العودة   حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة بـــوح الخــاطـــر > خيمة كتاب روائـع الخـواطر

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية على المريخ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث العقد النفسية ورعب الحياة الواقعية (آخر رد :رضا البطاوى)       :: خوارزمية القرآن وخوارزمية النبوة يكشفان كذب القرآنيين (آيتان من القرآن وحديث للنبي ص (آخر رد :محمد محمد البقاش)       :: نظرات في مقال السؤال الملغوم .. أشهر المغالطات المنطقيّة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة فى مقال البشر والحضارة ... كيف وصلنا إلى هنا؟ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال التسونامي والبراكين والزلازل أسلحة الطبيعة المدمرة (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في مقال الساعة ونهاية العالم (آخر رد :رضا البطاوى)       :: عمليات مجاهدي المقاومة العراقية (آخر رد :اقبـال)       :: نظرات في مقال معلومات قد لا تعرفها عن الموت (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 24-12-2009, 11:32 PM   #61
إيناس
مشرفة بوح الخاطر
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
المشاركات: 3,262
إفتراضي

شقاء السعادة


11)

أكملت أم صابر إحماء الفرن لتبدأ بالخَبْز، بعد أن ألقمته كميات كافية من العيدان الجافة، وبعض أقراص (الجلة)، وهي تعلم أن بعض النسوة من الجارات ستأتي لصنع الخبز، كونهن لم يبق عندهن من (وقيد) وقدرة كافية لاستمرار ودوام تجهيزهن لمثل تلك الأفران.


لم تكن متعة النسوة في تجهيز الخبز فقط، بل كانت لتتبادل الأخبار الطازجة، فكل جارة لها جارة والجارة الأخرى جارة، وكل جارة لديها خبر، فتتصل الأخبار ببعضها كاتصال (روجات) ماء في بركة أُسقط بها أحجار في أمكنة متباعدة منها.

سياج دار (أبي صالح) تهدم (كَرَع) من أثر الأمطار.
عجلة أم ابراهيم نفقت.
سُرِق ثلاثة أزواج من أفراخ الحمام من دار بهلول.
تخاصم أولاد بركات على توجيه مياه الأمطار لآبارهم.
تسمم عائلة (عوفة) بعد أن تناولوا طعاماً كان محفوظاً بإناء نحاسي غير (مُبيض).
أصبح الشيخ عليان مصاباً بإسهالٍ وحمى شديدة... (شكله مَوَات).

دخل عكرمة الى غرفة الفرن، وجلس الى جانب أمه، وكانت تعرف ماذا يريد، فكان يأتي ليأكل رغيف (كماج) ساخن وعليه قطعة من زبد البقر وترش فوق الزبد قليلاً من السكر، فبادرت لصنع رغيفه، وناولته إياه، فجلس ينعم بدفء المكان ولذة طعام الإفطار.

(12)

التقى صابر أستاذ التاريخ في مدرسة البلدة، في دكان احمد الرشيد، حيث كان يقضي الرجال معظم أوقاتهم بعد العصر في الدكاكين أو على قارعات الطرق، فوق أحجارٍ ثبتت لذلك الغرض.

كانت دكان أحمد الرشيد رغم مساحتها الضيقة التي لا يزيد طول ضلع مربعها عن أربع خطوات، مقسمة الى قسمين يفصلهما حاجز خشبي منتصب في الوسط، وضع عليه ميزانٌ ذو كفتين، وبعض أوعية الحلويات الشعبية، ونصفه الداخلي تم نصب رفوف من الخشب وضع فوقها أوعية زجاجية تحوي حاجات أهالي البلدة التي بَخنها جيداً احمد الرشيد.

أما النصف الخارجي من جهة الباب، فكان به بعض الأكياس التي يوضع بها الشعير والقمح والعدس، ليس كسلعٍ للبيع بالدرجة الأولى، بل كمكان لوضع أثمان المبيعات، فقد اعتاد الأهالي أن يشتروا بضائعهم بالحبوب أو بالبيض، ونادرا ما يستعملون النقود لأداء الأثمان.

وكان في أحد جوانب الجزء الخارجي (دكة) أو (مصطبة)، يتمدد فوقها صاحب الدكان عندما لا يكون لديه عمل أو زوار، وعندما يأتي الزوار يجلسون فوق المصطبة، لا يتحرجون من شيء، طالما أنها عادة!

على جانبي باب الدكان ثُبت بعض الأوتاد لتعليق المكانس والغرابيل وأدوات نخل الطحين، وقلائد (الدنيدلة: نبات يجمع بالربيع ويجفف ليستخدم في الطبخ)، وبعض ربطات الثوم، ولجامات الخيول وبعض الحبال. أما في أوسط الدكان فكان يتدلى شريط لاصق للإمساك بالذباب الذي كان يحوم فوق أواني الحلوى.

(13)

سأل صابر، أستاذَ التاريخ عن الأشياء التي سألها لوالده، والتي لم يُجب عنها كلها، فأراد مطابقة المعرفة الشعبية بالمعرفة العلمية المدونة.

تطابقت الأجوبة العلمية مع الشعبية فيما يخص الصليب والزبيب والمربعانية، والصفاري والبرق البانياسي، لكن فيما يخص (أُلقحت الأرض)، التي لم يجب عنها أبو صابر، قال أستاذ التاريخ: أن معارف أهل تلك المنطقة موغلة في القدم، ومن تلك المعارف ما لم يتم تدوينه، بل انتقل من جيل الى جيل بالمشافهة.

فقد كان السومريون والبابليون يعتقدون أن السماء ذكر والأرض أنثى، وكان المطر هو من يلقح الأرض ويخصبها لتعطي ثمارها.

استوقفه صابر: وهل أهل تلك البلدة على دراية بما كان يعتقد السومريون والشعوب القديمة؟
ـ نعم ليس السومريون وحدهم، بل والفراعنة والكنعانيين والحثيين.
ـ معقول هذا؟ وكيف؟
ـ لو تأملت الأمثال التي يرددها الفلاحون في تلك المناطق لتيقنت مما أقول.
ـ كيف؟ أي أمثال؟
ـ هناك مثلٌ يقول: (في مشير يتساوى اللوكسي والعفير)، فالعفير هو ما يزرع مبكرا، واللوكسي هو ما يزرع متأخراً، ومشير عند الفراعنة هو آذار/مارس عند سكان بلاد الشام، ومع ذلك لا زال المثل يقال كما كان في الأصل. ويعني المثل ما تمت زراعته مبكراً أو متأخراً سيتساوى في نموه في مشير.
ـ والكنعانيون، أين آثارهم بما نحن في صدده؟
ـ الزراعة البعلية أي المطرية، فكان الكنعانيون، والحثيون، يعتقدون أن بعل هو إله المطر وهو المسئول عن نجاح أو فشل الزراعة، في حين تُسمى تلك النوع من الزراعة التي لا تعتمد على جر المياه بالسواقي، في العراق بالديمية نسبة الى أديم إله المطر في بلاد ما بين الرافدين.

جاء عكرمة لينادي على أخيه صابر ليذهب للدار حيث أمره أبوه بذلك.

__________________
__________________

Just me

إيناس غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 24-12-2009, 11:34 PM   #62
إيناس
مشرفة بوح الخاطر
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
المشاركات: 3,262
إفتراضي

شقاء السعادة



(14)

بعد مرور ستة أيام على انهمار الأمطار بتواصل شبه مستمر، بلغ مدير المدرسة المعلمين بأن ينهوا تساهلهم وتسامحهم مع التلاميذ المتغيبين في البلدة، وكانت تلك الصلاحيات تُعطى لمدراء المدارس في المناطق الريفية كونهم أكثر قدرة على التعامل مع الظروف المحيطة.

لم تكن طرقات البلدة مستقيمة، ولا مُعبدة، بل تتعرج مع تعرج جدران المنازل التي كان يتم إكمالها على مراحل لتكون طرقات ملتوية يصعب على المساحين رسمها دون الاستعانة بتصوير جوي!

كانت حوافر حيوانات العمل وأقدام المواشي تفعل فعلها في خلط المياه مع الطين ومخلفاتها، فتصبح الطرقات معها وكأنها نماذج مصغرة لمستنقعات في بلاد مطيرة، ولم ينقصها سوى نماذج مصغرة عن تماسيح.

لم يكن باستطاعة عكرمة أن يسير بمحاذاة أترابه في الحي في الذهاب للمدرسة، كما اعتادوا في الأيام الخالية. كان عليهم أن يسيروا كأفراد قطعان النو التي تقطع الأنهر في إفريقيا في رحلاتها، فيتقدم تلميذٌ شجاع في القفز أمام أصحابه واضعا إحدى قدميه على جزء لم تطأه أقدام الحيوانات، ثم ينتقل بخطوة أوسع نحو حجر مرتفع ليقي ثيابه من بلل الطرقات، ويتبعه التلاميذ الآخرون، إن رأوه قد نجح في مسيره، وفي بعض الحالات كانت إحدى قدمي التلميذ المقدام تنزلق فيسقط التلميذ على جانبه لتنطلي ملابسه بطين بلون التراب والسماد والماء، فيعود لبيته لاغياً يومه الدراسي.

يتغيب بعض التلاميذ عن الدراسة في مثل تلك الأيام، ليس بسبب كراهيتهم للدراسة، بل بسبب عدم توفر ما ينتعلونه من أحذية يستطيعون التغلب فيها على مصاعب الطرقات. ولم يكن حظ عكرمة أفضل كثيراً من حظوظ أترابه، بل كان لديه (جزمة) من (الكاوشوك) تم شرائها قبل سنتين، حيث كان الآباء يشترون لأطفالهم مثل تلك الأحذية لتخدمهم سنتين أو ثلاثة، فيشترونها بأحجام كبيرة لتستوعب أقدام الأطفال التي كانت تنمو بمعدلات تفوق نمو أجسامهم، كونها حافية راكضة في أغلب الأحيان.

ولأن عمر الحذاء طويل وسعته أكبر من القدم، فكان ينشق شقاً طولياً من الجهة السفلى الخلفية للقدم وبطول إصبع، فإن لم ينتبه الطفل في سيره فإن سيعاني من برودة الماء والطين التي ستنفذ من خلال الشق وتستقر أسفل القدم العارية (دون جوارب) طيلة اليوم، ومن هنا كان انتباههم.

(15)

وقف التلاميذ في ساحة المدرسة لينشدوا نشيد الصباح، ثم يدخلوا لصفوف الدراسة، وكان يسهل على رسام مبتدئ أن يرسم لوحة لأولئك التلاميذ، حيث كانت ملابسهم بألوان لونها الزمن، فلم يكن أي لون منها مصنفاً تحت ألوان الطيف الشمسي، بل مزيجا منها مع اكتساب ألوان الدخان واختلاط مياه غسيل الملابس، وأحجامها تزيد عن أحجامهم بنمرتين أو ثلاثة وأحياناً خمسة، فملابس الشتاء كانت تُشترى بالجملة من سوق الملابس المستعملة ودون حضور الأطفال، أو أنها تكون لأخوة قد ضاقت عليهم أو لآباء الأطفال.

كان من السهل على أستاذ العلوم معرفة آثار سوء التغذية على وجوه التلاميذ الذين يجلسون متقاربين على مقاعد الدراسة طلباً للدفء من بعضهم واستجابة لزيادة أحجامهم بفعل ملابسهم السميكة والمرقعة. فكان (الحزاز) يبقع وجوههم وكانت السوائل تتماطى للخروج من فتحات أنوفهم. والأستاذ يتهيأ لشرح قاعدة (إرخميدس).

لكن الأستاذ لم يشرع في ذلك، بل عرج للحديث عن استبسال المقاومة في الجزائر، وضرورة الدعاء لأهل الجزائر والتبرع للثوار من أجل التخلص من الاستعمار الفرنسي، ولو كان ذلك التبرع بعشرة قروش!

كيف سيبلغ عكرمة والده بضرورة إعطاءه عشرة قروش، وهو لا يستطيع الحصول على نصف قرش كمصروف يومي؟

(16)

خرج الطلاب لساحة المدرسة، بعد أن انتهوا من ثلاث حصص، ليقوموا بشراء الحمص المسلوق والمملح، من بائع يضع وعاء على منصب خشبي يقف على ثلاثة أرجل.

ولكن عكرمة قرر ألا يشتري شيئاً، فإن لم يفلح في جعل أمه تقنع والده بإعطائه عشرة قروش للتبرع بها لثورة الجزائر، فإنه سيقوم بتجميع ذلك المبلغ أو نصفه من مصروفه اليومي.

أخذ عكرمة ينقل قدميه بجزمته التي مُسح نقش أسفلها بفعل الزمن، من مكان الى آخر، ويرفعها ليراقب كيف تترك أثرا على الأرض المبللة وطينها الرخو، فكانت بشكل أشجار مرسومة بخفة على الأرض، وكل نقلة تكون مختلفة عن الأخرى، لقد استلهم تلك الفكرة من أستاذ الفن الذي طلب منهم ذات يوم بشق رأس (البطاطس) ووضعه على سائل ملون ثم طبعها على ورقة بيضاء، لينتج عن ذلك رسم بديع!

مضى وقت تلهية عكرمة، حتى قرع الجرس ودخل التلاميذ الى غرف الصفوف.

__________________
ابن حوران
__________________

Just me

إيناس غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .