العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > صالون الخيمة الثقافي

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نظرات في مقال ثقافة العين عين الثقافة تحويل العقل إلى ريسيفر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات بمقال هل تعلم أن مكالمات الفيديو(السكايب) كانت موجودة قبل 140 عام (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى بحث مطر حسب الطلب (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى مثال متلازمة ستوكهولم حينما تعشق الضحية جلادها (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال مستعمرات في الفضاء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال كيفية رؤية المخلوقات للعالم من حولها؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال حوار مع شيخ العرفاء الأكبر (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الضفائر والغدائر والعقائص والذوائب وتغيير خلق الله (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال فتى الفقاعة: ولد ليعيش "سجينا" في فقاعة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى كتاب المسح على الرجلين في الوضوء (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 12-03-2010, 10:38 PM   #1
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي لحسة طحينة -مجدي عزمي ،تعليق أحمد راشد

لحسة طحينة


مجدي عزمي

من ظلاله على أديم الأرض يمكنك أن تستدل على مواضع الشمس ، تشرق عليه الشمس ، وتتعامد ، وتغرب وهو واقف في مكانه - لا يمكنه الحراك - يبدو كمنحوته مصرية قديمة، وضعت في قسم شرطة بحي راق ٍ .
وكيف يتحرك ؟! من ذا الذي يغفل جفنه إلا بأذنه!- بالطبع هو يعي ويتذكر ما حدث مع مجند سبقه في خدمة الضابط - يوم لم تطلعه شمس ، داهمته نوبة تعنيه شديدة , فهرول لقضاء حاجته ، فكانت خطيئته لا تغتفر، أنه انصرف دون إذن، والطامة الكبرى أنه ولى وجهه شطر مرحاض كبير الضباط ، فكان جزاؤه نكالاً وتأديباً،شق له طريقاً منفياً وراء الشمس .
منذ أن سمع هذا ، قرر أنه مهما كان الخطب سيصبر ، فالبقاء تحت لفحه الشمس أفضل بأي حال من التواري خلفها ، يريد أن يمضي فترة خدمته على خير .. دون منغصات – بعد مسكن أهله في أقصى الصعيد لا يحتمل أي تأخير أو حرمان من إجازة - ولا سيما الحبس - اخذ عهداً على نفسه أن يكون أطوع للضابط من كلبه الشرطي الذي يلازمه اغلب الوقت .
وكان الأخير أكثر حظاً منه ، يلازم الضابط في غرفته المكيفة .. ممدداً أطرافه على أرضية رخامية ملساء ، بينما هو يمتطي ( بياده) يكاد عنقها يزهق أنفاسه قبل أن يصهر قدميه – صيحة نداء واحدة كفيله أن يأتيه ويلبيه قبل أن يرتد إليه طرفه .. حتى لا يحبط عمله - سمعه هذه المرة بوضوح نقر على باب غرفته الزجاجي الداكن بظهر كفه القابض على أيام أجازته خشية أن تهدر أو تتساقط من بين أصابعه – دخل راصداً مقعد الضابط خلف مكتبه لم يجده .. كان متكئاًً على أريكة ثرية أمام التلفاز تعبث أصابعه بجهاز صغير يقلب به قنوات لم يشاهدها من قبل - ويده الأخرى يحك بها سوالفه الغزيرة .
- " أوامر سيادتك " لم يرد .. ربما نسيَ ما ناداه من أجله .. أو أراده أمامه كي يتذكر شيء ما.. يكلفه به .
كانت سعادته لا توصف بمهمته الجديدة ، كانت فرصته لإثبات كفائتة ولإيمانه بالمثل القائل (طاهي السم لابد أن يذوقه ) فما بالك بحامل أطيب الطعام - كان يقف أمام البائع يملى عليه القائمة المطلوبة( نصف كباب ونصف كفته ونصف ريش - مع السلطة ) - أي سلطة ؟ - اخذ يفرغ ذاكرته من أنواع السلطات والتي لا يعرف منها سوى الطحينة، كانت أول ما طلب تعبئته من المقبلات – تمني لو يمتد لسانه ويلعق (لحسه) مما يصب في هذا الكوب الصغير ، ولكن قصر قامته لم يترك للسانه نصيب من الطول( لو نال لحسة طحينة لكان خيراً له ) - كان عقله يهذي بأماني كثيرة بخاطره - لو استطاع أن يحشر في مدخنة الشواء .. ويسقط فوق أسياخ ممدده .. تتقلب فوق النار .. طاعنه كل ما يحب ويشتهي – قطع اللحم كانت تراوده عن نفسه تارة ، وتستجير به من عذاب النار تارة أخرى – أخذ يجفف عرقه بغطاء رأسه الأسود .. بينما الآخر يسعر النار بمروحة من ريش أبيض - قطرات الدهن التي تسقط فوق الجمر كانت تعربد به ، وتنزل به أشد العذاب - أفاقه البائع من تهويم الإعياء الذي أصابه - وحمل إليه (لفه) كبيرة وأوفاه حسابه – كان غالياً .. يكفي لإطعام عائلته شهرًا من الزمان .. بلا حرمان .
عاد إلى سيده منهك القوى .. مدغدغ الأعصاب – أشتم رائحة الطعام تمني لو كان ماعرف الفطام انصرف آخذاً في يده سلسلة الكلب رابطاً إياه خارج الغرفة، كي يتسنى لسيده أن ينفرد بما ينهش على أكمل وجه .
كان يقف خلف الباب يمني نفسه بقطعة مما يشتهيه , وحمله بنفسه إلى سيده - لم يستطع أن يخفي شماتته تجاه الكلب - كان ينظر إليه بزهو – الآن هما سواسية - كلاهما يقف بالخارج تحت وطأة الشمس - كان يراقبه وهو يلهث .. يكاد يستفرغ لسانه - ((( رن جرس الضابط ))) كان بيده منشفه حينما سأله (ماذا دهاك يا دفعه) ؟ .
- أجابه مستعطفاً وهو يضم بواقي اللفه بين ذراعية ( من فضل خيرك يا باشا ).
- في لهجة آمره ( أخرجها للكلب .. واحرص على تنظيف المكان بعد أكله ).
بعدما أفنى الكلب كل ما تبقى من لحم وعظم - أخذ يلملم بواقي اللفه – سقطت منها علبة بلاستيكية بيضاء محكمة الغلق .. كما أخذها من البائع – من حسن حظه .. أن كلاهما لا يشتهيان الطحينة .. ( الكلب .. والباشا )


http://magdyzone.blogspot.com/2008/03/blog-post.html
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 12-03-2010, 10:39 PM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي أحسنت يا صديقي العزيز

يكستب هذا العمل قيمة كبيرة من حيث هو تعبير عن وجه من وجوه الظلم الاجتماعي والتسلط المتواري خلف مجموعة من الصلاحيات المطلقة المستغلة والموجهة في طريق لا يخدم الهدف الأساسي من السلطة وهو حفظ المصلحة العامة .
والعمل حيث يتناول قضية تتعلق بالكثير من الفئات العاملة في المجال الأمني والعسكري بشكل أعم فإنه لا يتاول إشكالية الظلم وسوء استغلال وتوظيف هذه الكوادر والتي هي في النهاية عناصر بشرية لها حقوقها المستمدة من القوانين السماوية ثم الأرضية فحسب، بل يتناول قضية في غاية الأهمية وهي قضية الفساد الإداري، فالذي يستطيع أن يلمحه القارئ بين ثنايا هذه الأسطر تساؤل عن كفاءة هذه الأجهزة وقدرتها الحقيقية على التعامل مع القضايا المنوطة بها وقدرتها على تحقيق الأمن والنظام . وهذا التناول يجعل قضية الفساد إحدى القضايا المطروحة على ساحة العمل الأدبي ، ولكن بطريقة تتيح للكاتب التفرد عن أعمال أخرى من خلال الأساليب الفنية والأدوات الخاصة التي جعلت للسخرية دورًا فاعلاً في تعميق هذه المأساة . بل ويمكن القول إنه تطرق بشكل غير مباشر إلى قضية أخرى وهي (التمرد ) باعتبارها واحدة من أخطر القضايا التي تواجه النظام الأمني و الإداري وليس التمرد هنا عملية اختراق لقوانين أمنية ولا أعراف عسكرية وإنما التمرد المقصود هو الاضطرار تحت وطأة ظرف استثنائي إلى الحصول على واحد من أبسط حقوق الإنسان في الحياة وهو (قضاء الحاجة) ويتمثل ذلك في العقاب الذي ناله المجند السابق جراء اجترائه ودخوله مرحاض" كبير الضباط ".
وإلى ذلك كان التناول الأدبي مؤكدًا على بعض القيم والتي تتخذ منحى (اللمس) والإشارة غير المباشرة وذلك من خلال بعض التعبيرات التي وظفت في سياقات متناسقة لتؤكد على عمق المعاناة الإنسانية مثل "منحوتة فرعونية" والتي هي إشارة إلى استمرار النظام الإداري والسياسي على الشاكلة القديمة .
ولقد كان التعبير عن هذه المأساة من خلال الأسلوب الساخر متقنًا في إظهار التناقض في بين الإنسان والكلب ، إلا أن قمة هذا الأسلوب الساخر تتجلى في السطر الأخير حيث يلجأ الكاتب بعبقرية شديدة إلى إظهار هذا التناقض الذي امتد إليه هو الآخر في تفضيل الكلب وسبقه كلمة الباشا وهنا تأتي المعادلة الصفرية حيث تتساوى قيمة الطرفين الضابط والعسكري في مواجهة الكلب !
ولا أجد بعد ذلك ما يمكن فعله غير الدخول إلى العمل والتعليق عليه جزئية جزئية في ضوء معرفتي المحدودة بجوانب تقييم العمل الأدبي .


***

من ظلاله على أديم الأرض يمكنك أن تستدل على مواضع الشمس ، تشرق عليه الشمس ، وتتعامد ، وتغرب وهو واقف في مكانه - لا يمكنه الحراك - يبدو كمنحوته مصرية قديمة، وضعت في قسم شرطة بحي راق ٍ .
أول ما تلتقطه العدسة في هذا المشهد هو الجندي الواقف تحت ظلال الشمس ، والبدء بهذه الصورة جاء ليلغي جميع التفاصيل المكانية المحيطة ليجعل الصورة الأولى هي الصدمة ممثلة في الجندي الواقف تحت الشمس ، والبدء بهذ المشهد جاء ليؤكد القضية المركزية وهي الإنسان ، محور العمل كما هو محور سقوط ضوء الشمس ! ويبدو عنصر الإضاءة المتمثل في صورة الشمس متسقًا من حيث طبيعة الوهج ودرجة الألم مع الحالة النفسية للجندي . هذا التناسق بين عنصري الصورة والحالة النفسية للجندي –والذي يتوحد الكاتب فيه أحيانًا –جعل نقطة البدء والتي هي في غاية التكثيف مثار تساؤ حول العديد من أوجه الظلم الاجتماعي في دولة لم تستمد من نظامها القديم غير الفرعونية .
السخرية كانت متخذة أسلوبًا يسميه القدماء التشبيه البليغ وهو عكس المشبه والمشبه به ، حتى صار الجندي أشد سخونة من الشمس من كثرة تعامدها عليه ، ويبرز هذا التعبير عنف الحالة والقسوة الاجتماعية ، كما أن القارئ قد يرى الجندي رمزًا للإنسان المصري ، إذ تشرق شمس نظام وتغرب وما زال هو لم يتغير (كمنحوتة مصرية قديمة ).
عنصر النحت أضاف صورة رائعة تبرِز الألم واستقرار الجرح في النفس ، فكان ثمة تساوق وتناسق بين الجانب المعنوي المحسوس والمادي الملموس .وإذا كان هذا بحي راق ، فكيف يكون الوضع في الأحياء الشعبية ؟!إنها تساؤلات مشروعة حول حقوق الإنسان في أماكن يفترض أنها أكثر رقيًا ، والحي الراقي يمكن أن يتخذ –بغير قصد الكاتب- دلالة يمكن سحبها على دول العالم المتقدمة . فكما يبدو الجندي كمنحوتة فرعونية يبدو المواطن المصري كائنًا معذبًا حتى في البلاد الراقية .
وكيف يتحرك ؟! من ذا الذي يغفل جفنه إلا بأذنه!- بالطبع هو يعي ويتذكر ما حدث مع مجند سبقه في خدمة الضابط - يوم لم تطلعه شمس ، داهمته نوبة تعنيه شديدة , فهرول لقضاء حاجته ، فكانت خطيئته لا تغتفر، أنه انصرف دون إذن، والطامة الكبرى أنه ولى وجهه شطر مرحاض كبير الضباط ، فكان جزاؤه نكالاً وتأديباً،شق له طريقاً منفياً وراء الشمساتخذ النص طريقه بطيئًا نحو الحدث والذي لا يراد الكشف عنه مرة واحدة للتشويق وكان السرد أيضًا مميزًا وارتفاع نبرة السخرية في حالة تتماشى مع ارتفاع حرارة الشمس كان موفقًا في تصوير عمق المأساة ، وذلك من خلال التناص مع الآيات القرآنية ورغم تحفظي على استخدام هذه الألفاظ إلا أنها جاءت لتؤكد معنى آخر وهو (قدسية ) هذا النظام والعاملين عليه وذلك في العبارات الملونة باللون الأحمر . وكانت السخرية بالغة درجة الكوميدية في المشهد المضحك المبكي وهو قضاء الحاجة في مرحاض الضابط الأكبر ، وهنا يجد القارئ تغليفًا جيدًا وتصريفًا رائعًا لكل المشاهدات ، فالكاتب يفلسف المرحاض بأنه شيء يكتسب هالة من القداسة لقداسة الضابط .
وأنا أرى أن هذا الاستعمال والتناص مع النصوص القرآنية في غير موضعه من الناحية الشرعية وقد يعطي الانطباع باستهزاء الكاتب بهذه الآيات القرآنية، رغم أنه أبعد ما يكون عن ذلك .فالمبدع لا يصح أن يكسر القواعد الدينية والتي تكتسب أهميتها من أنها قواعد سماوية ليست أرضية قابلة للنقاش .

"شق له طريقًا منفيًا وراء الشمس"
كان فيه المفارقة بين المحسوس والملموس ، فالجو لا يمكن أن يشق لكن من شدة قسوة وهمة النظام في القسوة شقوا الفضاء كأنها طرق برية . لكن لا أستطيع استيعاب دلالة " طريقًا منفيًا ".هل هي كناية عن المبالغة في التنكيل حتى أن الطريق نفسه نفي ؟ لا أظنه تعبيرًامستساغًا .


منذ أن سمع هذا ، قرر أنه مهما كان الخطب سيصبر ، فالبقاء تحت لفحه الشمس أفضل بأي حال من التواري خلفها ، يريد أن يمضي فترة خدمته على خير .. دون منغصات – بعد مسكن أهله في أقصى الصعيد لا يحتمل أي تأخير أو حرمان من إجازة - ولا سيما الحبس - اخذ عهداً على نفسه أن يكون أطوع للضابط من كلبه الشرطي الذي يلازمه اغلب الوقت


أشعر بأن أسلوبك انسيابي يأخذني لقراءة ما كتبته دون الشعور بالفجوة أو الملل رغم اختفاء الحدث طيلة هذا الوقت ، إلا أن كل هذا التأخير كان بمكانة الخلفية التي يقف عليها هذا الحدث الأليم ،والتعبير كان فاعلاً للغاية ومعمقًا المعنى الذهني للعقاب من خلال التعبير: فالبقاء تحت لفحه الشمس أفضل بأي حال من التواري خلفها
إذ أن الشمس طيلة هذا العمل لا تتخذ دلالة رمزية للضوء وإنما للعذاب وهنا كان توظيف الرمز جيدًا في العمل الأدبي .وفي رأيي أنك كشفت أو حرقت مفاجأة كانت بالانتظار لو أنك تريثت قليلاً لكان خيرًا عندما قلت : أخذ عهداً على نفسه أن يكون أطوع للضابط من كلبه الشرطي الذي يلازمه اغلب الوقت" لو تركتها للقارئ يكتشفها بنفسه لكان أفضل .. رأيي.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 12-03-2010, 10:40 PM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

وكان الأخير أكثر حظاً منه ، يلازم الضابط في غرفته المكيفة .. ممدداً أطرافه على أرضية رخامية ملساء ، بينما هو يمتطي ( بياده) يكاد عنقها يزهق أنفاسه قبل أن يصهر قدميه – صيحة نداء واحدة كفيله أن يأتيه ويلبيه قبل أن يرتد إليه طرفه .. حتى لا يحبط عمله - سمعه هذه المرة بوضوح نقر على باب غرفته الزجاجي الداكن بظهر كفه القابض على أيام أجازته خشية أن تهدر أو تتساقط من بين أصابعه – دخل راصداً مقعد الضابط خلف مكتبه لم يجده .. كان متكئاًً على أريكة ثرية أمام التلفاز تعبث أصابعه بجهاز صغير يقلب به قنوات لم يشاهدها من قبل - ويده الأخرى يحك بها سوالفه الغزيرة .
هنا ننتقل إلى حالة زائدة نوعًا ما من المباشرة لكنها على أي حال مباشرة في صالح النص وبدأت تصنع الدراما من هذه التناقضات بين الكلب( الملازم)للضابط والجندي أو العسكري الذي يقف بالخارج تحت لفحة الشمس ، عمومًا كان هذا عنصرًا فاعلاً ومبررًا منطقيًا للنهاية وأشعرني أنه مرسوم بدقة أي أن الكلب والضابط رفيقي درب مما يؤكد معنى الضباط ووصفهم الصادق بالكلاب لدى كثير من الناس لاسيما الذين ذاقوا(عضتهم) .
التعبير" يحبط عمله" كان جيدًا متناسبًا مع جو الموقف دون تجاوز وهو استخدام جيد للاقتباس القرآني . اللغة المجازية والتعبير الرائع "القابض على أيام أجازته" كان في صالح النص إذ أن القضية التي ينافح عنها ويتحمل العناء من أجلها هذا الجندي واضحة للغاية ، وهذا جعل للحدث والعناصر الفاعلة في تحريكه منطقية كبيرة في سيرها على هذا المنوال .
مرة أخرى يبرز عنصر الشمس بدلالة هي الأعنف ، وهي الدليل على الفساد وعدم الاكتراث ، فرغم أن الوقت في وضح النهار إلا أن السيد الضابط ما زال في الغرفة المكيفة لا يفعل أي شيء غير التلفاز والسوالف ..
إن هذا هو وقت الذروة الذي تتراكم فيه الأوامر والشكاوى والمشاكل والتي يكون العاملون فيها في أقصى انشغال لهم . إنه من الممكن أن يكون هذا الحال مقبولاً عندأفول الشمس أو انتصاف الليل ، لكن الحنكة في الرصد أتت على هذا الملمح بشكل فريد لم تكتف بالفساد كظاهرة واجب محاربتها وإنما أيضًا الإهمال إذ أن من أبجديات العمل الشرطي االانضباط في الملبس والشكل وهذه السوالف دليل إهمال واستهتار بأخلاقيات العمل . إن عنوان الشرطة نفسه صار مصدر سخرية وهنا يكون الألم إذ أن النظام الأمني شكلاً ومضمونًا يعاني هذا التدهور .
في ظل هذه الدراما التي تتخذ الشكل الساخر أداة لها كان التعبير الكاريكاتوري رغم إضحاكه مشعرًا بحالة البؤس التي يعانيها ليس وحده ، وإنما عشرات ومئات وقد يكون ألوفًا من
العاملين في نفس مجال الخدمة . هذه الصورة :
كانت أول ما طلب تعبئته من المقبلات – تمني لو يمتد لسانه ويلعق (لحسه) مما يصب في هذا الكوب الصغير ، ولكن قصر قامته لم يترك للسانه نصيب من الطول( لو نال لحسة طحينة لكان خيراً له )
إ نه الحرمان المتبّل بأقصى درجات الاستعباد ، وكان عنصر المبالغة فاعلاً في توصيل قتامة الصورة وبؤسها ودافعًا إلى التعاطف مع محور من محاور العمل .
ورغم المباشرة في هذا التعبير :
لم يستطع أن يخفي شماتته تجاه الكلب - كان ينظر إليه بزهو – الآن هما سواسية - كلاهما يقف بالخارج تحت وطأة الشمس
إلا أنها كانت مشعرة بالمفارقة إذ يصير هذا الكلب مثار شماتة إنسان ، ويا بؤس التناقض .
لكن هذ االتعبير كان مبالغًا فيه تقريريًا باعثًا على استنكار القارئ العادي :
يكفي لإطعام عائلته شهرًا من الزمان .. بلا حرمان
إن كيلو الكباب والكفتة أوغيرها يبلغ 100 جنيهًا ولو بلغ 200 جنيهًا، فليس هذا المبلغ ليكفي فردًا لمدة أسبوع فضلاً عن أن يكفي أسرة لشهر بحاله.السخرية كانت أبعد مما يجب والتقريرية كانت كذلك مقحمة .
" ماذا دهاك يا دفعه؟"
في هذا الجزء أدى السؤال حالة من الأسى والضيق تصنعها بلادة الحس لدى هذا الفصيل من الأمنيين ، فرجل الشرطة –لأنه في المكيف – لا يعرف حال الجندي حتى يسأله هذا السؤال ،وهنا يكون السؤال مؤديًا أدوارًا لا تؤديها الكلمات والشعارات ، وهومن أكثر الأجزاء نجاحًا.
لاحظ أخي العزيز أن الرمز يتسق مع كونه حالة تعدو الحالة الفردية لتكون تعبيرًا عن دول العالم المتقدمة (الضابط) والدول النامية(الجندي)والموارد(الكباب \ الطحينة)وهذا عنصر يبنغي أخذه في الاعتبار وهو ازدواجية الدلالة .
في لهجة آمره ( أخرجها للكلب .. واحرص على تنظيف المكان بعد أكله ).

إنها أجزاء موضوعة بمسطرة بل بترمومتر دقيق ، فلا يكتفي الضابط باللهجة الآمرة وإنما المأساة في الحرص على التنظيف . إن ذكر الكلب يعني أن للكلب دلالة وقيمة عند هذا الضابط لذا قال للكلب ولم يقل أخرجها له أو أخرجها .. وإنما تخصيص الكلب جاء لتوضيح الهدف (ووجه التشابه ....سبحان الله !) والموقف لعبتَ فيه على عنصر الدراما من خلال التناقض المضحك المبكي ، فالتخيل الذهني لصورة الجندي وهو يحاول احتضان القطعة في غاية الإضحاك لكن حينما تعرَف الخلفية التي ارتكز عليها هذا الحدث يتغير الانفعال .

بعدما أفنى الكلب كل ما تبقى من لحم وعظم - أخذ يلملم بواقي اللفه – سقطت منها علبة بلاستيكية بيضاء محكمة الغلق .. كما أخذها من البائع – من حسن حظه .. أن كلاهما لا يشتهيان الطحينة .. ( الكلب .. والباشا )

هنا كانت النهاية مدهشة رائعة للغاية وأحدثت النهاية أثرًا في القارئ إذ أن ضمير المتكلم وظف السخرية من الجندي طيلة العمل لكن جاءت النهاية في اتجاه آخر إذ مزجت بشكل متقن بين كل من الكلب والباشا ، وتقديم كلمة الكلب كان دليلاً على تقديم الكلب في خبيئة الكاتب على الباشا ، كما أن الكلب في نفس الضابط كان مقدمًا على الجندي .
هنا يعلو صوت السخرية إذ أن الإنسان في كل حالة هو الأدنى .. إنها رؤية لا يكون من التجاوز القول إنها عالمية جعلت الكلب \المادة مفضلة على الإنسان وباسمها انتهكت حقوق الإنسان .
لله در هذا العمل وما فيه من عناصر ويكفي أن العمل يمكن تحويله إلى عمل كوميدي صرف أو درامي صرف وهذه الثنائيات (الجد –الهزل ، المحلية –العالمية، المباشرة – الرمز ) كلها تجعل للعمل قيمة عبر التاريخ لا تنتهي .ووجود نقطتين بين الكلب .. والباشا لها دلالتها والتي يكون فيها الكلب مفضلاً (مرتين) عن الضابط وتفيد توكيد المعنى وهو الترتيب والتراخي أي الكلب ثم الباشا ، فهاتان النقطتان قامتا بأداء وظيفة حرف العطف ثم وجمدت الأداة الواو العاطفة ، وهذا شكل من أشكال جدلية الحداثة فلسفة النحو في العمل الأدبي
أحسنت ووفقك الله ودمت مبدعًا دائمًا .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 15-03-2010, 02:59 PM   #4
خاتون
مشرفة سابقة
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2006
الإقامة: المغرب
المشاركات: 489
إفتراضي

لغة جميلة حقا
وتصوير دقيق لمشهد صار اعتياديا في الدوائر العربية

اختيار موفق كالعادة

تحية وتجلة
خاتون
خاتون غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .