العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة الفـكـــريـة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: ابونا عميد عباد الرحمن (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة في مقال مخاطر من الفضاء قد تودي بالحضارة إلى الفناء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في كتاب من أحسن الحديث خطبة إبليس في النار (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث وعي النبات (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث أهل الحديث (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب إنسانيّة محمد(ص) (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الى هيئة الامم المتحدة للمرأة,اعتداء بالضرب على ماجدات العراق في البصرة (آخر رد :اقبـال)       :: المهندس ابراهيم فؤاد عبداللطيف (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: نظرات في مقال احترس من ذلك الصوت الغامض (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 30-03-2014, 11:59 PM   #1
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي الشباب والأمة: قطيعة أم صراع؟

الشباب والأمة: قطيعة أم صراع؟


لاحظ الجميع أن مَن قام بالانتفاضات العربية الأخيرة ومن بدأ بها، هم من الشباب الذين دون الثلاثين من أعمارهم، ولكنهم استبعدوا وتم ضرب (تحويلة) عليهم، وتلك الظاهرة لم تحدث في قطر عربي واحد بل بكل الأقطار العربية التي حدث بها اضطرابات، وهذه الظاهرة بحاجة الى دراسة وتمحيص ووقوف على أسبابها ونتائجها وما ستئول إليه النهايات غير القريبة. لأن جيل الشباب في الوطن العربي فيه الأمل من فك إسار التخلف والركود وفيه الخطر في نفس الوقت فيما لو تم تعميق الصراع فيما بينه وبين الجيل الذي سبقه.

تعريف أولي للشباب

تبدأ مرحلة الشباب (Youth) أو المراهقة (adolescence) كما تُسمى في بعض الكتابات بتخطي مرحلة بلوغ الحلم (puberty) أو اكتمال النضج الجنسي، ويحدث هذا من سن الخامسة عشر*1. وهناك من يجعل تلك الفترة تمتد حتى يبلغ الشخص (ذكر أم أنثى) سن الخمس والعشرين، وهناك من يجعل تلك الفترة أكثر من ذلك ففي التنزيل {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك واني من المسلمين}*2

ومن نافلة القول، أنه في بداية التسعينات من القرن الماضي، أنشئ في الأردن اتحاد لشباب الأردن، كان يُقبل فيه من هم في عمر خمس وأربعين عاما. وقد تكون الدوافع السياسية لا البيولوجية وراء ذلك.

الشباب هم الأكثرية في الوطن العربي

في التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام (2000) أظهرت أرقامه أن من كان تحت عمر 15 سنة كانوا يشكلون 38.4% من إجمالي سكان الوطن العربي، ومن كانوا بين 15 و 64 سنة كانوا يشكلون 58.4% من السكان، وما فوق ذلك كانوا يشكلون 3.2% من إجمالي السكان*3. في حين أن نسبة من هم دون الخامسة عشر من أعمارهم في الدول المتقدمة بلغت 22% ومن هم بين 15 و64 سنة بلغت 67% ومن هم أكثر من ذلك بلغت 11%. *4

وتدلل الأرقام السابقة على أهمية عنصر الشباب في بلادنا، وإن كانت في الجانب الآخر تدلل على حجم من هم في طور الإعالة وما يترتب على ذلك من مشكلات في نوعية التهيئة والتنشئة وإحداث الاضطراب من عدم الرضا لدى الشباب مما يؤدي الى القطيعة أو الصراع مع من سبقهم من أجيال.

الإحساس بالمشكلة في الدول المتقدمة سبق الإحساس بها في بلادنا

بعد الاضطرابات الشبابية والجامعية التي حصلت في فرنسا وأدت الى استقالة ديغول، وبعد الاضطرابات التي حصلت في الولايات المتحدة على أيدي شباب الجامعات الأمريكية والتي أدت الى شمول الطلبة بالمشاركة بالانتخابات الرئاسية وغيرها، ظهرت كتابات غربية تصف المشكلة بأنها صراع بين جيلين: الشباب والمسنين، وأخذت النظريات تتلاحق لوصف المشكلة، فمنهم من وصفها بالبيولوجية ومنهم من وصفها بتأثير من الأفكار الشيوعية وغيرها، وقد كتب العلامة العراقي نوري جعفر ما يفسر تلك الظاهرة في البلدان الغربية بأنها ثورة شباب على القيم البرجوازية والرأسمالية*5

في بلادنا العربية، تأخر ظهور مشكلة التنافر بين الأجيال حتى بداية هذا القرن تقريباً، وكانت القيادات العربية معظمها من الشباب سواء تلك التي في السلطة، أم التي كانت في المعارضة، ففي الجزائر مثلاً تولى هواري بو مدين الحكم وهو ابن 33 سنة، وفي مصر تولى جمال عبد الناصر الحكم وهو ابن 34 سنة، وتولى الملك حسين بن طلال في الأردن الحكم وهو ابن 17 سنة، وفي العراق تولى صدام حسين الحكم كنائب للرئيس وهو ابن 31 سنة.

والتاريخ العربي مليء بالأمثلة على تولي الشباب المهام القيادية بعكس ما هو عليه اليوم، فقد تولى السفاح العباسي الحكم وهو ابن 23 سنة، كما تولى الرشيد صاحب أكبر إمبراطورية إسلامية الحكم وهو ابن 23 سنة ومات وهو ابن 46 سنة. وقد أوكل الرسول محمد صلوات الله عليه لأسامة ابن زيد قيادة الجيش وهو لم يبلغ العشرين من عمره، وكذلك كان محمد ابن القاسم الثقفي الذي وصل بالجيش الإسلامي الى الصين وهو ابن 17 سنة.

وانتبه المفكرون العرب ومنهم السياسيون الى أهمية الشباب فكتب الرئيس صدام حسين كتابا (نكسب الشباب لنضمن المستقبل) بين فيه أهمية الاهتمام بهذه الفئة*6. وكتب الأمير حسن بن طلال في منتدى الفكر العربي (ثلاث رسائل مفتوحة للشباب العربي)*7

واهتمت التنظيمات الحزبية بتنظيم الشباب في الطلائع والفتوة وغيرها، خصوصا التنظيمات الإسلامية والقومية..

إذن، ما هو السر في ظهور الهوة بين الجيلين، هل هو تقصير من الجيل السابق أم هو سوء فهم من الجيل الحالي؟

هذا ما سنتابعه




هوامش
*1ـ عزت حجازي/ الشباب العربي ومشكلاته/عالم المعرفة 1985/ صفحة 27.
*2ـ الأحقاف آية 15
*3ـ منصور الراوي/ سكان الوطن العربي: دراسة تحليلية، الجزء الأول/ بغداد2002: بيت الحكمة، صفحة360.
*4ـ عبد الرحيم عمران/ سكان العالم العربي ـ حاضراً ومستقبلا/ صندوق الأمم المتحدة للأنشطة السكانية، نيويورك صفحة 147.
*5ـ نوري جعفر/ التربية واستثمار طاقات الشباب (مقالة في مجلة آفاق عربية) صدرت في بغداد العدد الرابع 1978.
*6ـ صدام حسين/ المختارات الجزء العاشر/ بغداد: دار الشؤون الثقافية 1988.
*7ـ الحسن بن طلال/ ثلاث رسائل مفتوحة الى الشباب العربي/ الكراسة رقم 1 ط2 أيلول/ سبتمبر 2008/منتدى الفكر العربي.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 05-04-2014, 12:18 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

شباب اليوم وشباب الأمس: اختلاف البيئة الذهنية


من المؤكد، أنه عندما نتحدث عن الشباب العربي اليوم، فإنه لا يمكن أن نتحدث عن كتلة متجانسة يقرب تعدادها من مائتي مليون شاب وشابة منتشرين في رقعة جغرافية واسعة، فوصفهم بصفة واحدة أو حتى صفات معينة، هو ضرب من الهرطقة التي لا تقدم ولا تؤخر، فاختلاف البلد والدخل والثقافة الخ له دور، فلذلك، سنُؤثِر الحديث عن البيئة الذهنية أو الفضاء الذهني الذي أحاط بشباب الخمسينات والستينات من القرن الماضي، والفضاء الذهني الذي يحيط بشباب اليوم.

إن أيسر طريق الى الدخول لروح أي مجتمع هي ما يرفعه من شعارات*1، وفهم تلك الشعارات فهماً عميقاً مُحللاً بطريقة علمية تناقش الجوانب النفسية والسياسية والاجتماعية، عندها، نستطيع القول أننا وضعنا أقدامنا لوصف الفضاء الذهني الذي يوجه الفرد أو الجماعة على سلوك مُعين: لفظي، أو حركي، أو حتى صامت ولكن يمكن قراءته.

لفظة (الحرية) مثلاً، وجدناها ونجدها في كثير من الشعارات والعناوين لمنظمات سياسية وحتى برامج: حزب التحرير، حزب الحرية والعدالة، (وحدة، حرية، اشتراكية) (لا حرية من دون تحرر من القوى الأجنبية) الخ من مئات الألفاظ والعبارات والعناوين الدالة على هذا المطلب الكامن والمتحرك في النفس العربية منذ مطلع القرن العشرين وحتى يومنا هذا.. وحتى نجدها عند الأطفال والمراهقين والبالغين والمرأة، فالكل يصيح أنا حر، وهو بالحقيقة يصيح ويقول: أنا أتوق للحرية وأتمنى الحصول عليها.. لكن، هل وصلت الأحزاب لفهم الحرية فهماً موحداً، أو هل مارسته فيما بين صفوف تنظيماتها، حتى نعتب على الحكومات التي منعتها ومارست بدلا منها التجاهل والغطرسة والادعاء باحتكار القدرة على الفهم لمشاكل المجتمع؟

ماذا تغير على فضاءات الخمسينات والستينات من القرن الماضي حتى اليوم؟

يكاد نصف القرن الذي يفصلنا عن مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي يعادل عشرة قرون كاملة فيما حصل خلاله من تغيرات هائلة وواضحة جعلت جيل اليوم يقف مشدوهاً وكارهاً للأجيال التي سبقته.

فعلى صعيد الأسرة والجماعة المحلية: لم يعد الأب يشكل أحد المثل العليا التي كان الابن يقتدي بها ويحاول أن يصل الى نموذجها. فالأب الذي كان يدبر شؤون أسرته بما تيسر له من قدرات مادية تعتمد على الفلاحة أو العمل ويستند على ما لديه من موروث عقاري، انكشف اليوم أمام أبنائه بعد أن طحنته التغيرات التي امتصت أغلب الطبقة المتوسطة وجعلتهم أقرب الى الفقر. فنصائحه ووعظه ومقولاته لم تعد تؤثر في أبنائه الذين زادت متطلباتهم مع تبدل الأوضاع المعيشية الصعبة. وهذا بدوره سيؤثر على التهذيب واختيار الأصدقاء، بل وقد يصبح الأبناء هم الملاذ والرجاء لآبائهم لانتشالهم من العوز.

وعلى صعيد التربية والتعليم: فبعد أن كان المعلمون يشكلون المثل الأعلى للتلاميذ، من خلال الدور الذي كانوا يقومون به برفد التيار الوطني الذي يريد تحقيق ما يرفع من شعارات في التحرر والحرية والعدالة وما الى ذلك، انجرف أكثر المعلمين من كونهم أحد مكونات الطبقة الوسطى لينكفئوا في تدبير شؤون أسرهم وابتعدوا عن الخوض في المسائل الوطنية العامة، خوفا من توقيف ترقيتهم الوظيفية، أو نقلهم لأماكن بعيدة، ثم ذهبوا الى العمل بأعمال إضافية كالدروس الخصوصية وغيرها، فاهتزت بل سقطت هيبة المعلم كمثل أعلى. ويحضرنا هنا النموذج الياباني الذي فُسِر من خلاله صعود اليابان بالسرعة التي صعدت بها، بقول من سألهم عن سر الصعود، فقالوا: المعلم، إننا نمنحه هيبة القاضي وسلطة الضابط وراتب الوزير.

أما على الصعيد الإعلامي: فقد كان في الخمسينات والستينات صحف ومجلات يكتب بها عمالقة الفكر والأدب أمثال العقاد وطه حسين ويوسف السباعي وتوفيق الحكيم وغيرهم، ويتدارس موضوعاتها الشباب الوطني، وتنقسم الإذاعات كإذاعة صوت العرب وغيرها من الإذاعات المواقف الوطنية والمعاكسة لها. ولم تظهر التلفزيونات إلا في بداية الستينات وكانت ساعات بثها محدودة ومساحة تأثيرها محدودة، وموجهة حسب آراء حكومات بلدانها. وكانت المحاضرات الفكرية في الجامعات والقاعات تعج بالمستمعين والذين يسافرون للاستماع الى محاضر مرموق.

واليوم، يجادل الشباب عندما يُسألوا لماذا لا تحضرون المحاضرات؟ ولماذا لا تقرءون؟ فيجيبوا: كل شيء موجود في (النت) نستطيع تنزيل عشرات، بل مئات الكتب، ولماذا نحضر محاضرات، فالتلفزيون مليء بندوات النقاش التي لا تنتهي، وفي الحقيقة فإن غالبيتهم لا تستفيد من التلفزيون إلا في متابعة المباريات وبعض الأفلام والأعمال الكوميدية أو غيرها، ولا تستفيد من (النت) إلا في مسائل لا تسمن ولا تغني من جوع (الفيسبوك: فلان دعاك للعب اللعبة الفلانية)، وإذا علق أحدهم على موضوع، اتضح النزق والضجر على تعليقاتهم.

لكن، مع ذلك هناك من الشباب من يختلف اختلافاً كبيراً عن تلك النماذج التي لا تليق بالأمة، وحتى أولئك الشباب الحائر الضجر اليائس لحيرته ولضجره ويأسه أسباب لو تعرفنا عليها، وتأملنا بطرق حلها بإحالتها الى الشباب أنفسهم لقام الشباب الجاد بمسك زمام دفة الأمة على أحسن وجه..


لقد تم خذلان الشباب في عدة مسائل:

المسألة الوطنية: دخل القرن العشرون بحزمة من المشاكل منها، زوال الخلافة الإسلامية ـ الدولة العثمانية ـ (مع ما تشكله من إشكالية سنعود إليها)؛ تقسيم الوطن العربي باتفاقية سايكس ـ بيكو ؛ وعد بلفور وضياع فلسطين على دفعتين، هشاشة فكرة التنمية؛ حروب عقيمة لم تحقق نصراً ناجزاً.

وعلى الصعيد العقائدي والفكري: تم تجربة معظم ما نودي به من أفكار، القومية، الماركسية، والليبرالية، وحتى تلك التي تتعلق بالرجوع للدين، والتي لم تصمد في الجزائر وغزة وأخيراً في مصر (ولنا عودة الى ذلك).

وعلى الصعيد الاقتصادي (والذي يرتبط بالتنموي): شاهد الشباب تجارب عالمية بدأت متأخرة عن تجاربنا العربية ولكنها تقدمت وتقدمت معها شعوبها في جنوب شرق آسيا، وأمريكا الجنوبية وحتى إفريقيا..

كل ذلك جعل من الشباب قوة مشتتة تقوم بتحميل الأجيال التي سبقتها كامل المسئولية التاريخية، وإن بدا على الشباب أنهم غير منظمين ونزقين ومستعجلين ولم يعدوا العدة الكاملة لخوض معركة الحرية مرافقة لمعركة التحرر، فإنه من الممكن جداً أن يحققوا ذلك في القريب المنظور..


وهذا ما سنتابعه



هوامش
*1ـ عبد الله العروي/ مفهوم الحرية ط5/ الدار البيضاء 1993، صفحة5.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 10-04-2014, 03:01 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الشباب واختيارهم لأصدقائهم


قبل الحديث عن الصداقة واختيارات الشاب لها، يتوجب علينا التذكير بالتمييز بين الصداقة والصحبة والزمالة وغيرها، فالصديق وهو بالمناسبة، يُقال للذكر والأنثى والجمع والمفرد، فقال جميل:
كأن لم نُقاتل يا بثينُ لو أنها ...... تُكشف غُماها، وأنتِ صديقُ
وقال آخر في جمع المذكر:
لَعمري لئن كنتم على الناي والنوى .... بكم مثل ما بي، إنكم لصديقُ
وقال جرير في جمع المؤنث السالم:
نصبن الهوى ثم ارتمين قلوبنا..... بأعينِ أعداءٍ، وهن صديقُ

أما الصحبة فهي المرافقة في سير أو مشوار، فلذلك يُقال: صاحبتك السلامة، وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم من عاصروه وساروا معه في نشر الدعوة في حياته.

والزميل في لغة عصرنا، هو الذي يكون معنا في مهنة أو مدرسة أو كلية، وفي لغة العرب: هو من يتناوب على ركوب البعير مع آخر، فهما زميلان.*1

والخليل: الصديق الذي ينفذ الى القلب (أي يتخلله) ويكون فيه حب في الله دون شائبة، لذا قيل في الحديث، لو كان لي أتخذ خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، وقيل في الحديث أيضا المرء على دين خليله، فلينظر امرؤ من يخالل.

تأثر الشاب: سلبا أو إيجاباً بشخصية الوالد

إذا كان الوالد في الأسرة، شخصية متسلطة، أي صاحب القرار الأول والأخير، ويعبر عن مشاعره بقوة وحركة شديدة (سواء بالغضب أو الفرح) فإن الاحتمال الأقوى أن يأتي ابنه بشخصية ضعيفة.

وإذا كان الوالد شخصية ديمقراطية، عاطفي، يلبي رغبات أبنائه، فغالباً ما يكون ابنه شخصية إمعة تنجذب نحو الأغلبية حتى لو كانت تلك الأغلبية فاسدة.

إذا كان الوالد ذا شخصية انفعالية يفرض رأيه بعنف، وصوته عالي، ولكن بقلب طيب، فالأغلب أن يكون ابنه صاحب شخصية مهزوزة و عرضة للانحراف.

إذا كان الوالد صاحب شخصية متساهلة، يعيش من أجل غيره، وانبساطي في الحوار، وشعبي (كل شيء عنده عادي) سيكون ابنه في الغالب صاحب شخصية قوية ولكنها تبقى عرضة للانحراف.

إذا كان الوالد صاحب شخصية نظامية، أهدافه معروفة تتغير من وقت لآخر بمنطق، ويتحمل مسئوليته بدون حماس، ضحكه محدود، انفعالاته مقتضبة، سيكون ابنه شخصية ضعيفة اجتماعياً، قوية فكرياً، لكنه أقل الأبناء عرضة للانحراف.

إذا كان الوالد صاحب شخصية مُهملة، ليس له أهداف واضحة، كثير الأعذار (وقتي لا يسمح، عملي يأكل وقتي، كنت مريضا). فإن أولاده قد يخرج منهم قائد أو إمام ويخرج منهم مجرم حتى لو كان توأم الآخر.

إذا كان الوالد صاحب شخصية متقلبة، لا يحافظ على نمط في المهنة ولا على أصدقاء وصاحب قرارات سريعة، سيكون ابنه مثله في الغالب.

أما صاحب الشخصية المبدعة، وهو خليط من الأنماط السابقة، عقلاني في حواره، ويميل الى الشورى وتقسيم الأدوار في العمل وغيره، يسعى لتحقيق أهدافه ولا يتوانى في مساعدة غيره لتحقيق أهدافهم، فإن أولاده سيكونون أقرب الى شخصيته وأبعد عن الانحراف. *1

من هو الصديق؟

سُئل أعرابي عن الواجبات التي تقع على عاتق الصديق، والتي إن قام بها نحو صديقه كان من أكرم الناس عِشرة، فأجاب: (1) من إن قُرِب مَنَح (2) وإن بُعد مَدَح (3) وإن ظُلِم صفح (4) وإن ضويق سامح. فمن ظفر بهذا الصديق فقد أفلح ونجح.

وقال الإمام الغزالي رحمه الله عن الصديق: (1) أن يحفظ حرماته (2) وأن يحسن معاشرته (3) أن لا يبخل عليه بالنصيحة (4) أن يؤثره بماله (5) أن يبذل له العون في الدنيا والدين (6) أن يصبر على ما قد يصدر عنه من أفعال تنطوي على إيذاء له وذلك عملا بحديث رسول الله صلوات الله عليه((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم))*

كيف ومتى تتم الصداقة وكيف تنتهي؟

عادة تتكون الصداقة، إما بين أتراب الحي، أو زملاء المدرسة والكلية والعمل، أو القرابة، وقد يكون هناك طرف ثالث، لاختيار الأصدقاء أو استبعادهم، وتحتل الأم الدرجة الأولى في هذا الجانب ثم يليها الأب وتليه الأخت*

وأهم أسباب الصداقة تكون التعزيز النفسي والوجداني للصديق، فإن تعرض هذا التعزيز الى خلل، فإنه من الممكن أن تنتهي الصداقة بين صديقين، ومعظم أسباب انتهاء الصداقة تندرج تحت (مفهوم الخيانة) أو الممازحة الخشنة سواء باللفظ أو الجسد، وإفشاء سر ائتمنه الصديق لصديقه. وعادة ما يرفض الصديق الذي يود إنهاء الصداقة تدخل الكبار أو حتى أي طرف ثالث في تسوية الخلاف بين الصديقين.

العدد المفضل للأصدقاء

يتفاخر البعض بأن لديه الكثير من الأصدقاء، ويظن أنها خصلة جيدة. وقد عبر عمر ابن الخطاب رضوان الله عليه حول تلك المسألة فقال (الصديق كالنار في قلته منفعة وكثرته مهلكة). وأكد على تلك الناحية المفكر أبو الحسن الماوردي في كتابه (أدب الدنيا والدين) فقال (إذا كان التجانس والتشاكل من قواعد الأخوة وأسباب المودة، كان وفور العقل أن نقلل من الأصدقاء) وقد علّل ابن مسكويه التوجه لتقليل الأصدقاء بقوله (من كثر أصدقاؤه عجز عن الإيفاء بحقوقهم، واضطر لغض النظر عن عيوبهم). *5


هوامش
*1ـ أنظر تاج العروس، ولسان العرب.
*2ـ أخذت تلك المقارنات من بحث من إعداد: صبحي سليمان بعنوان: الشخصية الجذابة والمؤثرة والمبدعة (موقع: www.kotobarabia.com)
*3ـ أحمد المجذوب/ الصداقة والشباب/ القاهرة: الدار المصرية اللبنانية 2001 صفحة 82.
*4ـ أسامة سعد أبو سريع/ الصداقة من منظور علم النفس/ عالم المعرفة 1993 صفحة 156.
*5ـ أحمد المجذوب مصدر سابق
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 18-04-2014, 11:44 AM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الموائمة الاضطرارية لدى الشباب في اختيار جماعاتهم

الموائمة: آتية من الجذر (وأم) وهو الموافقة والاقتداء بما تنتهجه جماعة، وفي الأمثال في العصر الجاهلي القديم، لولا الموائمة لهلك الناس.

والجماعة، هي العدد الذي يتجمع فيه أفرادٌ قلوا أم كثروا ، فقد يكونوا ركاب سيارة اعتادوا الذهاب فيها الى عملهم، وقد يكون أمة كثيرة العدد، وهي أحد مصادر الفعل (جَمَع: عكس فرّق)، ومنها يوم الجمعة، حيث كان يجتمع المسلمون فسموا ذلك اليوم بالجمعة في حين كان بالجاهلية يسمى يوم (العَروبة).

والجماعات من حيث نشأتها، منها: الطبيعية كالأسرة والعشيرة والدين والطائفة وغيرها، ومنها ما هو اصطناعي يتم بمحض إرادة الفرد، كالنقابة والحزب والشلة والبرلمان وغيرها*1. ومن حيث مدة البقاء فمنها ما هو دائم كالانتماء للعائلة والنقابة والمواطنة، ومنها ما هو مؤقت كركاب طائرة أو الوفد أو فريق كرة قدم، فما أن ينزل الركاب من الطائرة، لم يعودوا جماعة، وما أن تنتهي المباراة أو الوفد حتى تنتفي صفة الجماعة عن أفراده.

وقد ورد بالقرآن الكريم ذكر الكثير من الجماعات، كالأهل والعشيرة والطائفة والزمرة والفريق والقوم والرهط والأمة والشعب والقبيلة والحزب الخ.

وأهمية الجماعات والبحث فيها، آتية من كونها تمثل الشعب من خلال مسئوليها وتشاورهم مع بعض، فلا عدل يقوم ولا حتى ديمقراطية دون أن يكون هناك جماعات متماسكة تعرف أهدافها وتعرف فن التعبير عن تلك الأهداف.وروي أن عمر ابن الخطاب روى عن الرسول صلوات الله عليه حديثا (عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بحبحة الجنة فعليه بالجماعة)*2

كيف يختار الشاب جماعته

يندفع الأطفال في بداية حياتهم لتكوين الجماعات، ويكون عنصر الموائمة واضحاً فيها، حتى لو كانت موائمة اضطرارية، فالطفل بحاجة الى اللعب والتواصل مع أقرانه في الحي، وقد يتعرض وهو في تلك الحالة الى سخرية البعض منهم، سواء سخرية لفظية أو مزاح ثقيل لا يحبه الطفل، ولكنه سيدرب نفسه على تحمل تجاوزات المتجاوزين في سبيل بقائه ضمن المجموعة، وقد يجرب الطفل الاستعانة بأهله لمنع تجاوز الآخرين، ولكنه سيكتشف أن تلك الاستعانة لا تسبب له إلا مزيداً من المتاعب، فقد يمنعه أهله من اللعب مع الآخرين ويُحرم من هذا النشاط الطبيعي، أو يتدخلوا في منع الآخرين مما يضعه في موقف مزعج بين أقرانه، فالهدف الأول والأخير من بقائه في دائرة الموائمة هو ممارسته لما يديم حيويته وتواصله مع أقرانه.

أما في مرحلة الشباب، فإن الأهداف سترتقي شيئاً فشيئا، فمنها ما يندرج نحو تنمية مهاراته الدراسية أو الثقافية ومنها ما يندرج في ممارسة هواياته، ومنها ما يندرج تحت باب (التطهر)، وهي المرحلة التي يبدأ فيها تكوين الوعي السياسي، فمن خلال الحديث عن الفساد والواسطة وغيرها، تتشكل أول بؤرة معرفية للتوجه نحو التعامل معها، فينضم لحزب أو جماعة أو يروق له التوجه لسماع أحاديث في هذا المجال فيختار مجموعته في هذا الصدد.

ومن الشباب مَن تختلط عليهم الأهداف مع التوجهات، فيقرر التقرب من جماعة قد تحقق له القبول الجامعي في دولة ما، أو حتى في الدولة التي ينتمي إليها، لكن طموحاته ستتصاعد في الحصول على المنحة أو إتمام دراساته العليا، أو التوظف في مواقع مرموقة، فيضطر للتدرب على موائمة، أغلب الأحيان تكون مخادعة وكاذبة. وقد يتحمل الشاب، أن يكون من يأمره أو يوجهه قليل التهذيب أو حتى قليل الخبرة والثقافة ويقر في قرارة نفسه أنه أضعف من أن يكون مسئولاً، ولكنه يفضل من باب الموائمة الاضطرارية أن يصبر على الانصياع لأوامر ذلك المسئول لتحقيق أهدافه!

المجموعات السياسية

المجموعات السياسية تُقسم الى قسمين: الأول: دعائي، يُبشر بأفكار ويطرح مشاريع مستقبلية للوطن والمجتمع وهذا القسم يشمل الأحزاب السياسية، ومنتديات الفكر ومدارسه المختلفة من مفكرين وفلاسفة وغيرهم، ويبقى دور هذا القسم ناقصاً إذا لم يتناغم مع القسم الثاني. والقسم الثاني: إداري، يُنفذ المشاريع الفكرية التي تأتي من القسم الأول، ويشمل هذا القسم النقابات وغرف التجارة والصناعة والبرلمان والحكومة وغيرها.

ويُقاس تقدم الدول على ضوء تناغم أداء القسمين مع بعض، فأدائهما كأداء أجزاء المصنع أو السيارة، إذا ضُبط تنظيم الحركة في تلك الأجزاء عَمل المصنع وأنتج، وسارت السيارة، ولنا في أداء تلك المجموعات والأقسام عند الدول المتقدمة، خير شاهد، فإذا فاز حزب منافس هنأه باقي الأحزاب وساندوه، حتى لو عارضوه، فتكون المعارضة لمحاصرة الفساد واجتثاثه.

من المؤسف له، أن كل الأحزاب السياسية العربية، تربي المنتسبين لها على التصدي للمنتسبين الى أحزابٍ أخرى، فتُنصِّب منهم (آخراً) لتتبارى معه في الانتخابات النقابية والبرلمانية والبلدية وغيرها. وتبادله الشتائم وإلصاق التُهم الكُبرى، فهذا حزب عميل وذاك حزب مُلحد وآخر يرتبط بالماسونية، وهكذا. فلا يسلم حزبٌ من شرِ انتقادات وهجوم الأحزاب الأخرى. ولا يقتصر التناوش وتبادل التهم بين التيارات (القومية، والإسلامية، واليسارية، والليبرالية) بل ينزل حتى بين فصائل التيار نفسه.

وما أن ينشق واحد أو مجموعة من حزب ما، حتى يبدءوا بفضح أحزابهم، فيتلقف الحزب الآخر كتابات المنشقين ليستعملها كسلاح في يده لتدمير الأحزاب الأخرى. ومن أراد الإطلاع على تلك المهازل فلينظر كتب مثل (أوكار الهزيمة) لهاني الفكيكي، يتحدث فيها عن تجربته بحزب البعث،*3، ولينظر كتاب (سر المعبد) للمنشق عن الأخوان المسلمين ثروة الخرباوي*4. وإن تحدثنا عن بقية الأحزاب فهناك مئات الأمثلة على الانشقاقات فيها*5.

ولم يكتفي المنشقون بإصدار الكتب بل بالمشاركة في أعمال تلفزيونية، كبرنامج أحمد منصور في قناة الجزيرة (شاهد على العصر) الذي استضاف أناس منتقين ك (أحمد صالح العلي) و (حامد الجبوري) لكي يشيطن حزب البعث. وقنوات أخرى استضافت القياديين المنشقين عن جماعة الأخوان المسلمين (كمال الهلباوي) و (عبد الستار المليجي) [قناتي المحور وCBC ].

هذه الأعمال التي يفرح بها الآخرون من الأحزاب، تترك للشاب فرصة ليكفر بكل الأحزاب، ويبرر فرديته وعبثيته، فهو ليس على قدرٍ كافٍ من تمحيص الحقائق وما يُذكر في أقوال المنشقين، أو تجعله مُغلقاً على فكره وعقيدته ويكفر كل الأحزاب والجماعات الأخرى. وليذهب الوطن للجحيم!

ماذا فعل الآخرون بهذا الصدد؟

فمن أجل الوطن، لنا من تجربة (نلسن مانديلا) الذي استخدم عبارة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، عندما أشار لها في حق من سجنوه 28 عاماً،*6 (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، ولنا في عبارة (المهاتما غاندي) عبرة،عندما قال: إذا استخدمنا قاعدة العين بالعين فسيصبح كل سكان الهند (عِوْرَان).


هوامش
*1ـ عبد الرضا حسين الطعان/ البُعد الاجتماعي للأحزاب السياسية/جامعة بغداد 1990 صفحة 17.
*2ـ حافظ بن محمد الحكمي/ الأحاديث الواردة في لزوم الجماعة/ الرياض:دار الصمعي: 2008 صفحة 19.
*3ـ هاني الفكيكي/ أوكار الهزيمة: تجربتي في حزب البعث العراقي/ لندن: رياض الريس 1997.
*4ـ ثروة الخرباوي/ سر المعبد: الأسرار الخفية لجماعة الأخوان المسلمين/ القاهرة: دار نهضة مصر 2012
*5ـhttp://marxlistleninlist.topic-ideas.com/t108-topic
*6ـ نلسن مانديلا/ رحلتي الطويلة من أجل الحرية/ جنوب إفريقيا: جمعية نشر اللغة العربية/ترجمة: عاشور الشامس 1998.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 27-04-2014, 11:22 AM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

مزاعم التنبؤ بسلوك الشباب

لو تخيلنا أن رجلاً كان يمتطي جواداً قبل مائة عام، ويسير به على إحدى الطرقات في البادية، فيلمح عن بُعدٍ رجلاً آخرا يمتطي جواداً، فأي الاحتمالات يضعها كلٌ منهما تجاه الآخر؟

الاحتمال الأول: أن كلاهما يمر من جانب الآخر ويطرح عليه التحية ويمضي في طريقه، دونما رغبة منه أن يفتح مع الآخر حديثاً.
الاحتمال الثاني: أن يكونا يعرف أحدهما الآخر، فيتبادلان الحديث وربما الطعام.
الاحتمال الثالث: أن يضع كلٌ منهما لثاماً يخفي معالم وجهه، احترازاً من أن يكون أحدهما على خصومة هو أو أقاربه مع الآخر أو أقاربه.
الاحتمال الرابع: أن يحاول كل منهما تغيير وجهته في السير، أو أن يهيئ نفسه لقتالٍ مع الآخر.

إن هذه الاحتمالات آتية، من كون أن كلا الرجلين هما نتاج بيئة تداخلت فيها القيم والأعراف والثقافة وقواعد التعامل مع الآخرين وفقاً لنظرة (جوستاف لوبون) أن كل فرد من أفراد بيئة معينة اختلطت فيه خلال ألف عام دماء عشرين ألف من سكان المنطقة التي يعيش فيها. لنترك هذا المثال جانباً وبشكل مؤقت، ولنتجه الى تعريف السلوك.


ما هو السلوك؟

السلوك في اللغة هو المَدخل والمنهج والطريق. وفي التنزيل {ما سلككم في سقر} قالوا: {لم نكُ من المصلين؛ ولم نكُ نطعم المسكين؛ وكنا نخوض مع الخائضين؛ وكنا نكذب بيوم الدين}*1، أي كأن الحوار يكون: ما الذي أدخلكم جهنم؟ فيكون الجواب: لقد انتهجنا النهج المذكور حتى دخلنا جهنم.

والسلوك في علم الاجتماع: هو أي نشاط يصدر من الكائن الحي، من تقطيب الحاجب الى إفراز الغدة اللعابية الى تقليص المعدة الى الذهاب لمطعم الى القيام بالتظاهر الخ.

تفسير السلوك

هناك من يقرن السلوك بالشكل الظاهري للجسم، فالبدين يميل الى الراحة والروح الاجتماعية؛ وصاحب الجسم الرياضي يميل الى إثبات الذات بقوة والميل الى العمل والحركة والسيطرة على الآخرين ولا يهتم بمشاعرهم؛ وصاحب الجسم الواهن يتميز بالتوتر وعدم الثقة بالآخرين [شلدون 1940]*2

وفي المعارف الشعبية، نجد المصريين يقولون في كلامهم (كل طويل هبيل، وكل قصير مكير). ويربط البعض عريض الجبهة بنقاء السريرة، وحاد الأنف بالماكر والخادع، وشكل العينين والحاجبين فيقولوا: عيناه كعين الصقر الخ.

وأكثر النظريات في تفسير السلوك أهمية ووجاهة، هي التي وضعتها عالمة الأنثروبولوجيا (مرجريت ميد) والتي أمضت حوالي أربعة عقود في منطقة (غينيا الجديدة) القريبة من أستراليا، بأن الوسط الثقافي والمعرفي هو من يتحكم بالسلوك فقد وجدت في القبائل البدائية (آرابيش وتشمبولي وغيرها) عادات لا تتفق مع مقاييس السلوك في أي منطقة من بلاد العالم، حيث تكون السيادة في للمرأة فهي التي تعمل وتقاتل وتأتي بالرزق للأسرة، في حين يكون دور الرجل في التزين والجلوس في البيت، حتى دون أن يهتم بالأطفال فالرضع يتكفل بهم أطفال دون العاشرة! فالرجل يرقد على الفراش أثناء ولادة زوجته ويهتم بتسريحة شعره، وإذا سأل أحد عنه يجيب من يعرفه أنه في حالة ولادة، فالرجال بقبيلة (آرابيش) هم أكثر أنوثة من نسائهم *3

وتمشياً مع تلك النظرية، فإن اختلافاً يظهر في التعامل مع عذرية العروس في بلاد المسلمين، فإن لم تكن عذراء فإن مشكلة أكيدة ستؤدي الى الانفصال، في حين في بعض الدول الاسكندينافية، فإن المشكلة ستحدث لو كانت العروس عذراء.

كما أن شعوباً لها من التقاويم ما يختلف عن شعوب أخرى، ففي بلادنا وأوروبا السنة تقسم الى أربعة فصول، وفي جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى تقسم السنة الى فصلين، وعند الهنود الحمر تقسم الى ستة فصول، وعند الأسكيمو تقسم الى خمسة فصول*4

وهناك من يعتقد أن للوضع الاقتصادي دورٌ كبير في تحديد سلوك الأفراد، وكذلك الإعلام بمختلف وسائله (السينما، التلفزيون، الصحافة، والإنترنت. وهذا موضوع يطول لسنا بصدده.

القاعدة الخلقية وتوجيه السلوك

يرتبط بالسلوك مصطلح القاعدة الخلقية، وهي التي تحدد السلوك العام لأفراد المجتمع وترتكز على قوانين الدولة والتراث والصحبة (في الحي والمدرسة والعمل الخ).

ويشكل الدين أهم ركائز التراث في كل المجتمعات، ولو رجعنا الى القرآن الكريم لرأينا معظم سوره تتحدث عن السلوك الجيد وتقرنه بمكافأة الله (سور: المؤمنون؛ لقمان؛ المدثر؛ الماعون؛المطففين نماذج واضحة). وكما أن الدين يوجه نحو السلوك الحسن، فإنه أحياناً ومن خلال سوء القائمين على تفسيره يؤدي الى سلوك ضار، ففي عام 1208م أمر البابا (إبنو سان الثالث) بحملة إبادة على جنوب فرنسا راح ضحيتها 150 ألف قتيل من مسيحيي فرنسا وتدمير عدة مدن، والسبب خلاف على العمر الذي يتم به تعميد الأطفال!*5

وعند الحضارات القديمة، ظهر ما يشبه التنظيمات الدقيقة لوضع قواعد السلوك، فعند المصريين القدماء ظهر حكماء في السلوك نذكر منهم واحداً لطرافة حكمه يُدعى (عنخ شاشنقى) : (زوج ابنتك لابن صائغ ولا تزوج ابنك من ابنة صائغ)؛ (إذا فعلت معروفاً لخمسمائة شخص وتذكره واحدٌ منهم فقط، فهذا يكفي، بأن معروفك لم يضع كله)؛ (لا تشاور عالم في أمر تافه.. ولا تشاور جاهل في أمر جلل)؛ (فشلٌ كريم خير من نصف نجاح).*6

وفي الدولة الإسلامية بمختلف مراحلها، كان هناك مربون يُعهد إليهم تربية الأمراء وعلماء الحديث والفقه والفلك، ويلاحظ في كتب السير أن فلاناً تتلمذ على يد فلان وفلان.

أما قوانين الدولة، فهي قديماً وحديثاً نتاج المجتمع الذي يبقي على دولته ونظام الحكم فيها، باختياره وجهائه ونوابه في البرلمان وغيره، وعندما يختل التناغم بين أداء الحكومات وتشريع القوانين وتطبيقها يعم الفساد ويصبح التنبؤ بالسلوك صعباً بل مستحيلاً، فإذا كنا نسمع قبل عشرات السنين أنه إذا قيل لأحدهم أن فلاناً قد سرق أو قال كذا، كنا نجد من يدافع عنه بشراسة أنه لا يمكن أن يفعلها فهو فلان ابن فلان وهي عائلة معروفة باستقامة سلوك أبنائها، أما اليوم وكما يقال (لا يستطيع الفرد أن يزكي ابنه أو يبرأه من تهمة)

عودة الى المثال الأول

إذا كنا قد ضربنا مثل الرجل الذي يمتطي جواداً في صدر الحديث وما هي الاحتمالات التي سيتوقعها من الرجل الآخر، فإننا سنجعل ذلك الرجل يقود سيارة ويسير في شارع يسمح فيه الذهاب والإياب، وتقابله مئات السيارات وتتبعه مثلها، فأي احتمالات سيضعها وهو يقود؟ فالسواق مختلفون الأعمار وقد يُصاب أحدهم بسكتة قلبية مفاجئة، والسيارات من مختلف الأنواع وقد تتعطل إحداهن بشكل مفاجئ أو ينفجر أحد إطاراتها.

هذه حال حكوماتنا اليوم، كانت في الماضي تفتح ملفات لبعض السياسيين وتتبع أخبارهم، وتفتح ملفات لبعض المجرمين وتستدعيهم عند وقوع أي حدث، لكنها اليوم أعجز من أن تتوقع ماذا سيحدث بعد مباراة كرة قدم، أو عند محطة وقود، والأمثلة في تونس وسوريا وليبيا خير شاهد.

هوامش
*1ـ القرآن الكريم، المدثر آيات (42ـ46).
*2ـ محمد عماد الدين إسماعيل/ المنهج العلمي وتفسير السلوك/ القاهرة: دار القلم 1989 صفحة 159.
*3ـ كافين رايلي/ الغرب والعالم/ ترجمة: عبد الوهاب المسيري/ الجزء الأول/ عالم المعرفة 1985 صفحة 34.
*4ـ ماجد إبراهيم/سيكولوجية القهر والإبداع/ بيروت: دار الفارابي 1999 صفحة 67.
*5ـ جوستاف لوبون/ حياة الحقائق/ ترجمة: عادل زعيتر/بيروت: دار العالم العربي 2012 صفحة62
*6ـ محمد عبد الحميد بسيوني/ آداب السلوك عند المصريين القدماء/ القاهرة: مكتبة الأسرة 2002 صفحة 23.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 03-05-2014, 03:08 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

من حيث لا يدري: المجتمع يدفع الشباب نحو الجريمة


تشير تقارير الأمم المتحدة أن التطور في معدلات أعداد الجرائم قد زاد زيادة ملحوظة فاقت نسبته نسب الزيادة في النمو الاقتصادي أو نسب الزيادة في السكان. وقد كانت زيادة أعداد الجرائم في الدول الصناعية منذ عام 1967 حتى عام 1999 بمعدلات مخيفة حيث بلغت بين 300% الى 400%. وأن أعداد المساجين في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1998 كان 5.1 مليون سجين (في السجن أو الإقامة الجبرية) أي بنسبة تساوي 3% من إجمالي السكان.*1

أما في البلدان العربية فكان معدل الجرائم 409 جريمة لكل مائة ألف مواطن، بنسبة حوالي 0.004% (هذا عام 1993)، وتوقع الباحث ذياب البداينة أن ترتفع تلك النسبة بشكلٍ مضطرد وبمعدلات أسرع تزيد عن 5% سنويا عما كانت عليه*2. والذي يعنينا اليوم من هذا الموضوع، هو ما يرافق عمليات التغيير المستمرة في المنطقة والتي بدأت منذ بداية عام 2011، والتي يُتوقع لها أن تستمر أكثر من عشرين سنة حتى يحصل استقرار في المنطقة، هو استغلال الشباب للأوضاع المضطربة وتنفيذ جرائم كثيرة، وتجيير تلك الجرائم لقوى سياسية!


ما هي الجريمة؟

الجريمة في اللغة: من جَرَم: قطع، جزّ، يقال جرم صوف الغنم وجرم اللحم: أي نزع العظم منه،، والجارم من يسعى للكسب لأهله، والجُرم: الذنب والمجرم: المذنب ، وفي التنزيل { لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا} أي لا يحملنكم بغض قومٍ أن تقعوا في الجريمة.

يُعَرَّف (جيمس ديفيز) الجريمة أو السلوك ألانحرافي بأنه السلوك الذي ينحرف عن معايير المجتمع السياسي، ويُقصد بالمجتمع السياسي هو ذلك المجتمع الذي تحكمه القوانين التي تشرف على صياغتها وتنفيذها سُلطة منظمة معترف بها اجتماعياً ورسمياً. فالجريمة كل فعل يُعاقِب عليه القانون.

فالتجسس، والسرقة، والقتل، والرشوة، والاتجار بالمخدرات أو تعاطيها، وهتك العرض والزنا، وتزييف العملة، وانتحال شخصية، ومخالفات المرور، وإيذاء الممتلكات العامة، والأشخاص، وعرقلة موظفي الدولة، كلها جرائم عرّفتها القوانين وحددت عقوباتها.

وطالما أن الجريمة ترتبط بالقانون بشكل ما، وأن الدولة أو نظام الحكم هو المسئول عن تفسير وتطبيق القوانين، فما أن تتأثر هيبة الدولة، فإن الجرائم تزيد بشكل تلقائي، ففي لبنان (مثلاً) كان عدد السيارات المسروقة (1170) سيارة، أي قبل الحرب الأهلية، وفي عام 1987 كان عدد السيارات المسروقة في نفس البلد (30000) سيارة*3. ولوحظ في الصومال والعراق وليبيا وسوريا ومصر، ازدياد ملحوظ في أعداد الجرائم بعد أن اهتزت هيبة تلك الدول.

العمر والمهنة والدرجة العلمية وعلاقتها بالجريمة

يُستفاد من سجلات الشرطة والسجون وتجارب الباحثين في علمي النفس والاجتماع في التعرف على الأعمار والمهن والبيئة وغيرها من العوامل المقترنة بمرتكبي الجرائم.

ففي دراسة أجريت على سجون الأردن والمغرب والسودان، راعى الباحث فيها مواقع السجون فمثلاً أخذ (سجن اربد لدراسة الحالة الريفية، وسجن الجويدة لدراسة الحالة المدنية، وسجن معان للبادية) وهكذا فعل في المغرب والسودان*4. فكان من نتائج ما حصل عليها الباحث:
1ـ كانت نسبة المجرمين الشباب 79% (وبالذات من 20ـ29 عام بلغت 39%)، ومن 40ـ50 عام 11% وبين 50ـ70 عام 6% وفوق 70 عام 4% (صفحة 54).
2ـ كانت نسبة الأميين من المجرمين40%، وذوي التحصيل الابتدائي 22%، وذوي التحصيل الإعدادي 11%، وذوي التحصيل الثانوي 17%؛ والحاصلين على دبلوم 3%؛ والحاصلين على البكالوريوس 2%؛ والحاصلين على الماجستير 2%؛ والحاصلين على الدكتوراه 3%. (صفحة56)
3ـ كانت نسبة العزّاب (غير المتزوجين) 58%؛ والمتزوجين 36%؛ والأرامل 3% والمطلقين 3%.
4ـ كانت نسبة العاطلين عن العمل 10%، والعمال الحرفيين والعاديين 42%؛ والتجار 10% والموظفين 17%؛ والمزارعين 13%؛ طلاب مدارس 4%؛ طلاب جامعات 4%.(صفحة 60).
5ـ كانت الجرائم تتوزع على السرقة 22%، والمخدرات20% ثم تليها القتل 8.5% ومن ثم 6.5% لكل من السلامة العامة وإيذاء أجسام الآخرين؛ وتليها الزنا واللواط وهتك العرض 6%، وبعدها يأتي النصب والاحتيال والتزوير وقدح المقامات العليا ومخالفات السير والتهريب لكل منها 1.5%.(صفحة78).
6ـ كانت نسبة الجرائم في المدن تصل الى 70%، والأغلبية من المجرمين هم من الوافدين على المدن حديثا.

ومن الجرائم التي تذهب فيها أرواح الشباب، جرائم المخالفات المرورية، فقد وجد في المملكة العربية السعودية وحدها وفي عام واحد هو عام 2000، هو موت 4848 شاب في حوادث سير، وأن المخالفات للقيادة بدون رخصة هي (317376) مخالفة، وأن عدد الرخص الممنوحة في ذلك العام 467890 رخصة منها 35.5% بالواسطة، ووجد من الشباب حوالي الربع من يتعمد المخالفة والتمتع بمناكفة شرطة المرور*5 هذا في المدارس الثانوية في الرياض.

أما طلاب مدارس الجزائر، فإنه في نهاية الستينات من القرن الماضي كان يتخرج منهم 70% ممن دخلوا المدارس الابتدائية، وأصبح في نهاية التسعينات من القرن نفسه يتخرج أقل من 30%، ويترك المدارس سنوياُ 534 ألف طالب، ليُضخوا الى الشوارع دون مؤهل علمي، وذلك لأسباب منها ما يتعلق بالأسرة ومنها ما يتعلق بمؤسسات الدولة وغيرها*6


غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية وراء كل الجرائم

في زيارة للريف الهولندي عام 1997، لاحظنا انخفاض أسوار البيوت، وخلو النوافذ من شبك الحماية، وبعد ذلك بثلاثة شهور وفي زيارة لجنوب إفريقيا لاحظنا أن البيوت مسورة بأسوار إسمنتية بارتفاع أربعة أمتار وبعد تلك الأسوار هناك أسوار من السلك (b r c) بارتفاع خمسة أمتار، وبين السورين تطلق كلاب من نوع (الدوبرمان)، وكلتا الدولتان من أغنى عشرين دولة في العالم، ولكن الأولى تسود فيها العدالة الاجتماعية ويختفي فيها الفقراء، في حين بالثانية تتمثل بقايا الفصل العنصري، وتكثر الإرهاصات من كل نوع.

خاتمة


من حيث لا يدري: المجتمع يدفع بالشباب الى الجريمة، المجتمع ممثلاً بأجهزة الدولة، وقيادات المجتمع المدني، يغض النظر أو يهمل تنامي عوامل الجريمة، وحتى يكبح من ذلك يتوجب ما يلي:
1ـ الاهتمام بالأرياف، وعدم دفع سكانها للهجرة الى المدن، من خلال تخصيص جزء من موازنة الدولة لتأمين العمل والحياة الكريمة فيها، ففي المجتمعات الريفية بقايا من ضوابط اجتماعية تساعد الدولة على سيادة الأمن الاجتماعي.
2ـ عدم التعرض للدعاة الدينيين في ممارسة نشرهم للفضيلة وما يتتبع ذلك من الابتعاد عن الانحراف الأخلاقي.
3ـ تأمين العمل والتدريب ونقل المعرفة للشباب، مع عدم الإكثار من الخصخصة في التربية والتعليم، والتعليم العالي التي تثقل كاهل العائلات الفقيرة في عدم مواصلة تعليم أبنائها.
4ـ الاهتمام بالأسرة كقاعدة اجتماعية هامة، وبحث أسباب الطلاق والتفكك فيها حتى لا تكون مصنعا مفرخاً للمجرمين.
5ـ دعم الأندية والجمعيات التي تهتم بالشباب ورفدها بكوادر يعرفون واجباتهم.

إننا مقبلون على تغيير في بلادنا قد يحتاج عقدين أو ثلاثة عقود، فإنه من الضروري التركيز على هذا الجانب، حتى لا يترحم المجتمع على العهود السابقة (حسني مبارك، القذافي الخ)، بسبب أن مرحلة التغيير تكون فيها فرص الجريمة أكثر.



هوامش
*1ـ دنزايجر/ الحرب الحقيقية على الجريمة/جامعة هارفر 1998
*2ـ ذياب البداينة/ واقع وآفاق الجريمة في المجتمع العربي/ الرياض: أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية.
*3ـ أحمد بن موسى محمد حنتول/ أنماط السلوك الإجرامي في مرحلة الرشد/ جامعة أم القرى: بحث مقدم لنيل درجة الماجستير 2000 صفحة 41.
*4 ـ أحمد الربايعة/ أثر الثقافة والمجتمع في دفع الفرد لارتكاب الجريمة/ الرياض: المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب 1984
*5ـ اللواء د. سعد بن علي الشهراني/اتجاهات الشباب نحو مشكلة المرور/ أكاديمية نايف للعلوم الأمنية 2001 صفحة 331
*6ـ فوزي أحمد بن دريدي/ العنف لدى التلاميذ في المدارس الجزائرية/الرياض: جامعة نايف 2007 صفحة 161
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 09-05-2014, 02:17 PM   #7
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الآثار الملموسة للإنترنت على أجيال العرب الصاعدة

قبل عشرين عاماً احتفلت (إنترنت) بمرور ربع قرن على تأسيسها، حيث أسست عام 1969، وقد أُعلن في ذاك الاحتفال (عام 1994)، أن عدد مستخدمي الإنترنت في العالم بلغ ثلاثة ملايين مستخدم. واليوم وبعد مرور عشرين عاما على الاحتفال أصبح عدد مستخدمي (الإنترنت) في العالم 2.3 مليار مستخدم.

وعلى صعيد منطقتنا العربية، فقد دخل (الإنترنت) تونس كأول بلد عربي عام 1991، ثم تلتها الكويت عام 1992، ثم مصر والإمارات عام 1993، ولبنان والمغرب عام 1994، فقطر وسوريا عام 1996، ثم السعودية عام 1999 وهكذا.

لقد تضاعف عدد مستخدمي الإنترنت عالميا ست مرات من عام 2000 حتى عام 2011، في حين تضاعف 23 مرة في المنطقة العربية لنفس الفترة. واليوم تحتل الإمارات العربية المركز الأول بين الدول العربية من حيث نسبة المستخدمين للإنترنت حيث تبلغ 71% تليها السعودية بنسبة 60% ثم المغرب بنسبة 35% ثم مصر بنسبة 25% فالعراق بنسبة 23%. وأن إجمالي أعداد مستخدمي الإنترنت من العرب كانوا 77 مليون في نهاية عام 2011.*1

اسأل عنها (جوجل )

في عام 1996 تقدم شابان أمريكيان هما (لاري بايج المولود عام 1973) وزميله (سيركي براين) بمشروعهما (تدليك الظهر Back Rub) مستخدمين نظاما معقداً من (الخوارزميات)، ثم غيرا اسم ذلك المشروع بعد نجاحه الى (مائة صفر بعد الواحد) (يعني: إذا الألف واحد وثلاثة أصفار، والمليون واحد وستة أصفار، والتريليون واحد و12 صفر، فمشروعهما واحد و100 صفر) ثم استثقلا الاسم فسمياه (جوجل) لتسأل بعدد أصفاره بعد الواحد فيجيبك. وما هي إلا سنوات بسيطة حتى أصبحا من أغنى أغنياء العالم، حيث بلغت ثروة كل منهما 16.3 مليار دولار.

نحن نسأل، ومحرك البحث (جوجل) يجيب، والشابان استفادا من موهبتهما استفادة هائلة حيث نقلتهما الى مصاف جعلتهما من بين أهم خمسين شخصية عالمية، لكن عن ماذا يُسأل محركهما في بلادنا؟

اهتمامات الناس بالإنترنت

قبل أكثر من أربعين عاماً، عندما كنا نستخدم قاموس (عربي: إنجليزي)، في الدراسة الجامعية، كنا ونحن نبحث عن معنى كلمة، نسرح في الفرجة على الصور، أو التوقف عند كلمات لم نكن نبحث عنها ـ أصلاً ـ فكنا نضيع من الوقت مما كان يؤثر على طبيعة فهمنا وإنجازنا لتكملة درسنا.

واليوم، وليس في بلادنا العربية فقط، بل في كل أنحاء العالم، فإن الإنترنت غالباً ما يعيق الموظفين والباحثين والطلاب، لإشباع فضولهم، أو جعلهم يفسقون خلسة، أو أن يختاروا ألعاباً تلهيهم عن عملهم وأدائهم لأدوارهم بشكل إنساني. فقد يدخل أحدنا على مدير وظيفي(في غرفة لوحده) لتوقيع معاملة، أو لسؤاله عن شيء فيجفل ذلك الموظف، ويقوم بحركات لا تساعد في تلبية طلب من راجعه.

تعاني كثير من شركات العالم من تأثير الإنترنت على أداء موظفيها، حيث انخفض انخفاضاً ملحوظاً، لانشغال الموظفين بقضاياهم الشخصية، أو حتى الوصول الى مواقع مشبوهة. وأورد تقرير إدارة استشارات شبكة (Management consultant web sense) مفاده أن أكثر من رُبع الشركات البريطانية قامت بفصل موظفين لإساءتهم استخدام الإنترنت في الشركة، وقد جاء استعراض المواقع الإباحية في الدرجة الأولى، تلاه برامج المحادثات(Chat) ثم البريد الإلكتروني. وفي البلاد العربية، وجدت دراسة أن 93% من مستخدمي الإنترنت في مستشفى خاص، استخدموه استخداماً غير محمود أخلاقياً، و4% لأغراض مختلفة و3% للبحث العلمي.*2

المنتديات، والتواصل الاجتماعي

بعد بدايات الربيع العربي، سلط التقرير العربي الرابع الصادر عن مؤسسة الفكر العربي*3 الأنظار على دور (الإنترنت) في تشكيل صورة الشباب العربي الثقافية، فرصد مواقع المنتديات والمدونات في الدول العربية، والتواصل الاجتماعي (الفيس بوك نموذجا) وتعليقاتهم، وأهم الموضوعات التي يتناولونها، ومدى شعبية تلك الموضوعات. واتخذ التقرير للمقارنة الجهود الثقافية التقليدية (كتب) ففي حين كانت إصدارات الكتب المنشورة عام 2010 في مصر مثلاً (11986) كتاباً منها (50) كتاب فقط من تأليف الشباب (دون 35 سنة). وفي سوريا ولبنان صدر (949) كتاباً، كان منها (37) كتاب من تأليف الشباب.

وقد ظهرت نتائج مراقبة الكتابات والمحادثات في (الإنترنت) أن هناك أزمة في موضوع اللغة العربية الفصحى، إذ وجد في (9) أقطار عربية أن 53% لا يحسنوا استخدام اللغة العربية، بل يخلطون كلماتها بكلمات من لغات أخرى.

وكانت أهم اهتمامات الشباب في الإنترنت تتلخص في عدة محاور: فكانت القضايا الدينية تتصدر مواضيع المدونات؛ وفي الفيس بوك تتصدر الخواطر والمشاعر الشخصية المواضيع؛ وفي المنتديات تتصدر الأفلام السينمائية والأغاني جميع الاهتمامات.

كانت القضية الطائفية متصدرة لنشاط المنتديات العراقية، وأقل المنتديات اهتماما بها هي لبنان وليبيا والسودان. وكانت إسرائيل من أقل المواضيع المهتم بها عدا في العراق ولبنان. وكانت المواضيع الاقتصادية تتصدر الاهتمام في قطر. أما قضية حقوق الإنسان فكان ترتيبها 38 بين القضايا في المنتديات العربية كلها!، وتتنافس كل من القضايا الدينية والأفلام والأغاني على صدارة الاهتمام في جميع البلدان العربية.

في (الفيس بوك) تم رصد (155ألف) مشاركة، كانت المطالعات والتعرض لها (مليار و527 مليون مرة)، ومرات الإعجاب 427ألف مرة. هذا عام 2010.

ويثني التقرير على جهود الشباب والأثر الذي تتركه في المجتمع العربي، ويرد التقرير على من تهكموا على جهود الشباب حينما وصفوها بقطعة حرير تهفهف على صخرة صلبة، فأجاب التقرير بأنها (أي جهود الشباب) صخرة تحفر بصخرة أقل صلابة منها.

خلاصة

لا شك، أن الإنترنت يحمل الخير ويحمل الشر، ولا شك أن نسبة المستفيدين منه في بلداننا العربية هم قلة، ولكنها كقلة الملح في الطعام، أو قلة الخميرة في العجين، بإمكانهم أن يساهموا في صناعة مستقبل الأمة بشكل مرضي، فلا يتطير المتطيرون من حجم اللغو الكبير غير المفيد، فمن بين هذا الحجم سينبثق من بين الشباب ما يبشر بظهور قيادات نافعة.



هوامش

*1ـ موقع (إنترنت وورلد ستاتس).
*2ـ المجلة العربية للدراسات الأمنية/المجلد 19/ العدد38/صفحة 374.
*3ـ تقرير يصدر عن مؤسسة الفكر العربي في بيروت التي يترأسها الأمير خالد الفيصل ومن أعضائها مفكرون عرب مثل أيمن الصياد رئيس تحرير وجهات نظر ومستشار الرئيس مرسي، وحنان القصاب عميدة المعهد المسرحي السوري، وعدنان مدانات من مؤسسة شومان وآخرون.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 16-05-2014, 03:10 PM   #8
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الواسطة والتوسط

(1)

كثيرة هي الحالات التي يكون فيها أحدنا شاهداً على حوار، وقد يكون أحد أطرافه، ويكون الحوار بشكل سؤال وجواب في كل المناحي:
من أين اشتريت سيارتك؟
بكم أعطاك إياها؟
لقد غلبك!
كان عليك أن تسألني لأدلك على صاحب لنا

الى ما انتهت مراجعاتك في الدائرة الفلانية؟
لماذا لم تخبرني؟
سأذهب معك الى فلان فهو صاحب فلان ولن يرده خائباً

هل شفي أخوك من المرض؟
أطعني وآخذك الى الدكتور فلان، فهو طبيب مشهودٌ له

اشتغل ابنك؟
شفت فلان؟
هو يعرف فلان المسئول عن كذا..

(2)

النُتَف أعلاه، قد لا تنفرد بها بلادنا العربية، ولكنها تتفوق على غيرها من البلدان في العالم، نتيجة لعدة أسباب: أهمها بالإضافة الى الفضول، أن بلادنا ذات طبيعة صحراوية في معظمها، فالمغالبة هي من صفات الفرد الصحراوي.

كما أن فكرة المواطنة وتساوي الناس أمام القانون، وتساويهم في الحقوق والواجبات هي من القضايا المؤجلة وربما المستعصية.

وأن نسبة الشباب في البلدان العربية تتفوق على غيرها من بلدان العالم، وارتباط معظم مصالح الأفراد يستلزم طرفاً ثانياً، غالباً ما يكون الدولة، في العمل والصحة والتعليم وتمشية المعاملات (ضريبة، داخلية، مالية، صحة، بلدية الخ) فإنه والحالة هذه لا بد من طرفٍ ثالث حتى لا يُغلب الفرد أو يتغلب!، وقد ظهر في الوقت المتأخر مكاتب وشركات تعرض خدماتها لتقوم مقام الواسطة لكن مقابل بدل يُدفع لها بدل تلك الخدمات.

(3)

للواسطة أطراف ثلاثة: المتوسَط له، والمتوسَط لديه، والوسيط. وكل واحد من الثلاثة يحصل على منفعة معينة، وإن كانت تلك المنفعة تظهر واضحةً عند المتوسط له، فإن الوسيط يحصل على منفعة معنوية تظهره أمام جماعته أو محيطه بأنه شخص له شأنه، وغالباً ما يكون للنساء دورٌ في ذلك للتبجح أمام جاراتها أو قريباتها بأهمية زوجها وبالتالي أهميتها، وقد يدفع الوسيط ثمناً لدوره عن طواعية عندما يقدم خدمات للأجهزة الأمنية والمخابراتية تعزز من دوره الاجتماعي.

أما المتوسَط لديه، فإنه هو الآخر سيحصل على فوائد، قد تكون فورية، عندما تقترن بالرشوة، أو مؤجلة، عندما يستثمر هؤلاء المتوسط لهم وكأنهم عزوة له تظهره أمام رؤساءه أنه رجل صاحب نفوذ اجتماعي في محيطه، إذا تم تجاهله في الترقيات أو تلبية طلبات التوسط، فإن أموراً غير محمودة قد تواجهها الدولة في محيطه، وكثير من هؤلاء المتوسط لديهم ما يستثمرون خدماتهم في انتخابات عامة بلدية، برلمانية الخ.

وقد تأخذ الوساطة عناوين مختلفة بالإضافة للمنفعة المتبادلة، فهي قد تكون من باب (الفَزْعة)، أو (العلاقات الشخصية) أو (الشفقة) أو (الشفاعة)، ولكن من يتأمل بنماذج منها سيجد أن المنفعة المتبادلة هي الأساس.

(4)

لا يجد الكثير من طالبي الوساطة، في هذا الأسلوب غضاضة، وقد أوجدت دراسة على الشباب السعودي أن 91% ممن خضعوا للدراسة يؤمنون أن أمورهم وقضاياهم لن تتم إلا بواسطة، في حين رفض 3.74% منهم اللجوء للواسطة، و الباقي لا يدري*1

وهذه النتائج في تجسيد الرؤيا للواسطة، قد تنسحب على كل الأقطار العربية، ليس في التوسط لدى الحكومات فحسب، بل بالبحث عن مقاول بناء أو طبيب أو حتى سبّاك.

والتسليم بهذه النتيجة، مؤشر قوي على عدم ارتقاء بلادنا الى مصاف الدول التي يسود فيها النظام والقانون وأعراف العلاقات الإنتاجية السليمة التي تجري دون تدخل..

هوامش
*1ـ عبد الله عبد الرحمن الفيصل/ دراسة استطلاعية عن الواسطة بين الشباب السعودي/ مجلة جامعة الملك سعود مجلد2 الآداب2 (1990) صفحات 693ـ 711.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 26-05-2014, 01:21 PM   #9
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الأثقال المرحلة من جيل الى جيل



في عام 1997 توجهنا من جوهانسبيرغ في جنوب إفريقيا، صاحبي وأنا، نحو مابوتو عاصمة موزنبيق، وتوقفت الحافلة في نقطة الحدود بين البلدين، بسببنا نحو ساعتين، لأننا لم نكن نحمل معنا (ثوم)، وكانت عيون ركاب الحافلة تتوجه نحونا بغضب، بسبب جهلنا، فنحن لم نكن نعلم أن الرشوة التي تُعطى لرجال الحدود الموزمبيقية، هي بعض رؤوس من الثوم (كيلوغراما أو نحوه)، وكيف كان علينا أن نفهم؟! ونحن من الأردن، وبالكاد عرفنا اسم عاصمة موزنبيق للتو؟ ولولا حكمة بعض الركاب الذين تدبروا الأمر بالتبرع لنا أو للمرتشين برأس من الثوم من كل حصة راكب، لما انحلت الأمور.

هذا لمسافرين، في العصر الذي تمتلئ فيه الدنيا بالمعلومات على صفحات الكتب والإنترنت وغيره..

وكما أن من يريد أن يرحل من بيت قديم الى بيت جديد، سيتلف بعض حاجاته المتهرئة، ولا يأخذها معه، بل يأخذ ما يفيده، وكما أن من ينوي الحج يأخذ معه ما قد يحتاجه في سفره، فإن الأجيال ستنقل أفضل ما خبرته الأجيال التي سبقتها.

(1)

تتم كتابة التاريخ بطرق مختلفة، ولن تكون في النهاية صادقة 100%، فموقف المؤرخ من قضية ما سيلوي عنق الحقيقة عن مسارها، وشارحه أو قارئه سيلوي عنق ما قرأه عن مساره، وكلما بعدت المسافة الزمنية بين الحدث، وبين تاريخ الإطلاع عليه، كلما ارتجت الحقائق بشكل قد يربك تحكيم القراء ومن تخدمهم المعلومات في اتخاذ قرار.

في تاريخنا العربي الإسلامي، كان المسلمون الذين كانوا على مسافة قريبة من عهد رسول الله صلوات الله عليه، يؤمنون بأن الله هو الرب والخالق والمدبر والرازق وهو من استخلف (الإنسان) على الأرض وطالبه بتوخي العدل، ويؤمنون بأن رسله معصومون، وأن خاتم أولئك الرسل هو محمد عليه الصلاة والسلام، فكان أحدهم ينطلق الى أقصى الأرض لينشر الدعوة التي لم يكن يعلم منها إلا ما آمن به من كتاب الله وتوجيهات نبيه، فلم يكن بحاجة لتمحيص الحديث الصحيح من الحديث الضعيف، ولم يكن بحاجة للاطلاع على آلاف أو مئات الآلاف من الكتب في المذاهب الكثيرة والطعون والمماحكة التي ينطوي عليها الغلو هنا وهناك، كما هو في العهود التي تلت تلك الفترة وحتى عهدنا الحاضر.

كان المجتمع الذي أدير في العهود الأولى من الإسلام، ينعم بالعدل، رغم أنه كان متنوعاً ونسبة المسلمين فيه لم تبلغ الخمس من جميع أفراده حتى مرور قرنين من الزمان. وكان هذا المناخ المفعم بالعدل، جاذباً لكل المبدعين من علماء فلك ورياضيات وطب وفلسفة الى الساحة الإسلامية عن رضا كامل، انطلاقاً من قاعدة (الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها أو أخذ منها)، فكان التطور الحضاري مرافقاً للدعوة الإسلامية لا مخاصماً لها.

(2)

لقد تربت الأجيال الأولى من السلف على قاعدة (الكمال لله عز وجل)، وأن ما دونه هم من البشر، فقد يخطئوا كما أنهم قد يصيبوا، وكلما اقترب أحدهم من الإيمان المطلق كلما قلت أخطاؤه، ولكنها لا تنعدم بأي حال، فمن عهد آدم عليه السلام والصفة موجودة (للابتلاء). {وعصى آدم ربه فغوى} [طه 121]. ونوح عليه السلام{قال ربِّ إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم}[هود47]. وموسى عليه السلام {قال ربِّ إني ظلمت نفسي فاغفر لي}[القصص 16]. ويونس ويوسف عليهما السلام، وحتى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم{عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم} [التوبة 49] و{عبس وتولى}[عبس1].

وإن حال الرسل، كما أورده الله تعالى في كتابه الكريم، أنهم قد يقعوا في الخطأ، فإن الصحابة رضوان الله عليهم والذين هم ـ بالتأكيد ـ أقل شأناً من الرسل قد يقعون بالخطأ، فتأخر علي بن أبي طالب ستة أشهر حتى بايع أبا بكر الصديق رضوان الله عليهما، تعتبر من الأخطاء، وتعيين عثمان بن عفان لمجموعة من أقاربه ولاة في الأمصار يعتبر من الأخطاء.

لكن لا يجوز لنا أن نقلل من شأن أي صحابي، ففضلهم قائم حتى تقوم الساعة، طالما يعتنق الإسلام وافد جديد أو قديم، فهم من وقف مع الرسول صلوات الله عليه حتى قام هذا الدين.

(3)



أما نقاط الخلاف والاختلاف التي قد تكون قضايا ساخنة لمن عايشها، ليس من الضروري الإصرار على إثارتها في كل جيل، لأنها ستعطل بشكل أو بآخر عملية إحداث توافق اجتماعي، وحشد الطاقات للنهوض بالمجتمع اقتصاديا وعلميا وفكريا وسياسيا.

هذا ما يحدث في قراءة التاريخ العربي الإسلامي، فبالرغم من وضوح كتاب الله عز وجل، ورغم وضوح أحاديث رسول الله صلوات الله عليه، والتي وصلتنا هي والقرآن الكريم بلغة، يفترض أننا نفهم التعامل معها بوعي، فإن انتقاء بعض القصص، وتأويل ما تم تأويله على يد المؤرخين والمحللين، سيضعف متانة وحدة المسلمين، وسيفتح الباب أمام من يريد أن يكفر غيره، أو يعظم من شأن فرد (صحابي، أو سياسي من مذهبٍ ما).

(4)

ورغم أن الصحابة رضوان الله عليهم، كانوا يختلفوا سياسياً، لكنهم كانوا على خُلق وإيمان ولا يُجرِّح بعضهم البعض الآخر، وسنضرب مثلاً للعبرة. لمّا خرجت أم المؤمنين (عائشة) وطلحة والزبير رضوان الله عليهم جميعاً، قاصدين البصرة لملاقاة علي ابن أبي طالب رضوان الله عليه، أرسل لهم الصحابي عمار ابن ياسر وابنه الحسن بن علي.. فخطب عمار ابن ياسر قائلاً: ((إني لأعلم أن عائشة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها))*1

ولما انتهت موقعة الجمل خاطبها ياسر فقال: ((ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عُهد عليكم، يشير الى قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن} [الأحزاب33]. فقالت: ((أبا اليقظان؟ فقال: نعم. قالت: والله إنك ما علمت لقوال بالحق. قال: الحمد لله الذي قضى لي على لسانك))*2

وهذه المعركة التي اشترك فيها 50ألف مقاتل من الطرفين، وكان بطرف علي ابن أبي طالب (عبد الله ابن العباس ـ حبر الأمة ـ ومحمد ابن أبي بكر شقيق عائشة)، و في طرف أم المؤمنين طلحة والزبير اللذان سقطا قتيلين في تلك المعركة) وراح ضحية المعركة نحو 18 ألف قتيل.. فمن نحن حتى نخطئ هذا الكم الهائل من الصحابة، أو نصطف في هذا الزمان مع طرف ضد طرف، مردهم الى الله عز وجل فيحكم بينهم.

أما ما يهمنا في تلك القصة والحوار الذي دار بين أقطاب الطرفين، هو الصورة الورعة الصادقة التي قال عنها الحافظ ابن الجوزي البغدادي، المتوفى 597هـ بأنها أروع ما نُقل عن السلف الصالح من مشاعر إيمانية صادقة، يتوجب الاحتذاء بها لوقف نكء جراح الماضي*3

(5)


معلوم أن معظم الحركات الإسلامية السياسية في المنطقة يرجع أصولها الى القرن الثالث الهجري، أي الى فترة ابن حنبل في الفقه ومذهب الأشعري في أصول الدين، ومعلوم أن فكر ابن حنبل يتسم بالمحافظة وإغلاق باب الاجتهاد، أما مذهب الأشعري فصفته المماحكة والتعويل على النقل والأثر لا العقل والنظر إلا في نطاق المنقول. وما يعنينا أن توجهه السياسي يجعل من الخليفة (ظل الله على الأرض) تجب طاعته حتى ولو ظلم، تأسيسا على تفسير الآية الكريمة {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء}، وعلى الصعيد الاجتماعي، كان فكره يبرر للطبقة الحاكمة المستأثرة بالأرض والمال، لأن المال مال الله يتملكه الحاكم (ظل الله في الأرض) ويتصرف فيه كيف يشاء.

ولا غرابة أن يصبح هذا المنحى بمثابة إطار أيديولوجي في مواجهة الأيديولوجيات المعارضة ك (المعتزلة) أي أهل العقل والنظر، والشيعة الإسماعيلية التي تبنت مبدأ العدالة الاجتماعية. والخلاصة أن الفكر السياسي السني ـ آنذاك ـ كان يشكل النمط الإقطاعي في الإنتاج، في حين عبر فكر المعارضة عن برجوازية جنينية فتية لينتهي الصراع لصالح القوى الإقطاعية السلطوية.

ولا زال المتنطعون لتلك القضايا، يعتبرون أنفسهم شجعان صناديد في الدفاع عن أشخاص، ولكن دون عدل في القراءة والتحليل ...
سأل الإسكندر حكماء بابل: أيهما أبلغ لديكم: العدل أم الشجاعة؟
أجابوا: إذا استخدمنا العدل، استغنينا عن الشجاعة.





هوامش
*1ـ البخاري: التاريخ الصغير 1/83؛ نعيم ابن حماد: كتاب الفتن1/86
*2ـ فتح الباري:13/59
*3ـ صيد الخاطر ص89.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
غير مقروءة 04-06-2014, 01:42 PM   #10
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

أفعال البطالة بالشباب؟


إنه لشعور مؤلم جداً، عندما يكون الشاب الجامعي المتعطل عن العمل، يرى أن العلوم التي تلقاها في المدارس والجامعات تتآكل وتتخلى عنه لعدم استعمالها، كما تتآكل خلايا العضلات عند رجل اختار مهنة تصليح الساعات. وقد يحاول جاهداً في تمرين معلوماته التي تلقاها في حياته بالثرثرة بين أصحابه أو بين أي مجموعة من الناس في صالون حلاقة أو في انتظار توصيل جنازة الى مثواها الأخير، ويكون فَرِحاً فَرَحاً كاذباً، إذا كان من يستمع إليه مجموعة من الجهلة، فلن يسألوه عن مصدر معلوماته، حتى لو روى لهم قصيدة للمتنبي وزعم أنه هو من ألفها!

أما إذا كان المتعطل عن العمل أمياً أو متسرباً من المدارس في وقت مبكر، فإنه يفيق من نومه في منتصف النهار أو بعد ذلك، ويغسل وجهه ويضع بعض المعاجين على رأسه، ويتناول ما قد يجده متيسراً من طعام، ويخرج من بيته وسط ملاحقة نظرات من في البيت التي لم ترتح لظروفه أو التي يئست من كثرة الدعاء لهداه!. يسير في الطرقات متسكعاً بعبثية واضحة وعينين مشتتين، حتى يدخل الليل، فيذهب متسللاً ليقف في زاوية عرسٍ شعبي، وحيداً أو بعض أمثاله.

لن يفقد الجامعي الأمل، من أن يطرق بابه من يأخذ بيده للخلاص مما هو فيه، فقد يكون صديقاً سعى له في العمل في مكان قريب أو خارج البلاد، وقد تمتد أحلامه أن يزوره رئيس الوزراء ليعتذر منه لطول فترة انتظاره آتياً بعمل جيد كأنه (تصبيرة) حتى تُحل مشاكله ومشاكل أمثاله جذرياً!

أما أحلام ذلك الأمي وشبه الأمي، فلا شك أنها توقفت منذ زمن.. وفي النتيجة سيصبح الوطن والقانون والقيم والعادات والمواعظ كلها بلا (طَعْم) عند المتعطل سواء كان جامعياً أم أمياً..



ما هي البطالة؟

البطالة في اللغة، هي الضياع والخسران*1، وأبطل مفعول القنبلة جعلها غير مؤثرة، وفي أرياف حوران عندما يعلم أحدهم أن فلاناً مات، فيصفق بيديه ويصيح: باطل.. أي ذهب فلانٌ خسارة على ربعه ..

والبطالة: وفق تعريف منظمة العمل الدولية فإن العاطل عن العمل هو كل إنسان قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه ويقبله عند الأجر السائد ولكن دون جدوى.*2

والبطالة وفق التعريف الشرعي الإسلامي: هي العجز عن الكسب، وهذا العجز إما ذاتياً كصغر السن أو الأنوثة أو العته أو الشيخوخة والمرض، وإما غير ذاتي كالاشتغال بتحصيل العلم، كما أنه إذا كان هناك عامل قوي، ولكن لا يستطيع تدبير أمور معيشته بالوسائل المشروعة المعتادة، أو غني يملك مالاً لا يستطيع تشغيله، فإنهما يعتبران من العاطلين عن العمل، ولا يعتبر التفرغ للعبادة من العجز.*3

أنواع البطالة

1ـ البطالة الاحتكاكية: وهي موجودة بكثرة في البلدان العربية، فتجد أحدهم يشتغل في أعمال البناء ثم ينتقل الى البيع على الأرصفة ثم يفتح محلا لبيع الدجاج ثم يقوم بعمل (تهريب) أو غيره، والفترات التي يقضيها بين كل عمل تسمى البطالة الاحتكاكية.
2ـ البطالة الهيكلية: وهي تأتي عند تحول شكل من أشكال الاقتصاد في منطقة الى شكل آخر، مثلاً: قبل دخول الحاصدات الميكانيكية كان هناك من يصنع المناجل والشواعيب والمذاري وألواح دَرْس القش، وبيطار يعالج البغال والخيل، فاختفت تلك المهن نتيجة ذلك، وكذلك يمكن القول عن مهنة الصيد بفروعها المختلفة قبل العصر النفطي بدول الخليج.
3ـ البطالة الموسمية: كصناعة السياحة.
4ـ البطالة السلوكية: وهي ناتجة عن تعفف أو استنكار الناس لبعض الأعمال فيرفضوا القيام بها، كالخدمة في البيوت وتنظيف الشوارع الخ.
5ـ البطالة المقنعة: وهي منتشرة بكثرة في البلدان العربية، وخصوصاً في البلديات إذ يقوم رئيس بلدية منتخب بتعيين المئات ممن انتخبوه مكافأة لهم أو طمعا في انتخابه مرة أخرى، ولو استغنت البلديات عن آلاف العمال لما تأثر الأداء فيها، وهذه هي البطالة المقنعة.
6ـ البطالة المستوردة: وهي تأتي من بابين: إما إغراق السوق ببضائع غير محلية أرخص من المحلية، فيؤدي ذلك لتخفيض عدد العاملين في إنتاج مثل تلك البضائع، أو استيراد العمال الوافدين لرخص أجورهم مما يؤدي الى الاستغناء عن العمال المحليين أو دفعهم ليكونوا عاطلين عن العمل.

التطور في النظرة الى العمل

في بلادنا العربية، لم تكن النظرة الى العامل الأجير نظرة احترام، بل كان فيها من اعتباره (دونّي) وخادم، فهكذا كان ولا يزال سكان البادية والأرياف ينظرون لأهل المدن.

وفي الصين مثلاً، كان السيد يطيل أظافره ويقيد أقدام نسائه ليثبت للآخرين أنه ليس بحاجة الى العمل. وفي أوروبا بقي الأمر كذلك للقرن السادس عشر، حتى هرب العبيد من أسيادهم وأصبحوا مشردين، يضعوا حرف (V) على أكتافهم، ليبلغوا الناس أن هذا الشخص متشرد وهو الحرف الأول من (Vagabond) أي متشرد، وفي القوانين الأوروبية يحق لمن يلتقطه أن يتملكه لسنتين يتصرف به كسلعة أو حيوان دون قيد أو شرط، وإذا حاول العبد الهروب تم كيه بحرف (S) أي عبد مدى الحياة، وإن حاول الهروب مرة أخرى أعدم دون أي مسئولية!*4

أما اليوم، فإن السؤال عن من يخطب عروسا، هو هل يعمل؟ ما طبيعة عمله؟



نسب البطالة في البلدان العربية

رغم أن طريقة حساب نسبة البطالة تعتمد معادلة بسيطة هي: عدد العاطلين عن العمل مقسوما على عدد القادرين على العمل مضروبا في مائة، بعد استبعاد من هم تحت سن 18 سنة والمسنين، فإن تلك المعادلة في بلادنا ساذجة لا تؤدي الى أرقام صحيحة، لأن اعتبار من في البوادي ونساء المجتمع ومن لا يشكو من البطالة هم في إعداد العاملين فعلا!

في عام 2010 كان عدد الشباب العرب الباحثين عن عمل يصل الى 25 مليون، وهي نسبة تساوي 25.6% في حين أن النسبة العالمية هي 14.4%. منها مثلاً: الأردن 18.8% والجزائر 20.7% والمغرب 15.4% ومصر17.5%. ولو قارنا ذلك مع بعض دول العالم لنسب المتعطلين من الشباب (إيطاليا47.2%؛ إسبانيا 35%؛ الولايات المتحدة 32.1% *5. ولكن المتعطلين من الشباب في الدول المتقدمة يأخذون أجورهم!

خاتمة

تؤثر البطالة على كل المستويات عند الشاب، أعزب كان أم متزوج، منها: الآثار النفسية والصحية والمعيشية والسياسية وما يتولد عن كل حالة من مشاكل فرعية، تهدد السلم المجتمعي والاقتصاد الوطني والاستقرار السياسي.

أما الحديث عن حلولها، فهو لا يبتعد قيد أنملة عن الحديث على إحداث العدالة الاجتماعية والاستقرار السياسي وتناقل مواقع السلطة بطريقة ديمقراطية.




هوامش
*1ـ لسان العرب/ ابن منظور؛ والفيروز آبادي قاموس المحيط.
*2ـ ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
*3ـ سامر مظهر قنطقجي/ مشكلة البطالة وعلاجها في الإسلام/بيروت: مؤسسة الرسالة (2005) صفحة 17.
*4ـ ناصر قاسيمي/ خريجو الجامعة وسوق العمل/رسالة ماجستير مقدمة لمعهد علم الاجتماع في جامعة الجزائر 1991 صفحة 20.
*5ـ آفاق الاقتصاد العالمي/ صندوق النقد الدولي مايو/أيار 1999، نقلاً عن كتاب: الحل الإسلامي لمشكلة البطالة/ المرسي كمال الدين عبد الغني ص17.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .