قراءة في كتاب البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان
قراءة في كتاب البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان
المؤلف عبد الله بن عبد الرحمن السعد والكتاب يدور حول حرمة الاستعانة بغير الله فى الدعاء وفى هذا قال في مقدمته :
"أما بعد:
فإن مما انتشر بين الناس وذاع، دعاء غير الله -سبحانه وتعالى- فيما لا يقدر عليه إلا الله -عز وجل- في قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وشفاء الأمراض، ورزق الأولاد، وهذا لا شك أنه محرم في دين الإسلام، بل هو من دين الجاهلية ومن الشرك بالله -عز وجل-."
ثم بعد ذلك حدثنا عن الأدلة العشرة على بطلان دعاء غير الله فقال :
"والدليل على بطلان ذلك من عشرة أوجه:
الوجه الأول: أن الله -عز وجل- نهى عن دعاء غيره، فقال لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين) وقال عز وجل: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) وقال تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا) والآيات في هذا المعنى كثيرة"
والآيات التى استشهد بها ليست في الدعاء بمعنى الطلب من الله وإنما الدعاء هنا بمعنى بمعنى العبادة وهى الطاعة بدليل قول الله في نهاية إحداها" وكانوا بعبادتهم كافرين"
ثم قال :
الوجه الثاني: أن الله -عز وجل- أمر بدعائه وحده دون ما سواه.
فقال: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) وقال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)
وقال تعالى:: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون) أي: هل هناك مع الله أحدا يستطيع ذلك سواه؟!! الجواب: لا، بل هو المتفرد وحده بذلك.
وقال تعالى: (قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون)
وقال تعالى: (هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين)
وقال تعالى: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين) "
والآيات المستشهد بها هنا كلها عدا واحدة في الدعاء الطلبى وأما بقيتها فالدعاء فيها بمعنى العبادة وهو الطاعة والواحدة هى آية الاضطرار
ثم قال :
"وروى الترمذي بإسناد جيد من حديث قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا غلام إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف". قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
الوجه الثالث: أن الله -عز وجل- قد بين في كتابه العظيم أن من دعا غيره -تعالى- فقد وقع في الكفر والشرك بالله -عز وجل-"
والحديث صحيح المعنى عدا العبارة الأخيرة لأن الكتابة مستمرة في الدنيا كما قال تعالى :
" ورسلنا لديهم يكتبون"
فالأقلام لم ترفع ولم تجف الصحف
ثم قال :
فقال تعالى: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) فمن فعل ذلك فهو من الكافرين كما في الآية الكريمة.
وقال تعالى: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) فبين -عز وجل- أنه لا أحد أظلم ممن دعا غير الله.
وقال تعالى: (قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا) أي: لا أشرك به في دعاء غيره من المخلوقين."
والآيات المستشهد بها تعنى العبادة وهى الطاعة وليس طلب أشياء بدليل انتهاء إحداها بكفر الآلهة بعباد تهم المزعومة وبدليل جعل الشرك مقابل الدعاء والشرك هو طاعة غير الله وهو الشركاء مع الله
ثم قال :
"الوجه الرابع: أن الله -عز وجل- بين أن الخلق مهما بلغوا من المكانة عنده، فهم لا يقدرون على شيء، إلا ما أقدرهم عليه، وأنهم فقراء إليه، وأنهم بشر مثلهم ويعتريهم ما يعتري البشر، فيأكلون ويشربون ويمرضون ويموتون.
فقال تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) وقال تعالى عن موسى عليه السلام: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) وقال تعالى عن إبراهيم -عليه السلام-: (وإذا مرضت فهو يشفين)
وحكى عن عيسى -عليه السلام- وأمه أنهما كانا يأكلان الطعام، فقال: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا ياكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون) وقال: (قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا) وقال: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم لياكلون الطعام ويمشون في الأسواق)
وقال عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (إنك ميت وإنهم ميتون) وقال: (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا، إلا أن يشاء الله) وقال: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)
بل أخبر تعالى أن بعض الأنبياء قد قتله قومه، فقال: (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون)
فالذي نصل إليه: أن الدعاء لا يكون إلا له -سبحانه وتعالى-؛ لأنه هو الرب القادر على كل شيء، والمتفرد بذلك دون من سواه من الخلق.
قال تعالى: (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين) وقال: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) وقال: (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما) "
ولا شك في افتقار الخلق لله وأما أنهم لا يقدرون على شىء فهؤلاء هم الأموات وأما الأحياء فهم يقدرون على ما يقدرهم الله عليه ومن ثم صحت استغاثة الإسرائيلى بموسى(ص) وهو طلبه النصر على الذى من قوم فرعون وهو قوله تعالى :
"فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه"
ومن ثم أباح الله اغاثة الملهوف من قبل الأحياء ومن ثم فأى دعوة من مسلم أو غير مسلم للمعاونة وهى الاغاثة هى من قبيل طاعة الله لقوله تعالى:
"وتعاونوا على البر والتقوى"
وبالقطع طلب أمور محالة على البشر من قبل بشر كالانجاب أو الشفاء هو المحرم وأما طلب الأمور التى يقدر البشر عليها فمباحة وهى من ضمن طاعة الله
ثم قال :
الوجه الخامس: أن الله -عز وجل- أخبر أن الأنبياء والرسل الكرام -عليهم الصلاة والسلام- والصالحين من عباده، بل والملائكة، أنهم لا يدعون غير الله -عز وجل- في جميع أمورهم ومختلف أحوالهم، فالواجب اتباعهم والاقتداء بهم.
فقال -تعالى- عن نبيه يونس -عليه السلام- لما كان في بطن الحوت: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)
وقال عن زكريا: (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين، فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين)
وقال تعالى عن نبيه أيوب إذ دعاه، فقال: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين)
وقال تعالى: (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم) "
وما قاله السعد يثبت ما قلناه عن شفاء الأمراض والانجاب رغم انعدام طرقه وهو أن الأمور المحالة عند البشر هى التى تطلب من الله وأما الأمور التى يقدر البشر عليها فتطلب من البشر بناء على قوله " وتعاونوا على البر والتقوى"
ثم قال :
وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد" فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك، فخرج وهو يقول: "سيهزم الجمع ويولون الدبر".
|