لا ينهض الشعب إلا حين يدفعه *** عزم الحياة ، إذا ما قامت فيه
هكذا قال أبو القاسم الشابي ، و هكذا صدقه الشعبان التونسي و المصري . أدرك الشعبان أخيراً أنهما لم يكونا في حالة حياة ، و لا موت بطبيعة الحال ، بل كان يعانيان مرضاً اتضح أنه ليس بالعضال ، مرض اسمه ( الدكتاتورية المستبدة ) . شكراً لشعب تونس ، شكراً لشعب مصر ، شكراً لمن أسقط صنم ( الرئيس الزعيم القائد الملهم المفدى ..... إلخ ) شكراً لمن حطم أساطيراً استقرت في وعي الأمة لعقود على أنها مسلمات أو حقائق بديهية ، سقطت أسطورة الشعب المستكين الذي يخشى الحراك و يخذل كل من يطالب بحقه ، سقطت أسطورة النظام الأمني المخابراتي الحديدي الذي لا يقهر . أدرك التونسيون و المصريون و علمونا أن هذا ليس وقت المطالبة بالحقوق من أنظمة قامت أساساً على انتهاك الحقوق ، بل هو وقت إسقاط هذه الأنظمة لانتزاع الحقوق .
ان الشعوب لم تختر الخروج للشوارع من أجل الإحتجاج والمطالبة بالتغيير عبثا،بل بعدما ضاقت من السياسات المعتمدة من طرف الحكام والتي أنتجت فقرا مدقعا ،وتكريس وجوه في مناصب وغياب فرص التكافؤ بين عموم الشعب ،وإستفحال ظاهرة البطالة وعدم توفر أدنى شروط الحياة الكريمة من سكن ،تعليم ،صحة...
إن الدرس الحقيقي الذي يجب إستخلاصه وأخده بعين الإعتبار أن زمن الدكتاتورية والقمع قد ولى إلى غير رجعة،كما أن سياسة الشعارات الجوفاء ووضع المساحيق لم تعد مقبولة،حيث أصبحت الشعوب العربية لا تقبل أقل من الديمقراطية الحقيقية كمطلب أساسي وضروري لا يمكن التنازل عليه.
كما أن القيادات الجديدة ستكون في موقع لا تحسد عليه ،فهي مدعوة للإستجابة للمطالب الشعبية الملحة وتدارك الخصاص الحاصل وردم الهوة التي خلفتها السياسات المتعاقبة خلال عقود.
كما أن الثقة التي ستمنحها الشعوب ليست منذ الآن شيك على بياض ،حيث أصبحت ستكون محطة مساءلة في أي وقت وحين،وبالتالي فعلى المسؤوليين الجدد مسارعة الزمن من أجل تحقيق العديد من المكاسب لفائدة شعوبهم ،ولن يتأتى ذلك إلا من خلال التشبع بقيم الديمقراطية والتعددية الحقيقية والتوزيع العادل للثرواث وتحقيق شروط العيش الكريم.