العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة الساخـرة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية على المريخ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث العقد النفسية ورعب الحياة الواقعية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خوارزمية القرآن وخوارزمية النبوة يكشفان كذب القرآنيين (آيتان من القرآن وحديث للنبي ص (آخر رد :محمد محمد البقاش)       :: نظرات في مقال السؤال الملغوم .. أشهر المغالطات المنطقيّة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال البشر والحضارة ... كيف وصلنا إلى هنا؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال التسونامي والبراكين والزلازل أسلحة الطبيعة المدمرة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال الساعة ونهاية العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات في مقال معلومات قد لا تعرفها عن الموت (آخر رد :رضا البطاوى)      

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 14-02-2009, 11:24 AM   #1
القوس
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 2,839
إفتراضي كل فلنتاين وأنتم بخير!

كل فلنتاين وأنتم بخير!


نذير الماجد

ليست مسافة طويلة تلك التي تفصل بين أسطورة أيروس وبين محنة القديس فلنتاين، ما دام الحب يشكل بؤرة في كلتا الحالتين، وما دامت الحالة العشقية هي نفسها عند أيروس كما عند فلنتاين، لكنها مسافة ضرورية لكي يتم الانتقال من رمزية الإله في الميثولوجيا الإغريقية إلى رمزية القديس فالنتاين الشهيد، وهي المسافة التي أحرزتها الحالة العشقية حتى تتسلل من ثقافة مدعوة بالوثنية إلى ثقافة أخرى اقترنت بالتعالي، لأن الرموز كالكائنات الحية تحيا وتموت وتبعث من جديد، وذلك كلما عجزت عن أن تسع المعنى، ليبحث المعنى أو المضمون الذي يشكل أحيانا موضوعا لإيمان أقصى -كما يعبر بول تيليش- عن بنية رمزية جديدة ضمن النظام الثقافي نفسه أو في ثقافة أخرى.

وللمعنى بهذه الصفة قدرة خارقة على الاختراق والتسلل عبر غشاء ثقافي قابل للنفاذ، من هنا تبدو الثقافة منفعلة وليست فاعلة، وإذا كان لها من تميز وابتكار فهو في قابليتها اللامتناهية على جذب ودمج المعنى المختزن في بنية رمزية تنتمي لثقافة مغايرة.

الثقافة هنا امتداد وليست طفرة، لأن الثقافات ليست بكرا على الدوام، إذ لا توجد ثقافة نقية لم تطأها عناصر ثقافية أخرى، ووحدهم الحمقى من يظنون أن الابتكار لا يتم إلا بمعزل عن أي تأثير ثقافي، وأن الخصوصية الثقافية لا تعني سوى قلاعا ثقافية محصنة أمام أي عنصر دخيل.

هذا ما أكده ديورانت عند تعرضه للتأثير المتبادل بين الحضارات البشرية وبين العباقرة الذين كان لهم الإسهام الأوفر في تشييد البنى الفكرية التي شُيدت عليها الحضارات، حيث يقول: المجانين وحدهم الذين يبدعون دون التأثر بعقول غيرهم. وإذن فكل الحضارات تتأثر وتؤثر في غيرها، وكلما حاول المؤرخ أن يقترب من اللحظة الزمنية التي انبجست فيها الفكرة وتكونت فيها الأصول، يجدها تفلت منه وتبتعد أكثر، ذلك أن الجماعة لا تبني ثقافتها من العدم، ولا تؤسس بنيانها الفكري من لا شيء، وليس ثمة إلهام أو انقداح "وحياني" في عالم الثقافات، لهذا فمهمة المؤرخ للحضارة ليست أكثر من محاولة الكشف عن المحطات والمنعطفات التي قطعتها الأفكار في مسارها عبر الثقافات.

لكن علينا أن نتدارك هنا درءا للاشتباه، فهذا التراكم والتسلسل في عالم الثقافات لا يعني على الإطلاق عدم حصول طفرة في الجينات الفكرية لهذه الثقافة أو تلك، هذه الطفرة التي تؤدي لحصول القطيعة المعرفية والحضارية، حتى وإن كانت تغيرا جذريا أو انقطاعا في التتابع، ليست مقتلعة من أي سياق، وعلاوة على ذلك فهي في الأساس شذوذ تعبر عن تحول أو منعطف فكري بإمكانه أن يكشف الزيف أو الوهم المقترن بالتعالي للثقافات المنقرضة والتي قامت على أنقاضها.

ولقد أمكن للمفكر الإيراني داريوش شايغان أن يتتبع المسار الفكري للبشرية لكي يتمكن من تسمية التحولات الفكرية التي تحققت في التاريخ التي كان آخرها ذلك التحول الرهيب الذي دشن العصر العلمي التقني بدءا من عصر النهضة، إلا أن المفارقة أن هذا التحول كان محصورا في بقعة جغرافية محددة هي أوربا، في حين كان التحول السابق أكثر تمددا، جغرافيا وثقافيا، لذلك توصل شايغان إلى نتيجة حاسمة في هذه المعالجة هي أن كل الثقافات الفاصلة بين العصور الكلاسيكية وبين عصر النهضة أي في العصور الوسطى تشترك في ذات البنى الفكرية، فلها أصل مشترك وغاية واحدة، هي بلوغ سدرة المنتهى أو "آتمان" أو ملكوت المسيح!

وبمعزل عن الجدل الدائر بين الاستشراق الذي ينفي الابتكار والإبداع في الثقافة العربية والإسلامية وبين بعض المفكرين العرب كمحمد أركون الذي يرى العكس، يبقى القدر المتيقن هو حصول تأثير متبادل بين الثقافة العربية والإسلامية وبين غيرها: التصوف كمثال لم يتبلور إلا بعد ترجمة الأعمال الفلسفية والدينية في الهند والتي تزامنت مع ظاهرة الصوامع والأديرة المنتشرة في العصور الوسطى والتي كان لها تأثير مماثل لا يقل عن تأثير التصوف الهندي.

وفي الإطار الديني نفسه وفي لحظة البدايات الأولى للتأسيس نلاحظ التأثير الواضح جدا للتراث العربي المدعو بالوثني على مستوى الشعائر والطقوس والتشريع، وهذا إن دل على شيء فهو الذكاء والحذق الشديد للمؤسسين الأوائل، فالحج كمثال آخر له اتساق ومحاكاة جلية بالتراث السابق على الإسلام، كذلك النظم التشريعية وطبيعة العلاقات الاجتماعية. ثم نجد في فترة لاحقة التأثير الفلسفي للإغريق، كما التأثير الميتافيزيقي للفرس، وهكذا وعلى أساس هذه التلاقحات تشكلت الثقافة العربية- الإسلامية، لتصل للذروة وعصر الازدهار قبل أن تدخل في سبات عميق.

وهو سبات ابتدأ مع بداية عصور الانغلاق إبان اشتداد النزعة السلفية المتزمتة التي تجنح لتأبيد التراث الذي هو ينتمي إلينا، ولا ننتمي إليه، إذ نحن ورثته ولنا الحق في اختيار ما نرث كما يعبر جاك دريدا. وكما تبين أعلاه فإن هذا الانغلاق يعبر عن بؤس وافتقار ثقافي عاجز عن اجتذاب البنى الفكرية المخصبة قبل أن يعاد تبيئتها فيتسنى لها الاندماج في البنية الثقافية، لكن الجماعة إذ ترفض الجديد أو الدخيل تحت مسمى الغزو الثقافي تعبر عن فزع تارة وعن نرجسية وتضخم في الذات تارة أخرى، فجماعة كهذه هي وحدها التي تخشى وترتاب من أي عملية تثاقف، وما التحفز السنوي للقوى السلفية والأصولية الذي نشهده مع كل إطلالة لعيد الفلنتاين، إلا مثال لافت يكشف حجم الفوبيا الثقافية التي تجعل الجماعة ترتاب من أي وافد ثقافي.

فما إن يقترب يوم الرابع عشر من فبراير، يوم القديس فلنتاين الذي راح ضحية انغماسه في الرومانسية والعشق وإصراره على اشتعال جذوة الحب، ما إن يقترب هذا اليوم حتى تتحفز تلك القوى الأصولية المسكونة بالفزع والخشية، وهي التي لها ذاكرة مجدبة مثقوبة لا تحفل بما تحفل به تلك الثقافات الأخرى التي تقدم لأتباعها وفرة في المناسبات والأعياد والذكريات: عيد الحب، عيد الشجرة، عيد الأم... الخ، هذه الوفرة في الأعياد تعكس ثراءً في الذاكرة وحساسية مرهفة في التعاطي مع الحياة، لكن المدهش والملفت في آن معا أن يتم تجاهل كل تلك المناسبات للتركيز على مناسبة معينة، يبدو أنها تمثل هاجسا مقلقا، هي مناسبة الفلنتاين، عيد العشاق والمحبين، فهل هو إجفال من الحب والعشق ونزوع للكراهية التي تسم بميسمها كل الثقافات المنغلقة والمنغمسة في صنمية الذات؟ هذا سؤال مركزي جدا بإمكانه أن يكشف لنا كيف أصبح الحب جنحة تستحق العقاب، حتى أصبح اللون الأحمر في يوم العشاق بمثابة "إشارة تهديد" يجب أن تحارب وتقتلع من الحيز العام، لكن ما الضير في السماح بإحياء هذا العيد أسوة بغيره من الأعياد والمناسبات الكثيرة التي تمرر دون ضجيج يذكر من المتطرفين الأصوليين؟ هل تستكثر الأصولية على العشاق والمحبين يوما واحد يتبادلون فيه التحايا و"الكروت" والورود الحمراء؟ ما المشكلة فيما لو احتفل أحدنا مع زوجته أو صديقته أو حبيبته في هذه المناسبة؟

هذا النفور من الحب ومن كل شيء جميل لا يمكن تفسيره إلا بمقاربة سيكولوجية للهوس الديني الذي ميزه ماكس شلر كتمظهر مميز للإنسان عندما يحتقر في لاوعيه علاقات الحب، إضافة إلى رسوخ ذلك الوهم الذي يتمحور حول أسطورة الأصل والتي منها انبثقت أكذوبة الأصالة والنقاء الثقافي، الأمر الذي يدعو لتصفية كل تراث سابق، ولطالما شكل هذا الفكر الذي يريد إلغاء التراث البشري السابق على الوحي بذرائع دينية استفزازا يصل حد التقيؤ، رغم أن هذه الموروثات أفرغت من حمولتها الدينية و بقيت في حدود وظيفتها الرمزية و الجمالية! من هنا نسأل: لماذا نجافي الحب؟ لماذا لا ننفتح على كل الثقافات لنتمكن من بناء قيم ثقافية كونية لا مركزية؟

إن عيد الحب والاحتفال به يصبح أكثر أهمية في واقعٍ مثقلٍ بالبؤس والكراهية، ففي واقع كهذا تشتد الحاجة لترسيخ ثقافة وقيم الحب التي جعلت ذلك المناضل في الحب "غاندي" يعلمنا كيف نكره الإساءة ونحب المسيئين! كيف نوجه نزعاتنا الثاناتوسية نحو كل فكر يصارع الحب بحد السكين ثم نوجه نزعاتنا الأيروسية نحو الإنسان وحده، لعل وعسى تتلطف طباع المرء، ليمنعه اشتغاله بالحب عن كراهية الشيطان نفسه، وهو الدرس الذي تعلمنا إياه باقتدار المتصوفة الشهيرة رابعة العدوية!!
__________________
مأساتي معاك تزيد

واتم بعيد .. وتتم بعيد
وأتم مثل الحزن ..

أنطر سحابة عيد
أجي ملهوف ..
عطش تحت المطر ملهوف
وقتي يطوف .. لوني ضايع ومخطوف
القوس غير متصل   الرد مع إقتباس
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .