نظرات فى كتاب حكم الوقف على رؤوس الآي وتخريج الحديث الوارد في ذلك
نظرات فى كتاب حكم الوقف على رؤوس الآي وتخريج الحديث الوارد في ذلك
المؤلف عبدالله بن علي الميموني المطيري وهو يدور حول حكم الوقف على رؤوس الآي وقد استهل بحثه بمقدمة طويلة عن علم الوقف والابتداء وهو علم لا يمت للقرآن بصلة مع ادعاء أهله ذلك فمدحه كثيرا ومن ثم اختصرنا تلك المقدمة إلى السطور التالية منها :
"وإن علم الوقف والابتداء من أجل علوم الكتاب الحكيم لأنه يستعان به على فهم القرآن والغوص على درره وكنوزه وتتضح به الوقوف التامة والكافية والحسان فتظهر للسامع المتأمل والقارئ المتدبر المعاني على أكمل وجوهها وأصحها وأقربها لمأثور التفسير و معاني لغة العرب فإن اعتماد علماء الوقف والابتداء في وضع الوقوف وتفصيلها وبيان وجوهها مبني على النظر في معاني الآيات وكلامهم في المعاني وفي بيان وجوه الوقف وتفضيل بعضها على بعض مأخوذ من المنقول والمعقول"
وفى مقدمته تحدث عن معانى الوقف والسكت والقطع فأبان الاختلاف فيها مختارا منها فقال :
"تمهيد
معنى الوقف والسكت والقطع:
الوقف والسكت والقطع عبارات يختلف مقصود القراء بها والصحيح عند المتأخرين التفريق بينها فالقطع ترك القراءة رأسا فإذا قلنا قطع القراءة فمعنى ذلك انتقاله إلى حالة أخرى غير القراءة كترك القراءة بالكلية أو الركوع أو الكلام بغير القرآن وهذا يستعاذ بعده للقراءة
والوقف ( قطع الصوت زمنا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة )
وهو المقصود بهذا البحث وهو المراد في فن الوقف والابتداء فلا يقصدون بقولهم الوقف هنا تام أو كاف أو حسن أو قبيح القطع للقراءة بالكلية ولا يقصدون بذلك السكت الذي هو عبارة عن وقف بلا تنفس وزمن السكت دون زمن الوقف عادة فهو (قطع الصوت زمنا يسيرا ومقداره حركتان من غير تنفس بنية العود إلى القراءة في الحال )
وفي الشاطبية :
وسكتهم المختار دون تنفس ** وبعضهم في الأربع الزهر بسملا
قال الإمام أبو شامة المقدسي ( الإشارة بقولهم " دون تنفس " إلى عدم الإطالة المؤذنة بالإعراض عن القراءة ) وقد يكون السكت في وسط الكلمة كالسكت على ( شيء ) في قراءة حمزة ويكون في آخر الكلمة نحو السكت على ( عوجا قيما ) و ( بل ران على قلوبهم ) ( سورة المطففين 14 ) و ( من بعثنا من مرقدنا ) ( يس 52 ) في قراءة حفص قال الشاطبي
وسكتتة حفص دون قطع لطيفة *** على ألف التنوين في عوجا بلا
و في نون من راق و مرقدنا ولا *** م بل ران و الباقون لا سكت موصلا
و من أئمة القراء من يصفها بوقفة خفيفة أو يسيرة ومنهم من ينعتها بـ وقيفة كما صنع أبو العلاء الهمذاني والكلام على توجيه ما انفرد به حفص هنا من السكت ليس هذا موضعه"
وكل هذا الحديث هو خارج نطاق الوحى المنزل وعبث اخترعه البعض ومن يرتبط به هم القراءة الذين يقرئون ويتقاضون الأجور على قراءة فى فى المآتم أو قبل صلاة يوم الجمعة فى المساجد أو الاحتفالات التى يقيمها الحكام الخارجون على الشرع
وحاول الميمونى المطيرى اثبات العلم من خلال الروايات الكاذبة فقال:
"و من المعلوم أن السكت مقيد بالرواية والسماع :
*تخريج حديث أم سلمة الذي استدل به على سنية الوقف على رؤوس الآي:
روى الإمام أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني وأبو عبيد في فضائل القرآن و الفريابي في فضائل القرآن وابن أبي شيبة والطحاوي والبيهقي في الكبرى وفي شعب الإيمان وفي معرفة السنن والآثار عن أم سلمة [ أنها سألت عن قراءة النبي (ص)وصلاته ؟ فقالت ما لكم وصلاته ؟ كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى ثم يصلي قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا ]
واللفظ للترمذي قال الترمذي ( حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك عن أم سلمة -وقد روى ابن جريج هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أن النبي (ص)( كان يقطع قراءته ) وحديث الليث أصح )
وقال في موضع آخر ( غريب وليس إسناده بمتصل لأن الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك عن أم سلمة وحديث الليث أصح )
فهذا الحديث عمدة العلماء الذين قالوا إن الوقف على رؤوس الآي سنة فقد استدلوا بلفظ ( كان يقطع قراءته آية آية ) كما هو في بعض الروايات لكن الاستدلال بهذه الرواية من الحديث اكتنفه أمور منها الاضطراب في ألفاظها اضطرابا لا يبقى معه حجة في هذا اللفظ دون غيره مع كون مخرج الرواية واحدا ؟ فإن الحديث يدور على التابعي الجليل عبد الله ابن أبي مليكة رحمه الله تعالى وقد اختلف الثقات في ألفاظه اختلافا كبيرا يوهن الاستدلال بهذه الرواية ..
ومنها الاختلاف على ابن أبي مليكة في سنده ولذا ضعف الإمام الترمذي والإمام الطحاوي هذه الرواية كما سأبينه وأوضحه بجلاء إن شاء الله تعالى
وهنا سؤال مهم هل الوقف على رؤوس الآي سنة بإطلاق حتى وإن اشتد تعلق الآية بما بعدها ؟ وهل صحيح أن المحققين من علماء الوقف والابتداء يقولون بذلك ؟ "
وبعد أن ذكر الرواية وهم مخالفة لكتاب الله لأنه لا يمكن لمستمع أن يسمع قراءة المصلى إلا كهمهمة لأنه وسط بين الجهر والإخفاء كما قال تعالى :
" ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا"
ومن ثم لا يمكن سماعها مفسرة فى الصلاة وهى ألأساس وأما من خلال التعليم وهو تعليم الحكام فمن الممكن والرسول (ص) لم يكن يعلم فى بيته حتى تسمعه زوجته أم سلمة وإنما كان يعلم فى مكان أخر وكل من تعلم كانوا رجالا ليس منهم امرأة كما قال تعالى :
"وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ"
وتحدث عن سند الحديث فقال :
"*سند الحديث والحكم عليه:
هذا الحديث يدور على التابعي الجليل عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بحسب ما أشار إليه الترمذي رحمه الله تعالى وبحسب ما اطلعت عليه من طرقه وقد اختلف عليه فيه فرواه الليث بن سعد - وهو من الأئمة الأثبات -
عنه عن يعلى بن مملك عن أم سلمة ورواه ابن جريج عنه عن أم سلمة عن النبي فلم يذكر يعلى بن مملك ووصله بذكر أم سلمة واختلف عليه في إسناده وألفاظه وقد أعل الترمذي رواية ابن جريج برواية الليث بن سعد وقال ( إنها أصح ) كما تقدم ويضاف إلى العلة التي ذكرها الإمام الترمذي علل منها أن ابن جريج مدلس ولم يصرح بالسماع وقد وصفه جماعة بالتدليس وممن وصفه بالتدليس الإمام أحمد رحمه الله تعالى وقال ( إذا قال ابن جريج " قال " فاحذره وإذا قال "سمعت " أو " سألت " جاء بشيء ليس في النفس منه شئ )
ومنها أنه اختلف عليه في إسناد الحديث فرواه في أكثر الروايات كما ذكر الترمذي عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة بإسقاط الواسطة بين ابن أبي مليكة وأم سلمة فلم يذكر يعلى بن مملك ورواه مرة أخرى فزاد فيه ذكر يعلى بن مملك ولفظ هذه الرواية عن ابن أبي مليكة أن يعلى بن مملك أخبره ( أنه سأل أم سلمة عن صلاة رسول الله (ص)فقالت كان يصلي العتمة ثم يسبح ثم يصلي بعدها ما شاء الله من الليل ثم ينصرف فيرقد مثل ما صلى ثم يستيقظ من نومه ذلك فيصلي مثل ما نام وصلاته تلك الآخرة تكون إلى الصبح )
ولا يقال إنها رواية أخرى لأن بين الروايتين توافق واضح في الإسناد وفي المتن وليست فيما يظهر اختصارا لبعض الحديث فقط فإن فيها سؤال يعلى -وهو مقل من الرواية جدا - لأم سلمة رضي الله عنها
وأما يعلى بن مملك فهو حجازي يروي عن أم الدرداء وأم سلمة ويروي عنه ابن أبي مليكة وقال فيه النسائي ( ليس بذلك المشهور ) اهـ وذكره ابن حبان في الثقات ولم أجد فيه توثيقا عند غيره وفي ميزان الاعتدال ( ما حدث عنه سوى ابن أبي مليكة ) وفي التقريب (مقبول )
فلم يثبت فيه أكثر من رواية ابن أبي مليكة عنه ففيه جهالة وأحسن مراتبه أن يكون مقبولا إذا توبع ولهذا وصفه بذلك الحافظ ابن حجر في التقريب ورواه ابن جريج مرة عن أبيه عن ابن أبي مليكة ومرة عن ابن أبي مليكة من غير واسطة فهذا الاختلاف على ابن جريج في إسناد الحديث وأما والد ابن جريج وشيخه في هذه الطريق فهو عبد العزيز بن جريج القرشي المكي فيه ضعف فقد قال البخاري فيه ( لا يتابع في حديثه ) وذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب ( لين الحديث )
وقد اختلفت ألفاظ الحديث وقد مضى بعضها ففي رواية عن ابن جريج أن النبي ( كان يقطع قراءته آية آية ) وفي رواية ( كان يصلي في بيتها فيقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم } { الحمد لله رب العلمين * الرحمن الرحيم * ملك يوم الدين …الخ ) وفي لفظ ( كان يقطع قراءته الحمد لله رب العلمين " ثم يقف " الرحمن الرحيم " ثم يقف ) وفي لفظ ( فقطعها وعدها آية آية وعدها عد الأعراب وعد بسم الله الرحمن الرحيم آية ولم يعد ( عليهم ) وهذا اللفظ الأخير من رواية عمر بن هارون عن ابن جريج وهي طريق ضعيفة لضعف عمر بن هارون ولذا ضعفها الإمام البيهقي وابن الجوزي والذهبي والزيلعي وابن التركماني وفي بعض روايات الحديث عن ابن جريج ( فوصفت قراءة بطيئة ) وأما في رواية الليث بن سعد ( فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا ) وقد تقدمت فهذه علل أخرى تضاف إلى مخالفته لرواية الليث بن سعد فرواية الليث بن سعد أرجح كما قال الترمذي للاختلاف على ابن جريج ولأن الليث إمام ثقة ولم يختلف عليه وقد زاد رجلا في الإسناد وهو يعلى بن مملك وذلك دال على أن ابن أبي مليكة لم يسمع الحديث من أم سلمة وتجويز صاحب تحفة الأحوذي لكون ابن أبي مليكة سمعه أولا من يعلى ثم سمعه من أم سلمة بلا واسطة ضعيف في هذا الموطن لا يلتفت إليه أرباب العلل والاختلاف على ابن جريج في لفظه كبير فهذا اضطراب تضعف به رواية ابن جريج و المقصود أن في بعض طرق الحديث ما يدل على أن ابن جريج قد دلسه ولم يسمعه من شيخه ابن أبي مليكة كما أن فيها مخالفة في كثير من الألفاظ
|