نظرات فى كتاب صور من الاعتداء في الدعاء
المؤلف خالد بن عثمان السبت وقد استهل الكلام بأن من الإسلام الطلب من الله فقال :
"أما بعد:
فلا ريب أن اللجوء إلى الله تعالى فطرة فطر الله العباد عليها، وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة، كما أن الدعاء عبادة عظيمة تعد من أجل الطاعات وأفضل القربات، بل عده النبي هو العبادة كما روى ذلك أبو داود وغيره من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه مرفوعا:
"الدعاء هو العبادة، قال ربكم ادعوني أستجب لكم"
والخطأ هو الاستشهاد بالحديث على أن العبادة هى الدعاء أى طلب الأمور كالرزق والصحة من الله بينما الدعاء هنا طاعة أحكام الله
وحدثنا عن الاعتداء فى الدعاء من خلال آية فقال:
"وقد تظافرت النصوص من الكتاب والسنة في طلبه والثناء على أربابه وهذا أمر معلوم لكل أحد إلا أن هذه العبادة الشريفة التي تقرب العبد إلى ربه تبارك وتعالى قد يشوبها ما يجعلها موجبة لمقت الله عز وجل وغضبه. قال الله تعالى ((ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين)) فهذه الآية تضمنت الأمر بالدعاء بالوصفين المذكورين أولا، كما تضمن ما يدل على النهي وذلك في قوله (إنه لا يحب المعتدين) فهذا يدل على النهي عن الاعتداء في الدعاء."
ثم عرف الاعتداء فقال :
وحقيقة الاعتداء: مجاوزة حد ما وقيل: تجاوز الحد في كل شيء.
وقد تقاربت أقوال العلماء في بيان معناه هنا - أي المتعلق بالدعاء - وذلك عند تفسيرهم لقوله تعالى (إنه لا يحب المعتدين) .
فقال ابن جرير رحمه الله: »إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حده الذي حده لبعاده في دعائه وفي غير ذلك من الأمور«.
وقال الطرطوشي: »يعني المجاوزين في الدعاء ما أمروا به«.
وقال القرطبي: »والمعتدي هو المجاوز للحد ومرتكب الحظر«.
وقال ابن القيم بعد أن ذكر بعض أنواع الاعتداء في الدعاء: »فكل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله"
وألآية التى استدل بها وتحدث عن تفسير القوم لها ليست فى الدعاء الطلبى وإنما فى طاعة الله وهو الإصلاح لأن ألاية بعدها تحدثت عن الإصلاح وهو طاعة حكم الله والنهى عن الفساد وهو عصيان حكم الله وهى :
"ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا فى الأرض بعد اصلاحها"
فالاعتداء هنا معناه الكفر وهو عصيان حكم الله لأنه لو كان المقصود به الدعاء ما نهى الله عن الفساد
ودخل السبت لنا على صور الاعتداء فى الدعاء الطلبى فقال :
"ولما كان هذا الأمر - أعني الاعتداء في الدعاء - يكثر وقوعه، رأيت أن الحاجة ماسة للحديث عن هذه الآفة ليحذرها المسلم.
والاعتداء في الدعاء تارة يكون في الأداء والطريقة، وتارة يكون في الألفاظ والمعاني، ويتفرع عن ذلك أمور كثيرة، وسوف أذكر في هذا المقام عشرين نوعا من أنواع الاعتداء التي يدخل تحت كل نوع منها صور كثيرة:
النوع الأول: أن يشتمل الدعاء على شيء من الشرك: وهذا من أسوأ الاعتداء وأشنعه كما لا يخفى لأن الدعاء عبادة لا يجوز صرفه لغير الله عز وجل.
النوع الثاني: أن يطلب نفي ما دل السمع على ثبوته: كأن يدعو لكافر أن لا يعذب أو يخلد في النار، أو يسأل ربه أن لا يبتليه أبدا، أو لا يبعثه، أو أن لا يدخل أحدا من المسلمين النار، أو أن لا تقوم الساعة...، ونحو ذلك.
النوع الثالث: أن يطلب ثبوت ما دل السمع على نفيه كأن يدعو على مؤمن أن يخلده الله في النار، أو يدعو لكافر أن يدخله الله الجنة، أو يدعوا لنفسه أو لغيره - غير النبي -صلى الله عليه وسلم- - أن يكون أول من تنشق عنه الأرض، أو أول من يدخل الجنة.
أو يسأل ربه الخلود إلى يوم القيامة، أو يطلب الاطلاع على الغيب، أو يسأل العصمة من الخطأ والذنوب مطلقا.
النوع الرابع: أن يطلب نفي ما دل العقل على ثبوته.
النوع الخامس: أن يطلب إثبات ما دل العقل على نفيه، كأن يسأل ربه أن يجعله في مكانين في وقت واحد، أو كأن يشهد الحج وفي نفس الوقت يكون مرابطا في الثغور، أو يدعوا على عدوه أن يكون غير موجود ولا معدوم، أو غير حي ولا ميت »أعني الحياة والموت الحقيقية«.
وهذا النوع والذي قبله ذكرتهما تكملة للقسمة في مقام التفصيل والتبيين الذي يغتفر فيه ما لا يغتفر في مقام الإجمال، ولا يخفى ما بين العقل والنقل من الموافقة.
النوع السادس: أن يسأل ما هو من قبيل المحال عادة: كأن يطلب ربه أن يرفع عنه لوازم البشرية بأن يستغنى عن الطعام والشراب، أو النفس،. أو يطلب الولد ولم يتزوج أو يتسرى، أو يسأل الثمر من غير زرع، أو يدعو ربه أن يعطيه جبلا من ذهب، أو يمطر عليه السماء ذهبا وفضة، أو يسأل الطيران دون فعل أسبابه العادية المعروفة، أو النصر على الأعداء (وأن يجعلهم الله غنيمة للمسلمين) ولم يعد لذلك العدة، وكأن يسأل النجاح دون دراسة.
النوع السابع: أن يطلب نفي أمر دل السمع على نفيه، فهذا من قبيل تحصيل الحاصل.
كأن يقول: اللهم لا تهلك هذه الأمة بعامة، ولا تسلط عليها عدوا من سوى أنفسها فيستبيح بيضتها فهذان أمران دعا بهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وأجيبت دعوته وأخبرنا بذلك، فإن دعوت بذلك كان من قبيل ما ذكرت والله أعلم، ومن ذلك أن يدعو ربه أن لا يدخل الكفار الجنة إن ماتوا على كفرهم."
والخطأ فى النوع السابع هو أن هذه الأمة لا يستبيح بيضتها سوى أبناءها وهو ما يخالف أن الله سلط عليها أعدائها أيضا مثلما حدث فى غزوات بدر وأحد والأحزاب وحنين والذى قال فيه :
" ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين"
ثم أكمل بقية أنواع الدعاء الطلبى المحرمة فقال :
النوع الثامن: طلب ثبوت أمر دل السمع على ثبوته، وهذا مثل الذي قبله، لكن يفرق في صور عدة بين الدعاء لمعين وبين الدعاء العام.
"النوع التاسع: أن يعلق الدعاء على المشيئة، قال البخاري في صحيحه: »باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له« وذكر تحته حديثين:
الأول: حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : »إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني، فإنه لا مستكره له والثاني: حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت -، ليعزم المسألة فإنه لا مستكره له .
النوع العاشر: الدعاء على من لا يستحقه. (أي: يظلم في دعائه): أخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: »لا يزال يستجاب للعبد مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم""
والخطأ هو الاستجابة للعيد ما لم يدع بلإثم أو قطيعة رحم وهو ما يخالف أن الاستجابة لا تتوقف على نوعية الدعاء وإنما تتوقف على مشيئة الله المسبقة التى نسميها القضاء والقدر قما قدره الله يقع مهما دعونا وفى هذا قال تعالى :
" قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"
وقال فى توقف الإجابة على مشيئته :
"بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء"
ثم قال :
وقد جاء في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- - كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: »رب أعني ولا تعن علي - إلى أن قال - وانصرني على من بغي علي..«.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: »فقوله: وانصرني على من بغى علي« دعاء عادل لا دعاء معتد يقول: انصرني على عدوى مطلقا.