العودة   حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة الفـكـــريـة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: نظرات في رِسَالَةٌ فِي الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ (آخر رد :رضا البطاوى)       :: ابونا عميد عباد الرحمن (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: قراءة في مقال مخاطر من الفضاء قد تودي بالحضارة إلى الفناء (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في كتاب من أحسن الحديث خطبة إبليس في النار (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات فى بحث وعي النبات (آخر رد :رضا البطاوى)       :: نظرات في بحث أهل الحديث (آخر رد :رضا البطاوى)       :: قراءة في كتاب إنسانيّة محمد(ص) (آخر رد :رضا البطاوى)       :: الى هيئة الامم المتحدة للمرأة,اعتداء بالضرب على ماجدات العراق في البصرة (آخر رد :اقبـال)       :: المهندس ابراهيم فؤاد عبداللطيف (آخر رد :عبداللطيف أحمد فؤاد)       :: نظرات في مقال احترس من ذلك الصوت الغامض (آخر رد :رضا البطاوى)      

المشاركة في الموضوع
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
غير مقروءة 14-11-2013, 01:07 PM   #11
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ترميم شخصية المدينة العربية .. هل فات الأوان عليه؟



اشترط ابن الربيع ستة شروط لاختيار مكان المدينة: سعة المياه المستعذبة؛ ودوام إمداد الميرة (المؤن وغيرها)؛ واعتدال المكان وجودة الهواء؛ والقرب من المرعى والاحتطاب؛ وتحصين منازلها من الأعداء و(الزعران)؛ وأن يحيط بها سور.

وذكر ابن الربيع ثمانية شروط أخرى يراعيها الحاكم عند تخطيط المدينة: أن يسوق إليها الماء العذب ليشرب أهلها ويسهل تناوله من غير تعسف؛ وأن يقدر طرقها وشوارعها حتى لا تضيق؛ وأن يبني جامعاً للصلاة في وسطها ليتعرف على جميع أهلها؛ وأن يقدر أسواقها بحسب كفايتها لينال سكانها حوائجهم عن قرب؛ وأن يميز بين قبائل ساكنيها فيجعل كل قبيلة في حي، دون جمع بين الأضداد من السكان الذين قد يتخاصموا؛ ويجعل خواصه محيطين به في مساكنهم من كل الجهات؛ وأن يحيط المدينة بسور له أبواب ليمنع المعتدين والدخلاء من اقتحامها؛ وأن ينقل إليها من أهل العلم والصنائع بقدر الحاجة لسكانها حتى يستغنوا عن الخروج لغيرها*1

وبعد ذلك بستة قرون جاء ابن الأزرق ليضع شروطاً إضافية لاختيار مواقع المدن والتخطيط لها في كتابه (بدائع السلك في طبائع الملك)*2. فقال: أن ما تجب مراعاته في أوضاع المدن أصلان مهمّان: دفع الأضرار وجلب المنافع. ثم يذكر أن الأضرار نوعان: أرضية (ودفعها بإدارة سياج الأسوار على المدينة، ووضعها في مكان ممتنع على هضبة وعرة من الجبل وإما باستدارة بحر أو نهر بها حتى لا يوصل إليها إلاّ بعد العبور على جسر أو قنطرة فيصعب منالها على العدو ويتضاعف تحصينها) والنوع الثاني من ا لأضرار سماوي ودفعه باختيار المواضع طيبة الهواء لأن ما خبث منه بركوده أو تعفن بمجاورته مياها فاسدة أو منافع متعفنة أو مروجا خبيثة يسرع المرض فيه للحيوان الكائن فيه لا محالة.

ويذكر ابن خلدون في مقدمته نماذج من تلك المدن، فقد وصف (قابس) في تونس بهذا الوصف.

أما المنافع التي تجلبها المدن لسكانها فهي كثيرة منها: الشعور بالأمن والأمان عندما تكون المدينة محصنة وفيها وحولها سكان كثيرون يستطيعون الدفاع عنها وقت الشدة، وحماية المظلوم من الظالم وإنصاف أصحاب الحقوق بتشريع وقضاء عادل وحاكم عادل نزيه لا يحابي الفاسدين بل يضرب على أيديهم بشدة، وتحصيل العلم والمعرفة والكسب الشريف وإفشاء المحبة والصداقة والسلام بين السكان من خلال إشاعة الآداب والفنون التي تلتزم بالأخلاق وهذا كله كانت تحميه عدالة الحكم الإسلامي في فترات طويلة، ويزول بزوال العدالة.

ومن الطبيعي أن تتقدم المعارف والعادات وطرائق البناء والملبس والمأكل الخ، وقد تطور معه فقه المدن. وقد ظهر في الدولة الحفصية فقيه في شؤون المدن كانت تستدعيه الدول المجاورة لوضع قوانين المدن وتنظيم الأسواق وفض الخصومات بين المتخاصمين، وكان يعتمد المذهب المالكي في إعطائه الرأي، وقد وضع كتاباً لا تزال البلديات والمحاكم المدنية تعتمد آراؤه وفتاويه حتى اليوم.

إنه ابن الرامي، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم اللخمي، صاحب كتاب (الإعلان بأحكام البنيان)، وهو كتاب فريد من نوعه أورد فيه ملاحظاته في خصوص القضايا التي تنشب بين الجيران أو المستأجرين وأصحاب البناء والعلاقات بين أصحاب الدكاكين والجوار والمشاكل التي تحدث بينهم، ووضع تلك الملاحظات في مصنف مرموق*3 لا يزال يحتفظ بقيمته رغم مرور سبعة قرون على تأليفه.

كان التنظيم الإسلامي للمدينة يحمي الخصوصية للفرد أولاً ومن ثم يراعي الشريعة ثانياً، فعندما كان يشكو المواطنون من علو المآذن وإمكانية كشف المؤذن عورات الجيران، مُنع من فتح نوافذ في المآذن وتم اختيار المؤذنين العميان ولا زال الكثير من المساجد العراقية تسير على هذا النهج. فكانت قاعدة لا ضرر ولا ضرار هي التي تسير في تنظيم المدن.

مما تقدم، نلحظ أن شخصية المدينة العربية كانت تنطلق من ثوابت مستمدة من الروح الإسلامية وخصوصية المجتمع العربي بمختلف أبعادها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية.

ماذا يمكن أن يفعله المجتمع الآن لاستعادة شخصية المدينة العربية؟

قد يكون السؤال غريباً، أو يكون قد قفز عن أسئلة أخرى تسبقه، مثل: هل فقدت المدينة العربية شخصيتها؟ أم أن السكان راضون بما هم فيه من سكن مختلط في عمارات عالية ذات شقق كثيرة يختلط فيها السكان في المصاعد والسلالم وغيرها، مما يصعب من خلاله المطالبة بالعودة لنموذج قد يستحيل إعادته! وسؤالٌ آخر قد يسبق السؤال الأول: هل يريد الناس فعلاً تمييز مدنهم العربية بمميزات معينة؟ وما هي تلك المميزات؟ وكيف يمكن تحقيقها؟

ما الذي يثير اهتمامنا في أس شخصية المدينة العربية؟

إن أكثر ما نهتم به في إثارة هذا الموضوع هو أنسنة (جعلها إنسانية) المدينة، وهذا تمييز عن الجانب الحيواني الذي تتركز فيه الشهوات والتقاتل لأخذ ما للغير واستحواذه. فإن كانت المتطلبات الفردية للإنسان المتمدن تتمثل في العمل والصحة والسكن والتعليم، فكل يوم تزيد عندنا نسب المتعطلين عن العمل وتزداد مشاكل السكن والصحة والتعليم. وإذا أخرجنا الإنسان من ذاتيته ليصبح مواطناً عموميا (Polis) فهذا يستدعي تحسين وتطوير الجوانب السياسية في التشاور مع المواطنين في شأنهم العام.*4

وقد تكون النشاطات الأيديولوجية عامة بشكلها المعروف، تبحث شؤون بلاد أو شعب، لكنها قفزت عن شؤون المدن التي هي أساس المجتمعات العامة، من هنا لو أصبح لكل مدينة برلمان يحشد ذوي الاختصاص لمناقشة واقع ومستقبل مدنهم، اجتماعيا وأخلاقيا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا، لكان ذلك يسهل على الحكومات وضع خططها العامة، وحتى لا يكون هذا البرلمان عبئاً إضافياً مادياً، ليُبلغ أعضاؤه بأنه لا أجور لهم!

فالحديث عن مدينة في مكان ما سيختلف بكل تأكيد عن مدينة أخرى في مكان آخر، ولا يفهم شؤون أي مدينة إلا أبناؤها..

انتهى






هوامش
*1ـ يعتبر من أوائل من كتب في موضوع المدن وتخطيطها، وهو من أبناء القرن الثالث الهجري. ذكره محمد عبد الستار عثمان في كتاب المدينة الإسلامية في صفحات كثيرة.. والكتاب صادر برقم 128 لسنة 1988.
*2ـ ابن الأزرق/ بدائع السلك في طبائع الملك/ الدار العربية للكتاب/ تحقيق: محمد عبد الكريم (1977) صفحة 765. ممكن الحصول على الكتاب إلكترونياً من موقع دار الوراق؛ أو مكتبة المصطفى الإلكترونية.
*3ـ ابن الرامي/ الإعلان بأحكام البنيان/ تحقيق ودراسة: فريد بن سليمان؛ تقديم: عبد العزيز الدولاتلي/ تونس: مركز النشر الجامعي
*4ـ يمكن الرجوع الى كتاب حاجات الإنسان الأساسية في الوطن العربي/ برنامج الأمم المتحدة للبيئة/ ترجمة عبد السلام رضوان/ الكويت: عالم المعرفة/ تسلسل 150 لسنة 1990.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
 
  . : AL TAMAYOZ : .