا أن يكونوا أقزامه أو خدامه!!

ولا يحسبن المواطن العربي أني أتكلم اليوم عن مخاوف الإفرنج استنتاجا أو خيالا، وقد مضى على تلك الأحداث ثمانية قرون، فذلك هو التاريخ الذي لا يكذب ولا يخون .

ولو كان عند المواطن العربي بعض الصبر ليقلب صفحات التاريخ العربي والإفرنجي عن تلك الحقبة لوضحت أمامه الحقائق جلية ناصعة.

فهذا ابن الأثير يقول عن إفرنج فلسطين "كان إفرنج الساحل لما ملك صلاح الدين مصر قد خافوا وأيقنوا بالهلاك…وأنهم خائفون على بيت المقدس " وواضح من هذا الكلام من الإفرنج كانوا يرتعدون خوفا من الوحدة بين مصر والشام.

وهذا ابن واصل، يقول في عبارة مماثلة حاسمة "ولما ملك صلاح الدين الديار المصرية… أيقن الإفرنج الهلاك"…هلاك الإفرنج المحتوم، من الوحدة بين مصر والشام.

وكما تفعل إسرائيل عند كل الأزمات حين تستنصر بالقوى الصهيونية والاستعمارية العالمية، فإن الإفرنج في بلاد الشام راحوا يستصرخون ملوك ألمانيا وفرنسا وصقلية والأندلس…وهذه أيضا حقائق تاريخية…

يقول أبن الأثير أن إفرنج الشام" كاتبوا الفرنج الذين بالأندلس وصقلية وغيرهما يستمدونهم ويعرفونهم ما تجدد من ملك مصر (صلاح الدين) وأنهم خائفون على البيت المقدس" .

ويقول ابن واصل في نفس الموضوع "أنهم كاتبوا فرنج صقلية واستمدوهم واستنصروهم".
وقد عَّبر عن هذه المخاوف نفسها، وليم الصوري، الذي كان مؤرخ حملات الإفرنج، والمقاتل في صفوفها، وتولى رئاسة أسقفية مدينة صور بعد ذلك في سنة 1175

ولم يكد صلاح الدين يستجم من معركة دمياط ويستحم من غبارها، حتى أخذ يستعد لمنازلة الإفرنج في فلسطين. ولم يكن التصدي للإفرنج سهلا، فقد استقرت أحوالهم في البلاد، وبنوا القلاع والحصون، وقامت علاقات تجارية بينهم وبين مواطنيهم الأول في أوروبا، فضلا عن الأساطيل البحرية تمدهم باالحجاج والمقاتلين في كل عام، ناهيك أن الجيل الثاني والثالث من أبناء الغزاة الأوائل قد نشأوا في البلاد. وصاروا أكثر معرفة بمواقعها، وأكثر قدرة للدفاع عنها…وفي جميع هذه الظواهر تتشابه إسرائيل والفرنج.

وبعد ضم مصر إلى الوحدة حدثت بعض الحركات الإنفصالية من اليمن والسودان لكن صلاح الدين قمع هذه الثورات وأعاد هذين القطرين من جديد إلى سائر الجسد .. وقام بببناء أول نواة لأسطول بحرى قوى فى البحر الأحمر ليؤمن الحجاز من غدر الصليبين وقد كانت هذه الخطوة إثر محاولة السفاح أرنولد دى شاتيو الشهير بأرناط إقتحام مكة والمدينة ..

قصة مختلفة كان لها بطل جديد .. هنــــا (صفحات من تاريخنا المضىء)

ولكن هذه الصورة المشرقة للوحدة العربية، وهي التي كان يرى فيها صلاح الدين طريقه إلى تحرير بيت المقدس انتكست أمام قضاء وقدر، لا سبيل إلى رده… وذلك أن البطل المجاهد نور الدين قد توفي في دمشق- أيار 1174-حين اكتملت هذه الانتصارات الوحدوية.

وتواترت الأنباء على القاهرة أن ورثة نور الدين وولاته، قد استقل كل منهم في إقليمه، وعاد الانفصال من جديد…. إمارة في كل مكان…. وأمراء متحاسدون ، وراء القلاع والحصون !!

ووقع على صلاح الدين العبء الأكبر أن يناضل في جبهتين …أن يكافح الانفصال، وأن يقاتل الإفرنج.
وعزم صلاح الدين على أن "يزحف" على ديار الشام ليخوض غمرات هاتين المعركتين الضارتين…وكان مشهدا رهيبا مهيبا ذلك اليوم خرج فيه أعيان البلاد من القاهرة ليودعوه، ويودعه الشعراء بقصائدهم…وكان مما أنشده بيت من الشعر العربي القديم …

تمتــع مـن شـمم عـرار نـجد
فمــا بعـد العشيـة مـن عـرار


وكان هذا البيت وداعا حقا، فلم يعد صلاح الدين إلى القاهرة، فإنه، كما يقول المؤرخ العربي "اشتغل بفتح الساحل وقتال الإفرنج" .

وترك عنه نائبا فى القاهرة "بهاء الدين قراقوش" .. وقراقوش هو لفظ تركي معناه بالعربي العُقاب ..
هذا الذى ظلمه التاريخ حيا وميتا .. لكن التاريخ يذكر عنه بأنه أعاد للقاهرة رونقها وأحسن تدبير أحوالها عليه. وكان حسن المقاصد ، جميل النية ، وصاحب همة عالية، فآثاره تدل على ذلك، فهو الذى بنى السور المحيط بالقاهرة، ومصر ومابينهما، وبنى قلعة الجبل، وبنى القناطر التي بالجيزة على طريق الأهرام .
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-01-2009, 07:06 AM   #22
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

وبعد أن فرغ من وضع الأمور في نصابها، خرج صلاح الدين من دمشق لاستكمال مهمة الوحدة. وما هي إلا بضعة أيام حتى استسلمت له مدينتا حمص وحماه. ولم يبق إلا حلب الشهباء، فضرب حولها حصاراً ليرغمها على الاستسلام من غير قتال.

ولكن أمير حلب أبى واستكبر. فأرسل إلى الإفرنج يطلب معاونتهم على صلاح الدين. ولقي هذا الطلب هوى في نفوس الإفرنج، فإن بقاء حلب "مستقلة" هو صمام الأمان في وجه أية وحدة عربية من النيل إلى الفرات.

ولجأ بادئ الأمر إلى الحيلة والمكيدة، فأرسلوا إلى صلاح الدين يفاوضون حول قضية حلب، كما يتفاوض الاستعمار في يومنا هذا مع الحاكم العربي أو ذاك… وشفع الإفرنج الترغيب بالترهيب، يلوحون له بأن " الفرنج قد تعاضدوا وصاروا يدا واحدة"…. ورد صلاح الدين بذلك الجواب التاريخي قائلا "لست ممن يرهب بتأليب الفرنج" .

وتطور الموقف، فأغار صلاح الدين بقواته على إمارة أنطاكية، وأوقع بالإفرنج خسائر فادحة.

وخرج أمير الموصل على رأس قوة كبيرة للتصدي لقوات صلاح الدين – نيسان 1176 وانضمت إليه قوات أخرى من حلب، حتى بلغت كلها ما يربو على عشرين ألف مقاتل، ودارت المعركة في موقع يعرف بتل السلطان على مسافة عشرين ميلا إلى الجنوب من حلب.

ورغما عن أن قوات صلاح الدين لم تزد على ستة آلاف، فإن النصر كان حليف صلاح الدين، ووقع في يده عدد من الأسرى، فأطلق سراحهم واستولى على سرادق أمير الموصل نفسه، وكان فيه كثير من الحمام والبلابل والببغاوات والخمور، فجمع ذلك كله وأرسله إلى أمير الموصل ومعه رسالة تفيض بالسخرية اللاذعة. ويقول فيها "البلابل والببغاوات شيء والحرب شيء آخر.

وفي صيف 1181 قام أحد أمراء الإفرنج –أرناط-وكان متوليا على حصن الشوبك والكرك في شرق الأردن، بغارة على واحة تيماء الواقعة على الطريق إلى المدينة المنورة، ونهب قافلة إسلامية كبيرة كانت متجهة من دمشق إلى مكة.

وأغارت قوات صلاح الدين على مواقع الإفرنج في الأردن، فاضطر أرناط أن يعود أدراجه بعد أن أوشك على "الاستيلاء على تلك النواحي الشريفة" .

قال ابن الأثير في تاريخه "…..جمع صلاح الدين أمراءه واستشارهم فأشار عليه أكثرهم بترك اللقاء(الحرب) وأن يضعف الإفرنج بشن الغارات وإخراب الولايات مرة بعد مرة…فقال له بعض أمراء الرأي عندي أن نجوس بلادهم وننهب ونخرب ونخرق ، ونسبي، فإن وقف أحد من عسكر الفرنج بين أيدينا، فإن الناس بالمشرق يلعنوننا ويقولون ترك قتال الكفار، وأقبل يريد قتال المسلمين، والرأي أن نفعل فعلاً نعذر فيه ويكف الألسن عنا…."

وواضح من هذا الحوار، أن الرأي العام، يومئذ كما هو اليوم بشأن إسرائيل يريد قتال الإفرنج، وأن الناس كانوا يلعنون الأمراء. كما يفعل الناس اليوم مع الملوك والرؤساء طعنا ولعنا.

وقد حسم صلاح الدين ذلك الحوار، فقال كلمته الشهيرة، كما أوردها ابن الأثير"…. الرأي عندي أن نلقي بجميع المسلمين جمع الكفار، فإن الأمور لا تجري بحكم الإنسان، ولا نعلم قدر الباقي من أعمارنا ولا ينبغي أن نغرق هذا الجمع إلا بعد الجد في الاجتهاد." .

وهكذا يبدو صلاح الدين مع أمرائه وكأنه يستعجل أيام الجهاد، قبل أن يعاجله الموت، والأرض العربية يحتلها الغاصب الدخيل. ثم يؤكد هذا المعنى مرة ثانية ويقول "العمر قصير والأجل غير مأمون " .

وعزم صلاح الدين على الجهاد فكتب إلى "جميع البلاد يستنفر الناس للجهاد، وأرسل إلى الموصل والجزيرة وأربل وغيرها من بلاد الشرق، وديار بكر، والى مصر، وسائر بلاد الشام، يدعوهم إلى الجهاد، ويحثهم عليه والتجهيز له" .

ثم يروي ابن شداد أن صلاح الدين "نازل طبرية وزحف عليها، فهاجمها وأخذها في ساعة من نهار، واستولى على ما فيها من ميرة وذخيرة".

ولما علم الإفرنج أن صلاح الدين قد استولى على طبرية عقدوا مجلسا حربيا في عكا حضره جميع الأمراء، وهالهم أن يسقط هذا الموقع الاستراتيجي الهام بيد صلاح الدين، فتنادى أمراؤهم للقتال، وقال ملكهم "لا قعود لنا بعد اليوم، وإذا أخذت طبرية ذهبت البلاد بأسرها، فوافقوه، ورحلوا بجيوشهم نحو السلطان" .

والواقع أن صلاح الدين باستيلائه على طبرية كان يقصد انتزاع هذه المنطقة الاستراتيجية التي كانت تقف حائلا بينه وبين الساحل، كما كان يرمي إلى استدراج الإفرنج إلى محاربته في الزمان والمكان اللذين يختارهما، وقد أحسن في ما اختار.

لقد اختار الزمان شهر تموز وهو شهر الحرارة في هذه المنطقة، يطيقه الجنود العرب، ولا يطيقه جنود الإفرنج.

واختار المكان، هضاب حطين، على بضعة أميال إلى الغرب من مدينة طبرية، أرض مجدبة، فلا زرع ولا ضرع ولا مياه ولا ظلال.

وكانت جموع الإفرنج محتشدة في قرية صفورية، إلى الغرب، حيث المياه الوفيرة، والظلال الوارفة.
وهكذا أفلح صلاح الدين، باستيلائه على طبرية، فأخرج الإفرنج من الظل الظليل إلى هضاب حطين حيث البقاع الملتهبة الجرداء.

وما أن علم صلاح الدين أن الإفرنج قد خرجوا من صفورية، حتى بادر إلى استدراجهم إلى الفخ الجهنمي الذي ينتظرهم في حطين، وهو يقول، كما روى رفيقه العماد الأصفهاني :"قد حصل المطلوب. وجاءنا ما نريد" .

وتلاقى الجمعان عند هضاب حطين في عشية الثالث من شهر تموز من عام 1187، الموافق، الرابع والعشرين من شهر ربيع الثاني-ولم أذكر التاريخ العربي عبثا.

لقد اختار صلاح الدين ليلة الرابع والعشرين من الشهر العربي، حين كان القمر في أيام المحاق ، ففي مثل تلك الليلة يحسب للرأئي أن التلال فرسان، والفرسان تلال، ولا يميز هذا وذاك!!

وحين كان صلاح الدين يرقب أمور "الواقعة المباركة" كان الإفرنج يجوسون بين الهضاب بحثا عن الماء، ولكن أنى لهم ذلك، والمنطقة جدباء على حين كان الماء من خلف صلاح الدين أقرب إليه من حبل الوريد.

وأسفر الصباح في الرابع من شهر تموز عن شمس لافحة ورياح لاهبة والإفرنج يدهقهم العطش، وصلاح الدين وجنده، آكلون شاربون مسلحون وجها لوجه أمام الإفرنج، وقد عزموا أن يكيلوا لهم الكيل كيلين، ففي هذا المكان بالذات وقف السيد المسيح عليه السلام ينطق بكلماته في "عظة الجبل الشهيرة" ويقول :"وبالكيل الذي تكيلون يُكال لكم .

وكان قد مضى على الإفرنج ما يزيد على ثمان وثمانين عاما، هم يكيلون للعرب القتل والدمار والنار جزافا، وها قد جاء الوقت لتصفية الحساب. وكأنما وقف السيد المسيح في هذا المكان، ينثر عظاته الرفيعة لمثل هذا اليوم الرفيع!!

وكان ذلك اليوم حارا لاهبا، وأدرك الإفرنج أن صلاح الدين "قد أحاط بهم إحاطة الدائرة بقطرها".
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-01-2009, 07:08 AM   #23
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

وأشعل المسلمون النار في الأعشاب حول الإفرنج، فأصبحوا بين طوقين السهام والنيران، وبدأوا بالهجوم على جيش صلاح الدين ليكسروا الطوق من حولهم، وكانت هجمتهم ضارية شرسة، فقد كانوا يقاتلون طلبا للنجاة، بل خلاصا من الإبادة وصمد المسلمون لهجمات الإفرنج فقد كانوا بدورهم أمام إحدى الحسنين: النصر أو الشهادة، ذلك أن المسلمين، في تعبير ابن شداد "كانوا من ورائهم الأردن ومن بين أيديهم بلاد العدو، وإنهم لا ينجيهم إلا القتال والجهاد…"

وهنا يأتي أروع فصل من فصول القصة البطولية، يرويه، الأفضل، ابن صلاح الدين، وكان صبيا يقف إلى جانب والده في المعركة، وها هو يروي للمواطن العربي الفصل الأخير من المعركة.

قال الأفضل :"…كنت إلى جانب والدي في ذلك المصاف-الحرب-وهو أول مصاف شاهدته، فلما صار ملك الإفرنج على التل في تلك الجماعة، حملوا حملة منكرة على المسلمين حتى ألحقوهم بوالدي، فنظرت إليه وقد علته الكآبة، واربدَّ لونه، وأمسك بلحيته وتقدم وهو يصيح "كذب الشيطان" فعاد المسلمون على الفرنج فرجعوا وصعدوا على التل…فلما رأيت الإفرنج قد عادوا، والمسلمون يتبعونهم صحت من فرحي :" هزمناهم"، فعاد الفرنج فحملوا ثانية مثل الأولى، وألحقوا المسلمين بوالدي، وفعل والدي مثل ما فعل أولا، وعطف المسلمون على الإفرنج فألحقوا بالتل، فصحت أنا أيضا "هزمناهم"، فالتفت إليَّ والدي وقال اسكت…. ما نهزمهم حتى تسقط تلك الخيمة. ووالدي يقول لي هذا، إذا الخيمة قد سقطت. فنزل السلطان وسجد شاكرا الله تعالى، وبكى من فرحه".

ويتحدث العماد الأصفهاني عن المعركة، بصفته المتكلم الحاضر، فيقول :"فرمى بعض مطوعة المجاهدين النار في الحشيش، فبلوا الإفرنج، من نار الدنيا بثلاث، نار الضرام (الأعشاب) ونار الأوام (العطش) ونار السهام، فاووا إلى جبل حطين. فأحاطت بحطين بوارق البوار، وحطوا خيامهم على غارب حطين، فأعجلناهم بضرب السهام…. فترجلوا عن الجبل، وتم أسر الملك، وأبرنس (أمير) الكرك، وهمفري أخي الملك، وأمير جبيل، وابن همفري، وأبن أمير إسكندرونة، وأمير مرقية. وأسر من الداوية معظمها، ومن اليارونية".

وختم العماد وصفه للمعركة كأنما يرسم لنا لوحة زيتية رائعة فيقول:"….ومن شاهد القتلى قال ما هناك أسير، ومن شاهد الأسرى قال ما هنالك قتيل. ولقد رأيت في الحبل الواحد ثلاثين وأربعين فارسا يقودهم فارس، وفي بقعة واحدة مائة ومئتين يحميهم حارس .

ومن الطريف، أن هذه المعركة قد استبدت باهتمام مؤرخها ومعاصرها ابن الأثير، فقد مر على حطين بعد عام من المعركة وقال: "وقد اجتزت موضع الوقعة بعدها بنحو سنة، فرأيت الأرض ملأى بعظام الإفرنج، ومنها المجتمع بعضه على بعض، ومنها المفترق، هذا خلاف ما جمحته السيول، وأخذته السباع".

ولم يخلد صلاح الدين إلى الراحة، بعد معركة حطين، فإن هذه الهزيمة الساحقة التي نزلت بالإفرنج لا بد من متابعتها، ولا بد من مطاردة الإفرنج واللحاق بهم في كل معاقلهم.

ورأى صلاح الدين الفرصة الذهبية أمامه لتصفية مواقع الإفرنج في حرب خاطفة، لا تعطيهم فرصة للاستجمام والاستعداد.

ويمضي العماد الأصفهاني يروي أن قوات صلاح الدين، قد نازلت الإفرنج في معارك سريعة كالبرق الخاطف، تنتزع منهم المواقع التي بأيديهم، مدينة بعد مدينة وحصنا بعد حصن .

وقد استمات الإفرنج في الدفاع عن عسقلان لأهميتها الاستراتيجية بين مصر والشام، ولما يئس أهلها من المقاومة طلبوا الأمان فرضي صلاح الدين، و"أقتيد أهلها إلى الإسكندرية حيث قضوا فصل الشتاء في رعاية صلاح الدين إلى أن تم ترحيلهم في ربيع العام التالي". وهذه واحدة من مكارم صلاح الدين التي أشادت بها المراجع الغربية قبل العربية.

ونحن لو أنعمنا النظر في معركة حطين من بدايتها لنهايتها لوجدنا أنها هي حرب الأيام الستة المجيدة، لا الزائفة، فقد بدأت في اليوم الرابع من شهر تموز، ولم يأت العاشر إلا وكانت مدن الإفرنج وقلاعهم وحصونهم، قد سقطت بيد صلاح الدين واحد بعد الأخرى.

وأقول حرب الأيام الستة المجيدة، لا الزائفة، فإن المعركة بين صلاح الدين والإفرنج كانت معركة كبرى تطاحنت فيه القوى العربية والقوى الأوربية، وجها لوجه.

أما معركة الأيام الستة لعام 1967 فقد كانت المهزلة المأساة، انتصرت فيها إسرائيل، لأن الفريق العربي لم يحارب، بل لم يكن يريد الحرب أصلا. ولكنها كانت مظاهرة هوجاء، عرفت إسرائيل كيف تبددها وتذروها للرياح.

ومع ذلك، فإن المواطن العربي يتساءل اليوم: وكيف استطاع صلاح الدين في حرب الأيام الستة، وقبل ثمانية قرون: أن ينتصر على تلك القوى الأوروبية، في حين الأمة العربية قد انهزمت هزيمة منكرة أمام إسرائيل في ستة أيام، وجلست في اليوم السابع تمسح عن وجهها غبار الهزيمة.

والجواب، في غاية البساطة، إن الذي انهزم مع إسرائيل هم حكام العرب المعاصرون، وليست الأمة العربية، جيوشا وشعوبا… إن الملوك والرؤساء العرب، يتحملون وحدهم عار الهزيمة، كل حسب قدراته وطاقاته، ودوره في المعركة.

لقد انتصر العرب في حطين، لأنهم كانوا دولة واحدة، وملكا واحداً، وجيشا واحدا، وقد انهزم العرب في سيناء والجولان والأردن، لأنهم كانوا أربعة عشر ملكا، وأربعة عشر جيشا، وأربعة عشر وزير دفاع.

في معركة حطين كان الجيش العربي مؤلفا من قوات مصرية وشامية وحجازية وعراقية ويمنية، كلها جيش واحد في ميدان واحد، تحت قيادة واحدة.

وفي أيام حطين كانت دولة الوحدة تمتد من البصرة إلى برقة، ومن حلب إلى عدن، وكان أمراء البلاد يحاربون في الميدان، وفي طليعتهم أمير المدينة المنورة عز الدين الحسني.

ولكن في حربنا مع اسرائيل فقد كانت الميادين متعددة والجيوش متبددة واسرائيل تضرب في ميدان بعد ميدان وجيشاً بعد جيش, وفي أيام حطين كتب صلاح الدين إلى البلاد مستنفرا يدعو إلى الجهاد فلبى الناس بداعي الأيمان، على حين أن الدول العربية في حرب الأيام الستة لم يكن بأيديها إلا اتفاقيات الدفاع الهزيلة. فكان اتفاق الدفاع بين مصر وسوريا قبل المعركة بخمسة شهور، وكانت اتفاقية الدفاع بين مصر والأردن قبل خمسة أيام. وكانت اتفاقية الدفاع بين مصر والعراق بليلة واحدة. ووصل الجيش العراقي إلى الميدان في الأردن في صبيحة المعركة، واصطادت الطائرات الإسرائيلية الدبابات العراقية كما تُصاد العصافير.

وكان مفهوم الوحدة عند صلاح الدين أصيلا عريقا فقد قال: " إنما نريد أن يسيرا الناس معنا على قتال الأعداء فقط، وليس قصدنا من الفتح البلاد بل العباد " ثم أكد هذا المعنى بقوله: "إني دخلت إلى الشام لجمع كلمة الإسلام، وسد الثغور، وكف عادية المعتدين، وما قصدي إلا جمع كلمة الإسلام على الإفرنج".

على حين أن الدول العربية قد دونت في دساتيرها هدف الوحدة وبقي اللفظ ميتا في دستور ميت.
وبلغ صلاح الدين بيت المقدس في العشرين من شهر أيلول، ونزل عند جانبها الغربي حيث أقام معسكره، وراح يضرب الأبراج والأسوار خمسة أيام بلياليها، وصمد الإفرنج واستبسلوا واستماتوا.

ثم أتجه صلاح الدين صوب الشمال فنصب مجانيقه وجميع أدوات الحرب، وأرسل إلى الإفرنج مرة ثانية يمنحهم الأمان ويطالبهم بالتسليم حقنا للدماء وصونا لبيت المقدس. ولم يأل صلاح الدين جهدا، كما ذكر أحد مؤرخي الفرنج، أن يجنب بيت المقدس ويلات الحرب وأن يمنع عن معابدها دمار القتال.

ولكن الإفرنج أصروا على القتال، ودارت رحى الحرب داخل الأسوار وخارج الأسوار، وراحت قوات صلاح الدين توجه للإفرنج ضربات قاتلة، فهلكت طلائع الإفرنج أمام الأسوار، واقتحمت قوات صلاح الدين الخندق، ووصلوا إلى السور، فنقبوه وبدءوا يعدون لإحراقه، وهال الإفرنج ما رأوا، وطافوا في شوارع بيت المقدس يبكون ويبتهلون التماسا للنجاة، ثم أيقنوا أنهم هالكون لا محالة، وأن الهزيمة أصبحت أمرا واقعا، فكاتبوا صلاح الدين يطلبون الأمان، وبعد تبادل الرسل، استقر الرأي، فرضي صلاح الدين ومنحهم عهد الأمان.

وطلع الفجر، فكان يوم الجمعة، 27 رجب وهو يوم الإسراء والمعراج. ووقف التاريخ وقفة طويلة وهو يبصر بالملك الناصر صلاح الدين الأيوبي يدخل بيت المقدس ومن حوله أمراء الجيش والجند، من غير زهو ولا خيلاء يهللون ويكبرون، وكانت مصادفة تاريخية عجيبة، التقى فيها الإسراء مع النصر، والمعراج مع التحرير.

وكان موكبا حفَّه الزمان بكل مفاخره وأمجاده، ولم توضع السيوف في أغمادها إلا حين بلغ موكب النصر ساحة المسجد الأقصى، حيث وقف صلاح الدين في رحاب القبلة الأولى متجها بفؤاده إلى القبلة الثانية، يصلي صلاة النصر، ويدعو دعاء الشكر، فيرسله من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام.

ولقد توَّج صلاح الدين هذا النصر المجيد بروائع من الإحسان والرحمة، شملت جموع الإفرنج، أمرائهم ورهبانهم، ورجالهم ونسائهم وصبيانهم، حتى بلغت حد الأساطير، وما لحمتها إلا الصدق وما سداها إلا الحق، وكان أكثر رواتها هم فرسان الإفرنج الذين عادوا إلى أوطانهم، فقصوا أخبارها، وأصبحت قصائدهم في سمرهم، وأناشيدهم في أعيادهم!!

ومن تلك الأخبار أن صلاح الدين قد أطلق سراح الملكة مارية أرملة عموري الأول، كما أخلى سبيل ابنته، وأرملة أرناط الذي عرف بغدره وكيده للعروبة والإسلام.

وكان في جملة من أُخلي سبيلهم البطريق بما معه من الأموال والجواهر ومقدم عسكر الإفرنج وما حمل من زينة الكنائس والذهب والفضة، وسائر الأمراء وما نقلوا معهم من متاع.

ومن تلك الأخبار أن صلاح الدين قد كفل الأمن والسلامة والمؤن وأسباب السفر لجميع اللاجئين من الإفرنج الذين نزحوا عن القدس.


ومن تلك الأخبار كذلك ما رواه مؤرخو الإفرنج، من أن صلاح الدين لم يكتف بإطلاق سراح الشيوخ والأطفال واليتامى بغير فدية، بل إنه أغدق عليهم عونا ماليا ييسر لهم سبيل العودة إلى أوطانهم.

لقد فعل صلاح الدين هذه المكارم، وأكثر وأكثر، وكأنما المذبحة الكبرى التي اقترفها الإفرنج يوم سقوط القدس قبل تسعين عاما ما جرت، وكأنما التقتيل والدمار والفظائع التي وقعت في شوارع القدس آنذاك ما وقعت، وكأنما الدماء التي كانت تخوض فيها خيول الإفرنج ما نزفت، وكأنما أولئك العلماء الذين سقطوا سبعين ألف شهيداً ما لقوا مصرعهم، بل لكأنما ما فعله الإفرنج كان إحسانا، فجزاهم صلاح الدين إحسانا بإحسان….وهذا هو صلاح الدين.

وقد رأى صلاح الدين أن المسجد الأقصى لم يعد مسجدا كما كان، إذ غير الإفرنج معالمه ومظاهره، فهدموا فيه وأضافوا إليه، وجعلوه معبدا لهم.

وقف صلاح الدين يشاهد ذلك كله، فأزال ما أضافوا، وأعاد المسجد إلى حاله، ولكنه كان شديد الحرص ألا تطيش أحلام العامة والجند فيثأروا للمسجد الأقصى من معابد الإفرنج ومقدساتهم، فأمر أن لا تمس كنيسة القيامة بأي ضرر أو أذى، وأن تحفظ للمقدسات قدسيتها فقد قال صلاح الدين :" عندما فتح أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه القدس في صدر الإسلام، أقرهم على هذا المكان ولم يأمر بهدم البنيان".

بل إن صلاح الدين كان أكثر من ذلك سماحة ورحابة، فقد ذكر أحد مؤرخي الإفرنج أن الإمبراطور البيزنطي أوفد بعثة إلى صلاح الدين يهنئه بفتح بيت المقدس، ويرجوه إعادة الأماكن المقدسة المسيحية إلى الكنيسة الأرثوذكسية، فرد صلاح الدين التحية بأحسن منها، واستجاب لطلب الإمبراطور.

وفوق هذا وذاك فإن صلاح الدين، كما ذكر مؤرخ غربي حديث، "وثق في عالم مسيحي أرثوذكسي من بيت المقدس أسمه يوسف بابيط، فاتخذه مستشارا في كل معاملاته مع الأمراء المسيحيين.


__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-01-2009, 07:09 AM   #24
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

ولم ينسَ صلاح الدين وسط تلك الأيام الجليلة، الحافلة بمظاهر البهجة ومجالي السرور، أن في عنقه أمانة غالية يجب أن يؤديها حقها.

كان المسجد الأقصى ينتظر منبرا رفيعا زخرفته الأماني وزينته الآمال، وكلها أماني العروبة الإسلام، وكان المنبر قد صنع على أبدع ما صنع، بأمر من بطل عظيم، مات وأبصاره متطلعة صوب بيت المقدس، فمن البطل، وأين المنبر ؟

ذلكم هو الملك المجاهد نور الدين محمود بن زنكي، صنع المنبر قبل وفاته في حلب، وظل المنبر في حلب ينتظر بضع سنوات، حتى أذن الله بالنصر، وحمل صلاح الدين منبر نور الدين إلى أولى القبلتين وثالث الحرمين، وفاء للكفاح ورمزا للجهاد .

وقامت دولة الشعر، وطلع على الدنيا أدب "القدسيات" يمجد فتح بيت المقدس ويشيد ببطولات صلاح الدين. فما بقي وزن ولا بحر، ولا قافية ولا روي، إلا وأنشد لهذه الأمجاد وخلد ذكرها أبد الدهر.

وكان من أوائل الذين وصلوا إلى مخيم السلطان صلاح الدين من مصر الجواني المصري، وقصيدته مطلعها:

أترى مناما ما بعيني أبصر
القدس يفتح والفرنجة تكسرُ
ومليكهم في القيد مصفود ولم
يُر قبل ذاك لهم مليك يكسر


وعن صلاح الدين:

نثـر ونظـم طعنـه وضرابـه * فالرمح ينظم والمهند ينثر
حيث الرقاب خواضع حيث العيون * خواشع حيـث الجيـاه تعثر


وهذا الملك المظفر تقي الدين، ابن أخِ صلاح الدين، "وأحضر إلى قبة الصخرة أحمالا من ماء الورد، وتولى بيده كنس مساحاتها وعرصاتها، ثم غسلها بالماء مرارا حتى تطهرت، ثم أفاض عليها ماء الورد، ثم طهر حيطانها وغسل جدرانها ثم بخرها بمباخر الطيب".. هكذا يكون الحب والمحبوب. وكذلك تكون العبادة والعابدون. شأنهم في ذلك العاشق الولهان الذي راح "يقبل ذا الجدار وذا الجدارا" وقد فتنه "حب من سكن الديارا".

وهكذا احتفل بيت المقدس بالمعراج والإسراء كما لم يحتفل به في أي عصر من العصور من قبل ومن بعد، فلقد كان معراجا في موكب النصر، وكان إسراء في ركب التحرير.

وانطلق بيت المقدس في مباهجه ومسراته، وتجاوبت أصداؤها في كل أقطار العروبة وأمصارها وهي تردد ما قاله الشاعر المصري ابن سيناء الملك، مهنأ صلاح الدين بذلك الفتح المبين:

لسـت أدري بـأي فـتـح تُهنـا *يا منيل الإسلام ما قـد تمـنى
أنـهنيـك إذ تمـلكـت شـامـا* أم نهنيك إذ تملكـت عدنـا
قد ملكـت الجنـان قطـرا فقطـرا* إذ فتحت الشام حصنا فحصنا
إن دين الإسـلام منّ علـى الخلـق * وأنت الذي على الديـن منّـا
لك مدح علـى السمـوات ينشـا *ومحـل فـوق الأسنـة يبـنى
تخرج الساكنين منه ورب البيـت * في بـيـته أحـق بـسكـنى
كم تأنى النصر العزيز على الشـا * م ولمـا نهـضـت لم يتـأنى
قمت في ظلمة الكريهة كالبدر سنا* ءً والبـدر يـطـلـع وهنـا
لم تـقـف قـط في المـعـارك إلا* كنت يا يوسف كيوسف حسنا
يجتنى النصر من ظباك كـأن الـ * عضب قد صحفوه فصار غصنا
قصدت نحوك الأعادي فـرد الله * مـا أمـلـوه عنـك وعنّـا




واليوم يتساءل المواطن العربي، وهو يستعرض هذه المعارك التي خاضها صلاح الدين، من عسقلان إلى بيت المقدس إلى صفد إلى بانياس إلى اللاذقية، والى العديد من القلاع والحصون-يتساءل المواطن العربي، كيف سقطت فلسطين بأسرها في عصر الملوك والرؤساء، وكيف سقطت معها سيناء والجولان؟؟!!

وإنا لنجد الجواب حاضرا، على لسان أصدقاء صلاح الدين ورفاق جهاده. فلقد عرفوا صلاح الدين، كما نعرف الملوك والرؤساء، وما علنيا إلا أن نقرأ ما قالوا:

قالوا"…. كان السلطان صلاح الدين شجاعا شهما مجاهدا في سبيل الله، وكان مغرما بالإنفاق في سبيل الله…. وكانت مجالسه منزهة عن الهزء والهزل، ومحافله حافلة بأهل العلم والفضل، وكان من جالسه لا يعلم أنه جالس سلطانا لتواضعه". وأين هذا من أخلاق الملوك والرؤساء!!.

وقالوا، " أن صلاح الدين كان مناضلا أصيلا، وكان حبه للجهاد والشغف به قد استولى على قلبه وسائر جوانحه استيلاء عظيما، بحيث ما كان له حديث إلا فيه، ولا نظر إلا في آلاته، ولا كان له اهتمام إلا برجاله، ولا ميل إلا إلى من يذكره ويحث عليه، ولقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله وأولاده ووطنه وسكنه وسائر بلاده، وقنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح ميمنة وميسرة"

وأين هذا من سلوك الملوك والرؤساء!!
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 25-01-2009, 07:09 AM   #25
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

وقالوا، إن صلاح الدين كان إنسانا قبل أن يكون سلطانا، فقد أوصى ابنه ونائبه في حلب "……أحذرك من الدماء والدخول فيها والتقلد بها، فإن الدم لا ينام…. ولا تحقد على أحد فإن الموت لا يبقي على أحد" وأين هذا من تصرف الملوك والرؤساء!!

وقالوا " إن صلاح الدين كان للوطن العربي كله، لا لمسقط رأسه فحسب، فقد كانت تكريت في العراق موطن صباه، وكانت بعلبك مسرح شبابه وفيها تعلم الفروسية، وفي دمشق أصبح مدير شرطتها، وفي القاهرة وزيرها، وللوطن العربي كله سلطانه". وأين هذا من ملوك الانفصال، ورؤساء التجزئة!!

وقالوا: إن صلاح الدين أنفق كل ما تجمع بين يديه من أموال في سبيل الجهاد، فقد "مات ولم يخلف في خزائنه إلا سبعة وأربعين درهما ناصرية، وديناراً واحداً ذهباً صورياً، ولم يخلف ملكا ولا دارا ولا عقارا ولا بستانا ولا مزرعة".

وأين هذا من كنوز الملوك، وخزائن الرؤساء؟!

وقالوا: إن صلاح الدين قد التزم في حياته الجد والبساطة، فقد عزل نائب ديوانه "حين استجد دارا في دمشق لينزل فيها السلطان وأنفق عليها أموالا كثيرة، وقال له "هذا منزل لا يصلح لمثلي أبدا".

وأين هذا من قصور الملوك والرؤساء!!

وأخيرا، قالوا، " أن جنازة صلاح الدين لم تختلف عن جنازة سائر الناس، وغطى نعشه ثوب مخطط..‎ ولم يسمح لأحد من الشعراء أن ينشد في رثائه. وجرى اقتراض ثمن التبن الذي بلت به الطين اللازمة لقبره. ودفن معه سيفه الذي لزمه في الجهاد".

وأين هذا من مواكب الذين ماتوا من الملوك والرؤساء!!

ذلك كان صلاح الدين. أما الملوك والرؤساء فإن المواطن العربي يعرف أكثرهم، ويعرف لكل واحد منهم أكثر من حكاية، بالقصور، بالمظالم، بالدماء، بالكنوز، بالبغضاء، بالأحقاد، بالغدر، وبالخيانة.
فما أبعدهم عن صلاح الدين، وما أبعد هاماتهم عن مواطئ أقدامه…


وما أبعد الليلة عن البارحة!!
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 28-01-2009, 10:48 AM   #26
خالد صبر سالم
عضو نشيط
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2007
المشاركات: 111
إفتراضي

[quote=محمد الحبشي;616776]
ماذا كان يحدث لمصر لو لم يأتها الفتح الإسلامي؟



الاخ الحبيب محمد
لا ينكر انسان عظمة الشقيقة الكبرى مصر وتاريخها وعراقتها وحضارتها وطيبة شعبها
بل اننا يا عزيزي تفتحت عيوننا على الثقافة والادب والفن المصري
من منا لم يتأثر بطه حسين وشوقي ونجيب محفوظ وام كلثوم وعبد الوهاب وغيرهم من المبدعين الذين اثروا حياتنا
من منا لم يستجب للنداء القومي التحرري الذي أطلقه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر
ان لمصر الحبيبة علينا دين كبير
ولكن يا صديقي انا استغرب من بعض اخواننا المصريين الذين يربطون بين النظام السياسي الحاكم
وبين الوطن العظيم مصر
فنراهم يتضايقون من شخص ينتقد النظام ويتصور ذلك تهجما على مصر
لا عاش من يضمر للمحروسة أي شعور غير شعور المحبة
شكرا لك على هذا الموضوع الثري
مع وافر محبتي واحترامي
__________________
أنا يا عصفورة الشجن مثل عينيك بلا وطن
أنا لا أرضٌ ولا سكنٌ أنا عيناك هما سكني
خالد صبر سالم غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 07-02-2009, 02:28 PM   #27
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

[quote=خالد صبر سالم;623018]
إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة محمد الحبشي مشاهدة مشاركة
ماذا كان يحدث لمصر لو لم يأتها الفتح الإسلامي؟



الاخ الحبيب محمد
لا ينكر انسان عظمة الشقيقة الكبرى مصر وتاريخها وعراقتها وحضارتها وطيبة شعبها
بل اننا يا عزيزي تفتحت عيوننا على الثقافة والادب والفن المصري
من منا لم يتأثر بطه حسين وشوقي ونجيب محفوظ وام كلثوم وعبد الوهاب وغيرهم من المبدعين الذين اثروا حياتنا
من منا لم يستجب للنداء القومي التحرري الذي أطلقه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر
ان لمصر الحبيبة علينا دين كبير
ولكن يا صديقي انا استغرب من بعض اخواننا المصريين الذين يربطون بين النظام السياسي الحاكم
وبين الوطن العظيم مصر
فنراهم يتضايقون من شخص ينتقد النظام ويتصور ذلك تهجما على مصر
لا عاش من يضمر للمحروسة أي شعور غير شعور المحبة
شكرا لك على هذا الموضوع الثري
مع وافر محبتي واحترامي
على العكس أيها الحبيب .. خالد

لم يأتى هذا الموضوع من عصبية ولا قومية .. بل عنيت به كل مصرىّ قبل غيره كى يعرف تاريخه ودوره ودور مصر المنوط بها فى هذا الزمان وكل زمان ..

من يخطأ الربط بين كيان ونظام وبين وطن عمره آلاف أعوام فهو واهم مخطىء الفهم ..

وخالد صبر سالم مصرىّ من قبل أن يكون عراقيا ..

ومحمد الحبشى عراقىّ قبل أن يكون مصريا ..

لحرفك هنا باقات من الخزامى
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 08-02-2009, 10:09 PM   #28
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

"القدس بين سقوطين"

المراجع :

* معارك العرب - أحمد الشقيرى .

* ويكيبيديا .

__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 14-02-2009, 02:56 PM   #29
آمال البرعى
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2008
الإقامة: مصر
المشاركات: 384
إرسال رسالة عبر MSN إلى آمال البرعى إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى آمال البرعى
إفتراضي

لم يأتى هذا الموضوع من كونى مصريا مسلما ..

أخى الكريم
وما العيب إن كان كذلك فكلنا يفخر بإنتماءاته وجذوره
الإنتماء قيمة رائعة سيدى
رائعة تلك الدراسة اللراقية
ورائع الموضوعية فى الطرح هنا
بارك الله لك
__________________
لست مضطراً لــ حبى
ولكنك مجبراً على إحترامى



آمال[/color]
آمال البرعى غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 22-02-2009, 06:31 PM   #30
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة آمال البرعى مشاهدة مشاركة
لم يأتى هذا الموضوع من كونى مصريا مسلما ..

أخى الكريم
وما العيب إن كان كذلك فكلنا يفخر بإنتماءاته وجذوره
الإنتماء قيمة رائعة سيدى
رائعة تلك الدراسة اللراقية
ورائع الموضوعية فى الطرح هنا
بارك الله لك
ومن لا يحب الإنتماء إلى بلد أحبها الله وأحبها رسوله ..

قصدى أنى سواء كنت مصريا أم لا ، كان لهذا الموضوع أن يكون لألف سبب ..

إن الأمم والحضارات لا تقوم بين يوم وليلة .. ومصر الإسلامية تاريخ ضارب باصوله فى كل تاريخ الإسلام .. أحبها خالقها وآثرها بالذكر وحدها دون سائر البلاد فياله من حب .. وأحبها رسول الله ودعا لها ولأهلها وأوصى علينا صحابته ، ووصيته الرائعة بأن منا خير أجناد الأرض ليست مدحا ولا إطراء .. بل فيها تلميح رائع لمن يخلفه بضرورة فتح هذه البلاد فهى إسلامية الروح من قبل أن يدخلها الإسلام .. فكان حرص الفاروق عليها وكانت وشوشاته لنيلها ورسالته له من أجمل رسائل الحب فى التاريخ .. ومصر بوابة الإسلام التى عبر منها إلى إفريقية والأندلس .. وهى الدرع والحرس الخاص للأقصى ونحن من ضيعناه ونحن من سيعيده إلى حظيرة الإسلام ..

ولا زال المؤرخين الغربيين يكيلون المدح والشكر لمصر .. مصر الفرعونية التى كانت فجر العلوم .. ومصر الإسلامية التى أنقذت العالم بأسره من خطر المغول ..


المبدعة آمال ..

باقة ورد لحضورك

__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .