نقد كتاب الإجابة الصادرة في صحة الصلاة في الطائرة
نقد كتاب الإجابة الصادرة في صحة الصلاة في الطائرة
الكتاب تأليف محمد الأمين الشنقيطي وهو يدور حول موضوع الصلاة فى الطائرة وفى المقدمة بين الشنقيطى أن أحدهم سأله عن أدلة صحة الصلاة فى الطائرة فأجابه إلى ذلك فقال:
"أما بعــــــــد:فقد طلب منا بعض فضلاء إخواننا أن نقيد لهم حروفاً نظهر بها صحة صلاة من صلى في الطائرة فأجبناهم إلى ذلك ونذكر إن شاء الله وجه استنباط صحتها من كتاب الله ثم من سُنة نبيه (ص) ثم من كلام العلماء على طريق المناظرة الشرعية الخالية من لجاج الجدل"
واستهل الشنقيطى الكلام بالحديث عن المركوبات فى القرآن فقال كلاما لا علاقة له بموضوع الطائرة فقال:
"أما القرآن فقد امتن الله فيه على خلقه في مسودة الامتنان التي هي سورة النحل بهذه المراكب المستحدثة لأنه لما بين أنواع الامتنان فيها وذكر الامتنان بأنواع من المركوبات في قولـه: ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا) أشار إلى امتنانه بمركوبات لم تخلق ولم يعلمها الموجــــودون في زمــــن النبي (ص) فقولـه ) وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) مقترناً بجنس المركوبات يدل على أنه من جنس ما يركب ودلالة الاقتران وإن ضعفها بعض الأصوليين كما أشار له صاحب مراقي السعود بقوله:
أما اقتران اللفظ في المشهور فلا يساوى في سوى المذكور
قال المؤلف في تفسير هذه الآيات:
قوله تعالى: (وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يخلق ما لا يعلم المخاطبون وقت نزولها، وأنهم من ذلك الذي يخلقه لتعبيره عنه بالموصول ولم يصرح هنا بشيء منه،ولكن قرينة ذكر ذلك في معرض الامتنان بالمركوبات تدل على أن منه ما هو من المركوبات، وقد شوهد ذلك في إنعام الله على عباده بمركوبات لم تكن معلومة وقت نزول الآية، كالطائرات، والقطارات، والسيارات ويؤيد ذلك إشارة النبي (ص) إلى ذلك في الحديث الصحيح قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله (ص): (والله لينزلن ابن مريم حكماً عادلاً فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد) ومحل الشاهد من هذا الحديث قولـه (ص): "ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها" فإنه قسم من النبي (ص) أنه ستترك الإبل فلا يسعى عليها، وهذا مشاهد الآن للاستغناء عن ركوبها بالمراكب المذكورة.
فقد صححها جماعة من المحققين ولا سيما في هذا الموضع الذي دلت فيه قرائن المشاهدة على صحة دلالة الاقتران فيه ونعني بدلالة الاقتران هنا دلالة اقتران"وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) بجنس ما يركب وإذا حققت أن الله امتن في سورة الامتنان على الخلق بوجود هذه المراكب التي من جملتها الطائرة "
الخطأ فيما قاله الشنقيطى هو :
الاستدلال برواية تخالف كتاب الله وأول تناقضها هو أنه تجعل النبى(ص) عالما بالغيب ممثلا فى عودة عيسى(ص) للحياة بعد موته قبل القيامة وهو ما يناقض قوله تعالى على لسان النبى" ولا أعلم الغيب" وقوله " لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنة السوء"وثانيها أنه لو بعث عيسى(ص) لوجب بعث يحيى لأن قول عيسى " والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا" قال الله مثله فى يحيى " والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا" ومن ثم لا بعث للاثنين وثالثها الاستدلال بالقول "ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها" ليس فيه دليل على وجود الطائرات أو غيرها
زد على هذا أن المركوبات التى ذكرها الله هى فى البر والبحر كما قال تعالى "هو الذى يسيركم فى البر والبحر"
ومن ثم لم يذكر مركوبات الجو ثم حدثنا الشنقيطى حول إباحة ركوب الطائرات :
"فاعلم أن ركوبها جائز لأن الله لا يمتن بمحرم وإذا كان جائزاً ودخل وقت الصلاة فيها فقد دل الكتاب والسُنة والإجماع على أن الله لا يكلف الإنسان إلا طاقته لقوله: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقولـه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقولـه (ص): (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) فإذا صلى الإنسان فيها فقد فعل طاقته ولم يؤمر إلا بطاقته وقد أشار النبي (ص) إلى حدوث هذه المركوبات لقولـه كما ثبت في صحيح مسلم ولتتركن القلاص فلا يسعين عليها وأما الدليل من السنة فقد ثبت عن النبي (ص) من حديث ابن عمر أنه سُئل عن الصلاة في السفينة فقال (صلِّ فيها قائماً إلا أن تخاف الغرق) أخرجه الدارقطني والحاكم على شرط الصحيحين مع أن القرآن دل بدلالة الإشارة على صحة الصلاة في السفينة حيث امتن بركوبها(تجري في البحر بما ينفع الناس) ومعلوم أنه لا يتيسر النزول بالساحل عند كل صلاة فالصلاة فيها صحيحة قطعاً وإذا دل الكتاب والسُنة والإجماع على صحة الصلاة في سفينة البحر فاعلم أنها لا يوجد بينها وبين الطائرة فرق لـه أثر في الحكم لأن كلاً منهما سفينة متحركة ماشية يصح عليها الإتيان بجميع أركان الصلاة من قيام وسجود وركوع واعتدال وغير ذلك بل هو بالطائرة أسهل لأنها أخف حركة من السفينة وكل منهما تمشي على جرم لأن الهواء جرم بإجماع المحققين من نظار المسلمين والفلاسفة وتحقق صحة ذلك إذا نفخت قربة مثلاً فإن الرائي يظنها مملوءة من الماء ولو كان الهواء غير جرم لما شغل الفراغ بـملء الأوعية المنفوخة وبين الهواء والماء مناسبات كثيرة حتى أن أحدهما لينتقل من عنصره إلى عنصر الآخر ألا ترى أن الماء إذا بلغ مائة درجة من درجات الحرارة تبخر فصار هواء فانتقل من عنصر الماء إلى عنصر الهواء وإذا لم يكن بينهما فارق لـه تأثير في الحكم فاعلم أن عامة العلماء ماعدا قوماً من أتباع داود الظاهري على أن المسألة المنطوق بها والمسألة المسكوت عنها إن لم يكن بينهما فارق له أثر في الحكم فإن المسكوت عنها تدخل في حكم المنطوق بها وهو الدليل المعروف عند الأصوليين بالإلحاق بنفي الفارق وهو نوع من تنقيح المناط وسماه الشافعي القياس في معنى الأصل قال في مراقي السعود:
قياس معنى الأصل عنهم حقق لما دعى الجمع بنفي الفارق
وقال أيضاً في مسالك العلة في الكلام على تنقيح المناط:
فمنه ما كان بإلغا الفارق وما بغير من دليل رائق
فإلحاق ضرب الوالدين بالتأفيــف في قولـه: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ) وإلـحـــاق شـــهادة أربع عدول بالعـــدلـيـن فـي قــــولـــــه: ( وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ ) وإلحاق وزن الجبل بمثقال الذرة في قولـه: ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) وإلحاق إحراق مال اليتيم وإغراقه بأكله في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً ) الآية وإلحاق البول في إناء وصبه في الماء الراكد المنهي عنه. وإلحاق التضحية بالعمياء بالتضحية بالعوراء المنهي عن التضحية بها وإلحاق الأمة بالعبد في سراية العتق في قولـه (ص) : (من أعتق شركاً لـه في عبد) . وإلحاق حكم القاضي في حالة الجوع والعطش والحقن والحقب والسرور والحزن ونحو ذلك من كل ما يشوش بالغضب المنصوص عليه في حديث أبي بكرة المتفق عليه لا يقضين حكَمٌ بين اثنين وهو غضبان ونحو ذلك مما هو كثير جرى كله إلحاقاً بنفي الفارق واعلم أن إلغاء الفارق يقول به من لا يقول بالقياس وهو في حكم النص عند جماهير من العلماء ومما يدل عليه أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى لا يقول بالقياس في الكفارة وقد قال فيها بالإلحاق بنفي الفارق وذلك في الأعرابي الذي قدم على النبي (ص) يضرب صدره وينتف شعره ويقول هلكت وأهلكت واقعت أهلي في نهار رمضان فقال لـه النبي (ص) أعتق رقبة فالنبي (ص) نص على كفارة صوم رمضان في خصوص الجماع ولم يتكلم على الشرب والأكل فيه عمداً فحكم مالك وأبو حنيفة بإلغاء الفارق وألحقا الأكل والشرب عمداً المسكوت عنهما بالجماع المنصوص عليه في وجوب الكفارة فقالا بوجوبها في الأكل والشرب عمداً "
وأما ركوبها فهو مباح وأما الصلاة فيها فهى التى فيها محل نظر والشنقيطى هنا ذكر كلاما كثيرا لا داعى له فالقياسات المختلفة قد تنطبق أو لا تنطبق وهو أمر أغنانا الله عنه بنصوص الوحى بدلا من هذا الجدل الذى لا فائدة منه وفيها عند القوم اعتراضات وعلى الاعتراضات اعتراضات
ثم حدثنا عما اعترض به البعض على صحة الصلاة فى الطائرة وحاول مناقشته فقال:
"وأما ما وعدنا به من كلام العلماء عن طريق المناظرة الشرعية فإنا نقول أولاً إن من ادعى بطلان الصلاة في الطائرة فهو الذي عليه بيان دليل البطلان ومدعي الصحة معه الأصل لأنها صلاة لم يختل منها ركن ولا شرط وأركان الصلاة وشروطها معروفة ولا يختل بالصلاة في الطائرة منها شيء ولا دليل على بطلانها فيها من كتاب ولا سُنة ولا إجماع ولا كلام عن أحد من أصحاب المذاهب ونقول ثانياً إنا إذا أردنا تحقيق هذه المسألة المنطبق على جزئياتها أفرغناها في قالب الدليل العظيم المعروف عند الأصوليين بالسبر أي الاختبار والتقسيم وعند المنطقيين بالشرطي المنفصل وعند الجدليين بالترديد والتقسيم فنقوِّم أوصاف الراكب في الطائرة التي يتوهم أنها سبب لبطلان صلاته فيها يحصرها التقسيم الصحيح في هذه الأقسام الخمسة :
الأول: أنها غير متصلة بالأرض.
الثاني: أنها غير ساكنة.
الثالث: أنها ترفعه عن مسامتة القبلة فيكون غير مستقبل والقبلة شرط في الصلاة.
الرابع: عدم القدرة على إكمال الأركان لحركتها واضطرابها.
الخامس: عدم معرفة جهة القبلة ولا وصف غير هذه الأوصاف الخمسة إلا الأوصاف الطردية التي لا أثر لها في الأحكام فإذا حققت هذا التقسيم فاعلم أن السبر الصحيح يدل على أن هذه الأقسام ليس واحد منها يبطل الصلاة أما كونها غير متصلة بالأرض فلا يبطل الصلاة لأن أرض المصلي هي موضع صلاته إذا كان يمكنه الركوع والسجود وسائر الأركان وقد أجمع جميع العلماء على صحة الصلاة فوق السقف مع أن موضع المصلي المماس لأعضائه منه غير متصل بالأرض وفي الدسوقي عند قول خليل ورفع قوم ما يسجد عليه ما نصه وأما السجود غير المتصل بالأرض كسرير معلق فلا خلاف في عدم صحته كما مر أي والحال أنه غير واقف في ذلك السرير وإلا صحت كالصلاة في المحمل" منه بلفظه فترى هذا العالم المحقق صرح بأنه لو قام في سرير معلق بين السماء والأرض فصلى فيه أن صلاته صحيحة
|